كيف تساعد نفسك عندما تكون في حالة فوضى ذهنية؟

لطالما وجدت نفسي في حالة من الشعور بالضيق وانعدام الراحة في أوقات مختلفة من حياتي؛ إذ لا أكون مكتئبة، ولكن ينتابني الشعور بالعجز، والافتقار إلى الهدف، وغياب الدافع، والشعور بالفراغ، وانعدام التواصل مع الحياة من حولي؛ وعندما أكون في هذه الحالة، أشعر بالانزعاج، وبالحاجة إلى مساعدة نفسي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة كاترين ساندفورد (Kathryn Sandford)، والتي تُحدثنا فيه عن حالة الحُزن والضيق الناتجة عن الفوضى الذهنية، وكيفية التغلُّب عليها.

عادةً ما أشعر بهذا عندما أنهي مشروعاً عملتُ بجدٍّ في تنفيذه؛ إذ يصيبني الإرهاق وأُستنزَف عاطفياً، وأكون في مرحلة لا أعرف فيها ماذا أفعل بعد ذلك.

وضعني كوفيد-19 (COVID-19) أيضاً في عديدٍ من المواقف التي اضطررت فيها إلى العمل بجد حقاً؛ حتى لا أبقى في حالة فوضى ذهنية فترةً أطول مما ينبغي، ومع هذا القدر الهائل من الاضطراب والغموض في حياتنا اليوم؛ يتعيَّن علينا أن نكون أكثر يقظة حتى لا نقع في فخ استمرار العيش في حالة من الفوضى الذهنية.

ما هي الفوضى الذهنية؟

تتلخَّص الخطوة الأولى للتخلُّص من حالة الفوضى الذهنية في فهم معناها، فإذا كنت لا تعرف المشكلة التي تواجهها، كيف ستتمكَّن من التخلُّص منها؟

هناك العديد من تعريفات الفوضى الذهنية، ولكنَّ التعريف الشائع والذي قدَّمه قاموس أوربان (Urban Dictionary):

"حالة من الحُزن المؤقت، والشعور بالحزن واليأس دون معرفة السبب، وعدم وجود دافع للقيام بأي شيء، والشعور بالتعب الدائم؛ كأنَّك تفتقد شيئاً ما ولكنَّك لا تعرف ما هو، مثل مرحلة صغيرة من الاكتئاب لا تدوم سوى عدَّة أيام أو أسابيع".

تُعَدُّ الفوضى الذهنيَّة حالةً معروفةً علميَّاً، وكذلك مزاجنا ومشاعرنا؛ فهُم لا يأتون من العدم، وإذا كنت في حالة فوضى ذهنية، فأنت لست مجنوناً؛ لأنَّ هنالك تفسيراً كيميائياً وراء إحساسك بهذه المشاعر، وعندما تفهم الأسباب العلمية الكامنة وراء حالتك المزاجية، تكون أكثر وعياً بكيفية التخلص من الفوضى الذهنية بصورة أسرع.

الكيمياء وراء حالتنا المزاجية:

تؤثر المواد الكيميائية المختلفة في حالاتنا المزاجية؛ إذ تشرح "سيدني سبروس" (Sydney Sprouse) كيف يمكننا تسخير هذه المواد الكيميائية لنسيطِر على مشاعرنا بدلاً من أن تُسيطر علينا، قائلة:

"تعمل الهرمونات والناقلات العصبية (تلك الناقلات الكيميائية الهامَّة) في الجهاز النطاقي وفي جميع أنحاء الجسم، وهي التي تولِّد المشاعر التي تُحِس بها طوال اليوم، وتتفاعل هذه المُركَّبات جنباً إلى جنب مع أحداث حياتك لإثارة أنواع عديدة من المزاج".

فيما يلي بعض المواد الكيميائية التي تتحكم في حالتنا المزاجية:

1. السيروتونين:

السيروتونين (Serotonin) هرمون وناقل عصبي يساعدنا على الشعور بالاسترخاء والتوازن، ويساعد على الشعور بالسلامة والهدوء. وعندما يكون السيروتونين خارج السيطرة، يبدو كل شيء وكأنَّه خارج عن السيطرة في حياتك؛ فحيما ينخفض السيروتونين في جسدك، تكون أكثر عرضة للشعور بالحزن والخمول والنعاس، وعلى النقيض، عندما يكون هناك الكثير من السيروتونين في جسدك، فإنَّك تكون أكثر راحة ويقظة وحيوية.

يعني شعورك بالخمول أو انخفاض الطاقة أو العاطفة، أنَّك بحاجة إلى زيادة مستويات السيروتونين، وواحدة من أفضل الطرائق لفعل ذلك هي كتابة اليوميات؛ إذ يساعد تصرُّفٌ بسيطٌ مثل التفكير في إنجازاتك السابقة أو التفكير في الذكريات الإيجابية على إفراز مادة السيروتونين.

ولكن يجب عليك الالتزام بكتابة يومياتك بانتظام، وإلَّا ستستمر الفوضى الذهنية في الظهور وستبقى لفترة أطول.

إقرأ أيضاً: 11 نصيحة لتهدئة ذهنك وتصفيته

2. الدوبامين (الشعور بالسعادة):

الدوبامين (Dopamine) ناقل عصبي يفرزه الدماغ عندما نشعر بالسعادة، إنَّه مادة كيميائية تجعلنا نشعر وكأنَّ لدينا احتفالاً كل يوم، وهو هام جداً لمساعدتنا على تنظيم استجاباتنا العاطفية.

إذا كنت تحضر اجتماعات طوال اليوم أو كنت تقضي يوماً طويلاً في العمل، فسوف تشعر بالإرهاق والتعب، وكلما شعرنا بذلك، زاد شعورنا "بالكآبة" تجاه الحياة وأصبح مزاجنا كئيباً أيضاً، ويكون هذا الشعور علامة على انخفاض مستويات الدوبامين، وحاجتنا إلى تعزيزها.

هذه المادة الكيميائية ضرورية لأنَّها تمنحنا الشعور بالأمل، وتساعدنا على التخلُّص من مزاجنا السيئ مادام هناك الكثير من الدوبامين بداخلنا.

ولكي تعزِّز مستويات الدوبامين، يتعيَّن عليك إمتاع عقلك وجسمك، وهناك العديد من السُبل لتحقيق ذلك، إذ يمكنك تدليل نفسك على سبيل المثال، أو التخطيط لقضاء عطلة، أو إنشاء قائمة أُمنيَات، أو التواصل مع الأصدقاء القدامى أو أصدقاء لم ترهم منذ فترة.

الشيء الأهم الذي يجب فعله لزيادة مستويات الدوبامين هو اتِّخاذ الإجراءات اللازمة، فإذا كنت لا تتخذ إجراءً أو تحاول تجربة أشياء جديدة، فلن تتمكن هذه المادة الكيميائية الهامَّة جداً من مساعدتك على التخلُّص من مزاجك السيئ!

3. الأوكسيتوسين (الشعور بالحب):

"يخلق الأوكسيتوسين مشاعر الحب والثقة؛ لذا يُسمَّى بـ "هرمون الحب"، ويساعدك وجود هذا الهرمون في دمك على تكوين روابط عاطفية مع أحبائك، سواء الأصدقاء أم العائلة، وحتى الحيوانات الأليفة" -"سيدني سبروس" (Sydney Sprouse)

الأوكسيتوسين (Oxytocin) هو هرمون الحب الذي يجعلنا نشعر بالحب والتواصل، ويعدُّ الأوكسيتوسين أمراً ضرورياً لفهم حالاتنا المزاجية بينما يعمل عقلنا وجسدنا معاً لإنشاء روابط للتواصل مع الآخرين.

إذا كنت تشعر بالانعزال والوحدة، فيعني هذا أنَّ مستوى الأوكسيتوسين لديك منخفض وتحتاج إلى تعزيزه، وأفضل طريقة للقيام بذلك هي التواصل مع أحبائك.

هل تمتلك صديقاً يستمع جيداً أو شخصاً أو قريباً يجعلك تضحك؟ هؤلاء هم الأشخاص الذين سيساعدونك على زيادة مستويات الأوكسيتوسين إلى أعلى مستوى على الإطلاق.

شاهد بالفيديو: كيف تتخلص من الشعور بالوحدة؟

4. الإندورفين (الشعور بالإثارة):

الإندورفين (Endorphins) مادة كيميائية هامَّة تساعدنا على التعامل مع مستويات القلق والتوتر والألم الجسدي، ويُضَخ الإندورفين في أجسامنا عندما نكون نشيطين؛ لهذا السبب نشعر بالبهجة عند الذهاب للركض أو القيام ببعض التمرينات.

إنَّ أفضل طريقة لتعزيز الإندورفين هي أن تكون نشيطاً وتمارس التمرينات الرياضية، الأمر لك، يكفي أن تقوم بأي نشاط يمكنك من خلاله ضخ الدم والإندورفين.

5. الحذر من الكورتيزول "هرمون الإجهاد":

لكي نفهم كيف يؤثر الكورتيزول (Cortisol) في حالاتنا المزاجية، يتعيَّن علينا أن نفهم الإجهاد، وأول ما يجب أن تعلمه، أنَّ ليس كل الإجهاد سيئاً بالنسبة لنا؛ بل إنَّ الإجهاد الجيد (Eustress) يحافظ على اليقظة والاهتمام بالهدف وتركيز الاهتمام عليه، ولكن تكمن المشكلة في أنَّنا يمكن أن ندع التوتر السيئ (distress) يسيطر على حياتنا، وهذا هو الوقت الذي يبدأ فيه إفراز الكورتيزول، ويكون له تأثير كبير في أمزجتنا وطريقة شعورنا.

قد ترجع مسببات الإجهاد السيئ إلى أمور مختلفة، مثل المآسي الشخصية، والعلاقات السيئة، وفقدان الوظيفة، وما إلى ذلك، ومع زيادة الإجهاد في حياتنا، تصاحب مشاعر القلق والتوتُّر والإجهاد ارتفاع مستويات الكورتيزول.

ولكن هناك طرائق لإدارة مستويات الكورتيزول، وتُعدُّ ممارسة الرياضة والتواصل مع الآخرين هي أكثرها فاعلية؛ إذ يمكن لهذه الأنشطة أن تقاوم القلق والتعب الناجمين عن الضيق، وتساعدك على المضي قدماً.

هناك عدد قليل من المواد الكيميائية والهرمونات التي قد تؤثر في تقلبات حالتك المزاجية، ولكنَّني اخترت المواد الكيميائية الرئيسية التي تؤثر بصورة كبيرة في شعورك اليومي، ولكن إذا كنت تريد التخلُّص من حالة الفوضى الذهنية بسرعة، فإليك 3 إجراءات يمكنك القيام بها لمساعدتك على ذلك:

  • التأمل: يمنحك التأمل مساحة لمنح أفكارك بعض السلام والهدوء.
  • الضحك: يجلب لك الضحك السعادة ويخلق عقلية إيجابية، وكلما ضحكت أكثر، شعرت بسعادة أكبر؛ لذا أجبر نفسك على الابتسام والضحك على الأقل 10 مرات يومياً! وإذا قمت بذلك، ستختفي الفوضى الذهنية تماماً.
  • الحصول على 8 ساعات من النوم كل ليلة: يحتاج جسمك وعقلك إلى الراحة والتجديد، وتتلخَّص أفضل طريقة لتحقيق هذه الغاية في الحصول على قسط كافٍ من النوم بانتظام.
إقرأ أيضاً: 6 طرق فعّالة لتجديد طاقتك

في الختام:

لا يمكننا منع الشعور بالضيق الناتج عن حالة الفوضى الذهنية من التسلُّل إلينا، ولكن يمكننا الاستفادة من قدرتنا على الاختيار واتِّخاذ الإجراءات اللازمة لجعل مشاعرنا وأفكارنا أكثر إيجابية وتفاؤلاً.

وكلما تعرَّفنا أكثر على أسباب الفوضى الذهنية، أصبح من الأسهل علينا إيجاد الحل للتخلُّص منها.

"أنت لست ضحية العالم، بل أنت سيِّد مصيرك، واختياراتك وقراراتك هي التي تحدِّد مصيرك" - روي تي بينيت (Roy T Bennett).

 

المصدر




مقالات مرتبطة