كيف تمنح نفسك وقتاً للتفكير والتخلص من الأفكار السلبية

نحن نفتقر جميعاً إلى سعة التفكير؛ إذ لا بُدَّ لنا أن نعي حقيقة اكتظاظ رؤوسنا بالخواطر، والأفكار، والمخاوف، والرغبات، التي تسيطر علينا مجتمعةً لترسم مسار حياتنا، بدل أن نسيطر عليها، فتُدخِلنا في حلقة مفرغة لا نهائية من التفكير.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن ورائد الأعمال "إيفان ترافر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته السابقة في الخروج من دوامة الأفكار السلبية المستنزِفة للطاقة.

خذ لحظةً وتنفس برويَّة، ثم تمعن فيما تفكر فيه؛ إذ ستكون تلك أفكارك الاعتيادية في كل يوم وكل أسبوع، حتى طوال العام، وركِّز الآن فيما عليك التفكير فيه في اللحظة الراهنة، بدلاً من الأفكار التي تحبس نفسك في داخلها؛ إذ تدور حلقات التفكير حول الأفكار نفسها في نطاقٍ ضيِّقٍ متكرر، من دون السماح لأيِّ أفكارٍ أخرى بالتغلغل بينها.

قد تكون حلقات التفكير هذه إيجابيةً أو سلبية، وبصرف النظر، فهي تستنزف طاقتنا العقلية وتقلل قوة تركيزنا التي خصصناها لأمورٍ خاطئة؛ لذا يجب علينا أن ندرك أنَّ وقتنا ثمين، وكلما تركنا عقولنا تعبث بأفكارنا وخواطرنا، أهدرنا فرصة التفكير في الجوانب الهامة المحفِّزة في حياتنا.

لا تستنزف طاقتك:

إليك مثالاً شخصياً: كأيِّ شخص، تعرضتُ لبعض المشكلات في عملي، التي سببت لي قلقاً مستمراً، فشغلَت تفكيري واستنزفَت طاقتي؛ إذ باتت آخر ما أفكر فيه قبل النوم، وأول ما أفكر فيه عند الاستيقاظ، حتى اعتدت الاستيقاظ ليلاً للتفكير في هذا الأمر.

أصبحت هذه الأفكار جزءاً لا يتجزأ من الكلام الذي أخاطب به نفسي، وهو أمرٌ سيئٌ للغاية؛ ونتيجة لذلك أصبحت لا أقيم وزناً لليوم الذي أعيشه، وإنَّما بتُّ أنظر إليه على أنَّه مجرد ساعات عليَّ قضاؤها بدلاً من عدِّه فرصة يجب أن أُقبِل على اغتنماها؛ فتراجعت الأفكار الإيجابية وحلَّت محلها أفكار سلبية عن الموقف، حتى وأنا أعمل على تنمية عملي التجاري الناجح.

في يوم من الأيام، أشرقت أنوار الفكر وبدأت أتساءل: إن لم أفكر في مشكلة العمل تلك طيلة الوقت، ففيما سأفكر؟ كنتُ مُجهَداً ومتوتراً طيلة الوقت، لدرجة أنَّني لا أتذكر آخر مرةٍ فكَّرتُ بإيجابية بعيداً عن المشكلات، وهذا ما جعلني أتوقف برهة.

فقد وصلت إلى مرحلة بتُّ مسؤولاً عن استغلال كل ثانيةٍ من اليوم، فضلاً عن الاستيقاظ كل صباح والاستعداد لتحقيق جميع أهدافي، فالأفكار يجب أن تتدفق، والإثارة يجب أن تنمو وتتحقق، وشركتي يجب أن تتألق، غير أنَّني كنت بعيداً كل البعد عن هذه النتائج، وكنت أضيِّع الوقت بإلقاء اللوم.

كنتُ أحرم نفسي أفضل إمكاناتي العقلية وأُلحِق الضرر بها، وبدل ممارسة السيطرة الذهنية على أفكاري، كانت هي المسيطرة عليَّ، لتُغيِّر مسار حياتي وتستنزف طاقاتي، وكان يجب أن أضع الأساس للنجاح، لكنَّني بدلاً من ذلك، كل ما فعلته هو الاختباء؛ لذا أخذت العزم بالتغيير والتوقف.

كنت أستنفد طاقتي بيدي، وبدلاً من إعطاء ذهني مجالاً للتفكير في أفكارٍ جديدة ومُبتكَرة تعزِّز قيمة حياتي، كنت أعيش في حلقة مفرغة من التفكير السلبي، وهذا أقحم ذهني في مرحلةٍ حرجة لم أتمكن من الخروج منها أو التفكير في أيِّ شيء منتِج أو مبهِج.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتبنّي التفكير الإيجابي

عزِّز قدرات عقلك:

سرعان ما أدركت أنَّك كلما كنت ناجحاً أكثر، ظهرت العراقيل لتعوق طريقك وتحبطك، وكلما جلست على الأطلال تندب حظك العاثر، أوجعَتك الضربات والمثبِّطات.

لذا فكِّر في الأمر بهذه الطريقة: إن كانت شركتي على تواضعها قد واجهت بعض العراقيل الصغيرة، فكيف بالعراقيل الكبيرة التي قد تواجهها إن كانت بحجم شركة "فيسبوك" (Facebook) أو "غوغل" (Google)، فعندما تواجهني المشكلات الآن، لا أكفُّ عن تخيُّل ما قد يحدث في المستقبل.

وهنا تظهر محاسن العمل التجاري المتواضع؛ إذ إنَّ السيطرة على نمط حياتي هو ما أطمح إليه حالياً، وليس التوسع في أعمالي التجارية، ومع ذلك، فقد اتضح لي أنَّه لا بُدَّ من بعض العراقيل والمقاومة مهما كان هدفك صغيراً، التي تعمل على تغييب صحوة أذهاننا، واستنزاف طاقتنا، وامتصاص متعتنا، وتقليص قيمة وقتنا.

لقد اكتشفتُ أنَّ البشر متشابهون، فإن كنَّا نمرُّ جميعاً بالحال نفسه بغضِّ النظر عن حجم الهدف المراد تحقيقه، فلمَ نسمح للعوامل الخارجية بالسيطرة علينا باستمرار؟

علينا أن نتعلم درساً، وأن نستخدم عقولنا المتبلِّدة، فهذه العراقيل ليست أمراً سيئاً يدعو إلى الرثاء والاستلام؛ إنَّما هي مؤشرٌ هام أنَّ العقل القوي لا يقل أهمية عن الجسم القوي، وهذه إحدى عطايا الحياة، فكما نعرِّض عضلات الجسم للضغوط والأوزان الثقيلة حتى تنمو، علينا تكرار الأمر نفسه مع عقولنا حتى تنمو وتتجدد.

والحقيقة المحضة أنَّه لا بُدَّ من المرور بمراحل قاسية خلال الحياة، التي تستهلك فكرنا استهلاكاً سلبياً، وكلما زادت عزيمتنا وإصرارنا على الهدف، زاد احتمال حدوث ذلك؛ وهذا يحتِّم علينا حماية أنفسنا الآن.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتفكير الإيجابي من ديل كارنيجي

خذ نفَساً:

إنَّ أفضل ما تقدمه إلى نفسك هو أن تفسح لها مجالاً لتقبُّل الأمر؛ إذ يمنحك المزيد من الوقت مساحةً لاستقرار عواطفك، وفرصة لتوسع أفكارك، وعندما تعلق في حلقات التفكير السلبية، فأنت تغفل عن إمكانية التفكير الحر، وهذا أكبر ضررٍ تلحِقه بنفسك.

نطمح جميعاً إلى التأثير في هذا العالم، ولن نجد فرقاً سواء أثَّرنا في شخصٍ أم ملايين الأشخاص، ما دمنا راضين عن أثرنا في هذا العالم، لكنَّنا قد نخطئ الاختيار أحياناً، فنعلق في حلقات التفكير السلبية مقللين بهذا فرص إحداث التغيير.

على سبيل المثال، يعمل موظفٌ في الشركة ويستيقظ كل يومٍ صباحاً مردِّداً نفس العبارة: "لا أريد الذهاب إلى العمل"، ويستمر في التفكير طيلة اليوم، حتى عند أدائه روتينه اليومي، غالباً ما يبدو شعره أشعثَ وتنتفخ عيناه، ويظن جميع زملائه أنَّه غاضب.

إلا أنَّ شعوره الداخلي لا يعكس مظهره الخارجي أحياناً؛ فقد يملؤه التفاؤل لكنَّ تفكيره المستمر رسم حياته، ودفعه نحو التصرف السلبي ظاهرياً، ويستمر الموظف في التذمر من وظيفته طيلة اليوم، ويغادر عمله في الساعة الخامسة تماماً، ليعود إلى منزله مُستنزَف الطاقة، وقد يحفِّز نفسه بالمرور على صالة الألعاب الرياضية، لكنَّه عند عودته يقوم بالنشاطات الروتينية بنفس اليومية من الاسترخاء والطهي والتدخين ومحاولة نسيان هذا العمل المقيت.

ما لا يعرفه الناس ولا يمكن توقُّعه من المظهر الخارجي، أنَّه كاتبٌ طموح، فهو يظن أنَّ لديه موهبة الكتابة، التي يرغب الناس في الاستمتاع بها، ومع ذلك، فلن تعرف هذا بالنظر إلى أفعاله وأفكاره، والحقيقة أنَّه يبعثر طاقته ويستنزفها بالتذمر من العمل، فلا يُبقِي طاقة أو وقتاً للكتابة.

يستمر هذا الموظف في إضاعة آخر يوم من عطلة نهاية الأسبوع، وبدلاً من أخذ قسطٍ كافٍ من الراحة ليستيقظ مبكراً ويتابع تحقيق شغفه، فهو يقضي المساء بما يُسمى "كآبة ما قبل بداية الأسبوع" - إذ يقضي العديد من مواطني الدول الأوروبية مساء الأحد في الشعور بالقلق والرهبة من الرجوع إلى العمل بعد عطلة نهاية الأسبوع - فيفقد الدافع للكتابة، وتستمر هذه الحالة إلى أول يوم في الأسبوع.

ثم عندما يُصاب بالأرق سيستيقظ متأخراً، ولن يجد وقتاً للاستعداد أو التفكير الإيجابي، وخلال يوم العمل، يبدو مشغولاً جداً ويتجنب زملاء العمل كما يتجنب التفكير في كتابة أحداث روايته المستقبلية التي لم يكتبها بعد.

عادة ما تكون حالته بعد العمل في أدنى مستوياتها، وقد تكون طاقته قد استُنزِفَت بفضل حلقة التغذية الراجعة السلبية، لدرجة أنَّ المرور على صالة الألعاب الرياضية قد لا يُجدي نفعاً، وانخفضت طاقته ولم يبقَ ما يعطيه لقصته وصفحاته الفارغة.

هكذا تحرمنا أفكارنا السلبية من وقتنا المثمر وطاقتنا المنتِجة، وكلما شعرنا بمزيد من السلبية والقلق، قلَّت مساحة التفكير الإبداعي، ومن ثمَّ الأعمال المثمِرة، فبدل أن نبذل طاقتنا في خدمة شغفنا، واستخراج الدروس والعِبر، وترك أثرٍ فعلي، يأخذنا تفكيرنا لنمضي اليوم تلو الآخر من دون أثر إيجابي يُذكَر.

صفاء الذهن:

نحن بحاجة إلى تهدئة عقولنا، ويجب أن نعطي أنفسنا مجالاً للتفكير؛ إذ يجب علينا التفكير في أفكار لكتاب، ورؤىً للأعمال، وتصوراتٍ لاقتناص مشاريع شغوفة قد تأتي فجأة، سواء في الحمام أم في صالة الألعاب الرياضية أم عند القيام بشيء لا علاقة له على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: 7 طرق تساعد على تصفية الذهن

سيكون من العار أن تعلق في دوامة الأفكار السلبية، التي قد تمنعك من الاستمتاع بالاستحمام حتى، فهذا قد يحرمك تذكُّر ما إذا كنت استخدمتَ غسول الشعر، ناهيك عن تضييع أكثر اللحظات صفاءً وقابلية للتوصل إلى أفكارٍ مشرقة ومشاريع مستقبلية كبيرة؛ لذا توقَّف، وتنفَّس، وأعطِ نفسك مساحة وخذ وقتك بالاستحمام.

المصدر




مقالات مرتبطة