كيف تستخدم استراتيجيات التفكير المرنة لحل المشكلات؟

تُعرقل المشكلات تقدُّمنا؛ فهي بمثابة عقبة تقف عائقاً في طريق إنجاز المهام الموكلة إلينا؛ فقد تبدأ عملك على الحاسوب لتجده يتعطَّل دون سابق إنذار؛ أو تستمتع بعلاقةٍ حميدةٍ مع شريكك، وفجأةً تخوضان شجاراً لم تحسب له أي حساب؛ أو تمضي يوماً لطيفاً، لتجد أنَّ العمل قد تراكم دون أن تدرك ذلك.



تُغيُّر المشكلات خططنا فتقلبها رأساً على عقب؛ مما يجعلنا نشعر وكأنَّنا مُحاصرون ومضطرون إما لمجابهتها كي نصل إلى مبتغانا (وهذا يتطلَّب تفكيراً مرناً)، أو الاستسلام لها والدخول في حلقة معيبة (وهذا ما لا نريده جميعاً).

إنَّ هذه العقبات في ازديادٍ مستمر في عالمنا اليوم؛ فوفقاً لمؤلِّف الكتاب المشهور "مَرِن: كيف تحرر قدرات الدماغ لتقبُّل التغيير" (Elastic: Unlocking Your Brain’s Ability to Embrace Change)، ليونارد ملودينو (Leonard Mlodinow): "كلُّ ما في عالمنا اليوم يمرُّ بتغيُّرات فائقة السرعة، من التكنولوجيا إلى السياسة وحتى الأعراف الاجتماعية؛ حيث أصبحت الطرائق التي اعتدنا على سلكها غير سالكة".

لذا، فإنَّ التَّفكير المرن أصبح أحد أهمِّ المهارات في عصرنا الحالي، ولكي نحلُّ مشكلاتنا يجب أن نكون أكثر مرونةً في طريقة تفكيرنا حيال المواقف التي نمر بها.

ماذا لو وُجِد أكثر من حلٍّ للمشكلة نفسها؟ وماذا لو استطعنا الالتفاف حول العقبة بدلاً من الاصطدام بها أو التراجع؟ أو الحصول على مساعدة الآخرين وزحزحتها؟

بغضِّ النظر عن المشكلة التي تواجهها، تزوِّدك المرونة في التَّفكير بعدسة أوسع للنظر إلى الوضع، فتجد حلولاً خلَّاقة تُحقِّق أهدافك وتساعدك على تجنُّب المشكلات الجديدة.

إقرأ أيضاً: أساسيات التفكير الإيجابي: الأكثر مرونة هو الأكثر تحكّماً

سنقدِّم إليك خمس نصائح لِتوظيف استراتيجيات التَّفكير المتكيِّف في حلِّ مشكلاتك.

1. ضع الهدف نُصبَ عينيك:

كلَّما خضنا في التفاصيل، يضيق أُفق تفكيرنا ويتحجَّر؛ فحين نركز على الوسائل وكيفية حلِّ المشكلة نمنع أنفسنا من التَّفكير بحلولٍ أكثرَ فاعليةً وإبداعاً؛ إذ إنَّ معظمنا لا يميِّز بين الأهداف، وبين الاستراتيجيات والوسائل، وهذه الحيرة هي التي تمنعنا من التقدم؛ وسنوضح ذلك فيما يلي:

  • الأهداف: هي "الدافع" خلف أفعالنا - الشيء الذي نسعى إلى تحقيقه.
  • الاستراتيجيات: هي "الأفعال" التي سنقوم بها للوصول إلى أهدافنا.
  • الوسائل: هي "الطرائق" المحددة التي سننفِّذ بها تلك الأفعال لتحقيق الأهداف.

على سبيل المثال: فلنقل بأنَّك ترغب في الحصول على ترقية في العمل؛ في هذه الحالة أنت واضحٌ تماماً بأنَّ ذلك هو الهدف الذي تسعى إليه.

فتضعُ عدداً من الاستراتيجيات، تتضمن: إثبات قدراتك أمام مديرك، واستلام عددٍ أكبر من الأدوار قيادية، والتواصل مع موظفين آخرين يَشغلون أدواراً قياديةً في الشركة، كما أنَّ بعض الوسائل المحدَّدة التي يمكِن استخدامها لإثبات قدراتك هي تقديم تقارير كمِّية تُظهِر آثار عملك، والعمل على المزيد من المشروعات.

لكن، ماذا لو فشل أحد تلك المشاريع؟ قد يبدو هذا حدثاً كارثياً، لكن طالما تفكِّر بهدفك؛ ستدرك أنَّ هناك الكثير من الوسائل التي تستطيع بواسطتها الحصول على تلك الترقية، فتقرر اختيار وسيلة أخرى أو اتِّباع استراتيجية مختلفة، مثل: تكوين العلاقات مع أشخاص يَشغلون أدواراً قيادية في الشركة.

إنَّ التَّفكير المتحجِّر ضيِّق الأفق وهو عكس التَّفكير المرن تماماً؛ حيث يصبح المرء مهووساً بتوظيف استراتيجيةٍ أو وسيلةٍ معيَّنة للوصول إلى هدفه ويهمل جميع الخيارات المتاحة الأخرى.

لكن إذا استطعنا تحديد هدفنا - أي الدافع لاستخدام تلك الوسيلة أو الاستراتيجية - سنوسِّع منظورنا لنرى الصورة كاملةً، وعندها سنتمكن من التَّفكير باستراتيجياتٍ وطرائق جديدة تساعدنا في بلوغه.

يوجد العديد من السُّبُل للوصول إلى أيِّ شيءٍ نبتغيه، بغضِّ النظر عمَّا هو؛ لذلك، إن شعرتَ بأنَّك لا تستطيع التقدم نحو هدفك؛ فالسبب غالباً هو أنَّك فقدتَ تلك المرونة في التَّفكير وعليك التركيز مجدداً على هدفك.

شاهد بالفديو: 5 نصائح لاكتساب مهارة حل المشكلات

2. فكِّر بشيءٍ آخر:

عُرِف آلبرت آينشتاين (Albert Einstein)، وهو أحد أكثر المفكِّرين إبداعاً ومرونةً، باتِّباع أسلوبٍ مميزٍ عند التفكير في معضلةٍ ما؛ فقد كان يفكِّر ملياً في المعضلة ثمَّ يأخذ وقتاً مستقطعاً لِيعزف على الكمان، وخلال هذا الوقت يمتنع عن التَّفكير بعمله تماماً، لكن عند عودته إليه يتمكَّن لسبب ما من ملاحظة روابط ما كان ليراها من قبل.

أطلق آينشتاين على ذلك الأسلوب "لعبة الدمج" (combinatory play) والتي تعني في مضمونها دمج مهاراتٍ غير ذاتِ صلة، تسمح لجزء من الدماغ بالاستراحة وتكوين اتصالات بينما تمارس أنت نشاطاً آخر يُحفِّز جزءاً مختلفاً من الدماغ،

لكنَّ آينشتاين لم يكن العبقري الوحيد الذي قدَّر قيمة أخذ الوقت المستقطع من التَّفكير بمشكلةٍ للوصول إلى حلولٍ جديدةٍ لها؛ حيث أنَّ احتمالية أن يمتلك العلماء الفائزون بجائزة نوبل هوايةً فنيةً أو حرفيةً تفوق بثلاثة أضعاف أقرانهم غير الحاصلين عليها.

لذا، عندما تجد نفسك عالقاً في مشكلة ولا تستطيع تلافيها، جرِّب شَغلَ نفسك بأمرٍ مختلف، وخاصة بأمر لديك شغفٌ به، وقد يسمح وقت الراحة هذا لدماغك بتشكيل اتصالات عصبية جديدة والتَّفكير بالمشكلة بمرونة مما قد يساعدك على الوصول إلى حلٍّ مبتكر.

إقرأ أيضاً: تطوير استراتيجيات المرونة في التعامل مع الأزمات

3. انظر إلى مصادر خارجية بحثاً عن الإلهام:

تنبع معظم قراراتنا من منظورنا الضَّيق الذي نشاهد من خلاله الأمثلة من حولنا؛ سواء كانت الطريقة التي أنجز بها أجدادنا هذا النوع من الأعمال، أم النموذج السائد في مجال عملنا، أم الأنماط والسلوكات التي اعتدنا على ممارستها؛ لذا، حين لا تفيد حلولنا السابقة في حلِّ مشكلةٍ حالية؛ فقد حان الوقت لتوسيع أفقنا والبحث خارج محيطنا.

في كتاب "استراتيجية المحيط الأزرق" (Blue Ocean Strategy)، تدعو الكاتبة رينيه موبورغن (Renée Mauborgne) والكاتب و. تشان كيم (W. Chan Kim) إلى خلقِ "أسواق غير تنافسية" من خلال العثور على الإلهام في أماكن غير متعارفٍ عليها داخل دوائر عملٍ أو صناعةٍ ما.

على سبيل المثال: حلَّ سيرك دو سوليه (Cirque du Soleil) أزمة ركود العمل في عالم السيرك؛ حين استمد الإلهام من مسرحيات برودوي (Broadway) وعروض لاس فيغاس التي تشتهر بالإضاءة والموسيقى المثيرة والمواضيع الشيِّقة، إضافةً إلى تبنِّي العلامات التجارية الأنيقة والراقية، فعادةً لا تجد أحداً مستعداً لدفع 100 دولار لحضور عرض سيرك، لكنَّ تذاكر عروض سيرك دو سوليه تساوي ما يقارب تلك القيمة وهي مشهورة إلى حد بعيد.

إنَّ الحصول على الإلهام من مصادر خارجية ليس حكراً على عالم الأعمال؛ إذ توجد برامج تمارين رياضية تجمع بين الرقص والرياضات الهوائية، وما اكتشاف حميةٍ غذائيةٍ كل يوم من خلال دراسة الثقافات المختلفة إلا مثال آخر على ذلك.

في كل جوانب الحياة المعاصرة، يكمنُ الحل للتعامل مع التَّفكير المتحجِّر وضيِّق الأفق في النظر بعيداً عن الأعراف والتقاليد السائدة وأخذ ما يفعله الآخرون لاستمداد الإلهام بالحسبان، ومن ثمَّ جمع ودمج هذه الأفكار بطريقة مرنةٍ ومبدعة لاستقاء الأفضل منها.

4. دوِّن أفكارك ومارِس العصف الذهني:

في أثناء بحثنا عن حل لمشكلةٍ أمامنا مباشرةً، نستبعد عادةً احتمالاتٍ عديدة حتى نصل إلى أكثرها منطقيةً وتوافقاً، ولكن، عندما نحاول الانخراط في طريقة تفكيرٍ أكثر مرونة فنحن نبحث عن الأفكار غير الاعتيادية وغير المجرَّبة.

يسمح أسلوبا تدوين الأفكار والعصف الذهني لنا بالتَّفكير أبعد من "الحلِّ المثالي" لأنَّنا لا نفكر بطريقةٍ نقديَّةٍ أو تحليلية؛ فنحن نلتزم بالتَّفكير لأجلِ الأفكار بحدِّ ذاتها، ونسعى نحو الإبداع المُطلَق، ويعني ذلك أنَّنا سنعثر على العديد من الأفكار غير المفيدة، لكنَّنا سنتمكن أيضاً من التَّفكير بطريقة مرنةٍ خلَّاقة ما كنَّا استطعنا الولوج إليها تحت الضَّغط المعتاد.

نميل تحت الضغط إلى اتِّباع نمط التَّفكير ضيقِّ الأفق خِشية المُخاطرة أو خوفاً من الأفكار الجديدة إن شعرنا أنَّه ليس أمامنا سوى خيار واحد. لكن، عندما نسمح لأنفسنا باستكشاف الخيارات والفرص غير المتناهية؛ سنهيئ أنفسنا للإلهام والأفكار المُبتكرة.

تدعم الأبحاث أنَّ تدوين الأفكار يساعد المرء على تحرير قدراته الإبداعية واكتشاف حدسه الذي لم يكن ليصل إليه في الأحوال العادية.

لذلك، عندما تشعر بشحِّ الأفكار في المرة المقبلة ما عليك سوى البدء بالكتابة عن التحدي الذي تواجهه والتفكير ملياً في جميع الحلول الممكنة لمدة 30 دقيقة، وستُذهلك الأفكار المبتكرة التي سَتخطر لك.

5. استعِن بآراءٍ ووجهات نظرٍ متنوِّعة:

إن كنَّا نرغب بتغيير طريقة تفكيرنا المحدودة؛ فعلينا توسيع شبكة الأشخاص الذين نتحدث معهم ونحصل على الدعَّم منهم.

فكلٌّ منَّا مرَّ بتجاربٍ مختلفة وبالتالي لديه وجهة نظرٍ مختلفة بناءً على تلك التجارب؛ فمن المرجَّحِ أن ينظر المحامي إلى مشكلة ما بطريقةٍ تختلف تماماً عن تلك التي قد يَنظر بها المهندس إلى تلك المشكلة ذاتها، وذلك هو سبب أهمِّية التنوع؛ فكلَّما ازدادت دائرة زملائك ومعارفك ومجتمعك تنوُّعاً، زادت مرونة أفكارك وإبداعك؛ والسبب ببساطة هو أنَّك تحصل على آراء من وجهات نظرٍ مختلفة لم تكن تُدركها من قبل.

ولذلك، جرِّب طلب نصيحة شخصٍ مختلف التَّفكير عنك عندما تشعر أنَّك تراوح مكانك فيما يخص مشكلة ما. مثلاً، إذا كان فريق المبيعات يعاني من مشكلةٍ في العمل، لِما لا يسألون فريق التسويق أو فريق تطوير المنتج عن آرائهم، أو إن كنتَ تواجه صعوباتٍ في التفاهم مع شريكك؛ فربما عليك استشارة معالجٍ مختصٍّ في مساعدة الأزواج أو رجل دين.

إن استمرينا بالتحدث مع نفس الأشخاص وبإحاطة أنفسنا بالأجواء نفسها؛ فسنعاني من ضيق الأفق، وبالتالي سنعاني من شحِّ الأفكار المبدعة، ولكن إذا توافر نقدٌ مستمر لأفكارنا وتعرَّفنا إلى وجهات نظرٍ جديدةٍ دوماً، حينها سنكون ميَّالين إلى التَّفكير المرن وإلى العثور على حلول خلَّاقة التي ما كنَّا فكَّرنا بها لولا ذلك.

إقرأ أيضاً: تطبيق أسس عمل مرنة في المؤسسة

الخلاصة:

يَسمح لنا التَّفكير المرن بإنجاز مهام خِلنا أنَّها مستحيلةٌ في البداية؛ حيث تصبح العقبات والصعوبات ذخيرة الابتكار وتدفعنا نحو الإبداع يوماً بعد يوم، وبدلاً من أن نخشى المشكلات؛ نبدأ بالنظر إليها كفُرصٍ لتحسين واقعنا، وعلاقاتنا مع عائلتنا وزملائنا، وزبائننا ومجتمعنا كَكل.

يمكِننا أن نفكر بشكلٍ مرن وأن نجد حلَّاً لمعظم مشاكلنا عن طريق التركيز على هدفنا، وصرفِ انتباهنا مؤقتاً عن المشكلة، والبحث عن الإلهام في مصادر جديدة، وتدوين واستثارة الأفكار، والاستعانة بوجهات النظر المتنوعة.

وسرعان ما يصبح التَّفكير المرن أحد أهمِّ وأثمن المهارات التي يمكِن أن يحوزها الإنسان في عالمنا المتسارع دائم التغيُّر. فأيَّاً كانت العقبة التي تقف في طريقك، تستطيع تخطِّيها بسهولةٍ بمساعدة القليل من الإبداع والمرونة في التَّفكير.

 

المصدر




مقالات مرتبطة