لكن خلال فترة انتقال شركاتهم وتوسعها إلى أعمال تضم المئات من الموظفين، قد يُفقَد حسُّ التعاون وتُنسَى رسالتهم، أو يتحوَّران تحت ضغط العمل وزيادة أعداد الموظفين وقلة الوقت، وحين يختفي التواصل الفعَّال، تتطور ثقافة الشركة من تلقاء نفسها، ولا يؤدي ذلك إلى نتائج حسنة دائماً.
هذه ليست بمشكلة بسيطة؛ فثقافة الشركة هي انعكاس لقيمها ومواقفها؛ حيث تجذب ثقافة الشركة المواهب، وتؤثِّر في رضا العملاء، وتعزز أداء الموظفين؛ إضافة إلى علاقتها المباشرة بمعدَّل الاحتفاظ بالزبائن والموظفين، كما أنَّها واحدة من أهم العوامل التي يبحث عنها المستثمرون قبل أن يقرروا أين سيستثمرون أموالهم.
وينطبق هذا الأمر خصوصاً على فترات الاضطرابات مثل جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي والتغيرات الأخرى التي تمرُّ بها الأعمال، فيجب أن تكون الثقافة ضمن أولوياتك في أثناء مراجعة فرص الاستثمارات المحتملة؛ لذا إليك فيما يلي خمس خصائص تدلُّ على ثقافة قويَّة يجب أن تبحث عنها، وقد تفكر في الانسحاب حين لا تعثر عليها:
1. بدء التعاون من أعلى الهرم:
قد تتراجع شركتك عن الاستثمار قبل أسبوع من التمويل؛ إذ لا تكمن المشكلة في صعوبة إجراء المفاوضات؛ لأنَّ ذلك أمر متوقع؛ بل حين تصلك تغذية راجعة من شركاء العمل والمتعهدين تحذِّرك بأنَّ مؤسس الشركة شخص عنيد ويصعب التعامل معه، وقد تتجاهل ذلك في البداية، لكن عندما تواجه هذه الصفات بنفسك خلال اجتماعات التنسيق التي تسبق الاستثمار، لن تتمكن من تجاهلها بعد ذلك.
تتلاشى فرص النجاح حين تنعدم ثقافة التعاون القوية؛ لذا عليك أن تبحث عن علامات التعاون منذ أول محادثة وأن تثق بحدسك حين لا تجدها؛ كما يمكنك أن تطرح الأسئلة التالية لتتأكد من الوضع: هل القادة حاضرون ومُتاحون وخاضعون للمساءلة؟ وهل يدعمون ويقدِّرون ويمكِّنون موظفيهم؟
2. فرض السلوك المهني على الجميع:
عليك أن تفتش منذ البداية عن دلائل تشير إلى استعداد القادة لتغيير سلوكهم وطريقة تعاملهم، حتى لو كانت تصرفاتهم مقبولة ونجحت من قبل، مثال على ذلك، لنفترض أنَّك تستثمر في شركة يقودها مديران تنفيذيان مختلفا الطباع؛ فالأول شخص لبق ومحترم ويصلح ليكون شريكك في العمل؛ بينما الثاني شخص صارم وصعب المراس، ومعاً يشكلان وحدةً نجحت في إدارة الشركة في أيام انطلاقتها.
ولكن إذا لم يلِن جانبه القاسي ذاك مع نمو الشركة، ستنتشر الفوضى والسمِّية في بيئة العمل، ولن تتمكن من الاستمرار في شراكتك معهم إلا إذا تخلَّت الشركة عنه؛ حيث إنَّ خوض عالم الأعمال خطير بما فيه الكفاية دون الحاجة إلى القلق بشأن المشكلات الداخلية، ويجب أن يتصرف جميع الموظفين، ومن بينهم القادة، بطريقة مهنية، وأفضل خيار لذلك هو أن تُحدِّد الشركة قواعد ومعايير السلوك كجزء من بيان ثقافة الشركة.
شاهد بالفيديو: 4 أمور عليك فعلها حتى تكون قائداً حقيقياً وتثير تفاعل الفريق
3. تحديد الأهداف:
تكون المشكلات المرتبطة بثقافة الشركة مستترة في بعض الأحيان، لمجرد أنَّ شخصاً حسن النِّية لم يبذل الوقت الكافي لخلق هدف مُلهم ومحفِّزٍ للنمو، وحين تسأل فريق إدارة الشركة عن أهمِّ نقطة بالنسبة إلى شركتهم، ويقدِّم لك كلٌّ منهم إجابة مختلفة؛ يعني ذلك أنَّ الشركة لم تضع بعد خارطة لأهدافها ولو بأبسط أشكالها، فيختار كلُّ مدير أولوياته لوحده ويتجه نحو هدف مختلف.
من ناحية أخرى، تَنشأ الثقافة الهادفة حين يشارك الموظفون والقادة معاً في بنائها، ويتعاونون للحفاظ على هدف وأولويات الشركة.
4. تقبُّل التغيير:
تتطلب الشركات تركيزاً دائماً وإعادة توجيه، وهو أمر طبيعي تماماً؛ بل تقوم الشركات الناجحة بذلك بانتظام، وكلَّما زادت شفافية هذه العملية، كان ذلك أفضل.
هناك مديرون تنفيذيون يتفقَّدون موقع "غلاس دوور" (Glassdoor) أسبوعياً، ثم يعملون على تحسين استراتيجية الإدارة وفقاً لتلك التغذية الراجعة، وستصادف مؤسسي شركات مندفعين ومتفكِّرين ويهتمون بعمق بلمِّ شمل الموظفين، كما أنَّهم يعملون بصدق تجاه هذه الأهداف؛ وحين تتوسع شركاتهم، تكون أكبر مصادر شكوى الموظفين انخفاض الوقت الذي يقضونه في حضورهم.
التغيير والشفافية ليسا صعبين بالضرورة، ويمكن أن يبدأ الأمر بأفكار بسيطة مثل تمكين الموظفين الذين يشغلون المواقع في المستويات الدنيا، والذين يعملون مع الزبائن عملاً مباشراً؛ بمعنى آخر، حين يكون الزبون غير راضٍ، امنح هؤلاء الموظفين السلطة لاستدراك الموقف على الفور، وبهذه الطريقة توفِّر الوقت وعناء انتقال المشكلة عبر قنوات الشركة، كما تمكِّن موظفيك، ويخرج الزبون سعيداً ويشعر أنَّ شركتك تسعى إلى تقديم أفضل خدمة في جميع النواحي وعلى كافة المستويات.
5. تحديد هدف اجتماعي:
وأخيراً، يجب أن تبحث عن مؤسسٍ يسعى إلى تحقيق أمور أكبر من مجرد الربح المادي؛ فالتنوع والشمول ضروريان حتماً، وفي أثناء نشوء الشركات، عادة ما يميل المؤسسون إلى توظيف ذوي الشخصيات والخلفيات المشابهة لهم؛ لكن حين تبدأ الشركة بالنمو، ستتطلب مهارات متنوعة، ومنظوراً أوسع وإزالة نقاط القصور التي نجمت عن التشابه في الشخصيات؛ كما يجب أن تدعم الشركة رسالة اجتماعية راقية.
إذ يكون الموظفون أكثر اندماجاً وأعلى إنتاجية ومستعدون لبذل المزيد من الجهد حين يؤمنون بهدف أسمى؛ حيث تُظهر بيانات وفيرة أنَّ الزبائن ينفقون المزيد من المال ويبدون ولاءً أقوى للشركات التي تهدف إلى تحقيق أكثر من مجرد الربح، كما أظهرت دراسة أجرتها شركة "آي بي إم" (IBM) أنَّ 87% من المستهلكين يأخذون في الحسبان، إلى درجة ما، سلوك الشركة الاجتماعي قبل شراء منتجاتها.
عليك أن تحترم المؤسسين الشغوفين الذين يبذلون قصارى جهدهم للارتقاء بشركتهم، لكن قبل أن تعمل معهم، تأكَّد أنَّهم حققوا التنمية مع نمو شركاتهم لتقدير التعاون ووجهات النظر الجديدة ورؤية فوائد التغيير والحاجة الملحَّة للرسالة الاجتماعية.
أضف تعليقاً