مفهوم الصدمة النفسية وأعراضها وطرق علاجها

"لا أستطيع العيش من دونه"، "سأنهار نفسياً في حال فقداني أبي"، "لا أستطيع تجاوز صدمة انفصالي عنه، وخيانته لي"، "أنا جسد بلا روح؛ لقد فقدت حيوتي ورونقي من جراء الصدمات المتكررة التي تعرَّضتُ لها"، "أين العدل في الحياة؟



لماذا أصاب بالخيبات، في الوقت الذي يعيش فيه غيري أجمل أيام حياته؟"، "إنَّه عديم الإحساس؛ كيف له أن يتعامل بهذه البساطة مع وفاة والدته؟ ألا ترى كيف يبتسم ويضحك وكأنَّ شيئاً لم يكن"، "أنا في حالة استعداد نفسي لأيِّ صدمة في الحياة، فكل صدمة تحمل في طياتها رسالة لا بدَّ من التمعن فيها".

تتنوَّع ردود أفعالنا تجاه الصدمات التي تلمُّ بنا في حياتنا، فبينما ينهار بعضنا من جراء الصدمات التي حلَّت به، يبدو على بعضنا الآخر الإنكار واللامبالاة، وبينما يواجه بعضنا خيباته بالاحتجاج الشديد والاعتراض، يواجهها بعضنا الآخر بالقبول والوعي والحكمة.

ماذا لو كانت الصدمات في حياتنا، عبارة عن مراحل انتقالية تجعلنا أقوى وأنضج وأكثر حكمة، ماذا لو كان وراء شعور الحزن والقهر، درس عظيم لا نعرف أهميته إلَّا بعد مرور وقت طويل.

كيفية التعامل مع الصدمة النفسية؛ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

ماهي الصدمة النفسية؟

الصدمة النفسية عبارة عن تجربة لم يستطع الإنسان التعلم والاستفادة منها، فتحولت إلى تجربة حزينة ومرهقة، وهي التعامل السطحي للإنسان مع حدث ما، والاسترسال في عيش المشاعر السلبية من دون توقف، وهي الرغبة الكامنة في عيش دور الضحية والمظلوم، وهي محاولة التمسك بالأفكار القديمة، والسلوكات المكررة، من دون محاولة حل المشكلة من الجذور.

تُشخَّص الصدمة النفسية بناءً على مدى قساوة الحدث الذي يهدد أمن الشخص واستقراره النفسي، وعلى مدى شعور الإنسان بالعجز، وغياب القدرة على التفكير والحركة، كأن يتعرض لاغتصاب، أو تحرش جنسي، أو اعتداء إرهابي، أو عملية سرقة، أو موت أحد المقربين.

ماهي مراحل الصدمة النفسية؟

1. المفاجأة:

عندما يستقبل الإنسان الخبر استقبالاً خاطفاً وغير متوقع، فيصيبه في هذه الحالة تبلُّدٌ في المشاعر، ولا يبادر بأي استجابة إيجابية كانت أم سلبية.

2. الإنكار:

قد ينكر كثير من الناس الخبر الصادم الذي تعرضوا له، كأن تنكر المرأة وفاة زوجها إنكاراً قاطعاً، وينكر الابن وفاة أبيه إنكاراً شديداً، وهذه الحالة وسيلة دفاعية لحماية الإنسان من الحزن الشديد والانهيار.

3. الاحتجاج:

ويقع الإنسان في هذه المرحلة في متاهات الاحتجاج، بحيث يبدأ الاعتراض واللوم وتوجيه الاتهامات جزافاً على الكون والناس، كأن يقول: "لماذا أنا يموت والدي، وغيري لا يزال يستمتع بحضن والده؟"، "لماذا أتعرض للخيانات المتكررة من الجنس الآخر، في حين تحصل الفتيات الأخريات على شركاء حياة رائعين؟".

4. الكآبة:

وهنا يدخل الإنسان في حالة من الكآبة والمشاعر السوداوية، فيعيش الحزن في أعمق صوره، وتُعدُّ هذه الحالة إيجابية؛ وذلك لأنَّها مرحلة الاعتراف بالوضع، واختبار مشاعره وحيثياته بصدق وصراحة.

5. القبول:

وهي مرحلة القبول بالأمر، واستنتاج الرسالة الكامنة في داخله، وهي مرحلة الحكمة والنضج والوعي.

شاهد بالفديو: 7 أمور مؤلمة قد تحدث لك في حياتك

هل تختلف استجابات الناس للصدمة؟

تختلف استجابات الناس للصدمات التي تعترض طريق حياتهم، بناءً على السمات الشخصية للشَّخص؛ حيث تزداد حدتها في حال كونه صاحب شخصية قلقة تجنبية على سبيل المثال، أو إن كان من الشخصيات الاعتمادية التي نشأت على أسلوب الدلال، وقد تختلف الاستجابة بناءً على مدى فجائية أو تدرُّج الصدمة، أو بناءً على مدى العلاقة التي تجمع الشخص بالشيء موضوع الصدمة، أو بناءً على وعي الشخص وأفكاره ومعتقداته في الحياة.

ماهي أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؟

قد تظهر هذه الأعراض بعد الصدمة مباشرة، أو قد تظهر بعد حدوث الصدمة بسنوات؛ إذ على سبيل المثال، قد يبني الشخص نظاماً تكيفياً مع الصدمة، فيخلق أسلوباً متكرراً يقوم بفعله إبان كل صدمة يتعرض لها، معتقداً أنَّه الأسلوب الأكثر نجاحاً، غير واعٍ إلى ضرورة معالجة المشكلة من جذورها.

ومن الأمثلة على ذلك: قد يتعرض شخص ما للكذب من قبل أصدقائه، ويختار أسلوب الابتعاد الكلي عن كل شخص كذب عليه، بدلاً من مواجهة الحدث واستنتاج الرسالة الكامنة فيه، كأن يستنتج أنَّ عليه تقبُّل اختلاف الناس عنه، وألَّا يتوقع أنَّ الجميع يشبهونه ويمتلكون ذات القيم التي لديه.

1. الكوابيس المتكررة:

قد تنتاب الشخص كوابيس لها علاقة بالحدث الصادم الذي تعرَّض له، وعادةً هي أسئلة لم يستطع الجهاز العصبي النفسي للشخص الإجابة عنها خلال اليوم، ولم يملك الصلابة النفسية لتقبُّلها والتعامل معها تعاملاً سليماً، كأن يسأل نفسه: "لماذا خسرت أصدقائي المقربين في تلك الحادثة الإرهابية؟"، "لما الحياة غير عادلة معي؟"، "لماذا رأيت والدي يتعذب ويُقتَل على يد ذلك المجرم الخطير؟"، ومن ثمَّ يشاهد الكوابيس المرتبطة بالحدث القاسي الذي تعرَّض له.

2. التجنب:

وهنا يتجنب الإنسان الدخول في أي حديث له علاقة بالحدث القاسي الذي تعرَّض له، كما يتجنب المرور من موقع الحادثة، أو من مواقع مشابهة له.

3. التوتر المستمر والحزن الدائم:

يصاب هذا الشخص بتوتر دائم؛ حيث يُستثار من أصغر موقف يتعرض له خلال يومه، وكأنَّه استهلك كامل طاقته النفسية بالحدث الصادم، حتى بات غير قادر على تحمُّل أي موقف على الإطلاق، ومن جهة أخرى، يخلق الجهاز العصبي منظومة دفاعية لحماية الإنسان من أي خطر محتمل، فيُبقِي الإنسان في حالة استثارة دائمة.

4. مراجعة الحادث:

يعيش هذا الشخص الحادث في خياله عيشاً متكرراً، وكأنَّه يحدث الآن؛ الأمر الذي يصيبه بنوبة من الهلع والفزع المستمر.

5. عدم التركيز:

يصاب الشخص بعدم التركيز، والشرود، والتشتت الدائم، بحيث تقل إنتاجيته وحماسته إلى العمل.

6. الأعراض الانشقاقية:

وهنا يُبعد الشخص الحدث عن ذاكرته تماماً، ولا يعترف به، وكأنَّه يحمي نفسه من الصدمة ومن الحزن الشديد؛ أي إنَّه ينشقُّ عن الواقع تماماً.

إقرأ أيضاً: ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟

علاج الصدمة النفسية:

1. الأمان:

يُنقل المريض إلى مكان آمن بعيداً عن مكان الحادث، بحيث يشعر بالطمأنينة والراحة؛ كأن يبتعد عن مكان الحرب، أو الفيضان.

2. إعادة القصة:

يُطلَب من المريض إعادة سيناريو الحادث عدداً من المرات إلى أن يعتاده، ويفقد تأثيره السلبي في روحه، سيشعر في البداية بنوبات الهلع والحزن والفزع بالتأكيد، إلَّا أنَّها ستخفُّ تدريجياً مع تكرار الحادثة مرات عدة.

3. تمثيل القصة:

يُعاد في هذه الحالة تمثيل القصة من قبل أشخاص مُعيَّنين، بحيث يعيش الشخص المريض القصة من جديد، فيألفها ويحاول إيجاد تفسير جديد لها، ومن ثم يعيد صياغة رؤية جديدة لها.

4. التعبير عن الانفعالات:

على المريض باضطراب ما بعد الصدمة، أن يعبِّر عن مشاعره تعبيراً صادقاً تماماً؛ كأن يدخل إلى غرفته ويُفرِّغ كامل حزنه وغضبه بالبكاء والصراخ، إلى أن يشعر بالهدوء والراحة.

إقرأ أيضاً: كيف تعبر عن مشاعرك بطريقة صحية؟

5. التنفس:

على المريض باضطراب ما بعد الصدمة أن يتعلم تقنيات التنفس الاسترخائي، بحيث يهدأ ويستعيد التفكير العقلاني.

6. القبول:

على المريض أن يتقبَّل المشاعر السلبية التي يشعر بها، ويبتعد عن رفضها؛ بل عليه أن يعيشها، قائلاً لعقله: "لا تقلق، هذه المشاعر طبيعية وسوف تمضي"، "لا تقلق، كل الأمور تسير على ما يرام".

7. الكتابة:

تساعد الكتابة مريض اضطراب ما بعد الصدمة على الاسترخاء؛ كأن يسأل نفسه: "لماذا أشعر بهذا القدر من الحزن والاضطراب؟"، "كيف لي أن أساعد نفسي على الخروج من هذه الأزمة؟"، ثم يبدأ كتابة مخاوفه ومشاعره والحلول التي يراها مناسبة.

8. اليوغا:

تُختَزن المشاعر السلبية في الجسد؛ لذلك يعاني مريض اضطراب ما بعد الصدمة من اضطرابات سلوكية وأرق واضطرابات نوم وعصبية وتوتر، ومن هنا كان عليه أن يحرر الطاقة السلبية المخزنة في جسده عبر ممارسة رياضات مناسبة، كالمشي واليوغا.

9. الخيال:

إن كنت ممَّن فقد عزيزاً على قلبه، تستطيع استحضاره من خلال خيالك، وحضنه، وتقبيله، والشعور بأنَّه معك وبجانبك، ومن ثمَّ ستتلاشى مشاعر الفقدان الرهيبة التي من الممكن أن تشعر بها.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

10. الأفكار:

حينما تبكي فقدان شخص مقرب إلى قلبك، فأنت لا تُقدِّم له فائدة تُذكَر؛ لذا عليك أن تضع نفسك مكانه، وتسأل نفسك: "ما الذي يُسعده في مماته؟"، وحينها ستكتشف أنَّ ما يسعده هو أن تكون سعيداً، وأن تواصل حياتك بطريقة طبيعية، وأن تسعى إلى أن تكون أفضل في كل شيء، وأن تتصدق على روحه، وأن تقوم بفعل الخير دوماً؛ لذا تخلَّى عن أنانيتك ورغبتك في أن يكون معك حتى لا تكون وحيداً، وفكِّر في سعادته وهو في المرحلة الانتقالية؛ أي مرحلة الانتقال إلى الآخرة.

11. التفسير:

ستتمكن بعد تفريغ الطاقة السلبية، من بناء تفسير مختلف للقصة التي كانت تؤرقك، فتغدو صدمة حادثة الاغتصاب، درساً لتعلُّم التسامح والوصول إلى درجات عالية من الروحانية والاتصال مع الله عزَّ وجلَّ، وتغدو تلك الحادثة الإرهابية المؤلمة، درساً لكي تكون أكثر إنسانية مع الآخرين، ولكي تساعدهم وتحنو عليهم، كما ساعدوك في أزمتك.

الخلاصة:

دع قلبك يعبِّر عن مكنوناته، وافتح المجال لعقلك، وتفكيرك المنطقي، وهدوئك، بالظهور والتجلي؛ عندها تستطيع إعادة صياغة قصتك صياغة تناسبك، وعلى النحو الذي يدعمك ولا يحطمك.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة