كيف تنفِّس عن الغضب دون إيذاء الآخرين؟

لقد شهدت أشخاصاً يصبون جام غضبهم علي، ولم تكن النتيجة جيدة بالنسبة إلي؛ كما قد مررت ببعض الأوقات في حياتي التي غضبت فيها بشدة، وقد آذى غضبي هذا مشاعر من حولي؛ وعندما أفكر الآن في نوبات الغضب تلك، أرى كم كانت عواقب الغضب سيئة دائماً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة كاثرين ساندفورد (Kathryn Sandford)، والتي تحدثنا فيه عن بعض طرائق التنفيس عن الغضب دون المساس بمشاعر من حولنا.

قد يتسبب الغضب بحدوث مشكلات في حياتنا؛ وإذا تُرِك لفترة طويلة بما فيه الكفاية، فلن يؤثر التعبير السلبي عنه في من حولنا فحسب، يل سيؤثر أيضاً في جودة حياتنا وصحتنا.

التعامل مع الغضب وعدم الاستقرار:

كانت استراتيجية الحكومة النيوزيلندية للتعامل مع أزمة كوفيد- 19 (COVID-19) هي عزل مقاطعتي بالكامل عزلاً صحياً، وكنت أعيش في "عزلة" مع ابني وزوجي على مدى الأسابيع الأربعة الماضية.

أصبحت عادة التسوق اليومية مرهقة، إذ أمكن لشخص واحد فقط في الأسرة الذهاب إلى السوبر ماركت؛ وعندما تصل إليها، يجب عليك الإبقاء على مسافة مترين بينك وبين الآخرين، كما عليك التسوق فقط في البقالة الأقرب إليك.

لقد أضاف كوفيد- 19 (COVID-19) حالة من عدم الاستقرار والاضطراب إلى عالمنا ومجتمعاتنا وحياتنا؛ ونتيجة لذلك، شعر الكثيرون منَّا بالغضب والخوف، ويأتي أساس هذا الغضب من خوفنا من المجهول واضطرارنا إلى التعامل مع عدم الاستقرار.

ليست لدي أي فكرة عمَّا ستكون عليه حياتي وأعمالي بعد كوفيد- 19 (COVID-19)، وهذا أمر مخيف؛ ولكنِّي أعلم أنَّه إذا لم أتعامل مع مشاعر الخوف الكامنة في داخلي، ستتراكم بمرور الوقت وتنطلق في نهاية المطاف على هيئة نوبات غضب، وهذا ليس جيداً بالنسبة إلي وإلى الآخرين الذين قد يشهدون نوبات غضبي.

إقرأ أيضاً: كيف يتعامل الأشخاص الناجحون مع الغضب؟

كيف نتخلص من غضبنا دون إيذاء الآخرين؟

تحدد علاقتنا بالغضب ما إذا كنَّا نتحكم بهذه المشاعر أم تتحكم بنا؛ وإذا كنت تريد معرفة كيفية التخلص من الغضب دون إيذاء الآخرين، فيتعين عليك أولاً فهم الغضب.

الغضب هو شعور طبيعي نشعر به جميعاً، وهو ليس عاطفة منفردة، إذ تكمن العديد من المشاعر وراءه، والتي قد تكون عبارة عن: القلق أو الحزن أو الخوف أو الأذى أو الخجل أو الشعور بالتهديد أو الإحباط؛ ولا يعدُّ بحد ذاته "مشكلة"، بل إنَّ السلوك الذي نستخدمه للتعبير عنه هو المشكلة الحقيقية.

قالت سوزان ديفيد (Susan David) -الحاصلة على شهادة الدكتوراه في الطب النفسي، والحائزة على جوائز كثيرة: أنَّ الناس يحكمون على أنفسهم بسبب شعورهم بالمشاعر السلبية مثل الغضب أو خيبة الأمل أو الحزن، وأنَّ قمع أو إنكار هذه العواطف يجعلها أقوى ويقودنا إلى طريق مسدود؛ لذا فإنَّ الخطوة الأولى لإبقاء غضبك تحت السيطرة هي العمل على أن تصبح أكثر وعياً بالمشاعر التي تغذيه.

تحدد سوزان ديفيد (Susan David) في إحدى مقابلات المدونة الصوتية الخطوات الأربعة التي يمكنك اتخاذها لإحداث تغيير في حياتك.

لقد منحتني هذه الخطوات الأربعة التي تحدثت عنها سوزان ديفيد (Susan David) هيكلاً يساعدني في بناء علاقة سليمة مع عواطفي ومشاعري السلبية، كما أعانتني على الخروج بأفكار حول كيفية التخلص من الغضب دون إيذاء الآخرين؛ إليك هذه الخطوات:

1. إظهار مشاعرك:

يسمح لك الاستعداد لتبني المشاعر غير المريحة والتعامل معها بدلاً من تجنبها أو قمعها بتطوير ذكائك العاطفي (EQ)، ويساعدك تطوير ذكائك العاطفي على اكتساب البصيرة والحكمة التي تعزز عملية اتخاذ القرار عند اختيار أفضل الاستراتيجيات للتعامل مع المشاعر الغامرة التي تشعر بها.

تذكر سوزان ديفيد (Susan David) بوضوح أنَّه عند إظهار مشاعرك، لا يجب أن يأتي ذلك بدافع الحكم، بل بدافع اللطف والتعاطف مع نفسك؛ فالعواطف موجودة لتزويدك بمعلومات حول ما يجري داخلياً لك، وهذا كل ما في الأمر؛ لذا امنح نفسك قسطاً من الراحة، وتقبَّل فكرة أنَّ شعورك بالقلق والغضب أمر لا بأس به.

2. الانسحاب:

بمجرد قبولك أنَّه من المقبول أن تشعر بالغضب، يمكنك الانسحاب؛ وهذه الخطوة ليست سهلة وفقاً لسوزان ديفيد (Susan David)؛ لذا يجب أن تكون مستعداً للقيام بالعمل لجعل هذه الخطوة مناسبة لك.

تتطلب منك هذه الخطوة أن تنفصل عن مشاعرك، وتتراجع، وتلاحظ ما تدور حوله هذه الأفكار والمشاعر.

من النصائح الرائعة التي قدمتها (سوزان) -والتي نجحت معي- هي تغيير الحديث الذاتي من "أشعر بالغضب" إلى "ألاحظ وجود مشاعر الغضب في هذه اللحظة". لذا، افصل نفسك عن الأصوات التي تدور في رأسك، وانظر إلى العواطف على حقيقتها؛ فهي هناك لسبب ما، وإنَّ الانسحاب هو كل ما تحاول هذه المشاعر أن تخبرك به.

3. التوجه نحو قيمك:

تمنحك معرفة ماهيتك وما هو هام بالنسبة إليك الوضوح وصحة الاتجاه عند التنقل في طريقك من خلال تعقيدات الحياة.

لقد كانت هذه الخطوة مفيدة لي؛ ذلك لأنَّه بمجرد حصولي على "السبب"، كان لدي نقطة مرجعية للعمل من خلالها؛ ولقد منحتني هذه البصيرة أساساً يمكنني من خلاله تعزيز قوة إرادتي ومرونتي وحكمتي لمساعدتي في تحديد طرائق التعامل بفاعلية مع الغضب؛ إذ إنَّ قيمك هي القوة الدافعة لعيش حياتك بالطريقة التي تتناسب معها.

إقرأ أيضاً: كيف تحدِّد قيمك الشخصية لتعيشَ حياةً ملؤها الإنجاز؟

4. المضي قدماً:

لقد كانت هذه الخطوة هي المفتاح لاتخاذ إجراء بطريقة كانت مستدامة بالنسبة إلي؛ فأنا لم أكن أبحث عن نهج النجاح لمرة واحدة فقط.

لقد أدركت أنَّ هذه العواطف والمشاعر التي كنت أعاني منها نتيجة لكوفيد-19 (COVID-19) ستعود بشكل أو بآخر؛ لذا كان عليَّ إجراء تغييرات طويلة الأمد. لقد قالت سوزان ديفيد (Susan David) أنَّه من أجل المضي قدماً بنجاح، ما عليك سوى اتخاذ خطوات صغيرة؛ لذلك ركز على تعديل طريقة تفكيرك ودوافعك وعاداتك بطرائق تتماشى مع قيمك ويمكن أن تساهم في إحداث فارق في حياتك.

شاهد بالفيديو: 7 طرق للسيطرة على عصبيتك

إنَّ الاضطراب وعدم الاستقرار والتغيير جزء من الحياة:

كان عليَّ أن أتعلم كيفية إدارة عواطفي ومشاعري السلبية حتى أتمكن من المرور عبر هذه الأحداث المدمرة في الحياة؛ وإذا لم أفعل ذلك، ستسيطر عليَّ مشاعري، وهذا ليس مفيداً على الإطلاق. يأتي التعبير عن غضبي على نحو مثمر بنتائج أفضل بكثير من التعبير عن غضبي على نحو يُلحِق الضرر بالآخرين؛ ولقد قضيت وقتاً طويلاً في العمل على تعديل عقليتي.

فمثلاً: عندما أُغلِقت جميع الصالات الرياضية بسبب العزل الصحي، كان المشي هو التمرين الوحيد الذي يمكنني القيام به خارج المنزل، وكنت أبدأ مسيرتي كل صباح بالامتنان والتقدير لكل الخير في حياتي الآن، وقد كان لهذا الفعل البسيط تأثير مذهل على تقليل شدة مشاعري من الخوف والقلق والغضب؛ ورغم أنَّ الحياة لا تزال صعبة وهناك الكثير من عدم الاستقرار بشأن مستقبلي، إلَّا أنَّني أشعر بالتحكم أكثر في مشاعري.

لم تعد هذه الفقاعة العميقة من العواطف التي تدور في داخلي والتي يمكن أن تنفجر على لا شيء موجودة بداخلي الآن؛ بل أصبحت أكثر صبراً من الآخرين، وأكثر ثقة بشأن كيفية معالجة مشاعري للغضب بطريقة أكثر إيجابية وصحة.

في الختام:

قد تسبب تعبيرات الغضب غير المتحكم به مشكلات كبيرة في حياتك؛ لذا، من الهام أن تتعلم كيفية التخلص من الغضب بشكل صحيح والتعبير عنه دون إيذاء الآخرين. إنَّ إدارة الغضب بطريقة سليمة هي مفتاح السيطرة عليه، وستضعك الخطوات الأربعة المكتوبة في هذه المقالة على الطريق الصحيح بالتأكيد.

المصدر




مقالات مرتبطة