كيف تمنح انتباهك الكامل لتحقيق إنتاجية أكبر؟

متى كانت آخر مرة وجدتَ فيها نفسك تَختبر إحدى هذه الأمور الثمانية في أثناء العمل على مشروع ما؟



  • التركيز الكامل على المَهمة.
  • وضوح الأهداف والحصول على مكافأة والتغذية الراجعة المباشرة.
  • التحكم بالوقت (التعجيل والتباطؤ).
  • إحساسك بأنَّه تجربة مفيدة بطبيعته.
  • السهولة وبذل القليل من الجهد.
  • تحقيق التوازن بين التحديات والمهارات.
  • دمج الإجراءات بالوعي والإدراك، والتخلص من اجترار الأفكار.
  • الشعور بتحكُّمك بالمهمة.

لنكن صادقين: هل شعرتَ بإحدى هذه الأمور من قبل؟ معظم الناس لم يشعروا بذلك، ربما لأنَّهم لم يصلوا إلى أقصى حالات "التدفق الفكري" (flow) التي وصفها الباحث في علم النفس ميهالي تشيكسينتميهالي (Mihaly Csikszentmihalyi) في بحثه حول الانتباه وذروة الإنتاجية.

لن تتمكن من إعطاء انتباهك الكامل بمجرد أن تتمنى ذلك؛ وإنَّما يجب أن تكتسبها وتحققها بوعي عن طريق تنظيم بيئتك لتسهيل استمرار القدرات العقلية اللازمة لتحقيق التركيز المناسب.

من خلال بحثه الذي يتحدث عن فهم حالة "التدفق الفكري"، أدرك ميهالي (Mihaly) أنَّه لتحقيق أقصى حالات التركيز، يجب على المرء أن يلتزم التزاماً كاملاً بالسعي لتحقيقه ووضع مجموعة محددة من المعايير الرئيسة لخلق هذه الحالة المتزايدة من الفرح والبركة والسعادة.

لسوء الحظ، لقد تَعلَّمنا القليل جداً عن هذه الأساليب البسيطة وأهداف التعلم في المدرسة، ويعود ذلك أساساً إلى أنَّ المدارس لا تُعلِّمك طريقة التعلم؛ وإنَّما يعطونك المحتوى الذي تحتاج إلى معرفته فقط.

مثل معظم الأمور في الحياة، لا يتعلم الناس بنفس الطريقة؛ فقد يتعلم بعضهم تعليماً أفضل من خلال الصوت، في حين يفضل بعضهم الآخر التعلم عن طريق الفيديوهات، وقد يختار بعضهم القراءة، في حين يعطي الآخرون الأولوية للتطبيق العملي، ولا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة لتعلُّم المعلومات؛ وإنَّما توجد طرائق أفضل لتسهيل التعلم من خلال زيادة مدى الانتباه والتحمل الذهني.

لزيادة قدرة الدماغ على التركيز على مَهمة ما وإيلاء الانتباه الكامل للمشروع، علينا إلى أن نُوفِّر بيئة مثالية ونجدول يومنا مع النية الصادقة لتحقيق النجاح.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح للعمل بذكاء وزيادة إنتاجيتك

نُقدِّم لك فيما يلي 3 طرائق لمنح انتباهك الكامل وتحقيق إنتاجية أكبر:

1. التخلص من المشتتات كلِّيَّاً:

لو كان هذا الأمر سهلاً، لتمكَّن الجميع من القيام به، وتُعَدُّ المشتتات إحدى أسهل الطرائق وأكثرها فاعلية لتشتيت تركيزنا وإهدار قدراتنا العقلية الثمينة في المهام التي لا تعود بفوائد تُذكَر على الأمد الطويل.

يمكِن أن تكون الأنشطة البسيطة، مثل: تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، والتحقق من رسائل البريد الإلكتروني التي لا نهاية لها خلال اليوم، والتحقق من هاتفك لرؤية أحدث الرسائل النصية، وكلها طرائق لإطالة مدة المشروع الذي نعمل عليه، لا سيَّما أنَّ عقلنا يحتاج حوالي 23 دقيقة و15 ثانية للعودة إلى حالة التركيز القصوى بعد كل انقطاع.

إذاً، نحن نفعل هذا بأنفسنا لأنَّنا نحب إثارة هرمون الدوبامين في أجسامنا؛ ففي كل مرة تحصل فيها على رسالة نصية جديدة، أو تتلقى بريداً إلكترونياً جديداً، أو تكتشف أنَّك تلقيتَ إعجاباً جديداً على منشورك على إحدى منصات التواصل الاجتماعي، يتدفق الدوبامين في دماغك وتحديداً في منطقة تسمى النواة المتكئة (Nucleus Accumbens).

تُعَدُّ النواة المتكئة جزءاً لا يتجزأ من نظام المكافآت لدينا (إلى جانب المنطقة السقيفية البطنية)؛ حيث يزداد نشاطها كلَّما حدثَ أمر ممتع في حياتنا، بغضِّ النظر عما إذا كنَّا ندرك هذا الأمر أو نختبره، وقد أكَّد العلماء أنَّه يوجد القليل من الاختلافات في مسارات المكافأة بين مختلف المهام.

لهذا السبب، يجب أن تتوقف عن تشتيت انتباهك بهذه الأمور؛ لأنَّها تقتل إنتاجيتك (وربما خلايا الدماغ).

يؤثِّر تشتيت الانتباه في يومك ويجعله أكثر تعقيداً، ولا يتوقف عند هذا الحد فحسب؛ وإنَّما يُؤثِّر في قدراتك العقلية وطاقتك، مما يتسبب في انتقال الدماغ من مَهمة إلى أخرى، والذي يُعَدُّ استخداماً غير فاعل للنشاط العصبي، حيث يتطلب الانتقال من مَهمة إلى أخرى من الدماغ أن يستعيد تركيزه، ممَّا يتطلب أيضاً استخدام خلايا عصبية جديدة، ومسارات مختلفة، وبذل المزيد من الطاقة لبدء المهمة الجديدة المطروحة بين أيدينا.

عندما كان ميهالي (Mihaly) يقوم بأبحاثه، أدرك أنَّ قوة التركيز المستمر والانتباه الكامل تحقَّقَت من خلال تكرار الأمر وتكثيفه؛ فكلما درَّبتَ نفسك على التركيز أكثر، أصبح الأمر أسهل عليك.

يجب أن تكون إزالة المشتتات هي الخطوة الأولى في هذه العملية؛ وذلك لأنَّ الدماغ يزدهر بالبساطة، ويمكِن أن يعمل بمستوىً أفضل عندما لا يتشتت أو يغيِّر تركيزه باستمرار.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة للحفاظ على التركيز في أثناء العمل

2. جدولة يومك:

توقَّف للحظة وفكِّر في أحد الأمور الهامة في حياتك والتي لن تستعيدها أبداً: هو ليس المال ولا الشهرة ولا علاقاتك السابقة، إنَّه الوقت.

يُعدُّ الوقت أثمن مورد نمتلكه، لأنَّه بغضِّ النظر عن وضعك المادي أو الاجتماعي أو المالي، فهو الأمر الثابت الوحيد الذي نمتلكه ولا يمكِننا المغامرة فيه؛ فالوقت ثمين، ولسوء الحظ يهدره معظمنا على الأنشطة التي تُوفِّر لنا القليل من المكاسب على حساب المكافآت طويلة الأمد.

لإتقان القدرة على التركيز وممارسة صقل مهاراتنا من أجل الانتباه الكامل، يجب أن نتقن إدارة الوقت؛ وأفضل طريقة لإدارة وقتك هي التخطيط له.

يجب أن نخصِّص وقتاً لممارسة التمرينات الرياضية، ووقتاً لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، ووقتاً للتحقق من البريد الإلكتروني يومياً، حيث يمكِن أن تستمر القائمة إلى ما لانهاية وعادةً ما يحصل ذلك، لا سيَّما عندما لا تُجدوِل يومك، ولا تنسَ أن تمنح نفسك الأولوية للخروج مع أحبائك وأصدقائك؛ حيث يمكِن أن تكون هذه السياسة أداة فاعلة جداً لإدارة أمورك الهامة؛ بينما تستعيد نشاطك وحيويتك بعد يوم طويل في العمل.

حتى مع جدولة يومك، يمكِن أن تصبح إدارة الوقت طريقةً عشوائية وتجعلنا ننسى أنفسنا، وهذا هو السبب في أنَّ تخصيص أوقات محددة للمشاريع يمكِن أن يساعد في إدارة الوقت لتحقيق إنتاجية أفضل.

تَستخدِم تقنية البومودورو أو "تقنية الطماطم" (Pomodoro Technique)، التي أنشأها الإيطالي فرانشيسكو سيريلو (Francesco Cirillo)، صيغةً بسيطة لإدارة الوقت من خلال تخصيص 25 دقيقةً لأداء مَهمة واحدة محددة في كل مرة، وهذه التقنية بسيطة لكنَّها فاعلة جداً، وتتوافق مع فهمنا الحالي لعلم النفس العصبي وطريقة معالجة الدماغ للمعلومات.

إنَّ الطرائق القديمة لتعدُّد المهام قد عفا عليها الزمن، ولا صحة لها في علم الأعصاب، حيث تستمر الأبحاث في التأكيد على أنَّ التبديل بين المهام يتطلب الكثير من الوقت والطاقة، كما أنَّه يستنفد طاقة الدماغ ويُبطِّئ المعالجة المركزية داخل قشرة الفص الجبهي، وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن الوظائف التنفيذية واتخاذ القرارات والتحفيز.

يَشعر الدماغ بالإرهاق في أثناء الاستمرار في تبديل المهام، ويصبح أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء، مما يؤدي إلى مزيدٍ من التأخير في إحراز التقدم، وزيادة احتمال اضطرارك إلى إعادة عملك، كما تتوقع بعض الأبحاث أنَّ التبديل بين المهام يمكِن أن يزيد معدلات ارتكاب الأخطاء لدينا حوالي 50%، مما يجعل مهامنا تستغرق وقتاً أطول للانتهاء منها.

لذلك، في المرة القادمة التي يتباهى فيها زميلك في العمل بقدرته على القيام بمهام متعددة، استمتِع بالشعور المريح بأنَّك غالباً ستحصل على الترقية القادمة.

إقرأ أيضاً: لماذا يعدُّ التخطيط ليوم العمل أمراً حاسماً لتحسين الإنتاجية؟

3. إعداد دماغك لفكرة النجاح:

يقول المثل: "إذا لم تَستخدم قدراتك، فإنَّك ستفقدها بالفعل". إنَّها فلسفة تقليدية قديمة في علم الأعصاب، تتحدث تحديداً عن تكوين العادات، وتحسين الأداء البدني والعقلي، وفهم طريقة عمل الجهاز العصبي المركزي بالتزامن مع الجسم لتنفيذ الأنشطة.

يُعدُّ كل من إزالة عوامل التشتيت ووضع جدول يومي للمهام خطوات أساسية لتحقيق التركيز والنجاح، ومع ذلك، لا يمكِن تحقيق أقصى استفادة من هذه الأساليب إذا تعاملتَ مع عملك وأنت تشعر بالضبابية أو التعب أو الألم أو عدم القدرة على تحفيز نفسك للاستعداد للعمل.

لا يَستخدم الدماغ نظاماً ثنائياً؛ وإنَّما يُعدُّ أكثر تعقيداً ممَّا يبدو عليه، لكنَّ بعض المبادئ المجرَّبة والحقيقية ستبقى أساس النجاح. وبالنسبة إلى المبتدئين، يزدهر الدماغ نتيجة الحركة البدنية وممارسة التمرينات الرياضية؛ حيث تُعَدُّ أفضل طريقة لتنشيط الدماغ، وذلك لأنَّ التمرينات يمكِن أن تُحَسِّن كثيراً تدفُّق الدم والأكسجين والنشاط العصبي في مناطق المعالجة التنفيذية للدماغ، ويمكِن أن تُؤثِّر أيضاً في صحتنا النفسية والعاطفية، ممَّا يُوفِّر فوائد هامة لتحقيق سلامتنا العامة وإحساسنا بالهدف.

شاهد بالفديو: فوائد الرياضة على الصحة النفسية

كما تحتاج الأدمغة الفذَّة أيضاً الطاقة لتحافظ على نشاطها؛ لهذا السبب يمكِن أن يكون كل من النظام الغذائي والتغذية الجيدة ومنح جسمك فرصة للشفاء أمراً مفيداً للأشخاص الذين يختارون الاستفادة منه، وأنت لن تختار بالتأكيد أن تملأ سيارتك بنوع رديء من الوقود، فكيف تتوقع أن تمنحك خيارات الطعام السيئة نتائجَ عالية الأداء؟

تُوفِّر خيارات طعامك الطاقة اللازمة لعقلك وجسمك، والأهم من ذلك تغذِّي بكتيريا الأمعاء التي تحوِّل طعامك إلى مصادر للطاقة؛ بحيث تساعد على إنتاج الناقلات العصبية وتحسِّن الوظائف المناعية لديك.

لقد اشتهرَت بكتيريا الأمعاء والنبيت الجرثومي المعوي بصورةٍ كبيرة خلال السنوات العشر الماضية؛ حيث كانت السبب في حدوث كل حالة من التحلل العصبي تقريباً، بدءاً من مرض باركنسون، ومرض الزهايمر، والتصلب المتعدد، وحتى أمراض القلب والأوعية الدموية، فأنت تحتاج إلى إمداد جسمك بالعناصر المُغذية المناسبة لتغذية عقلك لتتمكَّن من تحقيق النجاح.

وأخيراً، يحتاج جسمك إلى النوم الكافي؛ حيث يُعدُّ السبب الوحيد الذي يجعلنا ننام حوالي ثلث حياتنا هو أنَّ النوم يعمل على منحنا الطاقة اللازمة وتعزيز ذاكرتنا، مما يسمح لنا بإعادة برمجة دماغنا وزيادة نشاط ذاكرتنا لتعزيز عملية التعلم واستكشاف الأفكار.

كما يُسرِّع النوم عمليات الشفاء في أجسامنا، حيث أظهرَت الأبحاث الجديدة عن زيادات كبيرة في حركة الدماغ للسائل النخاعي الشوكي كطريقة للتخلص من المواد المتراكمة في الدماغ طوال اليوم.

إقرأ أيضاً: كيف تقيس إنتاجيتك؟ اختبار عملي لقياس الإنتاجية

الخلاصة:

تُعَدُّ معرفة المعلومات التي ذكرناها أمراً رائعاً، لكنَّ تطبيقها هو الذي يمنحك النتائج الجيدة، فأنت بحاجة إلى وضع أنظمة لرفع مستوياتك وخلق بيئة العمل المثلى لك؛ ولسوء الحظ، لا يمكِن لأي شخص القيام بهذا الأمر بدلاً عنك.

عندما تتحكم بالأمور والنتائج التي تحرزها، ستشهد ازدياداً في الإنتاجية، ومع إيلاء الانتباه الكامل، ستزداد مستويات نجاحك وستمتلك فرصاً أعلى للتقدم، وستتمكن من تحسين إنجاز أعمالك.

أن تكون شخصاً منتجاً يمكِن أن يكون أمراً مرهقاً، لكن أي شخص حققَ نجاحاً في حياته المهنية سيؤكد أنَّ معظم نجاحاته في الحياة نتجت عن ساعات العمل الطويلة التي لم يعلم بها أحد، وتذكَّر دائماً أنَّه يجب عليك أن تحافظ على تركيزك في الأمور التي يمكِنك التحكم فيها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة