كيف تعلَّمنا من كرة القدم تحويل الفشل إلى نجاح، وتقبُّل الآخر؟

مما لا شكَّ فيه أنَّ سطوع نجم "محمد صلاح" في الدوري الإنجليزي الممتاز جعل متابعة "البيريمير ليغ" في مصر أهم من أيَّة متابعة كروية أو غير كروية، واستطاع "محمد صلاح" بنجوميته قلب الطاولة على الليغا الإسبانية، التي كان يصفها كثيرون بأنَّها الأكثر مشاهدة وجماهيرية في الوطن العربي.



كيف ساهم "محمد صلاح" في التقريب بين الحضارات؟

في دراسة أجرتها جامعة بريطانية في عام 2019، بيَّنت أنَّ نسبة جرائم الكراهية قد انخفضت بنسبة الثلث تقريباً في مقاطعة "الميزرسايد" التي ينتمي إليها "ليفربول"؛ وذلك مع سطوع نجومية "محمد صلاح" في صفوف "الريدز"، وتقول الدراسة أيضاً إنَّ تغريدات مشجعي ليفربول المعادية للإسلام قد انخفضت إلى النصف منذ التعاقد مع "صلاح".

هنا تعود وتؤكد كرة القدم على أنَّها ليست مجرد لعبة، وليست مجرد فائز وخاسر أو روح رياضية يمارسها اللاعب فوق العشب الأخضر؛ بل يمتد أثرها إلى مجالات لم يكن يتوقعها أحد.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح محمد صلاح أشهر لاعب مصري لكرة القدم في العالم

كيف يمكن للرياضة أن تؤدي دوراً في التقارب بين الأمم والشعوب؟

أَطلَقَت الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية جديدة في السياسة الخارجية أسمتها استراتيجية "البينغ بونغ" أو "كرة المضرب"؛ وذلك في أعقاب مواجهة لاعب أمريكي للاعب صيني في إطار منافسات كأس العالم لكرة الطاولة التي أُقيمَت في اليابان سنة 1971، وكانت هذه المباراة علامة مبشِّرة لتحسن العلاقات بين الدولتين، ثم بدأت الجهود السياسية تحت غطاء من تبادل مباريات "البينغ بونغ" بين الطرفين حتى وصلت في نهاية المطاف إلى زيارة الرئيس الأميركي "ريتشارد نيكسون" إلى الصين سنة 1972.

في بداية هذه التقاربات سخر الكثير من الناس من تأثير الرياضة في مثل هذه الأمور الكبرى بما فيها المواقف السياسية، ثم تبيَّن أنَّ لهذه الألعاب قدرة رهيبة على تقريب وجهات النظر وبناء جسور الود بين البشر؛ إذ إنَّها تجعل الكثير من الناس يتعاطفون مع قضايا الشعوب الأخرى، وهم لم يكونوا ليسمعوا بهذه القضايا لولا انتماء هؤلاء اللاعبين إلى بلدان لديها مثل هذه القضايا.

في الحقيقة، تستطيع الرياضة أن تمارس دور المصلح الاجتماعي بين الشعوب والحضارات، لا بل من الممكن أن تكون أفضل مصلح اجتماعي يجعل الإنسان لا يتسرع في الحكم على الناس ولا يجزم بمصائرهم ولا يتعدى على حقوق الآخر في طريقة الحياة والخصوصية والتدين، وهي قادرة على أن تجعل منه فرداً متعاطفاً مع أوجاع الآخرين.

شاهد بالفيديو: 5 أسئلة تحدد هدفك في الحياة

لا تستمع إلى السلبيين لأنَّهم يقللون من قيمة أي شيء:

ربما سمعتم عن العدَّاء الكيني "كيبتشوغي"، الذي نجح في أن يكون لديه لقب أسرع عدَّاء ماراثون في التاريخ، ولكنَّه في الوقت نفسه لم ينجح في تحقيق وعده وهو إنهاء السباق بأقل من ساعتين؛ إذ أنهى السباق بساعتين وخمس وعشرين ثانية، وكانت معظم التعليقات على هذا العدَّاء - الذي انفجر من البكاء بسبب عدم تحقيقه لما كان يتمناه - هو بأنَّ خمساً وعشرين ثانية ليست بيننا.

عاد بعدها العدَّاء الكيني لكي يحقق وعده وينهي الماراثون في أقل من ساعتين، ويكون أول عدَّاء في التاريخ يحقق هذا الرقم، ولكنَّه احتاج إلى الكثير من المعدات الحديثة لمساعدته على ضبط سرعته بتقنية الليزر، كما كان يستخدم سبعة عدائين محترفين يركضون إلى جانبه من أجل تشجيعه على الجري بسرعة، ولكنَّ رد فعل الناس هنا تغير هذه المرة، فقد هاجموا إنجازه هذا، ورفضوا انتصاره، وسموه بالانتصار التقني، وأنَّه لا يمكن نسب الإنجاز إليه فقط؛ بل إلى تلك المنظومة التقنية المتطورة التي كانت تعمل إلى جانبه من أجل إنجاحه.

من هذه القصة نستطيع أن نستنتج أنَّ الشخص السلبي يمكن أن يقلل من قيمة أي نجاح على وجه الأرض ويقزمه مهما كان هذا النجاح فريداً من نوعه، ومهما سبقه من تعب وجهد وعرق، ويمكن بكل سهولة أن نصوِّب عليه سهام الحظ، ونقول إنَّ سبب نجاحه هو الحظ لا أكثر ولا أقل.

كيف يمكن أن يصطاد الجهد والسعي والمثابرة الفرصَ والحظ السعيد؟

من الأفضل والأصح أن نطرح السؤال بالاتجاه الصحيح وهو: لماذا اختارت الشركة الراعية هذا العدَّاء الكيني بالذات ولم تختر أي عداء آخر؟ ولماذا فضَّلته على غيره من العدائين؟

والجواب بكل سهولة؛ لأنَّه قدَّم الكثير من الجهد والتعب ليجعل هذه الشركة تثق به، وهي التي رأت دموعه بعد أن أنهى سباق الماراثون برقم قياسي، ولكنَّه وبفارق خمس وعشرين ثانية لم يحقق ما وعد به، ولا بدَّ أنَّ الخبراء في هذه الشركة قد رؤوا هذه الدموع، وعلموا تمام العلم أنَّها لم تنزل إلَّا من عيون تعمل ليلاً نهاراً من أجل تطوير قدراتها وإمكاناتها.

إنَّ الحظ في التعريف هو مجموعة من الاحتمالات التي تدور حولنا، ويتوقف أحدها أمامنا بطريقة عفوية ونحن لا نستطيع أن نعرف أو نحدد أو ننتقي الخيار الذي يجب أن يقف عندنا أو الخيار الذي نحبه، ولكنَّنا بكل سهولة نقدر على وضع أنفسنا في مكان يؤمِّن لنا مجموعة من الخيارات التي يغلب عليها الطابع الإيجابي؛ فعلى سبيل المثال، عندما نتمرن باستمرار ويتحسن أداؤنا، سيزيد حظنا في جذب عقود العمل أو الرعاية التي نحتاج إليها.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح لتحويل الفشل إلى نجاح

"سانتي كازولا" وكيف تحولت الكارثة إلى إنجاز؟

نجمنا الجديد هو لاعب المنتخب الإسباني لكرة القدم "سانتي كازولا" يسجل هدفاً مع منتخب بلاده، ويحتفي به وكأنَّه هدف الفوز بكأس العالم، وقد يكون أغلى من ذلك بالنسبة إلى "كازولا" الذي انتظر خمس سنوات حتى يسجل هذا الهدف، وهو في عمر الخامسة والثلاثين.

بين هذين الهدفين توجد رحلة شاقة من العذاب والألم والخوف وربما اليأس في بعض الأحيان عمرها خمس سنوات، ولكنَّها حتماً كانت ممزوجة بالإصرار والعزيمة، وعانى "كازولا" من إصابة بالغة في الكاحل والتهاب شديد في الأوتار الموجودة في تلك المنطقة، وكانت إصابته سيئة وشديدة إلى حد لا يُحسَد عليه أبداً؛ وهذا دفع طبيبه إلى القول إنَّه سيكون محظوظاً جداً لو استطاع أن يمشي مع ولده في الحديقة؛ إذ إنَّ قدمه المتأذية كانت مهددة بالبتر بشكل أو بآخر، ولكنَّ "كازولا" لم يكتفِ أبداً بأن يمشي مع ابنه في الحديقة؛ بل عاد إلى اللعب مع منتخب بلاده وعاد أيضاً إلى تسجيل الأهداف.

كيف علَّمنا "كازولا" معنى الكفاح من أجل النجاح؟

تحمل مسيرة "كازولا" مساراً غريباً جداً؛ "تكون نجماً يلمع ويتألق، ثم يخفت البريق وينخفض مستواك، ثم تسقط، ثم يبدأ مَن حولك بالقول إنَّك انتهيت، ثم تقف على قدميك من جديد ولا تكتفي فقط بالوقوف؛ بل تركض وتتابع السير وتحقق النجاح من جديد"، أليست هذه أقوى خطة لتحقيق النجاح؟

فكما نظرية التطور تؤكد على أنَّ الكائنات الحية تغير من بنيتها الداخلية ومن طبيعة العمليات الحيوية التي تجري داخل خلاياها، وكذلك تغير من شكلها الخارجي وكل ذلك من أجل التلاؤم مع التطورات الخارجية الحاصلة في بيئتها التي تعيش ضمنها؛ إذ تحقق هدفها الذي يتلخص في البقاء على قيد الحياة.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المصائب والكوارث التي قد تحدث مع الإنسان في أيَّة مرحلة من مراحل حياته المهنية أو العائلية أو الشخصية، يتعامل معها من خلال تغيير خطته؛ وذلك دون أن يغير من هدفه أو يتخلى عن حلمه، فالحلم الحقيقي بالنسبة إلى أي فرد لا يمكن بأي شكل تركه أو تناسبه أو التخلي عنه؛ بل يمكن الوصول إليه بطرائق ووسائل وأساليب مختلفة.

ما هي المعاني النفسية للتسديدة الأولى؟

في التاريخ يوجد ذكر دائم لأصحاب المبادرات الأولى، سواءً أول مَن أطلق رصاصة لبداية ثورة على مستعمر أم أوَّل مَن صرخ في وجه الظلم مطلقاً بذلك بداية ثورة تغير التاريخ والجغرافيا وتغير حياة الناس، وقد يذكر التاريخ صاحب أول هدف في بطولة كأس العالم.

وإذا أردنا أن نُسقِط ذلك على مباراة كرة القدم، فلا شك أنَّ أول تسديدة على المرمى لها أثرها الخاص في المباراة بأكملها، فمن يشاهد مباريات "كريستيانو رونالدو" يلاحظ أنَّ تسديدته على المرمى حتى لو لم تدخل الشباك، فإنَّها تحمل الكثير من المعاني النفسية سواءً على لاعبي فريقه أم على لاعبي الخصم، فهي تُشعِر زملاءه بأنَّهم قادرون على قلب المعطيات في أيَّة لحظة من لحظات المباراة من خلال تسديدة خاطفة تُفاجئ الخصم؛ وهذا ما يُدخِل في نفوسهم نوعاً من الراحة والثقة ويبعد التوتر والقلق عنهم.

ويُحوَّل هذا القلق في المقابل إلى ملعب الفريق الخصم الذي يبقى في حالة من الترقب، وأحياناً في حالة من الرعب، فهذه التسديدة لم تسكن المرمى، ولكنَّها سكنت في عقول لاعبي الخصم وأعطتهم رسالة نفسية واضحة، بأنَّ أيَّة لحظة من الممكن أن تحمل معها هدفاً مباغتاً.

ماذا لو كانت هذه التسديدة الخطيرة في الدقائق الأولى من المباراة؛ حين يكون تركيز لاعبي كلا الفريقين في أعلى مستوياته؟ حينها سنرى تأثير تلك التسديدة وكيف ينعكس ثقةً على لاعبي الفريق وذهنيتهم التي تصبح مرتاحة خلال اللعب، وكيف ينعكس قلقاً على وخوفاً على أداء لاعبي الفريق الخصم، وكأنَّ هذه التسديدة هي رصاصة الحرب الأولى.

شاهد بالفيديو: ماهي أسباب الفشل في الحياة

كيف يمكن تطبيق فكرة التسديدة الأولى على حياتنا اليومية؟

الأمر نفسه يمكن أن نطبقه على حياتنا العملية؛ إذ يوجد في كل مجموعة من الأصدقاء فرد يبادر في الأزمات، ويقترح أفكاراً وحلولاً جديدة، ويقوم بالكثير من الأمور الأخرى التي قد لا تكون صحيحة أو سليمة بشكل كامل، ولكنَّها حتماً مفيدة؛ إذ إنَّها تعمل على رفع المعنويات عند باقي الأفراد وحثهم وتشجيعهم على أن يبادروا إلى العمل من أجل تدارك الأزمة، ومن هنا تكمن أهمية الخطوة الأولى، التي قد لا تحقق الهدف ولكنَّها ترسم الاتجاه أو الطريق من أجل الوصول إليه.

إقرأ أيضاً: قصة نجاح النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو

في الختام:

لم تَعُد كرة القدم مجرد لعبة؛ بل تجاوزت ذلك بكثير؛ إذ أصبحت بنية اقتصادية ضخمة تحوي مليارات الدولارات؛ بل وتجاوزت ذلك إلى حد أصبحت تعطي فيه الدروس العظمى في الحياة.

المصدر




مقالات مرتبطة