ما هو الفرق بين التربية المشتركة والتربية المنفصلة؟

يعلم جميع الآباء أنَّ تربية الأطفال هي من أصعب المهام في العالم؛ ذلك لأنَّهم يتعاملون مع بشر ما زالوا يكتشفون العالم، ويمتلكون مشاعر ورغبات وإرادات خاصة بهم.



إذا كان لديك أطفال، فمن الجيد أن يكون لديك شريك يقف بجانبك لمواجهة هذه المهمة الصعبة؛ حيث سيدعم كلٌّ منكما الآخر وستتخذان قراراتٍ مشتركة لما يصب في مصلحة أطفالكما، وهذا الاحتمال هو الأفضل لسعادتهم.

ولكن، كيف ستتصرف تجاه أطفالك عندما تتَّخذ قرار الانفصال عن شريك حياتك؟ في الحقيقة، عليك أن تقرر الأسلوب الأمثل لمساعدة أطفالك على المضي قدماً خلال هذا الوضع الجديد الذي يلي الانفصال.

هناك طرائق عدَّة للقيام بذلك، وسنناقش اثنتين منها في هذا المقال: التربية المنفصلة والتربية المشتركة، هذان الأسلوبان مختلفان جداً، ولكلٍّ منهما إيجابيات وسلبيات، وسنتطرق الآن إلى الأسلوب الأقل ملاءمةً للأطفال وهو التربية المنفصلة.

ما هي التربية المنفصلة؟

إذا تعرَّضتَ للطلاق أو كنتَ في خضمِّ علاقة سامة، ولا يمكنك حل المشكلات حلَّاً سلساً ووِدِّياً، فقد تكون التربية المنفصلة هي الخيار الأفضل لك، وفي الحقيقة، ليست حالات الطلاق كلها تنتهي ببقاء الطرفين على صداقةٍ؛ حيث قد لا يرغب عدد كبير منهم في أن يكون لهم أيَّة علاقة ببعضهم بعضاً، ولولا إنجابهم لأطفالهم، لما تواصلوا مع بعضهم أبداً.

عندما تكون العلاقة بين الوالدين المنفصلين غير سليمة، فإنَّ التواصل بينهما يكون قليلاً جداً، وعادةً ما يكون في شكل رسائل نصية أو عبر الهاتف بدلاً من التواصل الشخصي، كما أنَّ كلاً منهما يمارس النشاطات مع الأبناء بشكل منفصل عن الآخر؛ حيث يخصص الوالدان أياماً محددة لحضور النشاطات الرياضية الخاصة بأبنائهم أو الأحداث المدرسية، على سبيل المثال: يصطحب الأب ابنه إلى مباراة كرة القدم في نهاية أحد الأسابيع، وتصطحبه الأم في الأسبوع الذي يليه، وينطبق الأمر نفسه على النشاطات المدرسية، مثل العودة إلى المدرسة أو اجتماعات أولياء الأمور.

في الواقع، في بعض الحالات التي تكون فيها الزوجة تتعرض للإساءة والتعنيف من زوجها السابق، فمن الأفضل أن يكون التواصل بينهما محدوداً للغاية، خاصةً في حال وجود طفل صغير؛ ذلك لأنَّه في مثل هذا الوضع المعقد، لا يجب أن يشهد الطفل تلك المعاملة السيئة التي تتعرض لها والدته، وذلك لمصلحتها ومصلحة الطفل أيضاً.

بالنسبة إلى الأطفال الذين نشؤوا في بيئة منفصلة، فإنَّ الأمر ليس سهلاً، فمن الناحية النفسية، قد يكون من المضر جداً أن يتواصل الوالدان باستمرار ويتصرفان تصرُّفاً بغيضاً تجاه بعضهما.

قد تكون التربية المنفصلة السبيل الأخير بالنسبة إلى العديد من الآباء، ولكن يمكن أن يدوم التأثير السلبي في الأطفال مدى الحياة، وللأسف، يتركَّز اهتمام بعض الآباء على العدائية تجاه بعضهم بعضاً أكثر من الآثار التي ستحدثها تفاعلاتهم في أطفالهم.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر الطلاق على الأطفال؟ وهل هو خيار سيئ دوماً؟

ثلاث نصائح لتحقيق تربية منفصلة فعَّالة:

على الرغم من أنَّ هذه الطريقة ليست مثاليةً دائماً، ولكن يمكن القيام بالعديد من الأشياء لتلافي بعض الآثار السلبية:

1. جعل التواصل محدوداً للغاية:

تواصلا عبر رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية كلما كان ذلك ممكناً؛ ذلك لأنَّ هذه الطريقة تمنع المواجهات المباشرة، فكلما كانت الاتصالات قصيرة، وتتناول موضوعاً معيَّناً، كان ذلك أفضل، كما أنَّه في الأيام المحددة التي تقضيها مع طفلك، من الأفضل عدم التواصل مع شريكك السابق، ما لم تكن هناك حالة طارئة جداً؛ ذلك لأنَّ هذا يقلل من احتمال حدوث أيَّة مواجهات سيئة.

2. تجنُّب حضور النشاطات المتعلقة بالأطفال بحضور شريكك السابق:

يجب تجنب حضور المؤتمرات المدرسية، أو أي نشاطات خارجية غير مخطط لها، بسبب النزاع المحتمل الذي يمكن أن يحدث، وفي الواقع، ربما يكون من الجيد أن تُعلَم المدرسة بهذا الوضع الخاص بطفلك، وبهذه الطريقة، يتم إطلاعك دائماً على النشاطات القادمة الهامة دون الحاجة إلى استشارة الوالد الآخر، وبهذه الحالة، لن تفوِّت أي حدث هام في حياة طفلك.

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذا يقلل من التوتر والعداوة والخلاف بين الوالدين اللذين لا يعطيان الأولوية لسعادة أطفالهم.

3. البقاء على اطلاعٍ بتفاصيل حياة طفلك:

من الهام معرفة ما يحدث في حياة طفلك؛ لذا جهِّز قائمةً بالعناوين وأرقام الهواتف لجميع الأشخاص الذين على صلة به، وهذا يشمل الأطباء والمدرسين والأصدقاء وما إلى ذلك، وبهذه الطريقة، ستكون قادراً على التدخل عندما يلزم الأمر.

إنَّ التربية المنفصلة ليست دائماً الحل الأفضل للأطفال، ولكن هناك بعض الجوانب الإيجابية التي يجب مراعاتها، فنظراً إلى قلة التواصل بين الوالدين أو انعدامه، لا يرى الأطفال عداوة والديهم تجاه بعضهم بعضاً، كما أنَّه يقلل من التوتر الذي يواجهه الأطفال الذين يضطرون في كثير من الأحيان إلى التعامل مع السلوك السيئ وغير المتوقع لوالديهم.

فيما يلي بعض الفوائد الأخرى للتربية المنفصلة:

  • تخفف احتمال أن يشهد الأطفال الخلافات التي تدور بين والديهم.
  • تتيح للأطفال فرصة تطوير علاقة صحية مع كلا الوالدين.
  • يمكن أن يضع الوالدان مجموعةً من القواعد الخاصة بهما.

يجب أن تضع في الحسبان أنَّ انفصالك عن شريكك قد يرافقه الكثير من التقلبات، وعندما تبدأ بتربية أطفالك لوحدك، قد تكون التربية المنفصلة خياراً أفضل في البداية، ومع ذلك، لا يجب أن تكون دائمة.

إذا كان طلاقك مُعقَّداً، فإنَّ التربية المشتركة فور انفصالكما قد تكون تحدياً كبيراً للغاية، وفي هذه المواقف، قد تكون التربية المنفصلة استراتيجيةً جيدة لتسهيل التربية المشتركة في بداية الانفصال؛ حيث يكون أطفالك في أضعف حالاتهم فور انفصالك؛ لذا فإنَّ بذل جهد إضافي لضمان عدم إجبارهم على التعامل مع الضغط الناتج عن الخلافات بين الأب والأم سيكون ذا فائدة كبيرة.

إقرأ أيضاً: 12 أمراً لا يمكن لأطفال الآباء المطلقين نسيانه أبداً

ما هي التربية المشتركة؟

التربية المشتركة مخصصة للآباء الذين لم يتسبب طلاقهم في جعلهم أعداءً لبعضهم؛ حيث لا يواجه هؤلاء الآباء مشكلاتٍ في العمل معاً لحل المشكلات ويمكنهم العمل بسهولة مع بعضهم بعضاً للتوصُّل إلى حل يخدم مصلحة أبنائهم، على الرغم من أنَّهم لم يعودوا يعيشون تحت سقفٍ واحد.

وفي التربية المشتركة، يتنقَّل الطفل بين منزلَي والديه دون حدوث أي وقائع مزعجة، ويحضر الآباء النشاطات المدرسية، ويلتقون بمُدرسي أولادهم، وما إلى ذلك، وكل هذا دون حدوث أيَّة مشكلات، فخلال التربية المشتركة، يتحدث الوالدان مع بعضهما كثيراً ويقارنون ملاحظاتهم للتأكد من أنَّه تمَّ تخطيط كل شيء لمصلحة أبنائهم، وكل ذلك بأسلوبٍ مُتحضِّر ولَبق.

لا يعني هذا الأسلوب في التربية عدم وجود أيَّة مشكلات على الإطلاق؛ بل يعني ببساطة أنَّه في حال وجود أيَّة مشكلات، فهناك دائماً مجال لمناقشتها وحلِّها، وهي طريقة مباشرة وفعالة لتجنب المشكلات الأسوأ قبل أن تتفاقم، وبهذه الطريقة، يخف التوتر؛ مما يعني تخفيف معاناة الأبناء على الأمد الطويل، وإذا استطاع الآباء والأمهات الاستمرار بهذه الطريقة إلى أن يصل أطفالهم إلى سن البلوغ، فسوف تكون فرصةً جيدة للأطفال ليعيشوا في بيئة صحية نفسياً.

أربع فوائد للتربية المشتركة:

1. تقليل الخلافات أمام الأبناء:

إنَّ وجود والدين منفصلين هو أمر سيئ بما يكفي، لذلك فإنَّ التربية المشتركة هي أفضل خيار ليربى الأطفال بعيداً عن المشكلات والمشاجرات التي تحدث بين الوالدين.

2. تحقيق المزيد من الاستقرار للأبناء:

عندما يرى الأبناء أنَّ والديهم مُتفقان، ويتصرفان كآباء عاديين وليس كعدوين عازمين على إيذاء ومهاجمة بعضهما بعضاً، سيشعرون بمزيدٍ من الاطمئنان.

3. اتباع روتين طبيعي وعفوي:

عندما يرى الأبناء أنَّه على الرغم من أنَّ والديهم لم يعودا متزوجين ولكنَّهما يحضران دائماً النشاطات المدرسية ويخرجان معهم في نزهات، فإنَّ ذلك يعزز من شعورهم بالاستقرار.

4. الشعور بالأمن والاستقرار في اتباع روتين ووضع قواعد مشتركة:

يحتاج الأطفال إلى الاستقرار في أثناء مرحلة النمو، فكلما زاد الاستقرار، كان ذلك أفضل، ومن ثمَّ، فإنَّ وضع قواعد مشتركة هام جداً لسعادة الأطفال.

وفقاً للطبيب الأمريكي "غيل غروس" (Gail Gross)، "إذا نشأ الطفل في بيئةٍ مستقرة، سيشعر بتوتر أقل وبأمان أكبر، لذلك، سوف يتعامل الطفل مع كل شيء بثقة وقوة وعزيمة، ونتيجة لذلك، سوف يتعلَّم الاعتماد على قدراته الخاصة؛ مما يتيح له تحقيق ذاته وأن يكون مستقلاً".

في التربية المشتركة، لا يشعر الأطفال كما لو أنَّه يتعين عليهم اختيار أحد والديهم، وتوفُّر لهم في الواقع الفرصة لبناء علاقة قوية ومُحبة مع والديهم.

إقرأ أيضاً: المشاكل الأسرية وأثرها على الأطفال

نصائح عامة للوالدين المطلَّقَين:

  1. تحدَّث مع شريكك مباشرةً إذا كانت لديك مشكلات، ولا تتحدث معه عن طريق طفلك؛ لأنَّ هذا الأمر يضع الطفل في موقفٍ محرجٍ للغاية.
  2. عبِّر عن المشاعر السلبية بينك وبين شريكك السابق - إن وُجدت - بعيداً عن الطفل؛ ذلك لأنَّ مشكلاتك ليست من شأنه، بالإضافة إلى ذلك، لا تتحدث مع طفلك بسلبية عن والده الآخر، فهذا الأمر مُزعج جداً للطفل، فقد تكون تعرَّضتِ للطلاق، لكنَّك وشريكك السابق، تظلان والدين إلى الأبد، ويحب كل منكما الأطفال.
  3. لا تستجوب طفلك بمجرد وصوله إلى المنزل بعد زيارة الوالد الآخر.
  4. سهِّل على طفلك الحصول على كل ما يرغب فيه في كلا المنزلين، وحاول أن تتخيل كيف تكون الحياة في منزلين مختلفين والتَّنقل كل بضعة أيام، وستشعر تماماً بالوضع الذي يعيشه طفلك.
  5. امنح أطفالك بعض الحرية في اختيار المكان الذي يرغب في أن يكونوا فيه، فمع تقدُّمهم في السن، قد يرغبون في البقاء في منزل أحد الوالدين عندما يكون دور زيارة الوالد الآخر، لذلك، فإنَّ المرونة أمر بالغ الأهمية، كما أنَّها ضرورية لتمنح الأطفال إحساساً بالسيطرة.
  6. لا تجعل طفلك يشعر بالذنب إذا جاء دورك في الزيارة وأراد قضاء الوقت مع أصدقائه.

نأمل أن يعطيك هذا المقال فكرةً أفضل عن الأسلوبين المختلفين لتربية الأطفال: التربية المشتركة والتربية المنفصلة، ويمكنك أيضاً اتباع أسلوب يجمع بين الطريقتين؛ حيث يمكن أن يكون الطلاق صدمةً للأطفال، ولكن ما يزيد الأمر سوءاً هو التوتر بين الوالدين.

إنَّ الطلاق ليس سهلاً أبداً، ولكن عندما تتذكر أنَّك أنجبتَ طفلاً وأنَّه أثمن شيء بالنسبة إليك، عليك التصرف كوالد حكيم لا تحمِّله مسؤولية قراراتك مع شريكك لكيلا يكون ضحية التفكك العائلي.

المصدر




مقالات مرتبطة