لماذا يجب أن تتعلم تقبل مشاعرك السلبية؟

نستيقظ أحياناً ومزاجنا معكَّر دون وجود سبب محدد؛ ربما لأنَّنا نشعر بالتوتر والقلق بشأن العمل أو غيره، أو أياً كان السبب، لكن لا تتجاهل مشاعرك السلبية، ففي تلك الأيام نفتقد للحماسة ونكون سريعي الانفعال، بالطبع لا يحبُّ أحد منا الشعور بتلك الطريقة؛ لذا نحاول تجاهل تلك المشاعر السلبية ونجبر أنفسنا على أن نكون سعداء، لكنَّ المشكلة أنَّ فعل ذلك ليس مفيداً على الإطلاق، وفي الواقع، يقول الخبراء منذ سنوات: "إنَّه يجب علينا تقبُّل مزاجنا السيِّئ".



قالت "إيريس موس" (Iris Mauss) الأستاذة المساعدة في قسم علم النفس في "جامعة كاليفورنيا بيركلي" (UC Berkeley): "وجدنا أنَّ الأشخاص الذين يتقبَّلون عواطفهم السلبية يعانون من مشاعر سلبية أقل؛ مما يؤدي إلى تحسُّن في الصحة النفسية".

وتتابع: "ربما إذا تقبَّلتَ المشاعر السلبية، فأنت لا توليها القدر نفسه من الاهتمام، وربما إذا كنتَ تحكم على مشاعرك دوماً، فأنت تزيد من السلبية"، ومن المثير للاهتمام أنَّ الدراسة نفسها التي أُجرِيَت في "جامعة كاليفورنيا بيركلي" (UC Berkeley) وجدَت أنَّ أولئك الذين يقاومون مشاعرهم السلبية ولا يعترفون بها، يتعرضون إلى ضغط نفسي أكبر، بينما كان الذين فعلوا العكس أقل توتراً وقلقاً واكتئاباً.

قال مُعِدُّ الدراسة "بريت فورد" (Brett Ford) الأستاذ المساعد في قسم علم النفس في "جامعة تورنتو" (University of Toronto): "اتَّضَح أنَّ الطريقة التي نتعامل بها مع ردود أفعالنا العاطفية السلبية هامة لعافيتنا عموماً؛ إذ يستطيع الأشخاص الذين يتقبَّلون هذه المشاعر دون إصدار أحكام أو محاولة تغييرها التعاملَ مع الضغوطات بنجاح أكبر"؛ وهذا لا يعني أنَّه يجب أن نعيش في حالة كآبة دائمة؛ بل يجب أن نُدرِك أنَّ المشاعر السلبية ليست سيئة دائماً، حتى إنَّها قد تكون مفيدة.

المشاعر السلبية:

باختصار، المشاعر السلبية هي الأشياء التي تجعلنا نشعر بالسوء، فغالباً ما تكون غير سارَّة، ولهذا فإنَّنا نميل إلى تجنبها، بينما تكون المشاعر الإيجابية ممتعة، ولهذا نبحث عنها ونسعى إلى الشعور بها، فأن تكون إيجابياً، يعني توتراً أقل وحياة أفضل عموماً، وتحسُّن في أداء العمل والعلاقات الشخصية.

تقول الطبيبة النفسية "إيلين ميد" (Elaine Mead): إنَّنا بحاجة إلى "التمييز بين العواطف والمشاعر، وفي حين أنَّ الاثنين مترابطان، إلَّا أنَّ هناك فارقاً أكبر مما قد ندركه بينهما"، وتوضِّح "ميد": "تُعَدُّ العواطف ردوداً "منخفضة المستوى" تحدث أولاً في المناطق تحت القشرية من الدماغ مثل اللوزة والقشرة الأمامية الجبهية البطنية؛ وهي المناطق المسؤولة عن تفاعلات كيميائية حيوية لها تأثير مباشر في الجسد".

وتضيف قائلة: "العواطف مكتوبة في حمضنا النووي، ويُعتَقَد أنَّها تطوَّرَت كوسيلة لمساعدتنا على الاستجابة بسرعة للتهديدات البيئية المختلفة، مثل رد فعل الكر والفر، وثبت أيضاً أنَّ اللوزة تؤدي دوراً في إفراز النواقل العصبية الضرورية للذاكرة، ولهذا يكون استرجاع الذكريات المرتبطة بعواطف قوية أسهل وتترك انطباعاً أقوى"، وبما أنَّ للعواطف "أثراً جسدياً أقوى من المشاعر"، يسهل على الباحثين قياسها بموضوعية، وغالباً ما يتمثَّل ذلك في "الإشارات الجسدية مثل تدفق الدم ومعدل ضربات القلب ونشاط الدماغ وتعبيرات الوجه ولغة الجسد".

توضِّح "ميد": "يُنظَر إلى العواطف على أنَّها مرحلة ما قبل المشاعر، وعلى أنَّها ردود أفعالنا تجاه مشاعرنا المختلفة، وفي حين تكون العواطف أكثر عمومية ولدى جميع البشر، تكون المشاعر أكثر فردية"، ويمكن حتى أن "تتأثر في تجاربنا الشخصية وتفسيراتنا للعالم من حولنا وفقاً لتلك التجارب؛ حيث تحدث المشاعر في القشرة المخية؛ وهي الخطوة التالية لاستجابتنا لعواطفنا كأفراد"، وبما أنَّ المشاعر تختلف بين الأفراد "لا يمكن قياسها كما يمكن قياس العواطف".

وفقًا للدكتور "بول إيكمان" (Paul Ekman) الأستاذ الفخري في علم النفس في "جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو" (UCSF)، هناك ست عواطف أساسية أولية:

وأضاف إليها لاحقاً:

  • اللهو.
  • الازدراء.
  • الرضا.
  • الإحراج.
  • الإثارة.
  • الذنب.
  • الاعتزاز.
  • الراحة.
  • الإشباع.
  • المتعة الحسية.
  • العار.

فكرة "إيكمان" الرئيسة هي أنَّ من الطبيعي تماماً الإحساس بالعواطف السابقة، سواءً إيجابية أم سلبية، وعلاوة على ذلك، بمجرد أن تتمكن من تحديد عواطفك وتصنيفها، ستتمكن من استثمارها.

إقرأ أيضاً: أهم علامات التفكير السلبي

إيجابية المشاعر السلبية:

المشاعر السلبية ليست ممتعة، فقد تُشعِرُك بالسوء وتعوق عملك على أولوياتك، لكنَّها في الوقت نفسه ضرورية للتجربة البشرية، وإليك 4 من أسباب لأهمية العواطف السلبية:

1. تحفيزنا على اتِّخاذ الإجراءات:

عندما تكون قلقاً بشأن أمر ما، ستبذل أقصى جهدك في العمل عليه، وإذا شعرتَ بالإحباط، فقد يدفعك ذلك إلى الإقدام على مخاطرات تقودك إلى النجاح؛ أي تساعدنا العواطف على البقاء والازدهار وتجنب الخطر؛ حيث كتبَت المؤلفة "كندرا شيري" (Kendra Cherry): "تؤدي العواطف دوراً تكيفياً في حياتنا؛ وذلك من خلال تحفيزنا على التصرف بسرعة واتِّخاذ الإجراءات التي من شأنها زيادة فرصنا في البقاء والنجاح".

على سبيل المثال: يزيد الخوف سرعة ردة فعلك عندما تصادف ثعباناً، أو إلى الوثوق بحدسك عند اتِّخاذ قرار مالي، أو قد يشجعك الخوف من الإصابة بالمرض على التركيز على صحتك.

2. مساعدتنا على اتخاذ قرارات أفضل:

يقول المؤلف "دون نورمان" (Don Norman) في كتابه "التصميم العاطفي: لماذا نحب - أو نكره - الأمور اليومية" (Emotional Design: Why we love (or hate) everyday things): "دون العواطف ستضعف قدرتك على اتِّخاذ القرار؛ وذلك لأنَّ العواطف تصدر الأحكام باستمرار وتقدِّم لك معلومات فورية عن العالم، على سبيل المثال: تشير إلى مصادر الخطر المحتمل ومصادر الراحة المحتملة، وتصنف الأمور إلى جيد أو سيئ".

يوضِّح "نورمان": "إحدى طرائق عمل العواطف هي من خلال المواد الكيميائية العصبية التي حين تصل إلى مراكز دماغية معينة، تُغيِّر الإدراك واتِّخاذ القرار والسلوك؛ أي تُغيِّر هذه المواد الكيميائية العصبية معايير التفكير".

3. السماح لنا بفهم الآخرين:

هل سبق لك أن دخلتَ إلى غرفة وشعرتَ على الفور بأنَّ هناك خطباً ما من لغة الجسد وتعبيرات الوجوه دون أن يتفوَّه أحد بكلمة واحدة؟ حين تكون منسجماً مع مشاعرك، ستعرف حين يمرُّ أحد ما بظرف صعب، وهكذا يمكنك ضبط سلوكك، فعلى الرغم من أنَّك قد تكون متحمساً لمشاركة خبر سار، إلَّا أنَّك ستفهم أنَّ الزمان والمكان غير مناسبين، وأنَّ الشخص الآخر يحتاج منك الاستماع له ودعمه، ويُعرَف ذلك باسم الذكاء العاطفي.

4. السماح للآخرين بفهمنا:

وبالمثل، فإنَّ إدراكك لمشاعرك يمكِّنك من إرسال إشارات للآخرين كما في المثال أعلاه، على سبيل المثال: إذا كنتَ حزيناً، فقد تتحرك ببطء أو تحني ظهرك، وسيلاحظ الأشخاص المقربون ذلك، وسيسألونك ما المشكلة؟

علاوة على ذلك يسمح لك هذا أيضاً بالتعبير عن مشاعرك، فإذا كنتَ محبطاً بشأن العمل، فلن تضطر إلى إخبار زميلك بذلك؛ بل يمكنك التعبير عما تشعر به، وباستخدام هذه المعلومات، يمكن لزميلك تقديم المشورة حول كيفية حل المشكلة، إضافة إلى ذلك تجاهُل مشاعرك يضر بصحتك؛ وذلك لأنَّه يمكن أن يؤثر فيك جسدياً، مثل التسبب في آلام المعدة.

يمكن أن تجعلك العواطف أيضاً قائداً أفضل؛ إذ إنَّ الحزن يجعلك أكثر تسامحاً، بينما يساعدك الخوف على التفكير بصرامة، والأهم من ذلك، يمكن أن يساعدك هذا على أن تصبح قائداً أكثر تعاطفاً.

إقرأ أيضاً: ماذا لو أمكنك التخلص من المشاعر السلبية بضغطة بسيطة؟

كيف تتقبل وتتعامل مع المشاعر السلبية؟

في حين أنَّ هناك مزايا للمشاعر السلبية، لكنَّها ضغط إضافي نفسي وجسدي وعاطفي، ولهذا من الضروري أن نتقبَّلها ونعثر على استراتيجيات للتعامل معها، فعندما نفعل ذلك، سنكون قادرين على الاستفادة منها، وإليك طريقة بسيطة وناجحة لفعل ذلك:

  • الاعتراف بالعاطفة وتقديرها: تشرح "تريسي كينيدي" (Tracy Kennedy) من مجلة "لايفهاكر" (Lifehacker) قائلة: "اشعُر بها، لكن لا تدعها تتملكك، ودعها تظهر وتقوى ثم تزول"، وبعد الإقرار يمكنك المضي قدماً.
  • التفكير في معنى العاطفة: حدِّد الرسالة التي تحملها العاطفة، على سبيل المثال: إذا كنتَ تخشى الذهاب إلى العمل، فربما حان الوقت لإجراء تغيير إيجابي مثل تغيير المهنة.
  • التحقُّق جيداً من منطقيتها: في حين أنَّ هناك أوقاتاً تكون فيها عواطفنا صحيحة، إلَّا أنَّها تكون غير عقلانية أحياناً؛ لذا انظر إلى تلك الأفكار بمنطقية، على سبيل المثال: قد تفترض أنَّ شخصاً ما غاضب منك لأنَّه لم يتواصل معك، بينما كان الشخص في الحقيقة مشغولاً جداً ببساطة.
  • اختيار الإجراء: بعد القيام بكل ما سبق، حدِّد الخطوات المناسبة، على سبيل المثال: عوضاً عن افتراض أنَّك فعلتَ شيئاً أزعجَ صديقك، أرسِل له رسالة نصية واطمئن عليه، وحين يرد عليك سيرتاح بالك، لكنَّ هذا يتطلب أن تتواصل معه أولاً.

ليس عليك استخدام هذه الطريقة ولكنَّها ناجحة؛ وذلك لأنَّها تشجعك على الاعتراف بمشاعرك والتعامل معها بطريقة صحية ومفيدة.

المصدر




مقالات مرتبطة