كيف تغير عادة أساسية حياتكَ بشكل جذري؟

يُؤكد الكاتب الأمريكي تشارلز دويج (Charles Duhigg) في كتابه المذهل "قوة العادة" (The Power of Habit) أهميةَ إنشاء عادة أساسية تضمن النجاح عملياً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن وكوتش الحياة دانيال توماس هند (Daniel Thomas Hind)، ويُحدِّثنا فيه عن تجارب عملائه في إحداث تغيير جذري في حياتهم.

يتَّخذ السباحَ الأمريكي مايكل فيلبس (Michael Phelps) مثالاً لإيضاح ذلك؛ فقد جعل منه مدربه بوب بومان (Bob Bowman) أفضل سباح في العالم من خلال مساعدته على اكتساب مجموعة من العادات الاستراتيجية التي جعلته الأقوى ذهنياً في مجاله.

لم يتطلب ذلك منه التحكم بجوانب حياة فيلبس كلها؛ بل استهدافَ عاداتٍ محددةٍ غير مرتبطة بالسباحة، وكذلك الأمور المتعلقة بإنشاء الحالة الذهنية المناسبة، فكل ليلةٍ قبل النوم وكل صباحٍ بعد الاستيقاظ كان فيلبس يتخيل نفسه يقفز من فوق الحاجز وبحركةٍ بطيئةٍ يسبح بصورة مثالية، كان يتخيل حركات يديه، وجدران حوض السباحة، وحركات الالتفاف، والأثر الذي يُخلِّفه جسده، والماء يقطر من شفتيه، وشعوره حين ينزع قبعته عند انتهاء السباق.

في أثناء التدريبات كان بومان يطلب من فيلبس السباحة بسرعة السباق، ويقول له: "شغِّل شريط الفيديو"، وهكذا كان فيلبس يبذل أقصى جهده، كان يشعر وهو يشق طريقه في الماء بأنَّ الأمر مألوف للغاية وأنَّه فعل ذلك من قبل، وكان يعرف جيداً كيف يبدو الأمر؛ فقد سبق وجسَّد حركات النجاح.

في نهاية المطاف كل ما كان بومان يقوله لفيلبس قبل السباق هو: "شغِّل شريط الفيديو"، وكان هذا كافياً لينطلق فيلبس لممارسة روتين الإحماء قبل السباق، وهو سلسلة طويلة من تمرينات التمدد، والموسيقى، والحركات، والتخيل، وطقوس شخصية لا علاقة لأيٍّ منها بالسباحة بصورة مباشرة.

جسَّد فيلبس النجاح قبل نزوله إلى الماء حتَّى من خلال التدرُّب وفق روتين محدد يناسبه خصِّيصاً.

بصفتي كوتش حياة أعمل مع العشرات من رواد الأعمال والفنانين ومدمني العمل الذين يتعرضون لضغوطات شديدة ويُخاطرون بصحتهم يومياً لتحقيق نجاحٍ شبه مستحيل، إنَّني أقدم المساعدة لهؤلاء الأشخاص لتحقيق تغييرات جذرية في حياتهم تتعلق بعلاقتهم بالطعام.

لا عجب أنَّ العديد من عملائي مُطلَّقون حديثاً، أو في طريقهم للحصول على الطلاق؛ فغالباً ما نُدرك قُدرتنا على التغيير في أوقات المِحن، ومع ذلك فإنَّ أكثر عبارةٍ تكررت على مسمعي: "ليس هناك وقتٌ كافٍ للاعتناء بنفسي ودعم عائلتي ومشروعي، والتعامل مع جميع التغييرات التي تطرأ".

سأخبركم قصة عميلة لدي تُدعى كارين (Karen):

كانت مشكلة كارين أنَّها لم تستطع تناول وجبة إفطار صحية، كان الصباح سِبَاقاً بالنسبة إليها، وكان يتملَّكها إحساسٌ عظيم بالفخر حين تصل إلى المكتب قبل زملائها، فقد كان الأمر مثيراً للحماسة بالنسبة إليها. كانت تعلم أنَّ ثمة ترقيةً بانتظارها، وستصبح وكيلةً في وكالة المواهب التي كانت تعمل لمصلحتها طوال ثلاث سنوات.

ظنَّت أنَّ ترقيتها تُعارض حصولها على وجبة إفطار صحية، الأمر الذي غالباً ما كان يقود إلى سلسلةٍ من الخيارات الغذائية السيئة التي كانت تندم عليها لاحقاً؛ فغالباً ما ينتهي بها الأمر على سبيل المثال بتناول البسكويت المتوافر بسهولة في بهو الوكالة حوالي الساعة العاشرة صباحاً، لم يكن الأمر عادةً بالنسبة إليها، ولم تكن خياراتها دائماً سيئةً كتناول البسكويت؛ لكنَّ الأمر تكرَّر معظم الصباحات وكان دائماً خياراً يُعارض أهدافها.

لقد جربت كل شيء في الحقيقة؛ كإعداد طعام الفطور في الليلة السابقة، أو الاستيقاظ باكراً وتناول الطعام في المنزل، أو إحضار الزبادي معها في طريق الذهاب إلى العمل - الذي لم تحبه أبداً - ما من أمرٍ بدا صائباً ولم يُفلح أي شيء، حتَّى تغيَّرت الأمور كلياً.

أقنعَت كارين نفسَها أنَّ باستطاعتها الانتظار حتَّى يحين وقت الغداء لتأكل؛ لأنَّها قرأت مقالاً عن الفوائد الصحية للصيام المتقطع؛ نتيجةً لهذا الأمر ولضغطِ العمل الهائل في الصباح وصلت كارين إلى الاعتقاد المُقيِّد بأنَّ الأمر بلغ طريقاً مسدوداً متمنيةً أن يكون الصيام هو الاستراتيجية المناسبة.

لكنَّ شخصاً عالي الأداء مثلها بحاجة إلى كثير من الطاقة الذهنية، ومن المؤكَّد أنَّها ستفشل في مسعاها بالانتظار حتَّى وقت الغداء، فقد كانت تتناول قطعة بسكويت سريعاً؛ حتَّى تتمكن من العودة إلى العمل الشاق فتشعر بالسوء حيال نفسها، وتستمر في لعبة التجويع في أثناء الغداء فتتناولُ قليلاً من الطعام في محاولةٍ "للتكفير" عن خطأها السابق، ممَّا يؤدي إلى استمرارها في هذه الحلقة غير الصحية طوال اليوم وكل يوم.

شاهد بالفيديو: 10 عادات من شأنها أن تغير حياتك إلى الأفضل

لقد جعلتُ الفطور لعبةً بالنسبة إليها:

عندما فكَّرتُ في حيثيات الأمر توصَّلت إلى فكرة، لقد جعلتُ الفطور لعبةً بالنسبة إليها:

لقد سألتها:

  1. "في أي وقت يصل الآخرون إلى العمل؟".
  2. "الثامنة صباحاً".
  3. "وفي أي وقت تصلين إلى المكتب؟".
  4. "في السابعة والنصف أو السابعة وخمسٍ وأربعين دقيقة".
  5. "لديَّ تحدٍّ لك".

إنَّ كارين لم تُعارض إعداد الطعام كان الصباح أسوأ وقتٍ في اليوم بالنسبة إليها؛ لكنَّها في الواقع كانت سعيدةً بالتوقف عند محل البقالة مساءً، وبإعدادِ وجبة لنفسها.

وهكذا أعلَمتها بما أريد أن تفعله، فقلتُ لها:

  1. "قبل تحضير العشاء تماماً أريد منكِ أن تتصلي وتطلبي طعام الإفطار لنفسك؛ ليتم توصيله إلى المكتب في تمام الساعة السابعة والنصف صباحَ اليوم التالي".
  2. "هذا يعني أنَّ عليَّ الوصول إلى المكتب بحلول السابعة وعشرين دقيقة تقريباً، وهذا أبكر من الوقت الذي أصل فيه بالعادة؛ لذا سأُضطَر إلى المغادرة باكراً جداً".
  3. "بالضبط".
  4. "هذا مثالي في الواقع، هكذا سأصل دائماً إلى العمل قبل الجميع دون شك".
  5. "هذا صحيح".
  6. "إنَّه أمر رائع".
إقرأ أيضاً: كيف تتعلم العادات الإيجابية؟

إنشاء روتين إيجابي جديد:

ما فعلتُه في هذه الحالة هو أنَّني حدَّدت الدوافع والمحفزات الأساسية لكارين (التوقيت)، والمعوقات التي كانت تقف في طريقها (الاستعجال للوصول إلى المكتب)، وكيفيةَ إثارة الرغبة في تناول فطور صحي (التلاعب بسباقِها إلى المكتب).

لقد حرصتُ على ترتيب روتين طلبِ الإفطار قبل أن تُحضِّر كارين العشاء؛ لأنَّني كنت أعرف أنَّ جوعها وشهيتها للطعام عموماً سيجعلانها متحمسةً لطلب طعام الصباح التالي، أمَّا إذا طلبَته بعد العشاء فقد تتقاعس وتشعر بالشبع وغيابِ الحافز للاستمرار في هذه اللعبة.

لكن عند طلب الطعام في الليلة السابقة تكون قد دفعت ثمنه مسبقاً، فإذا لم تتناول وجبة الإفطار سيكون ذلك هدراً للمال، كما أنَّ طلب الطعام يضمن أن يكون خيارها صحياً، وهكذا لا مزيد من تناول طعام من كشك البهو.

ضُبِطَ الروتين في غضون أسبوع واحد، كانت كارين تطلب وجبةً مكونةً من البيض المقلي مع شرائح الأفوكادو فوقه وسلطة الطماطم مع الريحان وفنجاناً من القهوة السادة من مقهى بالقرب من مكتبها، كان فطوراً بسيطاً وصحياً وفعالاً.

لاحِظ كم أنَّ ترتيب الأحداث هامٌّ؛ إذا فهمنا الدوافع والسلوكات والعادات الروتينية، فيمكننا تغيير تجربتنا اليومية جذريَّاً، وبدورها تُغيِّر عقليتنا وأنماط تفكيرنا وثقتنا بأنفسنا.

إنَّ روتين كارين الجديد دفعها في الواقع إلى الذهاب إلى النوم أبكر بـ 30 دقيقة، ممَّا أدى إلى إنشاء روتين إيجابي جديد.

كما أنَّها باتت تقضي وقتاً أقل على الإنترنت ومزيداً من الوقت في القراءة، وكان صباحها أكثر تنظيماً من الناحية الذهنية؛ لأنَّها كانت تعلم أنَّه تم الاعتناء بأمر الطعام، ما خفَّف من الأمور التي تُقلقها، وفي الليل عندما تُعدُّ العشاء اعتادت تحضير طعام الغداء لليوم التالي إذا لم يكن لديها اجتماع مع أحد العملاء.

إنَّ ارتياحها لمعرفة أنَّها أمَّنت على وجبة الإفطار حرَّرها عقلياً وعاطفياً لتتمكن من رؤية الأمور بوضوح، واتِّخاذ الإجراءات اللازمة بكل حماسة، وبعد بضعة أشهر حصلت كارين على الترقية وعلى زيادة بقيمة 50000 دولار، وهي تعمل الآن في واحدة من أهم وكالات المواهب في مدينة نيويورك.

شاهد بالفيديو: كيف تصنع التغيير في حياتك من خلال تغيير عاداتك؟

قوة الالتزام بعادة أساسية:

يُظهر نجاح كارين قوة الالتزام بعادة أساسية تؤدي إلى سلسلة من المكاسب الصغيرة تُحدث تغييراً واسع النطاق:

تماماً كما لم يكن لروتين فيلبس علاقةً مباشرةً بالسباحة وتحقيق النجاح، ولم يكن لروتين كارين صلةٌ تُذكر بالأكل والتحفيز والألعاب في حقيقة الأمر، كذلك يمكن أن تتكاثف جهودك لتتحول إلى تغييرات لا علاقة لها مباشرةً باتباع نظام غذائي؛ لكنَّها تُحدث تحوُّلاً جوهرياً يستمر طوال حياتك.

إقرأ أيضاً: العادات: تعريفها، وطريقة تشكلها، وكيفية التعرف على العادات الخفية

في الختام:

إنَّ تحديد عادة أساسية والالتزام بها أمر أعمل عليه مع جميع عملائي؛ فالعادة الأساسية هي القطعة المفقودة من الأحجية التي تجعل أمور حياتك كلها تسير على نحو صحيح، إنَّها أهم عادة يجب الالتزام بها؛ لأنَّها تُعَد انطلاقةً لعمليةٍ ستُغير الطريقة التي تُنجز بها الأمور كلها مع مرور الوقت، إنَّها قطعة الدومينو الرئيسة التي ستؤثر فيك طوال حياتك.

النجاح يتخطى أمر الطعام، سترى أنَّ قراراتك الغذائية تؤثر في كل الأمور الأخرى فعلياً؛ في عقليتك وسلوكاتك وعاداتك وأنماط تفكيرك والضغوطات والمحفزات وروتينك اليومي والأسبوعي وعلاقتك السابقة بالطعام والنظام الغذائي ومسؤولياتك وما إلى ذلك.

كل اختياراتك مرتبطةٌ ببعضها، والعادة الأساسية بمنزلة حجر الدومينو الأول في سلسلة قوية من التغيير، والأمر كله يعتمد على التخطيط الصحيح والاستعداد.

المصدر




مقالات مرتبطة