ما هي العوامل المساعدة لقوة الإرادة؟

قوة الإرادة هي القدرة على تحمل موقف مزعج للسعي إلى تحقيق هدف ما؛ إذ يلجأ الكثيرون إلى هذه القدرة للتخلص من عادة سيئة أو اعتماد روتين أفضل، والفكرة هنا أنَّنا إذا قاومنا رغباتنا غير الملائمة لفترة كافية، فإنَّ هذه الرغبات سوف تختفي.



إنَّها استراتيجية شهيرة؛ ولكنَّها ليست ناجحة بالعادة. فكِّر في كل تلك القرارات الفاشلة التي نتخذها في العام الجديد، فهي تبدأ بآمال كبيرة ونوايا حسنة؛ ولكنَّ أغلبها تنتهي بالهزيمة بحلول شهر شباط/ فبراير.

فالناس كثيراً ما يلومون عيوبهم وإخفاقهم في إصلاحها؛ بسبب الافتقار إلى قوة الإرادة، كما تؤكد الأبحاث على ذلك أيضاً؛ إذ تُعرَف هذه الظاهرة بـ "استنزاف الأنا" (ego depletion)؛ وهذا يفسر لنا لماذا، على الرغم من الحماسة المبكرة، إلَّا أنَّنا نستسلم في النهاية.

لكنَّ الأبحاث الحديثة تتحدى فكرة استنزاف الأنا وتقترح أنَّنا في الواقع قد نضعف إرادتنا بها. وجدت دراسة من "جامعة ستانفورد" (Stanford University) أنَّ الأشخاص الذين يعتقدون أنَّ قوة الإرادة كانت أمراً محدوداً، استسلموا بسهولة أكبر من أولئك الذين لا يؤمنون بهذا الاعتقاد.

من الواضح أنَّنا بحاجة إلى الانضباط والالتزام للوصول إلى أهدافنا؛ إذ تُظهِر الدراسات أنَّ الأطفال الذين يؤخِّرون إشباع رغباتهم، يصبحون أكثر نجاحاً في وقت لاحق من حياتهم، ولكن هل هذه مهارة يمكننا تعلمها؟ وكم من الوقت علينا أن نصمد قبل أن نرى التغيير الذي نتمناه؟

التأثير البيئي:

وبحسب "بنجامين هاردي" (Benjamin Hardy) اختصاصي في علم النفس التنظيمي، لا تكمن المشكلة في إرادتنا فحسب؛ بل في بيئتنا أيضاً وكل العوامل التي تُجبَر إرادتنا على محاربتها، ويبحث في كتابه: "قوة الإرادة لا تنجح: اكتشف المفاتيح الخفية للنجاح" (Willpower Doesn’t Work: Discover the Hidden Keys to Success) في كيفية تشكيل محيطنا لعاداتنا، والقدرة التي نملكها على تشكيل بيئتنا.

يقول "بنجامين": "إذا غيرت مدخلاتك، فيمكنك تغيير مخرجاتك؛ لذا توقف عن فرض الضغط على نفسك وابدأ الانتباه إلى كل شيء حولك".

بطبيعة الحال، من السهل والخطير أن نبالغ في التأكيد على هذا المنظور، فالناس ليسوا بسهولة نتاج بيئتهم؛ إذ يمكن أن يكون للناس من المجتمع نفسه الذين يواجهون الصعوبات نفسها نتائج مختلفة إلى حد كبير في الحياة بسبب تأثير معتقداتهم، وسوف نتطرق إلى ذلك لاحقاً، ولكن في الوقت الحالي، من الهام أن نفهم أنَّنا نستطيع أن نغير ظروفنا التي من شأنها أن تدعم خياراتنا.

نحن نرى أنفسنا كائنات مستقلة؛ ولكنَّ بيئتنا تقولبنا أيضاً في كل لحظة؛ إذ إنَّ وسائل الإعلام التي نتابعها والزمان والمكان اللذين نعيش فيهما والتعليم الذي نتلقاه وكل شخص نتعامل معه، جميعها تؤثر دائماً في قراراتنا.

إنَّ تجاهل تأثير كل هذا والحفاظ على قوة الإرادة أمر عبثي بالنسبة إلى العديد من الناس؛ إذ إنَّ محاولة التغلب على عقبة في خضمِّ الظروف نفسها التي أدت إليها، أشبه بمحاولة دحرجة صخرة صعوداً؛ فمهما تدفع بقوة، سوف تعود لا محالة إلى الوضع الراهن؛ ولكن إذا تمكَّنَّا من التعرُّف إلى العوامل التي تمنعنا عن التحرك، فقد نتمكن من خلق الظروف التي تدفعنا نحو شيء أفضل.

يفهم معالجو الإدمان هذا المفهوم، ففي حين قيل لمدمني المخدرات ذات يوم أن يكونوا أقوياء، فإنَّ التجربة أثبتت أنَّ التعافي يصبح مرجَّحاً أكثر عندما يحولون تركيزهم نحو التغيرات البيئية، وتجنُّب الأشخاص والأماكن التي تشجع على التعاطي، والسعي إلى إنشاء شبكة دعم يساعد على تحميلهم المسؤولية عندما تصبح إرادتهم ضعيفة، ومن ثم الاعتراف للآخرين بأنَّهم يعانون من مشكلة.

ولكن كما يمكن أن يساعد التغير البيئي على شفاء الإدمان، يمكن أن يسببه أيضاً. فكِّر في كل الظروف في عالمنا اليوم التي تفسد إرادتنا، فهل كُنَّا لنُصاب بوباء السمنة لو لم تكن الوجبات السريعة رخيصة ووفيرة؟ أو هل كنا لنجلس كثيراً لو لم يكن لدينا أجهزة تلفاز وحواسيب، وهواتف ذكية لإبقائِنا مشغولين؟

تغيير بيئتنا:

يجب أن نتحمل المسؤولية عن أفعالنا، ولكن ما مدى حرية إرادتنا؟ عندما تتأمل في تأثير التأثيرات الخارجية، يغريك أن تنعزل كلياً عن العالم، ولكن توجد طريقة عملية أكثر وهي أن تكون أكثر انتباهاً إلى اختياراتك.

لا يمكنك تغيير كل شيء في بيئتك، ولكن لديك القدرة على تغيير أكثر مما قد تدرك، فتخلص من الأشياء التي لا تحتاج إليها، وأَبقِ هاتفك بعيداً عن متناول يدك، ومن ثم أطفئ التلفاز؛ إذ إنَّ القائمة طويلة؛ ولكنَّ المفهوم سهل.

يقول "بنجامين": "تخلص من المشتِّتات، فهي أعشاب ضارة تعبث بحديقة عقلك"؛ والتخلص من المشتتات يتطلب المثابرة، فلماذا نهدر إرادتنا الثمينة على هموم صغيرة كهذه؟ لأنَّ القليل من الجهد قد يؤتي ثماره، وإذا تمكَّنَّا من القضاء على جميع العوامل التي يمكن السيطرة عليها، والتي تعمل ضدنا، فستكون لدينا فرصة أفضل في مواجهة العقبات التي قد تكون خارج سيطرتنا.

لقد واجه الناس صعوبة دائماً في التخلص من المشتتات؛ إذ عندما تصبح الحياة صعبة، تُحيط بنا أنواع كثيرة من المشتتات، فهذه الملذات الحسية الصغيرة هي هاجس كبير في الثقافة الحديثة وتظهر من خلالها إشارات كيميائية إدمانية مماثلة لتعاطي المخدرات.

كان الناس في السابق يُضحون بالمتعة اللحظية مقابل تحقيق مستقبل أفضل؛ ولكنَّنا فقدنا منذ فترة طويلة إحساسنا بالسيطرة على الاندفاعية.

وفقاً لـ "كارين كوينغ" (Karen R. Koenig)، المؤلفة والمعالجة النفسية المتخصصة في اضطرابات الأكل، تتدهور هذه القدرة منذ أجيال، فتقول: "لا يملك الكثير من الآباء القدرة على الشعور بالرضى؛ لذلك لا يستطيعون تعليم أولادهم ذلك".

وتدعو "كارين" إلى تعلم مهارات حياتية مفقودة أخرى قادرة على المساعدة على تعزيز دوافعنا وسد الفراغ الذي نملؤه الآن بالملذات الآنية، وبدلاً من الاعتماد على قوة الإرادة للتغلب على الأمور السيئة، تقول إنَّه لا بدَّ من تقبُّل الأشياء الجيدة بقوة، فتعلَّم كيف تتحكم بمشاعرك وتحافظ على علاقاتك وتوازن بين العمل والتسلية.

تقول: "نحن ننجح عندما نركز فيما أنجزناه، لا فيما لم ننجزه أو ما بقي لنا من عمل، فهذه العقلية تؤدي إلى النجاح ولا حاجة إلى قوة الإرادة".

إقرأ أيضاً: ما هي مهارات التكيف؟ وكيف تطورها؟

الوضوح والهدف:

أيَّة ثقافة لديها قانون أخلاقي، لديها مفهوم ضبط النفس؛ إذ إنَّ قوة الإرادة تشبهها ولكن ليست هي نفسها، فهي آلية أكثر من كونها صفة شخصية.

يتتبع الباحث البارز في قوة الإرادة وعالم النفس "روي باوميستر" (Roy Baumeister) فكرة قوة الإرادة إلى العصر الفيكتوري؛ وهو الوقت الذي بدأت فيه القيم التقليدية تفسح المجال للتأثير المتزايد للعلوم والصناعة.

في كتابه "قوة الإرادة: إعادة اكتشاف أعظم قوة إنسانية" (Willpower: Rediscovering the Greatest Human Strength)؛ يشرح روي أنَّ الفيكتوريين كانوا قلقين من الانحلال الأخلاقي الذي شهدوه في المجتمع؛ لذلك سعوا إلى قوة ملموسة يمكن أن تحمي الجميع، وبدؤوا استعمال مصطلح "قوة الإرادة" بسبب المفهوم الشعبي الذي ينطوي على نوع من القوة".

جميعنا لدينا شعور بقوة الإرادة، ولكن لماذا يبدو أنَّ بعض الناس يمتلكون هذه القوة أكثر بكثير من غيرهم؟ وقد لا يكمن الفارق في مقدار القوة؛ بل في الشعور القوي بالهدف.

من السهل تخيل هدف ما ولكن وفقا لكوتش القيادة "ليزا سانسوم" (Lisa Sansom)، نحن بحاجة إلى النظر في سبب وضع الهدف إذا كان في إمكاننا أن نأمل في تحقيقه.

سألت "ليزا": "ما الهام حول فقدان 20 باونداً، أو حول وجود غرفة نوم منظمة أو حول اتباع نظام غذائي نباتي أو أي كان الهدف؟ فعندما نعرف قيمنا ودوافعنا، يمكن أن يربطنا ذلك بشكل أعمق بالهدف". إذا كانت إرادتك ضعيفة، ففكِّر في مصدر دافعك؛ فإذا كان سبب إقلاعك عن التدخين هو مجرد حث شريك حياتك أو طبيبك على التوقف عن إزعاجك، فمن الصعب عندئذ حشد قوة الإرادة اللازمة لبلوغ الهدف.

ولكن إذا كان دافعك شخصياً؛ وهو التمتع بصحة أفضل، فتقول ليزا إنَّه من المرجح أن تتمكن من المضي قدماً بطريقة ثابتة أكثر.

شاهد بالفديو: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

الروتين الصباحي:

نصيحة "بنجامين" لتحسين الشعور بالهدف هي تبنِّي روتين صباحي، فالصباح بالنسبة إلى العديد منا قد يكون وقتاً بائساً، وإرغام أنفسنا على النهوض من السرير قبل نصف ساعة من أجل روتين أفضل يتطلب قدراً كبيراً من الجهد.

لكنَّ "بنجامين" يعتقد أنَّ الصباح فرصة ثمينة، فهي تمنحنا مجالاً لالتقاط أنفاسنا، قبل أن تتاح للمؤثرات الخارجية الفرصة للتدخل وتسمح لنا بتبنِّي عقلية جديدة.

ويقول "بنجامين": "إنَّ الروتين الصباحي هام للنجاح؛ لأنَّه وفقاً لعلم النفس فإنَّ كيفية بدء شيء ما هي عموماً طريقة إنهائه نفسها، فإذا بدأت صباحك بعدم فعل ما قلت إنَّك ستفعله، فعندئذ لن تكون لديك الثقة خلال بقية يومك لفعله".

يقوم روتين "بنجامين" الصباحي على نشاطين: التأمل وكتابة اليوميات؛ إذ يمنحنا التأمل ذهناًَ صافياً، وتتيح لنا كتابة اليوميات صقل أهدافنا واستكشاف الدافع وراءها، فهي معاً توفر شعوراً بالهدف الذي يمكن أن يقوي إرادتنا لبقية اليوم.

فالناس الذين يعتمدون على آلية قوة الإرادة وحدها لتحقيق أهدافهم، وكثيراً ما يقعون فريسة عقلية "كل شيء أو لا شيء"، وإذا تعثروا، فيستسلمون؛ وذلك لأنَّ استراتيجيتهم هشة وفقط الكمال هو الذي سيفي بالغرض. ولكن في إمكان الذين يقودهم هدف واضح أن يروا الصورة الكاملة للأمور، فبالنسبة إليهم، الإخفاق هو مجرد عثرة في الطريق.

يقول "بنجامين": "أنت تتغلب على الإخفاقات من خلال معاودة التواصل بأعمق سبب يدفعك باستمرار؛ إذ يتعيَّن عليك الاستمرار في التحرك؛ لأنَّه مع الانتصارات الصغيرة تأتي الثقة".

المصدر




مقالات مرتبطة