ما الذي عليكَ فعله عندما تجعلك مواقع التَواصل الاجتماعي بائساً؟

ما الذي يدفَعُكَ لتصفح آخر التَّحديثات على مواقع التَّواصل الاجتماعي المفضلة لديك؟ هل هو الحصول على معلوماتٍ تخُصُّ الأشخاصَ الذين لا تراهم كثيراً، أم تبادلُ المجاملات؟ أم هل تعتبر فيسبوك وإنستغرام بمثابةِ وسائلَ للتَّباهي بنفسك؟



دعنا نفترض أنَّه في عالم عقلاني، يحاول النَّاسُ زيادة مشاعرهم الإيجابية إلى أقصى حد، فيلجَؤون لوسائل التَّواصل الاجتماعي من أجل زيادةِ سعادتهم وثقتهم الزَّائدة بأنفسهم. وبناءً عليه، لا يجب عليهم أن يُمضوا الكثيرَ من الوقت في الانجرارِ إلى مشاهدةِ سيلٍ من المنشورات، التي يتباهى بها أناسٌ آخرونَ لا يعرفونهم تلكَ المعرفة. كما ويجب على الناس أيضاً -إذا تبنَّينا هذا المنطق- استخدام مواقعِ التَّواصُلِ الاجتماعي الخاصَّة بهم للتَّخفيف من وطأة حياتهم اليومية. إذ من الممكن لنا الانتقال إلى جزيرة بورا بورا وسط المحيط الهادي أو إلى منتزهاتٍ بالقرب من منزلنا، عبرَ مشاهدةِ ما يقوم به أصدقائنا على مواقع التَّواصل الاجتماعي.

ولكن مع ذلك، نحن نعلم أيضاً أنَّ النَّاسَ سوف يشاركون في مجموعة مختلفة من الأنشطة الماسوشية (جلد الذَّات) على مواقع التَّواصل الاجتماعي الخاصة بهم. إذ على الرغم من أنَّه قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إلا أنَّنا ننجذب إلى المشاركات التي تُظهر أصدقائنا وهم يقومون بأشياء نكون -لسببٍ أو لآخر- غير قادرين على القيام بها. كما ينجذب الكثيرُ منا أيضاً إلى متابعة مآثر أصدقائهم عبر الإنترنت وهم يجوبون الشواطئ المشمسة في بورا بورا، فيتساءلون عندئذٍ عن السَّبب الذي يجعلهم حبيسي منازلهم من دون أي بديلٍ سوى المتنزَّهات المحليَّة.

بناءً على الفكرة المنطقية التي مفادها أنَّ على مستخدمي وسائل التَّواصل الاجتماعي الإقلاع عن متابعة منشورات أصدقائهم على مواقع التَّواصل الاجتماعي؛ وذلك عندما لا يقوم هؤلاء الأصدقاء بأي شيء سوى جعلهم يشعرون بالسوء، تعاونت الباحثة "ميونغ سوه ليم" من جامعة سانجي مع الباحثة "يون يانغ" من جامعة إيهوا للإناث -كلاهما في كوريا الجنوبية- لمعرفة ما يحدث بين قرائتنا لمنشورٍ ما، وقرارنا بالاقلاع عن متابعة ذلك المنشور. فوفقًا لما خَلُصَتَا إليه، فإنَّ قراءة منشورات أصدقائنا تقودنا إلى الانخراط في عملية مقارنة اجتماعية، حيث نَقُومُ بتقييم مواقفنا بما يَخُصُّ جميعَ الأشخاص الذين ينشرون منشوراتٍ تُظهرُ مآثرهم.

إقرأ أيضاً: 6 حلول بسيطة للتخلص من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي

هناك نوعان من المقارنة الاجتماعية: في المقارنة الاجتماعية التصاعدية، نحن ننظر للأشخاص الذين يقومون بعملٍ أفضل منا بمثابةِ مرجعٍ لنا، مما يقودنا إلى محاولة أن نعرف كيف يمكننا تحسينُ أنفُسنا. أما في المقارنة الاجتماعية التَّنازليَّة، فنحن نحاول أن نجعل من أنفسنا نشعر بتحسنٍ عبر رؤية كم نحنُ أفضل بكثير من أيِّ شخصٍ آخر.

يُغَيِّرُ الفيسبوك الطريقة التي تعمل بها المقارنة الاجتماعية، لأنَّه يميل إلى إبراز عنصر التَّبجُّح الذي يوجد بداخلنا جميعاً. فمتابعيكَ مثلاً، بدلاً من أن ينظروا لكَ كشخصٍ يطمحون في أن يكونوا مثله، سيشعرون أنَّ بهم خطباً ما. ولحسن الحظ، لا أحد يجبرهم على البقاء من متابعيك. إذ في واقع الأمر، كلما كان متابعيك أقلَّ سعادة، كلما تحولوا بسرعةٍ أكبر من متابعة ما تنشره أنت، إلى متابعة منشوراتِ شخصٍ آخر، أو إلى موقع آخر كليَّاً. كما أشارت كُل من ليم ويانغ إلى أنَّ النُّمو الهائل في خدمات مواقع التَّواصل الاجتماعي قد فرضَ على الناسِ أَن يُصبحوا شحيحين معرفيَّاً فيما يتعلَّق باتَّخاذ القرارات السَّريعة.

إذاً ما هو تسلسل الأحداث التي تدفع النَّاسَ إلى اتخاذ قرار بالتوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عند مواجهتهم بمعلوماتٍ تُشعرهم بالنَّقص؟ وفقاً لما قالتاه ليم ويانغ، فإنَّ المشاعر التي تلعب دوراً هامَّاً هنا: هما الخزي والحسد. إذ سنشعر بالخُزي والدُّونيَّة عندما نشعر أنَّه لا قيمة لنا أو أنَّه ينقصنا شيء ما، أو عند شعورنا بالإذلال. وعلى المقلب الآخر، يحدث الحسد عندما نريد ما يمتلكه الآخرون، سواءً أكانَ من حيث الإنجازات أم الممتلكات. ونتيجة لتجربة تلكَ المشاعر السَّلبية، يمكن لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إما أن يُقرِّروا العزوف عن ذلك المحتوى الذي يُشعِرهُم بالإهانة وينتقلوا إلى موقعٍ آخر ("نيَّة التبديل")، أو أن يشعروا أنَّهم لم يعد باستطاعتهم احتماله أكثر من ذلك ("الإرهاق").

إقرأ أيضاً: 6 أسباب تدفعك لحذف حسابك على فيسبوك بشكلٍ نهائي

قامت كل من ليم ويانغ وبالاستعانة بعيِّنة على الإنترنت من 446 طالب جامعي كوري، معظمهم في أوائل العشرينات من العمر، من أجلِ دراسة تأثير المقارنة الاجتماعية السَّلبية على عاطفتي الخُزي والحسد. وبالمقابل، قاموا بدراسة معمَّقة لكيفية تنبأ تلك العواطف لقرار وقف استخدام وسائل التواصل الاجتماعي؛ إمَّا بسبب نية التبديل أو الإرهاق. فأظهرت النَّتائج أنَّ المقارنات الاجتماعية السَّلبية، والتي من شأنها أن تُشعر المرء بالنَّقص جراء مقارنة نفسه مع من يتابعهم على فيسبوك، تميل إلى إثارة الحسد أكثر قليلاً من إثارة العار. فالشُّعور بالحسد قاد المستخدمين إلى اتِّخاذ قرار بالتبديل والانتقال إلى تغذيةٍ إخباريَّةٍ أخرى أو منصة اجتماعية مختلفة تماماً. أما الشُّعورُ بالعارِ من ناحيةٍ أخرى، قد ولَّد الشُّعورَ بالإرهاق، أو الإنهاك مقترناً مع الشُّعورِ بالهزيمة.

إنَّ الشُّعورَ بالخجل من أنفسنا إذاً، يمكن أن يقودنا إلى أن نصبح مُحبَطينَ ويائسين. وسنخلُصُ عندئذٍ إلى أنَّنا لن نكون جيدين أبداً مثل الأشخاص الذين نُعجب بهم على وسائل التَّواصل تلك. أمَّا إذا شعرنا بالحسد، فسنقوم وعلى النَّقيض من ذلك، بالتَّوقف عن متابعة ذلك المحتوى ونذهب إلى مكانٍ آخر للتَّرويح عن أنفسنا بدلاً من التَّغلب على أوجه القصور فينا.

وبين التَّبديل والاستسلام، يبدو لنا بوضوح أنَّ التَّبديل هو استجابة أكثر قابليَّةً للتَّكيُّف فيما يخص المقارنة الاجتماعية السَّلبية التي يمكن أن يثيرها فينا الفيسبوك لسوء الحظ. كما أنَّ ليم ويانغ خَلُصَتَا إلى أنَّه يجب على مستخدمي شبكات التَّواصل الاجتماعي تحديد طبيعة استخدامهم لها، والحرصَ كلَّ الحرصِ على عدم التَّعرض للشعور بالعجز أو الإحباط، وذلك عبر استخدام الطرق الفعالة مثل الحظر أو إبعاد المستخدمين الذين يجعلوننا نشعر بالدُّونيَّة.

قد يكون هناك نوع من الإدمان فيما يخص ميلنا إلى مشاهدة ما يفعله أصدقاؤنا على فيسبوك، بغض النَّظر عن أنَّ منشوراتهم تجعلنا نشعر بالضيق تجاه أنفسنا. ومع ذلك، وكما توضح هذه الدراسة، من المهم لنا أن نقول "لا" فقط.

إقرأ أيضاً: 8 آثار سلبية تسببها مواقع التواصل الاجتماعي

خلاصة كل ما سبق: إذا كانت وسائل التَّواصل الاجتماعي تجعلك تشعر أنَّك تفتقرُ إلى الخصال الهامَّة (الدونيَّة)، فمن غير المرجَّح أن تضع تلكَ المشاعر موضعاً جيداً، مثل محاولة تحفيز نفسك على القيام بعملٍ أفضل. بدلاً من ذلك، امضِ وقم بما يقوم به "الحُسَّاد": أَعرِض عن تلك المواقع. ثم اخرج واستكشف العلاقات في الحياة الواقعية، والتي من المرجَّح أن يشارك الناس فيها مشاعرهم الحقيقية بدلاً من مجرد محاولة إثارة إعجابِ جمهورٍ على الإنترنت.

إذاً من خلال المشاركة بتجارب حقيقية، وليس تلك التي تم تصنيعها وعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي، سوف نساعد أنفسنا في الحصول على الرضا التي توفره لنا الشبكات الاجتماعية النَّزيهة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة