كيف تطور مهارات الذكاء العاطفي لتطوير حياتك؟

دائماً ما نلتقي خلال حياتنا اليومية بأُناس فاشلين وآخرين في قمَّة نجاحهم على جميع أصعدة حياتهم سواء كانت على مستوى العائلة أم على المستوى الاجتماعي أم على المستوى الاقتصادي وحتى الثقافي منها، وليس شرطاً أن يكون أولئك الناجحون ينتمون إلى طبقة اجتماعية معيَّنة أو يحملون درجة أكاديمية؛ إذ يمكن أن نُصادف كثيرين من أصحاب رؤوس الأموال وأصحاب الكفاءات الأكاديمية يفتقرون إلى تحقيق النجاح في حياتهم؛ بل وأكثر من ذلك؛ إذ يمكن أن يكونوا منبوذين من قِبَل بيئتهم المحيطة بهم.



غالباً ما نطرح على ذواتنا أسئلة عديدة لمعرفة ما هو سر نجاح ذلك النموذج من الأشخاص؟ وما نوع المهارات التي يستخدمونها في حياتهم، والتي تحقق لهم كل تلك النجاحات؟ فهل يُعقل لشخص عادي ليس حاصلاً على شهادة أكاديمية أن يكون ذا تأثير فعَّال في الآخرين أكثر من طبيب أو مهندس أو محامٍ أو أستاذ؟

الجواب: نعم يُعقل هذا الأمر، ويوجد الكثير من هؤلاء الناجحين في الحياة؛ لأنَّ النجاح لا يمكن تحقيقه من خلال المال فقط أو من خلال السلطة أو من خلال الشهادات الأكاديمية؛ إذ يجب أن تقرن كل تلك المهارات السابقة بسبب النجاح الرئيس، وهو درجة الذكاء العاطفي لدى أولئك الأناس.

ما هو الذكاء العاطفي؟

هو ذلك الكنز الدفين والثمين الذي يسكن داخل النفس الإنسانية، والذي يتحكَّم بأفكار وسلوكات ودوافع كل فرد منَّا، وأيضاً هو الذي يحدد لنا طريقة تعاملنا مع الآخرين، وتعاطي المرء مع أحداث البيئة المحيطة به بكل ما فيها من متغيراتٍ عديدة.

ما هي مكوِّنات الذكاء العاطفي؟

يتألف الذكاء العاطفي من أربع مهارات أساسية يمكن إدراجها تحت بندين رئيسين أحدهما يتعلَّق بجودة الحياة الشخصية، والآخر يتعلَّق بجودة العلاقات الاجتماعية.

أمَّا المهارات التي تتعلق بجودة الحياة الشخصية، فهي التي تتضمن مهارات الوعي الذاتي، وإدراك المرء لعواطفه ومشاعره وفهمهما، والأخرى هي مهارة إدارة الذات التي تتضمَّن فهم المرء لأسباب سلوكاته، والتي يستطيع من خلالها تصحيح السلوكات السلبية وتعزيز الإيجابية، كما تساعد إدارة الذات على تحكُّم المرء بمشاعره لتبقى تحت إدارته وسيطرته، لا أن يكون هو أسير مشاعره.

في حين أنَّ مهارات جودة العلاقات هي التي تتضمَّن مهارات الإدراك الاجتماعي ومهارات التواصل مع الآخرين؛ فالإدراك الاجتماعي يساهم بشكل فعَّال ومؤثِّر في فهم عواطف الآخرين بدقة من خلال وضع المرء لنفسه مكان الآخرين، فيشعر بما يشعره الآخرون، في حين أنَّ مهارات التواصل الفعَّال تعني كيفية استخدام المرء لعواطفه لإحداث تواصل فعَّال وبنَّاء مع الآخرين، لينتج المرء علاقات اجتماعية ناجحة.

بعد التعرُّف إلى تعريف الذكاء العاطفي ومكوِّناته بكل تأكيد سيكون السؤال عن العلاقة بين مهارات الذكاء العاطفي وتحقيق النجاح في الحياة، وهذا سؤال في مكانه، وسيتم تناوله تفصيلاً خلال الفقرة الآتية.

ما هي درجة تأثير مهارات الذكاء العاطفي في مستوى نجاح الفرد في الحياة؟

يمكننا اختصار الكثير من الشرح من خلال دراسة أجراها معهد تالانت سمارت على مجموعة من الموظفين لدراسة مدى تأثير مهارات الذكاء العاطفي في أداء الموظفين، فوجدوا في نتائج دراستهم أنَّ 90% من أصحاب الأداء الوظيفي العالي هم من أصحاب معدلات الذكاء العاطفي المرتفعة، وأنَّ 80% من أصحاب معدل الأداء المنخفض هم من أصحاب معدلات الذكاء العاطفي المنخفض.

السؤال الذي يمكن أن يطرحه المرء على نفسه يكمن في إمكانية عكس هذه النتيجة على باقي مناحي الحياة، والإجابة عن هذا التساؤل تقول: إنَّ تلك النتيجة التي خلُصت إليها الدراسة يمكن عكسها بكل تأكيد على مختلف جوانب الحياة، فلا يوجد شخص لديه مهارات ذكاء عاطفي في العمل، وتنتفي تلك المهارات في العلاقات خارج العمل أو على مستوى العائلة والأصدقاء مثلاً؛ وذلك لأنَّه لا بدَّ لمهارات الذكاء العاطفي الموجودة لدى المرء أن تتجسَّد حقيقة واقعية يمكن للآخرين معاينتها من خلال تعاملهم اليومي مع الشخص الذكي عاطفياً.

من الهام جداً أن تدرك يقيناً أنَّه يوجد بعض من الناس قد يُولَدون ولديهم مهارات ذكاء عاطفي فطريَّة أكثر من الآخرين، وتتفاوت النسب بين أولئك الأشخاص إلَّا أنَّه من الثابت أنَّه يمكن اكتساب مهارات الذكاء العاطفي وتطويرها باستخدام طرائق عديدة، وقبل التطرُّق إلى تلك الطرائق علينا أن نتوقف قليلاً لنجيب عن السؤال الآتي:

هل يمكن تطوير مهارات الذكاء العاطفي من الناحية الفيزيولوجية؟

قبل أن نتحدث عن كيفية تطوير مهارات الذكاء العاطفي لنتوقف قليلاً ونقرأ ما دوَّنه الباحثان ترافيس براد بيري وجين جريفز مؤلِّفي كتاب "الذكاء العاطفي 2.0": "يُعَدُّ الجهاز الحوفي في دماغ الإنسان مصنعاً للمشاعر، ويتطلَّب الذكاء العاطفي قدراً عالياً من التواصل بين المركز العقلي والمركز الشعوري في الدماغ؛ إذ إنَّ التواصل بين الدماغ العقلي والدماغ الشعوري هو المصدر الأساسي للذكاء العاطفي".

نستنتج من كلام الباحثين أنَّ دراسة الذكاء العاطفي وسبل تطوير مهاراته دماغياً، تتطلَّب دراسة علاقة التواصل بين الشقين العقلي والشعوري للدماغ وتطوير هذه العلاقة؛ وذلك بجعل التواصل بين الشقين متوازناً دون أن يطغى طرف على الآخر، وخاصةً أنَّ الدماغ الشعوري غالباً ما يكون مسيطراً على الدماغ العقلي.

يؤكِّد قولنا هذا ما جاء في كتاب "التفكير سريعاً وبطيئاً" للباحث دانييل كاهنيمان؛ إذ يقول: إنَّ الدماغ يحتوي على نظامين منفصلين في التفكير؛ الأول هو الجزء السريع والخاضع إلى الحدس والثاني هو الجزء الأبطأ الذي يدخل في عمليات التفكير العقلاني، ويعتقد مؤلف الكتاب أنَّ هذين الجزأين دائماً ما يكونان في صراع كبير وخاصة عند اتِّخاذ القرارات.

إنَّ تطوير مهارات الذكاء العاطفي من الناحية الفيزيولوجية يتطلَّب منا تطوير الدماغ لدينا؛ إذ يقول المختصون في هذا الصدد: إنَّه يمكن للدماغ تطوير روابط جديدة مع كل تعلُّم جديد، وبناءً عليه كلَّما تعلَّم المرء مهارة جديدة، فإنَّه في هذه الحالة يعمل على تطوير الروابط الدماغية؛ لذا فإنَّ استخدام المرء طرائق مدروسة لتطوير مهارات الذكاء العاطفي يعني تمكين الخلايا العصبية من تعزيز التواصل المتوازن بين الشق العقلي والشق الشعوري في الدماغ، ومن ثم زيادة وتطوير مهارات الذكاء العاطفي من الناحية الفيزيولوجية عند الإنسان.

شاهد: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

بعد الاطلاع على كل ما سبق أعتقدُ أنَّك أصبحت متشوقاً إلى امتلاك آليات تساعدك على تنمية مهارات الذكاء العاطفي لديك لكي تحقق مختلف النجاحات في حياتك، وهذا أمر متاح من خلال اتِّباع خطوات وصفة الحل السحري الذي سنقدمه لك:

1. تقييد الوسائل التكنولوجية:

بداية أودُّ أن أطرح على القارئ هنا سؤالاً هاماً جداً وهو: كيف كانت علاقتك مع الأهل والزوجة والأصدقاء قبل وجود الوسائل التكنولوجية الحديثة كالإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية؟

لن أكون جازماً في جوابي إلَّا أنَّ معظمكم سيقولون: إنَّ الحياة والعلاقات أمتن بكثير من الآن، ولن نجافي الحقيقة إن قلنا إنَّ التكنولوجيا المتطورة سلبت جزءاً هاماً من إنسانيتنا، فهل نستطيع أن ننكر مدى تأثيرها في مستوى العلاقات؟ وكم من خلافات زوجية نشبت جرَّاء إدمان أحد الزوجين على الهاتف أو الألعاب الإلكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وكم من موظف وُجِّه إليه تنبيه أو فُصِلَ من عمله جراء الاستخدام السيِّئ للتكنولوجيا المتطورة، وكثيرة هي الأمثلة في هذا المجال، وبناءً عليه نقول: إنَّ إحدى وسائل تنمية مهارات الذكاء العاطفي تكمن في قضاء وقت مع الآخرين سواء في المنزل أم العمل أم المحيط الاجتماعي لتتفهَّم مشاعرهم وتتعرَّف إلى دوافع سلوكاتهم وأفكارهم.

2. الاهتمام بمشاعرك والتعبير عنها:

كثيرون هم الأشخاص الذين يعانون من مشكلة عدم البوح بمشاعرهم، ويوجد مَن يعدها ضعفاً إن باح بمشاعره وتحدث عنها، إلَّا أنَّ كل الدراسات والأبحاث تشير إلى ضرورة عدم كبت المشاعر وحصرها، أو تجاهلها لما لها من تأثير ضار في الفرد، وعلى النقيض من ذلك فإنَّ البوح بالمشاعر بكلمات صحيحة ومعبِّرة تُشعِر المرء بالارتياح وتزيح عنه الهم، وليس ضرورياً أن يبوح المرء بمشاعره للقاصي والداني؛ إذ يمكنه أن يكتفي بأن يعبِّر عن مشاعره لنفسه، فيضحك ويسعد عندما يتطلب الأمر ذلك، ولا يتردد في البكاء أو التعبير عمَّا يشعر به إن كان يوجد ما يزعجه.

3. التنبه إلى تأثير المشاعر في السلوكات:

علينا أن ندرك يقيناً مدى التأثير الكبير للمشاعر في سلوكاتنا وأفكارنا، وهذا يتطلَّب من كل فرد منا أن يلاحظ مدى تأثير مشاعره في سلوكاته؛ إذ بمجرد أن يتعرَّف المرء إلى تلك العلاقة القوية بين المشاعر والسلوك، فإنَّه سيحقق فوائد عظيمة على جميع المستويات سواء من خلال تصحيح السلوكات السلبية أم معرفة المشاعر المولِّدة لها أم تعزيز السلوكات الإيجابية أم التعرُّف إلى المشاعر التي تولِّد تلك السلوكات.

4. تحمُّل مسؤولية مشاعرك:

على سبيل المثال، تدخل مكان عملك صباحاً لتتفاجأ بأحد الزملاء وقد أزعجك بأمر ما، والغريب في الأمر أنَّك تستمر في الانزعاج كامل يومك، والأكثر غرابة أن تنقل هذا الانزعاج إلى بيتك وتفرغه في زوجتك أو أطفالك أو الجيران، وهنا يمكن أن نتأمَّل معاً بعض الأسئلة وهي:

  1. هل تصرفك بهذه الطريقة صحيحاً؟
  2. هل استمرار انزعاجك من الزميل أو المدير قد حفَّزك في عملك أم خلاف ذلك؟
  3. هل نقل الانزعاج إلى المنزل هو أمر صحيح؟
  4. هل تفريغ الشحنة العاطفية المزعجة التي اكتسبتها في أهل بيتك أو أبنائك أو جيرانك صحيحاً؟

كان الأجدر بالشخص الذي انزعج من زميل له أو مديره أن يجنِّب نفسه الانزعاج أولاً، وأن يدرك مدى تأثير الانزعاج في عمله وفي أهل بيته وأطفاله حتى جيرانه، وكثيرة هي مواقف الحياة التي يمكن أن تتشابه مع هذه الحالة؛ لذا فالأجدر بالإنسان أن يتولى زمام مشاعره ويتحمَّل مسؤوليتها بشكل كامل لتبقى تحت سيطرته متمكناً من إدارتها بدلاً من الرضوخ والاستجابة إليها؛ وهذا لب وجوهر تطوير وتنمية مهارات الذكاء العاطفي.

إقرأ أيضاً: أبرز الصفات التي تدل على صاحب الذكاء العاطفي

5. تفهُّم الآخرين:

يُعَدُّ فهم مشاعر الآخرين وفهم سلوكاتهم ودوافعهم واحدة من أكثر الطرائق فاعلية في تنمية مهارات الذكاء العاطفي عند الفرد؛ إذ إنَّ توطيد العلاقات مع الآخرين وبناء تواصل فعَّال معهم لا يمكن أن يتم دون فهم مشاعرهم ودون مراقبة المرء لسلوكاته التي تولِّد ردود أفعال عندهم، وبهذه الطريقة يمكن له تعزيز مهاراته في الذكاء العاطفي، وترسيخ تلك المهارات بطريقة تؤتي ثمارها الفعَّالة في تحقيق النجاح والإنجازات في التواصل مع الآخرين وإدارة العلاقة معهم.

6. تجنُّب خفض قيمة إنجازك:

عليك أن تعرف أنَّ تنمية وتطوير مهارات الذكاء العاطفي لا تأتي بين ليلة وضحاها؛ وإنَّما تحتاج إلى الصبر والمثابرة؛ لذا قد يعتري بعض الناس شيء من الملل أو اليأس من النجاح في تغيير أنفسهم، وهذا أمر طبيعي قد يحصل لأي شخص كان، إلَّا أنَّه لا يجب على أي فرد أن يخفِّض من قيمة إنجازاته حتى ولو كانت صغيرة أو محدودة التأثير؛ وذلك لأنَّ النجاحات تأتي توالياً، وهي عبارة عن تراكم إنجازات صغيرة حتى يصل المرء إلى تحقيق النجاح الكبير في حياته.

إقرأ أيضاً: كيف تمتلك الذكاء العاطفي؟

في الختام:

إنَّ الإنسان هو كتلة من المشاعر المتنقلة، ويعيش في محيط يعجُّ بالانفعالات وردود الأفعال، وهذا قد يولِّد لديه مشاعر إيجابية وسلبية، إلَّا أنَّه من الهام لكل فرد منا أن يعرف أنَّ لتلك المشاعر التي تعتري كل واحد منا فوائد ومضار، والذكي عاطفياً هو الذي يستطيع استخلاص الفوائد وتجنُّب الأضرار وتحسين نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة؛ وذلك من أجل تنمية مهارات الذكاء العاطفي عنده لتحقيق أفضل النجاحات والإنجازات على مختلف أصعدة الحياة.

يجب على المرء أن يعبِّر عن مشاعره مهما كانت، فقد تتفاجأ إن قلتُ لك توجد فوائد حتى للمشاعر السلبية، فعلى سبيل المثال يُعَدُّ الحزن على فقد عزيز ما مفيداً في التنفيس عن النفس، ويكون ضاراً في ذات الوقت حينما يمنعك عن التقدُّم ويجعل حياتك متوقِّفة دون تحقيق أي إنجاز.




مقالات مرتبطة