لماذا الشعور بعدم الارتياح هو علامة تحسن

قد لا يكون الشعور بعدم الارتياح تجربة ممتعة، إلا أنَّه قد يكون فرصة لإظهار التغيير الإيجابي والتنمية الشخصية، ومهما كان سببه، فقد يكون بمثابة علامة على وجود خطأ ما؛ فعندما تشعر بعدم الارتياح من دون سبب واضح، يكون ذلك لا شعورياً، ويظهر تأثيره في الجسد؛ في القلب أو الأمعاء على سبيل المثال.



ربما تكشف العواطف السلبية أموراً تنكرها، وبذلك يمكنك تمكين نفسك وزيادة فرصك إلى أقصى حد؛ فعدم التفاعل مع العواطف السلبية أمر، وتجاهلها أمر آخر مختلف تماماً؛ لذا اجعل شعارك هو "الفضول" بدلاً من "الخوف".

تقبُّل العواطف السلبية:

تؤثرالعواطف السلبية طبيعياً في سعادتنا في الوقت الحالي، وهذا أمر طبيعي، ولكنَّها تُنبِّهنا أيضاً إلى حقيقة وجود أمر غير صحيح. وفي كثير من الأحيان، الشيء الذي يحتاج إلى التصحيح هو التفكير بحد ذاته، ومع ذلك ليس من السهل فحص تفكيرك، كما أنَّك لن تنجح في ذلك؛ فالأفكار مرتبطة بتجاربنا، وتصوراتنا، ومعتقداتنا وتحيزاتنا لدرجة أنَّها غالباً ما تكون غير عقلانية.

يقول مايكل نيل (Michael Neill): "تنشأ المشاعر من التفكير"؛ لذا بدلاً من مجرد الرغبة في تلاشي هذه المشاعر، استخدمها كأداة؛ حيث يمكنك تعطيل الاستجابات التلقائية في عقلك والتفكير تفكيراً مختلفاً؛ أي التفكير "خارج الصندوق" في تصوراتك المشروطة ومعتقداتك المُقيِّدة؛ فاسأل نفسك عن سبب شعورك بعدم الارتياح وابحث عن سبب منطقي وراء هذا الشعور، وبذلك سوف تفتح مسارات لتصورات مختلفة بما في ذلك قبول حالة الشك.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لتحدّي الخوف واكتساب الثقة بالنفس

التعايش مع عدم المعرفة:

تنشأ عدم الراحة العاطفية من الشك الذي ينشأ بدوره من الجهل. لقد سعى الإنسان تاريخياً إلى المعرفة، بدءاً بالعالم القديم إلى عصر النهضة، وحتى الثورة الصناعية، وانتشار العلمنة، والثورة التقنية، ولقد حلَّ العلم والمعرفة محل الروحانيات والحكمة، وأصبحت المعرفة تعني الرفاه، وكمخلوقاتٍ - وإن كانت ذكية للغاية - مما يجعلنا نشعر بالأمان سيبدو دائماً خياراً جيداً؛ إذاً لماذا مع وجود كل الحقائق والأرقام في متناول يديك - بنقرة واحدة فقط - ما زلت تعاني بين الفينة والأخرى إحساساً غير مبرَّرٍ بعدم الارتياح؟

الجواب هو حياة أسلافنا؛ فعلى الرغم من التطور الكبير في طريقة حياة الإنسان من حيث الشكل - خاصة خلال القرون القليلة الماضية - مازلت إنساناً بدائيَّاً، وعلى الرغم من أنَّ الاختراعات التكنولوجية قد جعلت الكثير من المهارات الجسدية لأجدادك غير ضرورية، إلا أنَّ مشاعرك العميقة تقبع تحت السطح مباشرة، وقد تظهر في أي وقت.

تعلَّمنا منذ الصغر أنَّ عدم المعرفة أمر سيئ؛ حيث أصبحت كلمة "الجهل" مصطلحاً يدل على الازدراء خصوصاً، بينما هي في الحقيقة تعني ببساطة "نقص المعرفة أو المعلومات"؛ حيث يُفوِّت علينا اليقين النظر إلى الأفكار ووجهات النظر الجديدة، ويحدُّ من إمكاناتنا وإمكانات والآخرين، كما أنَّه يحدُّ من إبداعنا.

بالنسبة إلى طفل صغير، كل يوم وحتى كل لحظة هي مغامرة وفرصة لتجارب واكتشافات جديدة؛ لذا قارن تجربة الطفل بتجربة شخص بالغ اتخذ قراره بشأن كل شيء وتأكد من صحته، سيبدو الأمر مملاً بالتأكيد.

لماذا إصدار الأحكام أمر مقبول؟

قد تشعر بعدم الارتياح في موقف تحكم فيه على شخص ما بناءً على ملابسه، أو لهجته، أو سلوكه، أو كلماته، أو السيارة التي يقودها، أو ربما المنزل الذي يعيش فيه، ولكن هذا جيد لأنَّ الإنسان بطبيعته يصدر أحكاماً فورية طوال الوقت كونها طريقة طبيعية أخرى للحفاظ على سلامتك، وهي طريقة منطقية لا يمكنك الاستغناء عنها.

ومع ذلك، قد تُصدر أحكاماً في بعض الأحيان ثم تشكك فيها، كأن تسأل نفسك:

  • لماذا أشعر بعدم الارتياح تجاه هؤلاء؟
  • بمن يذكرونني؟
  • ما الذي يُميِّزهم؟
  • ماذا افترض؟

يكمن الخطر بعد ذلك في أن تحكم على نفسك بسبب حكمك على الآخرين، لكن لا داعي لذلك؛ فقد عطلت بالفعل رد الفعل اللاإرادي البدائي بفضل وعيك، ومن ثم يمكنك اتخاذ قرار ذكي بناءً على ذلك، وبهذه الطريقة يعمل الشعور بعدم الارتياح كدليل على التحسن وفرصة للنمو.

يشعر بعض الناس بعدم الارتياح تجاه الآخرين الذين يعانون من صعوبات في التعلُّم أو تحديات جسدية، ولكن من أين يأتي هذا الشعور؟ هل هو الخوف من المجهول؟ أم الخوف من إمكانية إصابتك بالعجز؟ أم ربما مجرد عدم قدرتك على التنبؤ بتصرفات شخص "مختلف"؟

تخيَّل أنَّك في سوبر ماركت وشاهدت أمامك أمَّاً توبِّخ أحد أطفالها الثلاثة؛ أولاً تصرخ عليه، ثم توجه له كلماتٍ نابية، وفي النهاية تفقد أعصابها وتصفعه، كيف سيشعر الطفل؟ وكيف تشعر الأم؟ وما شعورها الذي دفعها إلى التصرف بهذا الشكل؟ والأهم من ذلك ما هو شعورك، ولماذا؟

شاهد بالفديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

كيف يُعزِّز التمييز "القدرة على الاستجابة"، وليس رد الفعل؟

تُعَدُّ القدرة على الاستجابة بدلاً من الرد دليلاً على الوعي؛ حيث يحوِّل قبول الاستجابات البدائية والتعامل معها بمبدأ رد الفعل الإنسان المتحضر إلى إنسانٍ جاهل، والحيلة هي أن يكون لديك الوعي للتمييز بين المشاعر التي تخدمك والتي لا تخدمك.

على سبيل المثال، يثق البشر في أولئك الذين يعيشون بالقرب منهم أكثر من الآخرين الذين يعيشون في مناطق أو بلدان أخرى، وليس فقط الجيران الذين يعرفونهم بالتواصل أو بالشكل ولكن أيضاً الأشخاص الذين يشبهونهم، ويبدون مثلهم، ويتصرفون مثلهم.

يستند رد الفعل المتسرع هذا حتى من قبل ظهور القوانين إلى حقيقة أنَّ الغرباء يُسيؤون التصرف في كثير من الأحيان أكثر من السكان المحليين؛ وهو أمرٌ نَعُدُّه من المُسلَّمات في هذه الأيام، وبدون تمييز قد يتطور الميل إلى عدم الثقة بسهولة إلى كراهية الأجانب أو العنصرية الصريحة.

من خلال تحليل مشاعرك، يمكنك اختيار كيفية الاستجابة للمواقف بطريقة عقلانية بدلاً من مجرد الرد عليها.

إقرأ أيضاً: هل تبحث عن مغزى الحياة؟ انظر إلى تجاربك الأكثر خطورة

مُسبِّبات الشعور بعدم الارتياح:

قد يكون الشعور بعدم الارتياح في كثير من الأحيان مقدمة لإنجاز كبير؛ حيث إنَّ الوضع الافتراضي المفضل بالنسبة إلى معظم البشر هو التحكم؛ فالتحكم - أو بالأحرى الوهم - هو الغطاء الذي نحجب به الخوف؛ وذلك لأنَّنا لا نحب هذا الشعور.

هناك العديد من المُسبِّبات المحتملة للشعور بعدم الارتياح، مثل:

  • الافتقار إلى الصدق.
  • تضارب القيم.
  • الافتقار إلى القيمة الذاتية.
  • الافتقار إلى الإنجاز.
  • الافتقار إلى الهدف.
  • الافتقار إلى التحكم في الحياة.
  • لعب دور الضحية.
  • الشعور بالذنب.

سوف يظهر دائماً عدم التطابق بين قيمنا وأفعالنا في مكان ما، سواء كان ذلك عن وعي أم بلا وعي، وإحدى الطرائق التي يظهر من خلالها هي الشعور بعدم الراحة.

تحسين الذات، أين أنا وأين أريد أن أكون؟

يبدأ العديد من الناس رحلتهم في تحسين الذات بالتعبير عن طموحاتهم في أن تكون الأشياء أفضل مثل الحصول على وظيفة أفضل، وحياة اجتماعية أفضل، وعلاقات أفضل، ومع ذلك يصلون إلى مرحلة  يُدركون فيها أنَّ ما يرغبون به حقاً هو "أن يكونوا" أفضل.

عندما تنظر إلى المرآة - بالمعنى الحرفي أو المجازي - ماذا ترى؟

إذا كنت تريد أن تصبح أفضل مما أنت عليه، فعليك أن تكون على طبيعتك؛ أي طبيعتك الأصيلة، وطبيعتك الحقيقية ليست بالضرورة الطبيعة التي أنشأتها، والتي قد تتضمن العديد من الجوانب السلبية، فطبيعتك الحقيقية هي كيانك الداخلي، وعقلك السامي، الطبيعة التي جاءت إلى هذا العالم بريئة، والتي لا تزال كذلك.

إقرأ أيضاً: من أنا... ولماذا أعيش؟

في الختام:

في المرة القادمة التي تشعر فيها بعدم الارتياح، حاول تقبُّل هذا الشعور السلبي بدلاً من إنكاره. افحصه وكن فضولياً حياله، وعند القيام بذلك، سوف تُضعفه، وبالتالي تقوِّي نفسك.

بعد ذلك، حدِّد الفكرة التي خلقت هذا الشعور؛ إذ يمكنك أنت وحدك اختيار الأفكار التي ترغب في التفاعل معها، والتي يجب التخلص منها، ومن خلال الاعتراف بعدم الارتياح كعلامة لتحسين نفسك؛ فإنَّك تغتنم الفرصة لتكون أفضل حالاً.

المصدر




مقالات مرتبطة