كيف يمكن للشركات توظيف جيل الألفية والاحتفاظ بهم بشكل أفضل

يشكو لي أرباب العمل بشكل يومي من عدم القدرة على الاحتفاظ بموظفي جيل الألفية أكثر من شكواهم من مشكلات توظيفهم، كما تشير العديد من الدراسات إلى بقاء جيل الألفية وسطياً لمدة عامين مع شركة معيَّنة قبل الانتقال إلى العمل في شركة أخرى. وإذا ما قُورِنَت هذه البيانات ببيانات الأجيال الأكبر سناً، سنلاحظ استمرار الجيل إكس في العمل خمس سنوات في أحسن الأحوال، بينما يستمر جيل طفرة المواليد مثلاً لسبع سنوات قبل أن يغادروا إلى شركة جديدة.



توجد العديد من الأسباب التي تجعل جيل الألفية يترك شركتك:

  1. قلة المعرفة الذاتية؛ وذلك بسبب تأخُّر بلوغهم سن الرشد، فلم يحظَ "جيل الألفية" بالوقت أو الفرص الكافية لاستكشاف أنفسهم وتحديد نوع الثقافة التنظيمية وطبيعة العمل بعد التخرُّج؛ فيضطرون إلى قبول أيَّة وظيفة في أيَّة شركة، وسرعان ما يدركون أنَّها لا تناسبهم أبداً. هنا تُثبِت استراتيجية التوظيف الصحيحة فاعليتها في الاحتفاظ بالموظفين؛ فإذا وظَّفتَ الأشخاص المناسبين للثقافة التنظيمية، فأنت تزيد فرص بقاء الموظف فترة أطول.
  2. سهولة اكتشاف المواهب أكثر من العقد الماضي؛ إذ تُقتنَص أفضل المواهب "لجيل الألفية" عبر خدمات العرض على مواقع عدَّة مثل "لينكد إن" (LinkedIn)، فيحصلون على عروض عمل جديدة ضمن ثقافة أفضل بمال وفير؛ وهذا يضع عبئاً إضافياً على الشركات لخلق ثقافة فريدة من نوعها تدعم "جيل الألفية" وتمنحهم مزايا ورواتب تنافسية.
  3. سوء رسم المستقبل الوظيفي؛ فإذا لم يرَ "جيل الألفية" أيَّة بوادر للترقية، فسينتقلون مباشرةً؛ لذلك يقع على كاهل المديرين وضع توقعات صادقة للعمال الشباب كحصولهم على مكافأة في حال استمروا في الشركة لفترة أطول أو نيل لقب أفضل وزيادة في الراتب وتحقيق فرص للنمو والتنمية الذاتية.

تكلف شكاوى الاحتفاظ بالموظفين الشركات الكثير من المال، وخاصة التي توظِّف مئات أو آلاف الموظفين من "جيل الألفية". قبل بضع سنوات، توصَّلنا من خلال دراسة إلى أنَّ: استبدال كل موظف من "جيل الألفية" يكلف 20.000 دولار؛ فإذا فقدتَ 100 موظف، فهذا يعني مليوني دولار. والأسوأ من ذلك أنَّ فقدان الموظفين يزيد الضغط على العمال الآخرين لسد الفراغ الذي قد يستغرق شهوراً.

وفي الدراسة نفسها وُجِد أنَّ "جيل الألفية" يريد العمل مع خبراء متخصصين يتحلَّون بأخلاقيات المهنة كالصدق والشفافية. تأكَّد من توظيف المواهب الشابة، الذين سيجذبون أقرانهم الموهوبين، فاستعمل الموهبة كأداة توظيف، وحدِّد السمات الرئيسة للمرشحين لضمان استعدادهم إلى العمل الجاد وإلهام زملائهم في العمل للقيام بشيءٍ ماثل.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح هامة تساعدك للحصول على الترقية في عملك

إليك 6 استراتيجيات لإدماج جيل الألفية والاحتفاظ بهم:

1. البحث عن هدف أسمى:

إحدى الطرائق لضمان الاحتفاظ بموظفي "جيل الألفية" في شركتك هي منحهم هدفاً أعلى. وجدت دراسة حديثة أجرتها شركة "ديلويت" (Deloitte) للخدمات والحلول والاستشارات المالية أنَّ غاية "جيل الألفية" هي العمل في شركة تُحدِث فارقاً في المجتمع، وليس مجرد تحقيق ربح للمساهمين. كما وجدنا أنَّ أكثر من ثلث "جيل الألفية" يريدون من رب العمل خدمة المجتمع.

  • في شركة "مايكروسوفت" (Microsoft)؛ يجمع نحو 65% من الموظفين الأموال لمختلف الجمعيات الخيرية من خلال المشاركة في نشاط الركض لخمسة كيلومترات، أو المشاركة في المزاد الخيري على الإنترنت.
  • في شركة الخطوط الجوية "جيت بلو" (JetBlue)؛ تطوَّع 1900 فرد من طاقم العمل بوقتهم لزراعة أكثر من 1200 شجرة.
  • لدى شركة "إرنست ويونغ" (Ernst & Young) "يوم تواصل"؛ وهو يوم الخدمة الذي مكَّن الموظفين من تسجيل أكثر من 60.000 ساعة من الخدمة سنوياً.

ولا تُنشِئ كل شركة من هذه الشركات برامج تطوعية فحسب؛ بل تشرح أيضاً هذه البرامج لموظفيها والجمهور عموماً؛ وذلك لإظهار أنَّ شركاتهم لا تهتم بكسب المال فقط؛ وإنَّما لإحداث فارق في المجتمع؛ وهذا يُشرِك "جيل الألفية" بالتغيير على مستوى أعمق.

لتحقيق التواصل الفعال مع "جيل الألفية" لا بُدَّ من إشعارهم بأهمية المشاريع التي يعملون عليها للفريق والشركة والعملاء والعالم، فيجب أن تعدِّل رؤيتك ومهمتك وقيَمك بما يساعد على الاحتفاظ بهم.

إقرأ أيضاً: هدفنا في الحياة... أوّل خطوة على طريق النّجاح

2. مرونة الوظائف:

أحد المعايير الأخرى التي يبحث عنها "جيل الألفية" هي مرونة العمل؛ وذلك مع تزايد متطلبات العمل باستمرار وزيادة ساعات العمل من 40 ساعة إلى 49 ساعة أسبوعياً. سيقبل الجميع بالعمل المستمر في أمريكا على الأقل. ومع ذلك سيحتاج "جيل الألفية" إلى قضاء وقت إضافي على النشاطات الشخصية، ولن يقبلوا بفصل حياتهم الشخصية عن العمل من 9 إلى 5 مساءً، فقد مكَّنَتهم التكنولوجيا من العمل من المنزل، مع الاستمرار في التعاون مع فريق العمل.

وبهذا يصلون إلى نتيجة مُرضية من تقليل الحواجز بين العمل المكتبي والعمل في المنزل. وقد وجدت دراسة حديثة أُجريَت مع مجموعة "كارير أرك" (CareerArc) للبرمجيات أنَّ 30% من أرباب العمل يتوقعون سهولة الاتصال بالموظف خارج المكتب عبر الهاتف أو الإيميل.

تصمم المزيد من الشركات برامج تسمح بالعمل عن بُعد بانتظام؛ وذلك بسبب الطلب المتزايد من جيل الألفية بمكان عمل أكثر مرونة، على سبيل المثال: في موقع "إنتا" (Aetna) للرعاية الصحية؛ يعمل نحو نصف الموظفين من المنزل بدوام كامل؛ ونتيجة لذلك، وفَّرت الشركة عشرات الملايين من الدولارات في تكاليف العقارات.

كما توجد طرائق أخرى لدفع "جيل الألفية" إلى المشاركة؛ وهي بالاستثمار في حياتهم المهنية من خلال التدريب والتطوير؛ وذلك لحاجة "جيل الألفية" إلى التعلُّم قدر الإمكان؛ لأنَّهم ما يزالون مبتدئين في حياتهم المهنية.

صمِّم برامج منتورينغ تربط بين جيل الألفية والمديرين التنفيذيين، ودعهم يعلِّمون المديرين التنفيذيين كيفية استعمال التكنولوجيا الجديدة لتحقيق مصالحهم، ومن ثم ادفع المديرين التنفيذيين إلى دعم تطلعات الشباب المهنية، وسيشعر "جيل الألفية" بهذه الطريقة بمزيد من التواصل الإيجابي الفعَّال ضمن شركتك، ويعملون بجد أكبر ويحصلون على الدعم عند غياب رب العمل.

3. التغذية الراجعة وسياسة التلعيب:

بغضِّ النظر عن برامج المنتورينغ، يسعى "جيل الألفية" أيضاً إلى الحصول على تغذية راجعة آنيَّة، والاستمتاع بالتعلُّم عبر تطبيقات التلعيب، وغالباً ما يختارون التسجيل في "برامج العمل التناوبي" ضمن أقسام الشركة أو البرامج القيادية التنموية، وتساعد التغذية الراجعة الآنيَّة "جيل الألفية" على التحسن باستمرار بدلاً من الانتظار لمدة عام لمعرفة تقييم أعمالهم.

استبدلَت "أدوبي" (Adobe) تقنيات تقييم الأداء السنوية بنهج التواصل المستمر؛ وبهذا زادت معدل الاحتفاظ بالموظفين، كما أنَّ موضوع "التلعيب" (gamification) أصبح من الموضوعات الساخنة؛ إذ تأثر جيل الألفية فيه؛ وذلك لأنَّهم نشؤوا يلعبون ألعاب الفيديو وهذه هي الطريقة التي تعلَّموها وطوروها كأشخاص.

باستعمال تطبيقات التلعيب، يمكنك إنشاء محاكاة تسمح لهم بتنفيذ الإجراءات دون الشعور بذلك. بالإضافة إلى ذلك، تخلق تطبيقات التلعيب منافسة بين موظفي "جيل الألفية"؛ وهذا يجبرهم على التعلُّم والتحسين باستمرار حتى يتمكنوا من مواكبة أقرانهم، لطالما دعت "برامج التناوب" (Rotational programs) "جيل الألفية" إلى اكتشاف أهدافهم المهنية في أثناء السفر وخلال تجربة العمل في الإدارات المختلفة.

تشكو العديد من المنظمات من عدم جدوى استثماراتها في هذه البرامج؛ وذلك لأنَّ جيل الألفية في نهاية المطاف سيترك العمل على أي حال، ولمنع هذه النهاية الحتمية بزعمهم؛ من الأفضل إنشاء فترة انتقالية بين البرنامج التطويري والوظيفة بدوام كامل، كما يجب تكثيف الجهود لربط نقاط قوة شخصية الموظف الشاب مع الوظيفة والمجموعة المناسبة.

شاهد بالفيديو: كيف تقدم تغذية راجعة بناءة في مكان العمل؟

4. ترقية جيل الألفية:

إحدى أكبر شكاوى "جيل الألفية" هي عدم وجود فرص كافية للترقية؛ ويرجع ذلك إلى رغبة الشركات في رفد كوادرها بكفاءات خارجية أكثر من الداخلية. كما أنَّ الشركة تتكلف مصاريف إضافية بما يقارب ضعفي المبلغ للإعلان عن وظيفة، ثم الدفع لشركة التوظيف، وقد تتكبد الشركة خسائر في الإنتاجية جرَّاء وجود فراغ في الفريق.

أمَّا الترقية فتعطي جيل الألفية فرصة للنمو ضمن الشركة، كما تسمح لمواهبهم بالتطور وترفع من معنوياتهم وتوفر المال والوقت، فبينما تستغرق أسابيع لترقية شخص داخلياً، ستستغرق أشهراً لتعيين موظفين آخرين.

عندما أتحدث عن جيل الألفية؛ فلا بدَّ من ذكر مهاراتهم في التكنولوجيا، فهي ليست مجرد ميزة يبحث عنها الجمهور والعملاء، ولكنَّ توظيف التكنولوجيا بالنسبة إلى جيل الألفية هو أحد المصادر المؤثرة في سلوكاتهم إلى جانب الأسرة والاقتصاد.

يشير استطلاع أجراه موقع "جوبفيت" (Jobvite) مؤخراً إلى أنَّ 94% من الشركات تستعمل وسائل التواصل الاجتماعي للتوظيف، كما يشير إلى زيادة عدد مستخدمي الهاتف الجوَّال للبحث عن عمل، والأهم من هذا هو كيف نستعمل التكنولوجيا لدمج جيل الألفية في بيئة العمل.

عندما عملتُ في شركة "إي إم سي" (EMC)، أنشأنا ما يُسمى "إي إم سي ون" (EMC ONE)؛ وهو مجتمع افتراضي مكَّن كل موظف من التدوين وتحميل الملفات وإنشاء قاعدة موسوعية، وقبل أن أغادر الشركة كان ربع الموظفين قد شارك في المدونة، وكانت المشاركة الفعالة هي مصدر قوة؛ إذ ربطت بين جميع أنحاء المنظمة وأنشأت شبكات أقوى وساعدت الناس على حل المشكلات بشكل أسرع، ومن أجل جذب "جيل الألفية"؛ تحتاج الشركات إلى توظيف التكنولوجيا في جميع أقسام الشركة، واستعمال الشبكات الاجتماعية الداخلية لإشراكهم، وعدم حظر مواقع التواصل الاجتماعي.

5. ريادة الأعمال:

يهتم جيل الألفية في وقتنا بريادة الأعمال إلى جانب التكنولوجيا. والآن، بعد أن أصبحت تكلفة تأسيس الأعمال التجارية أرخص بكثير من ذي قبل، مع توفر المعلومات والخبرات اللازمة بشكل مجاني على الإنترنت، فتتوجَّه أنظار الفئة الشابة إلى ريادة الأعمال كبديل عن "الوظيفة الحقيقية"، ويمكن للشركات الاستثمار في هذه الفرصة بتقديم الخدمات وأنظمة الدعم الداخلي للمشاريع، وتوفير الموارد التي تسمح لهم بالتصرف كمؤسسي شركات ناشئة في أثناء وجودهم في شركتك.

على سبيل المثال، يوفر "لينكد إن" (LinkedIn) "برنامج احتضان المشاريع" (incubator program)؛ إذ يتعاون الموظفون على تأسيس فكرة ثم يعرضونها على المديرين التنفيذيين، فإذا مُوِّلوا، يباشر الفريق بالتنفيذ الذي من المحتمل أن يكون له عائد استثمار مرتفع للشركة، كما تملك "غوغل" "برنامج 20%"؛ إذ يقضي الموظفون 20% من وقتهم في القيام بمشاريع خارج إطار العمل المكلفين به.

هذان مثالان سهلان عن كيفية تمكين "جيل الألفية" من استعمال الموارد والعلامة التجارية لشركة كبرى لتحقيق طموحاتهم في ريادة الأعمال. كما تُظهِر أبحاثنا أنَّ "جيل الألفية" يريد قيادة صادقة؛ فيرغبون بشدة في العمل مع قيادة تتسم بالصدق والشفافية، كما يرغبون في المشاركة في المناقشات وعملية صنع القرار.

"جيل الألفية" هو أول جيل يناقش مسألة الأجور بفاعلية في مكان العمل، وهو أمر تثبطه معظم الشركات بشتى الطرائق؛ وذلك لأنَّه يكلفهم المال ويخلق بيئة عدائية بسبب عدم المساواة المتصوَّرة أو الحقيقية.

شاهد بالفيديو: ما الفرق بين ريادة الأعمال وإدارة الأعمال؟

6. بناء الثقة:

في الحقيقة، إنَّ "جيل الألفية" لا يثق بكبار المسؤولين التنفيذيين أو السياسيين أو أي قادة أعمال آخرين؛ لذا فإنَّ عمل المنظَّمة هو كسب ثقتهم، وكلَّما كانت صريحة بشأن توقعات مكان عملها وحالة شركتها، زادت ثقة عمالها الشبان بها وازدادت رغبتهم في العمل بجد أكبر لأجلها؛ وإذا لم تكن صادقة معهم، فسيكتشفون ذلك إما بالبحث على محرك "غوغل" أو بسؤال الموظفين الآخرين.

بالطبع، ستختلف الرغبات والاحتياجات باختلاف الموظفين؛ لهذا يمكن التنويع بالاستراتيجيات للاحتفاظ بالموظفين الشباب مثل: توفير المرونة، والتدريب، والتطوير، وتقديم تغذية راجعة آنيَّة، والمشاركة في برامج التدريب التناوبي في جميع أقسام الشركة، وتمكين النمو الذاتي في بيئة العمل، وتوظيف التكنولوجيا، والتعاون الاجتماعي، واستثمار فرص ريادة الأعمال، وصدق القيادة، فتتضافر جميعها لتخلق طرائق فعالة تربط جيل الألفية بغايات أسمى داخل المنظمة.

المصدر




مقالات مرتبطة