ما هي الاستدامة المؤسساتية وما هي أهميتها؟

سنشرح في هذا المقال ما الذي تعنيه الاستدامة المؤسساتية، وسبب أهميتها بالنسبة إلى كوكبنا وشركتك؛ فهي إحدى أهم المسائل في العالم حالياً، ففي وجه الكارثة المناخية يبحث البشر عن طرائق لتخفيف أثرنا السلبي في البيئة، لكنَّ إحداث تغيير واستخدام تقنيات الاستدامة لا يفيد الأفراد الواعين بيئياً فقط؛ بل يجب أن تحذو الشركات حذوهم ويجعلوا الكوكب أولويتهم.



وسوف نناقش في هذا المقال ما الذي تعنيه الاستدامة المؤسساتية، إضافةً إلى تعريف الاستدامة، ونستكشف سبب أهميتها ونقترح دليلاً لمساعدتك على وضع خطة استدامة مؤسساتية لشركتك.

وسوف نناقش في هذا المقال ما الذي تعنيه الاستدامة المؤسساتية، إضافةً إلى تعريف الاستدامة، ونستكشف سبب أهميتها ونقترح دليلاً لمساعدتك على وضع خطة استدامة مؤسساتية لشركتك.

ما هي الاستدامة المؤسساتية؟

الاستدامة المؤسساتية (corporate sustainability) هي الاستراتيجية التي تتَّبعها الشركة لتسليم منتجاتها وخدماتها بطريقة مستدامة بيئياً وتدعم نموها الاقتصادي في الوقت نفسه، بحيث تدعم النمو طويل الأمد عبر الأساليب المستدامة عوضاً عن التركيز على الربح المادي قصير الأمد، وقد وُلِدَت هذه الفكرة من مفهوم التطوير المستدام، والذي يعني النمو والتطوير الذي يُلبِّي حاجات العصر دون التأثير سلباً في الموارد الطبيعية التي ستعتمد عليها الأجيال القادمة.

لذا عند تطبيق استراتيجية الاستدامة المؤسساتية يجب أن تلتزم شركتك باستخدام الموارد الطبيعة بمسؤولية، والاستثمار في سلامة الكوكب طويلة الأمد وضمان معاملة كل من هو جزء من عمليات شركتك بإنصاف.

الاستدامة:

أهم عنصر في استراتيجية استدامة الشركة هو الاستدامة، وهي تعني دعم الشيء والمساعدة في الحفاظ عليه، ويشير مصطلح الاستدامة إلى نهج الحفاظ على الحياة ودعم كوكبنا.

وفي التطبيق العملي يعني ذلك التصرف بطريقة تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية للأرض مع الاستمرار في تلبية الاحتياجات الحالية اليوم، وعند الحديث عن الاستدامة فإنَّ المسألة لا تقتصر على القضايا البيئية طبعاً.

ويمكن تقسيم مسألة الاستدامة إلى ثلاثة جوانب، تُسمَّى غالباً الركائز الثلاث للاستدامة؛ وهي الاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الوضع المثالي، تأخذ الشركات المهتمة بالاستدامة هذه الركائز جميعها في الحسبان في أثناء وضع خطة استدامة.

الاستدامة المؤسساتية والمسؤولية الاجتماعية المؤسساتية:

يكثر استخدام هذين المصطلحين في سياق الحديث عن أخلاقيات العمل، وعلى الرغم من أنَّهما يبدوان متشابهان إلا أنَّهما مختلفان تماماً؛ إذ تندرج الاستدامة المؤسساتية (corporate sustainability) تحت مصطلح "المسؤولية الاجتماعية المؤسساتية" (corporate social responsibility).

تشير الاستدامة المؤسساتية إلى الاستراتيجية أو الخطة التي يتم تُنفَّذ لتحقيق أهداف الشركة بطريقة صديقة للبيئة، بينما المسؤولية الاجتماعية المؤسساتية هي المصطلح الأوسع، وهي نوع من أساليب التنظيم الذاتي ضمن خطط الشركات لضمان بذلها جهدها كله لتترك نشاطاتها أثراً إيجابياً، ويركز غالباً على ما حققَته جهود الشركة بالفعل تجاه الاستدامة، بينما تدور الاستدامة المؤسساتية حول ما يمكن فعله في المستقبل.

شاهد بالفديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه

سبب أهمية الاستدامة المؤسساتية:

قد يكون من الصعب تخيُّل التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه القيم على نطاق أوسع؛ لذا سنستعرض أهمية الاستدامة المؤسساتية في 4 نقاط:

1. الفوائد البيئية:

هناك العديد من القضايا البيئية التي يجب علينا حلها كي نحمي كوكبنا ونحفظه للأجيال القادمة، ويمكن تحقيق ذلك فقط إذا ساهم الجميع وأدى كل فرد دوره؛ إذ يمكن للجهود الجماعية للأفراد والشركات في جميع أنحاء العالم تقليل التهديدات المؤذية وحماية الأرض؛ حيث ينطوي مفهوم الاستدامة على فهم أنَّ موارد الأرض محدودة، ويهدف إلى تجنب استنزافها، وحين نجمع جهود الشركات والأفراد الواعين بيئياً، سوف نتمكن من حماية تلك الموارد للأجيال القادمة، فلنلقِ نظرةً على بعض أهم المشكلات البيئية التي يواجهها كوكبنا، مثل:

  • التغير المناخي: تغيُّر المناخ هو التغيُّر طويل الأمد في متوسط درجة الحرارة وظروف الطقس الذي يحصل خلال فترة زمنية طويلة، وأحد أشكاله هو الاحتباس الحراري العالمي، وهو للأسف ناتج عن سلوك الإنسان؛ إذ إنَّ الغازات الدفيئة هي المسؤول الرئيس عن ارتفاع درجة حرارة كوكبنا، وتشمل آثار ارتفاع درجات الحرارة ذوبان جليد القطب وارتفاع مستوى سطح البحر؛ مما له آثار سلبية هائلة في الحياة البرية.
  • التلوث: والمقصود هنا هو استخدام المواد الضارة أو السامة في البيئة الطبيعية، وله أشكال مختلفة تشمل تلوث الهواء وتلوث التربة وتلوث المياه، وحين تتلوث البيئة الطبيعية؛ تصبح ضارةً لجميع الكائنات التي تعيش فيها، على سبيل المثال: يمكن أن يكون تلوث الهواء خطيراً؛ ذلك لأنَّه قد يعوق تنفُّس البشر والكائنات الأخرى، وقد يؤذي تلوث التربة الحياة البرية عند ابتلاع الحيوانات للمواد الضارة.
  • فقدان التنوع البيولوجي: يُعَدُّ التنوع البيولوجي والكائنات التي تتجمع لتشكيل أنظمة بيئية متنوعة بيولوجياً ضروريةً لبقاء الكوكب، ويعني تنوعاً في جميع أنواع الكائنات الحية على الأرض، من الحيوانات إلى الكائنات الحية الدقيقة والبيئة التي يتعايشون فيها معاً، لكنَّ تدخُّل البشر في الطبيعة يُعرِّض التنوع البيولوجي في كوكبنا للخطر.

فقد أدت تصرفات البشر مثل إزالة الغابات والتلوث البلاستيكي إلى تضاؤل أعداد أنواع الكائنات، وهناك العديد من المسائل التي يجب معالجتها فيما يتعلق بحماية الكوكب؛ لذا فإنَّ تأدية دورك وإعطاء الأولوية للاستدامة المؤسساتية قد يؤثر إلى حد كبير في مصير الأرض.

2. الفوائد التجارية:

يجب أن يكون الهدف الرئيس دائماً حماية البيئة وتقليل البصمة الكربونية لشركتك، ويجب أن يترافق هذا الوعي البيئي مع نجاح الشركة ونموها الاقتصادي.

3. المستثمرون:

مع تزايد الوعي حول موضوع الاستدامة، تزداد جاذبية الشركات المهتمة بها للمستثمرين المحتملين؛ لذا حين تضيف عناصر استدامة إلى استراتيجية شركتك، ستتمكن من جذب مستثمرين جدد لتمويل مشاريعك التجارية، وعند أخذ كل ذلك في الحسبان، فمن المنطقي أن يزيد السعي إلى ترك تأثير اجتماعي وبيئي إيجابي فرصَ الاستثمار في شركتك وأن يعزز نموك الاقتصادي، وأحد أنواع الاستثمارات البارزة حالياً هي "الاستثمار المؤثر" (Impact investing)، هو الاستثمار المراعي للتأثير البيئي الإيجابي، إضافةً إلى الاستثمار لجني المكاسب المالية.

4. الزبائن:

لعلَّ أهم جانب بالنسبة إليك هو رغبات وحاجات زبائنك، ويهتم معظم الناس بمصلحة كوكبنا؛ لذا قد يحدد موقف شركتك من الاستدامة قرار الشخص في استخدام منتجاتها وخدماتها أم لا، ولهذا سيجذب الالتزام باتباع استراتيجية صديقة للبيئة لتحقيق أهداف شركتك الزبائنَ ويُظهِر لهم أنَّ شركتك تهتم بالكوكب، وبهذا ستكسب ثقتهم.

إذا لم يتفق شخص ما مع أخلاقيات وممارسات شركتك، فقد تخسره كزبون تماماً، وفي الواقع، كشف استطلاع حديث أنَّ 75% من جيل الألفية مستعدون لإنفاق المزيد من المال على المنتج إذا كان مستداماً بيئياً، ووجدَت الدراسة نفسها أنَّ 77% من الأمريكيين قلقون بشأن التأثير البيئي للمنتجات التي يشترونها، ومن الواضح مما سبق أنَّ الاستدامة مرغوبة بين الزبائن؛ لذا فإنَّ اتِّباع خطة استدامة مؤسساتية مفيد لكوكب الأرض، ولجاذبية منتجاتك وخدماتك.

إقرأ أيضاً: 5 آثار إيجابية للالتزام بمبادئ التنمية المستدامة على عملك

أمثلة عن الاستدامة المؤسساتية:

تُجري العديد من الشركات بالفعل تغييرات هائلة مفيدة على مبادراتها وقيمها، حتى إنَّ الكثير من الشركات أنشأَت علامتها التجارية بالكامل حول مفهوم الاستدامة، وازدهرَت نتيجةً لذلك، وسوف نذكر هنا 3 شركات مدهشة تؤدي واجبها وتتبع خطط استدامة قوية:

1. شركة "كورن" (Quorn):

تُوفر شركة الصناعات الغذائية "كورن" (Quorn) بديلاً نباتياً للحوم كخيار مستدام؛ إذ إنَّ أعمال الزراعة هي إحدى أكبر المساهمين في تغيُّر المناخ والتلوث، ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (Organisation for Economic Co-operation and Development) تطلق الشركات الزراعية نسبة 17% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المسببة للتغير المناخي.

إضافةً إلى العمل على حل المشكلات الزراعية، حددَت شركة "كورن" (Quorn) مجموعةً من أهداف الاستدامة الكبيرة، والتي تشمل عدم إطلاق عملياتها انبعاثات كربونية على الإطلاق بحلول عام 2030، وتحقيق الهدف ذاته على مستوى كامل سلسلة التوريد التابعة لها بحلول عام 2050.

2. شركة "ليغو" (Lego):

تصنع شركة "ليغو" (Lego) مكعبات اللعب للأطفال والكبار منذ عام 1962، وبما أنَّ الشركة قائمة على بيع المنتجات البلاستيكية، فقد يفاجئك معرفة أنَّها حققَت إنجازات وتقدُّمات كبيرة في مجال الاستدامة وأنَّها ملتزمة بمجموعة رائعة من أهداف الاستدامة؛ حيث أجرت شركة "ليغو" (Lego) بالفعل تحسينات رائعة.

على سبيل المثال: تتبرع الشركة لمزارع الرياح البحرية، وتُطوِّر خططاً لتصنيع مكعبات مستدامة، وتعمل على تحسين كفاءة المكعبات من حيث الطاقة لتصل إلى 12% لكل مكعب.

تشمل أهداف الاستدامة الحالية للشركة تصنيع جميع منتجاتها الأساسية من مواد مستدامة بحلول عام 2030، وتهدف إلى إرسال 0% من منتجاتها إلى مكبات النفايات بحلول عام 2025، كما تسعى الشركة إلى تطبيق خطط "إعادة اللعب" بحيث يستطيع الزبائن التبرع بمكعباتهم المستعملة للأطفال المحتاجين عوضاً عن التخلص منها عبر رميها كنفايات.

3. شركة "مايكروسوفت" (Microsoft):

تشتهر شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) بكونها مصدر مجموعة واسعة من أجهزة الكمبيوتر وبرامج الكمبيوتر، وهي شركة تقنية متعددة الجنسيات قطعَت خطوات كبيرة في مجال الاستدامة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تجنُّب التخلص من أكثر من 60 ألف طن متري من المواد في مكبات النفايات، وتمويل 20 مشروعاً مختلفاً لتجديد المياه في عام 2020.

تشمل أهداف الاستدامة الحالية لشركة "مايكروسوفت" (Microsoft) أن تصبح بصمتها الكربونية سلبية وعدم إنتاج نفايات على الإطلاق بحلول عام 2030، وبناء "حاسوب كوني" (planetary computer) وهي منصة حوسبة ثورية ستستخدم البيانات البيئية العالمية والذكاء الاصطناعي لتقديم معلومات عملية عن أفكار الاستدامة.

إقرأ أيضاً: تحقيق الاستدامة من خلال تطوير الموظفين

كيف تضع استراتيجية استدامة مؤسساتية؟

الآن بعد أن عرفتَ مقدار أهمية الاستدامة المؤسساتية، حان الوقت لوضع خطة لها والعمل على تطبيقها داخل شركتك، وكما ذكرنا آنفاً، هناك ثلاثة جوانب للاستدامة، ويجب التعامل معها جميعها لوضع خطة استدامة مؤسساتية ناجحة؛ لذا دعنا نلقي نظرةً على الأمور التي يجب مراعاتها عند محاولة تلبية كل منها.

الاستدامة البيئية:

تُمثل القضايا البيئية مشكلةً كبيرة بالنسبة إلى كوكب الأرض حالياً، ولمعالجتها يجب أن تضع خططاً تُقلل من نفايات التغليف وانبعاثات الكربون واستخدام المياه، وخير مثال على ذلك هو وصول شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) إلى نسبة صفرية في صافي استهلاك الماء في أحد مبانيها في منطقة "وادي السيليكون" (Silicon Valley).

يجب أن تهدف إلى إجراء هذه التغييرات في جميع مراحل سلسلة التوريد وليس فقط ضمن مبنى شركتك، وأفضل طريقة لتبيِّن لزبائنك أنَّك ملتزم بالتغيير هي تحديد الرقم أو النسبة المئوية التي ستحققها شركتك، ولعلَّ أفضل طريقة لبدء العمل نحو الاستدامة هي توسيع معلوماتك عن الاستدامة وفهم تأثيرها المحتمل على نحو أفضل.

الاستدامة الاجتماعية:

الركيزة الاجتماعية للاستدامة هي تأثير شركتك في الناس، بما في ذلك الموظفين والزبائن والمجتمعات المحلية؛ إذ ستأخذ الشركة المهتمة بالاستدامة الاجتماعية في الحسبان تكافؤ الفرص والتنوع وحقوق الإنسان والعمل الأخلاقي، وللحرص على أنَّ شركتك تلبي احتياجات الاستدامة الاجتماعية، يمكنك أن تسعى إلى تقديم فرص متكافئة عبر تحديد نسبة معيَّنة لكل جنس بين موظفيك، وضمان تلقِّي جميع المشاركين في سلسلة التوريد على أجر عادل.

تعمل شركة "بين آند جيريز" (Ben & Jerry’s) بجد لتحقيق الاستدامة الاجتماعية عبر المساهمة في المجتمع؛ حيث يتضمن ذلك برنامج تبرُّع يسمح للموظفين بدعم المنظمات المحلية داخل المجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها، كما تمنح الشركة الموظفين عطلة كل عام للعمل معاً على إصلاح وتنظيف وبناء وتحديث الأشياء التي من شأنها تحسين نوعية الحياة المحلية من خلال مشاريع مجتمعية واسعة النطاق.

الاستدامة الاقتصادية:

يركز هذا الجانب على تحقيق النمو الاقتصادي بطريقة لا تترك آثاراً ثقافية واجتماعية وبيئية سلبية، ويتم ذلك عبر تقليل أو التوقف عن استخدام الموارد المحدودة داخل شركتك، والالتزام بالتعامل بشفافية مع العامة، وستزيد الاستراتيجية الاقتصادية المثالية الإيرادات إضافةً إلى تخفيف البصمة الكربونية في الوقت نفسه.

وإحدى خطط العمل الرائعة لمعالجة الاستدامة الاقتصادية هي الانتقال على الفور من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، أو يمكن فعل ذلك تدريجياً إذا كان أفضل من الناحية الاقتصادية بالنسبة إلى شركتك، وبمجرد الانتهاء من إجراء البحث وتحديد القيم الهامة بالنسبة إلى شركتك، يمكنك وضع قائمة بالأهداف التي تعالج كل جانب من جوانب الاستدامة، وتذكَّر، يجب أن تكون أهدافك قابلةً للتحقيق وأن تعالج المشكلات التي تُهِمُّ شركتك.

في الختام:

من الهام جداً حماية كوكبنا للأجيال القادمة، والاستدامة المؤسساتية أمر لا بُدَّ منه لتنمية شركات ناجحة تُعنى بحماية كوكب الأرض؛ لذا نأمل أن يكون هذا المقال طوَّر فهمك لما يعنيه اهتمام الشركة بالاستدامة، وزوَّدك ببعض الأفكار لتطبيق ممارسات الاستدامة في شركتك.

المصدر




مقالات مرتبطة