كيف تصنع حياة بسيطة وعميقة؟

يعيش اليوم أغلب البشر في حالة من التعقيدات والضغوطات التي تجعلهم في حالة من التوتر والقلق الدائمَين، بحيث تنتفي صفة البساطة والطبيعية عن حياتهم، وتطغى السلبية على كل مناحيها، معبِّرين عنها بالكثير من السلوكات الإدمانية، مثل إدمان الكحول والتدخين، ووسائل التواصل الاجتماعي.



يعيش أغلب البشر اليوم في عصر السطحيات؛ حيث تطغى مظاهر الحياة على تفكيرهم كله وتستهلك كامل طاقتهم، فلا يشغل بالهم إلَّا الحصول على الممتلكات وتكديس الأموال والعقارات، ولا يتهاونون في توجيه الانتقادات لأولئك العميقين الذين لهثوا وراء غاية سامية في حياتهم، والذين استطاعوا إيجاد الأصل والمغزى من وجودهم، والذين استطاعوا ملامسة ذلك الكمال والصفاء الرباني المزروع في قلوبهم.

كيف تصنع حياة بسيطة عميقة بالوقت ذاته؟ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

كيف أصنع حياة بسيطة وعميقة؟

1. الأفكار:

يجب أن تعرف بدايةً أنَّ شكل حياتك الحالي ما هو إلا تجسيد حقيقي لأفكارك على أرض الواقع، فاسأل نفسك عن نوعية الأفكار التي تمتلكها، فهي التي تحدد مصيرك.

إقرأ أيضاً: كيف تجذب الأفكار السعيدة وتدرب دماغك على السعادة؟

2. الوعي:

يتدخل وعيك في كل تفصيل من تفاصيل حياتك، فحسب مستوى وعيك تكون قراراتك وخياراتك وسلوكاتك؛ لذلك عليك السعي إلى تطوير وعيك إن كنت راغباً في تطوير حياتك.

على سبيل المثال: قد يفكر الإنسان الذي يملك مستوى منخفضاً من الوعي أنَّ السعادة تكمن في المال، في حين يعلم الإنسان ذو الوعي المرتفع أنَّ السعادة تكمن في طريقك للوصول إلى هدفك، وفي وجود الأشخاص الرائعين من حولك، وفي امتلاكك للصحة والقوة والثقة، وفي تدفُّق أفكارك بطريقة إبداعية، وفي النية الحسنة التي تمتلكها تجاه جعل حياة الآخرين أرقى وأفضل.

3. الماضي:

يعيش الكثير من الأشخاص في أسر الماضي نتيجة تجربة قاسية اختبروها أو مشاعر مؤلمة عاشوها، ممَّا يعوق أداءهم في الحياة، ويبعد عنهم مشاعر الحب والامتنان والسعادة، وهنا على الإنسان أن يعي حقيقة أنَّ الماضي قد انتهى، وأنَّ كل ما يحمله من الماضي ما هو إلا فكرة استقرت في اللاوعي وآمن بها.

على سبيل المثال: قد يكون لدى الشخص قناعة مفادها أنَّه لا يستطيع الحديث أمام الجمهور، وقد يعود مصدر هذه القناعة إلى سنوات طفولته، نتيجة رأي ما قد سمعه من أحد أفراد العائلة، ولكي يتخلص الإنسان من آثار تلك القناعة العميقة في ذاته؛ عليه أن يعلم أنَّ هناك جزءاً ما من ذاته ما يزال كاملاً وربانياً وصافياً لم يمسسه أي تشوُّه؛ لذلك عليه أن يعمل على استدعائه إلى حياته، من خلال تخفيف الشحنة العاطفية الممزوجة مع الحدث الماضي، وإدراك أنَّ الحدث الماضي لم يبقَ منه إلَّا تصوُّر كان قد تبنَّاه على مدار كل هذه السنوات، وأنَّ الفكرة المنسوجة عن الحدث هي السبب في الألم وليس الحدث بذاته.

بمجرد أن يفصل الرابط ما بين الحدث والفكرة، ويتأكد الإنسان أنَّ وعيه متشبث بالفكرة القديمة لأنَّه اعتاد على تصديقها إلى أن أصبحت حقيقة مسلَّمة لديه، وأنَّه سيحارب بقوة من أجل الاحتفاظ بها، من خلال استدعاء مئات الأدلة على صحتها؛ عندها سيشعر أنَّ هناك شيئاً قد اختلف في إدراكه ووعيه للأمور، وأنَّ تلك الفكرة التي آمن بها كل تلك السنوات قد لا تكون صحيحة بتاتاً، ومن هنا سيتحفز جزء الحكمة الذي بداخله وسيعطيه كل المشاعر الصافية والكاملة، التي ستساعده على إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي.

4. الإيجو:

لن تعيش ببساطة وبهدوء إن تضخَّمت الأنا لديك؛ حيث تدل الأنا على النقص الداخلي، وعلى تفعيل نظام الخوف لديك، وعلى تغييب نظام الحب من حياتك، ويقوم نظام الخوف على كبت الذات الأصلية وتعظيم الخارج على حساب الداخل.

على سبيل المثال: عندما يميل الإنسان إلى الكذب والنفاق من أجل كسب رضا الطرف الآخر، ومن أجل إظهار ذاته على أنَّه الشخص الخارق الذي لا يُقهَر، في حين يُفعِّل الشخص الحقيقي نظام الحب لديه، فيعيش وفقاً لقيمه ومبادئه ويستمد قيمته من الله وحده، وليس من الناس، الأمر الذي يجعله صادقاً في كل كلمة يقولها، فهو لا يبالي بنظرة الناس إليه؛ بل يبالي بنظرة الله فقط.

إقرأ أيضاً: ما هو الإيجو؟ وما هو الفرق بينه وبين الأنا الحقيقية؟ وكيف نتخلص منه؟

5. التسليم:

يدَّعي الكثير من الناس تفعيلهم لمهارة التسليم في حياتهم، في حين تهيمن الكثير من مشاعر القلق والتوتر على كل مناحيها، وهنا على الإنسان أن يعترف بالمكان الحالي الذي هو فيه، كأن يعترف بما يمر به من مشاعر الاضطراب ومن ثمَّ يخطط لكي يتجاوزها من خلال التسليم، كأن يقول: "أُسلِّم هذا الموضوع إلى الله أو القوة العليا في الكون" مع وجود مشاعر ثقة حقيقية بالله وبقدرته على مساعدته، ومن ثمَّ يواظب على القيام بتمرين التسليم هذا إلى أن يصبح عادةً لديه.

في كل مرة يلجأ فيها الإنسان إلى التسليم؛ فإنَّه يُعلِّم اللاوعي على أنَّ هناك حلاً مختلفاً عن التوتر والقلق في الحياة، فيرتاح اللاوعي ويهدأ إلى أن يعتاد هذه المهارة.

6. التعلق:

يشقى مَن يُعلِّق سعادته وآماله على حدث خارجي، فيؤجِّل إحساسه بالهناء وراحة البال إلى حين تحقُّق الأمر الخارجي الذي يحلم به، كأن تؤجِّل إنسانة ما إحساسها بقيمة وجودها وإنسانيتها إلى حين الزواج، أو يؤجل شخص ما إحساسه بمتعة أي أمر في الحياة إلى حين حصوله على المال.

اجعل قيمتك مرتبطة بالله عز وجل وبالمبادئ الثابتة التي تؤمن بها، ولا تربطها بأحداث خارجية متغيرة في حياتك، ولا تلهث إلى إرضاء الناس؛ بل كن حقيقياً وعفوياً وصادقاً مع الجميع، واكسر حالة الحاجة التي يُصدِّرها نظام الخوف لديك، واعلم أنَّ كل ما تحتاج إليه موجود في داخلك، وكل ما عليك هو النظر بعمق إلى الداخل عوضاً عن إهدار الطاقة في الخارج.

إقرأ أيضاً: كيف تمنع التعلق غير الآمن من تدمير حياتك العاطفية؟

7. الرسالة:

ابنِ لك رسالة قيمة في الحياة، فلا معنى للحياة إن لم يكن لديك شغف تعيشه ورسالة ومبادئ تدافع عنها، فلا تكن سطحياً، وتهدر سنوات حياتك على صغائر الأمور وتوافهها.

في الختام:

صنع حياة بسيطة وعميقة هو قرار تتخذه وتلتزم به؛ لذا لا تبخل على نفسك وتؤجل هذا القرار؛ وذلك لأنَّك ستُؤِجل سعادتك حينها.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة