كيف تخصص وقتاً لتعزيز عافيتك كي تحقق أقصى إمكاناتك؟

يهيمن موضوعٌ واحد على الأخبار على مدار الأشهر القليلة الماضية، سواء تستخدم هاتفك الجوال، أم تشاهد التلفاز، أم تتصفح الإنترنت، وهي أنَّ جائحة فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية تُلقي بظلِّها على كافة نواحي حياتنا، وتسبب تغيُّرات سريعة في طريقة أدائنا لأعمالنا وحتى تعاملنا مع الأصدقاء والعائلة.



نعاني من القلق والخوف المستمر في هذه الأيام، إذ تضرُّ كميَّة المعلومات الهائلة التي نتلقاها من كافة المصادر وفي كافة الأوقات بصحتنا، بالنسبة إلى بعض الناس يأتي القلق على دفعات وبالنسبة إلى بعضهم الآخر، فإنَّه أشبه بسيل مستمر من القلق يدفعك نحو الجنون كلَّ لحظة.

تواجه معنويات الموظفين ودوافعهم وإبداعهم خطراً محدقاً، وذلك بدوره يجعل إدارة العمل أو الشركة أصعب من المعتاد، حيث أصبح تخصيص الوقت للاهتمام بصحَّتنا شبه مستحيل اليوم.

تساعدك العافية على تحقيق أقصى إمكاناتك:

حذَّر العديد من خبراء علم النفس الإيجابي للعديد من السنوات بأنَّه: "إذا لم تخصِّص وقتاً للاعتناء بصِحَّتك، فلن تصل يوماً إلى النجاح". تلك رسالة هامَّة، ولها صدى خصوصاً في يومنا هذا.

يُتوقَّع منَّا كمديرين أن نكون منسِّقين استراتيجيين؛ فنحن مسؤولون عن تحديد مسار العمل وتعزيز التوافق بين الموظفين وإلهام الالتزام ضمن محيطنا.

تُعَدُّ هذه الأمور أهدافاً عسيرة تتطلب من المدير أكثر من حضوره الجسدي في الشركة، سواء كان يعمل من المنزل أم في المكتب، وحينما نجتهد لنقود بشكلٍ فاعل في هذا العالم المضطرب، يصبح لزاماً علينا الاهتمام بصحتنا النفسية وتخصيص الوقت لتعزيز عافيتنا كي نتمكن من القيام بواجباتنا على أكمل وجه.

نحن من نقيس نجاحنا، أيَّاً كانت المعايير التي نعتمدها؛ فبعضنا يرى النجاح على أنَّه التفوق في الحياة المهنية أو حجم الراتب أو الحياة العائلية الهنيئة؛ لكنَّ "النَّجاح" لا يعني بالضرورة وصولنا إلى سقف إمكاناتنا، وحين نتجاهل هذا العامل، قد نغفل عن كمِّية كبيرة من الإمكانات دون استغلالها.

الوصول إلى أقصى إمكاناتك أسهل مما تعتقد تبعاً لِجسيكا غليزر (Jessica Glazer)، الخبيرة في تقديم حلول القيادة: "يؤدي إجراء تغييرات بسيطة على نمط حياتك اليومي إلى تأثيرات كبيرة في صحتك، مما سيساهم مساهمةً مباشرةً في نجاحك بغضِّ النظر عمَّا هو معيارك للنجاح".

لا تعني تلك التغييرات بالضرورة قلب حياتك رأساً على عقب؛ حيث يتيح لك إجراء تعديلات طفيفة تخصيص المزيد من الوقت لصِحَّتك وبطرائق تعود إيجاباً على كافة جوانب حياتك، مما سيساعدك على استثمار كامل إمكاناتك لتصبح قائداً أفضل.

شاهد بالفيديو: 14 نصيحة للتمتّع بصحة جيدة طول العمر

كيف تخصِّص الوقت لتعزيز صِحَّتك؟ 4 تقنيات مُثبَتة ستساعدك على تحقيق أقصى إمكاناتك:

إليك 4 تقنيات مثبتة علمياً تساعد في التخفيف من القلق وتحسين الصِحَّة:

  • زيادة عدد ساعات نومك، حيث يشمل ذلك نوعيَّة النوم وكمِّيته.
  • زيادة الحركة وممارسة التمرينات الرياضية خلال اليوم.
  • تطوير مهارات اليقظة الذهنية (عبر مختلف تقنيات التأمل).
  • تعزيز ثقافة الامتنان في المنزل وفي العمل.

لا يتطلَّب توظيف هذه التقنيات في أيٍّ من نواحي حياتك أكثر من 20 دقيقة في اليوم، وأحياناً 3 دقائق ستكون كافية، ومع ذلك ستساعدك على تحقيق إمكاناتك عن طريق خلق مساحة تستطيع من خلالها زيادة قدرتك على التأقلم.

من خلال العمل على تطوير تلك المجالات الأربعة، ستتمكَّن شيئاً فشيئاً من الولوج إلى أقصى قدراتك الكامنة. لا تستغرق أي من تلك الاستراتيجيات أكثر من بضع دقائق من يومك، لكنَّها ستساعدك على الاعتناء بصحتك حتَّى خلال الأوقات التي تكون فيها مشغولاً جداً، فدعنا الآن نستعرض كل استراتيجية منها على حدة:

1. زيادة ساعات نومك:

مدَّة الالتزام: قد لا يتعدى 20 دقيقة يومياً.

تُظهر الأبحاث أنَّك تخسر نقطة واحدة من معدَّل ذكائك مقابل كل ساعة نوم تفوِّتها، فاخلد إلى النوم أبكر بـ 20 دقيقة فقط، أو خذ قيلولة خلال النهار واحصد الفوائد، مثل: زيادة إنتاجيتك ويقظتك خلال فترة ما بعد الظهر، أو خُذ قيلولة قصيرة بعد الغداء أو قبل وجبة العشاء مع عائلتك. يستحقُّ شريك حياتك وأطفالك اهتمامك، ولكنَّك ستجد صعوبةً في التركيز عليهم إذا كان النعاس يتملَّكك خلال الحديث معهم.

إن لم تنجح القيلولة، فاضبط منبهك بحيث تستيقظ في الوقت الذي عليك النهوض فيه بالفعل، وقد تشعر عند ضغط زر الغفوة بأنَّك تحصل على بضع دقائق إضافية من الراحة، لكن في الحقيقة من الأفضل لك أن تضبط المنبه بعد 20 دقيقة وتنهض بعد نوم منعش غير منقطع على أن تضغط زر الغفوة أكثر من مرَّة.

إقرأ أيضاً: النوم: أثره على الصحة، وانعكاسه على الإنتاجية

2. زيادة الحركة:

مدَّة الالتزام: 5 دقائق يومياً.

ليس عليك أن تسجِّل في نادٍ رياضي الآن إن كنتَ لا تجد وقتاً كافياً لذلك في جدول أعمالك المزدحم؛ ولكن مجرَّد أخذ استراحة لـ 5 دقائق والقيام ببعض حركات التمدُّد أو المشي سيكون له نتائج إيجابية فوريَّة في تخفيف مستويات قلقك وإبداعك وإنتاجيتك.

سيكون لهذا التمرين أثرٌ أعظم إن اخترتَ التنزه في الهواء الطَّلق بين الأشجار والخُضرة، واتَّخِذ من تخصيص الوقت لتعزيز عافيتك عن طريق زيادة حركتك قليلاً كلَّ يوم هدفاً لك، ولا تنسَ أن تأخذ بالحسبان التمرينات التي تقوم بها بالفعل دون أن تلاحظ. جرِّب التمارين السريعة والتي يسهل القيام بها في أي مكان فهي تناسب طبيعة عمل القادة.

3. زيادة ممارسة اليقظة الذهنية:

مدَّة الالتزام: 1 دقيقة يومياً.

استخدِم تطبيقاً للتأمل مثل: "كالم" (Calm) أو "هيد سبيس" (Headspace)، وضَعه إلى جانب أكثر تطبيق تستخدمه على هاتفك الذكي، وستتفاجئ بعدد المرات التي ستفتح بها تطبيق التأمل دون أن تلاحظ، وكم ستجد من السهل استبدال بضع دقائق من تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي بتمارين التأمل عوضاً عن ذلك.

ربما سَتفضِّل التسجيلات الإرشادية القصيرة، أو الجلسات الموقوتة التي تتضمن الموسيقى فقط، جرِّب بعضاً منها واختر ما يناسبك، فقد تجد تمارين التنفس في تطبيق كالم (Calm) مفيدة، حيث تَسمع خلالها صوت جرسٍ يرشدك لأخذ شهيق، ثمَّ يتكرر صوت الجرس لكي تحبس أنفاسك لثانيتين، ليقرع بعدها مرَّة ثالثة كي تطلق الزفير، كما يمكِنك استخدام هذه الجلسات لـ 60 ثانية فقط وستساعدك على إعادة ضبط تنفسك وتركيزك.

يفيدك الانخراط في التركيز على اليقظة الذهنية لمشاعرك ومحيطك في العديد من النواحي، وعندما تتمكن من التعامل مع التغييرات اليومية دون قلق، ستصبح أكثر إدراكاً لحاجات زملائك وأفراد عائلتك، حيث تسمح لنا اليقظة الذهنية بملاحظة ما يحصل داخلنا وخارجنا بشكل أفضل، وبهذا تساعدنا على اجتياز أيامنا بفاعليَّة.

إقرأ أيضاً: 4 إرشادات مهمة للحفاظ على صحة العقل مدى الحياة

4. زيادة شعور الامتنان:

مدَّة الالتزام: 3 دقائق يومياً.

احتفِظ بمذكرة امتنان، واستخدِم دفتراً أو هاتفك المحمول أو أحد التطبيقات العديدة التي تُقدِّم هذه الخدمة، لكن لا تضيِّع الفرصة لإعادة برمجة طريقة تفكيرك، فمجرد كتابة 3 أمور تشعر بالامتنان لوجودها في حياتك بشكل سريع كلَّ يوم سيدرِّب دماغك على البحث عن الإيجابيات دوماً، وستحصد نتائج تلك الطريقة بالتفكير على الصعيدين الشخصي والمهني؛ حيث سيلاحظ الجميع داخل وخارج مكتبك تحسُّن مزاجك.

إن كنتَ ترغب في نشر فوائد الامتنان ومشاركتها مع محيطك، يمكِنك أن تُقدِّم الشُّكر لبعض زملائك في العمل، حينها سيشعر أعضاء فريقك بأنَّهم محط تقدير ودعم واهتمام.

وإن كنتَ ترغب في تحويل هذه التقنية إلى عادة، عليك قضاء 3 دقائق في كتابة رسالة شكر لشخص في حياتك مرَّة كلَّ أسبوع، وقد تختار كتابتها باليد أو إرسالها عبر البريد الإلكتروني، وفي كلتا الحالتين حاوِل اتِّباع النموذج الآتي لكتابة رسالة مختصرة ومحدَّدة ومؤثِّرة:

  • وصف الحالة (مثال: حدث أمر هذا الصباح/ قبل لقائنا الأسبوعي).
  • وصف السلوك الذي لاحظتَه (مثال: حين وافقتَ على تغيير الموعد وفقاً لطلبي في آخر لحظة).
  • وصف أثره عليك (مثال: شعرتَ بالامتنان والدعم، أنا سعيد جداً بالعمل معك).

وقِّع الرسالة ثمَّ أرسِلها، وبهذا تكون استفدتَ شخصياً من الامتنان وأسعدتَ شخصاً آخر، فتلك إحدى طرائق تشجيع ثقافة الامتنان في مكان العمل.

تذكَّر هذه النصائح الأربع من علم النفس الإيجابي كي تساعدك على تعزيز تأقلمك، فحتَّى لو كنتَ ناجحاً وفقاً لكل المعايير، قد تجد أنَّك لم تحقق كامل إمكاناتك بعد، وعندما تخصِّص الوقت لعافيتك، ستجهِّز نفسك لاغتنام الفرص وتحقيق تلك الإمكانات.

المصدر




مقالات مرتبطة