كيف تحسن مهارات الإصغاء وتعزز التواصل الفعال في مكان العمل؟

إنَّ لمهارات الإصغاء والتحدث أهمية كبيرة في التواصل، صحيح أنَّ ثقافة العمل في هذا القرن قد اختلفت عما كانت عليه قبل انتشار جائحة كورونا (COVID-19) في جميع أنحاء العالم؛ لكنَّ هذا لا يمنحك حق التراخي في تطبيق معايير العمل.



لقد زادت الاجتماعات التي تُعقَد عبر تطبيق زووم (Zoom) ومكالمات الفيديو والوقت الذي يقضيه الناس باستمرارٍ خلف شاشات الأجهزة الإلكترونية مستوى قواعد السلوك المتوقع تطبيقها في الاجتماعات وخلال عمليات التواصل، ولم تَعُد القضية تقتصر على كتم صوت الميكروفون في أثناء الاجتماع.

لطالما كان التواصل الفعَّال في مكان العمل موضوع نقاش لعقود من الزمن؛ ومع ذلك، نادراً ما يُتطرَّق إليه أو ينفَّذ بسبب نقص الوعي ورغبة الجميع في الاستحواذ على النقاش، وفي الحقيقة لا يقتصر التواصل الفعَّال على التحدث بوضوح أو إيجاد عبارات مناسبة؛ إنَّما يبدأ بالإصغاء إصغاءً متأنياً والحضور الذهني.

هذه بعض النصائح التي تعلِّمك كيفية تحسين مهارات الإصغاء لديك لتحقيق التواصل الفعَّال في مكان العمل:

1. أصغِ بقصد الفهم لا الرد:

يوجد فرق كبير بين الإصغاء والاستماع، ومن شروط الإصغاء الاهتمام وبذل الجهد والتركيز، بينما في الاستماع يكون مستوى اكتراثنا بما يقوله الشخص منخفضاً، فالإصغاء هو نشاط إرادي يكون المرء فيه حاضر الذهن؛ في حين يكون التفاعل في الاستماع بلا استجابة أو مجهود، ولهذا السبب فإنَّ مهارات الإصغاء مطلوبة في مجال الأعمال.

يمكن أن يكون الإصغاء أحد أقوى الأدوات في ترسانة التواصل الخاصة به؛ وذلك لأنَّه أساسي لفهم الرسالة التي تصلك، ونتيجة الفهم العميق للرسالة، يصبح التواصل أسهل لوجود مستوى أعلى من الاستيعاب يسهِّل طرح أسئلة المتابعة العملية وإجراء المحادثات وحل المشكلات؛ حيث إنَّ مجرد سماع عبارة ما لا يعني أنَّك فهمتها فعلاً.

يراقب ذهنك بيئتك باستمرار بحثاً عن التهديدات والفرص والمواقف لتعزيز قدرتك على البقاء على قيد الحياة، فصحيح أنَّ الإنسان قد تطوَّر؛ لكن لا تزال الدوائر العصبية المسؤولة عن هذه الآليات المرتبطة بعلم النفس والمعالجة العصبية لدينا، وصنعُ الذكريات هو أشهر مثال على ذلك، فمثلاً لو سأل أحدهم: أين كنت يوم 3 حزيران 2014؟ قليلون هم من سيتذكرون، وهذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً.

الدماغ أكثر كفاءة من أن يحتفظ بالتفاصيل كلها حول كل حدث يجري في حياتك، ويرجع ذلك أساساً إلى أنَّ العديد من الأحداث التي تصادفها ليست دائماً بهذه الأهمية؛ لذا لا يهتم الدماغ - ولا ينبغي له أن يهتم - بما تناولته على الغداء قبل ثلاثة أسابيع أو لون القميص الذي ارتديته عندما ذهبت لمشاهدة كرة القدم الشهر الماضي؛ ولكن إن تذكَّرت التاريخ بالشهر واليوم والساعة فلا بد أن يكون هذا التاريخ هاماً بالنسبة إليك، كعيد ميلادك أو ميلاد طفلك أو وفاة شخص عزيز عليك

بغضِّ النظر عن الظروف، يُحفَّز الدماغ إلى أقصى حد من خلال العاطفة والمشاركة، ولهذا السبب تُذكِّرنا بعض المواقف بذكريات قديمة، فعندما تنشَّط المراكز العاطفية في الدماغ، من المرجح أن يتذكَّر الدماغ حدثاً ما، ويحدث ذلك أيضاً عندما تكون لدينا نية الإصغاء إلى حديث الطرف الآخر والتركيز على ما يقول. 

يُعدُّ استخدام طرائق البقاء البدائية هذه لتحسين التواصل في مكان العمل أمراً لا يحتاج إلى تفكير، بالمعنى الحرفي والمجازي؛ حيث ستؤتي ثمار التركيز المقصود والجهود المركزة على الأمد الطويل أُكُلَها؛ وذلك لأنَّك ستحتفظ بمزيد من المعلومات وستتذكرها بسهولة في النهاية، مما يميزك عن زملائك في العمل؛ لذا حان الوقت للتخلص من تدوين الملاحظات.

إقرأ أيضاً: لمَ يُعد الإصغاء بقصد الرد بدلَ الفهم سبيلاً للفشل؟

2. جرِّب التواصل غير اللفظي:

نربط التواصل عادةً بالكلمات والتأكيدات اللفظية؛ لكن يمكن أن يتخذ التواصل جميع الأشكال والصيغ، وفي عصر الاجتماعات الافتراضية على تطبيقات مثل زووم (Zoom)، أصبح من الصعب جداً استخدام هذه الأشكال الأخرى من اللغة وفهمها؛ وذلك لأنَّها تكون مفهومة أكثر عندما نجلس مع الشخص وجهاً لوجه.

يمكن أن تلعب لغة الجسد دوراً هاماً في تفسير كلماتنا وتواصلنا، خاصةً عندما يكون هناك انقطاع في الاتصال، فعندما يخبرك الشخص بأمر ما؛ وتقول لغة جسده العكس، فلن تسكت عن ذلك، ويبدأ ذهنك على الفور بالبحث عن مزيد من المعلومات ويحثك على طرح أسئلة من شأنها أن تفسِّر الموقف تفسيراً أوضح، وفي الواقع يكون أحياناً عدم التحدث بأهمية التواصل اللفظي نفسه.

يمكن أن توِّفر خيارات التواصل غير اللفظي التي كثيراً ما نتجاهلها مجموعة كبيرة من المعلومات حول النوايا والعواطف والدوافع، فنحن نقوم بذلك دون وعي، ويحدث مع كل مواجهة ومحادثة وتفاعلٍ نشارك فيه، ويكمن السر في استخدام هذه الإشارات ومعرفة تفسيرها لتحسين مهارات الإصغاء ومهارات التواصل لديك.

صُمِّمت أذهاننا لتفسير عالمنا، ولهذا السبب نستطيع جيداً التعرف إلى الفوارق البسيطة وانقطاع التواصل في لقاءاتنا غير الرسمية؛ لذا عندما نلاحظ الرسائل المتضاربة بين الاتصال اللفظي وغير اللفظي، تتخذ أذهاننا مسار استكشاف الأخطاء وإصلاحها.

قد تطرح على نفسك أسئلةً من قبيل: "ما هي الرسائل التي تُطرَح دائماً عندما يُثار هذا الموضوع؟ و"ما العبارات التي لا تتوافق مع ما يحاولون حقَّاً إخباري به؟" و"كيف أفسر كلماتهم ولغة جسدهم؟".

للإجابة عن هذه الأسئلة، يجب علينا فهم المسألة بالتفصيل وإدراك أنَّ لغة الجسد عادة تحدث دون وعينا، مما يعني أنَّنا نادراً ما نفكر في لغة جسدنا؛ ويحدث هذا لأنَّ أدمغتنا تركز على تجميع الكلمات والعبارات معاً للتواصل اللفظي، والذي يتطلب عادةً مستوى أعلى من المعالجة، وهذا لا يعني أنَّ لغة الجسد ستخبر الحقيقة دائماً؛ ولكنَّها توفر أدلة لمساعدتنا على تقييم المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة جداً على الأمد الطويل.

يمكن أن تعزز مراقبة لغة الجسد وتفسيرها باهتمام مهارات التواصل الخاصة بك، كما يمكن استخدامها كأداة للتواصل مع الشخص الذي تتحدث إليه، فهذه العملية متأصلة بعمقٍ في نفوسنا وتستخدم أساليب مشابهة لما يستخدمه الأطفال في أثناء تعلُّم مهارات جديدة يقلِّدون فيها تصرفات ذويهم خلال السنوات الأولى من تطوُّرهم.

يمكن أن يؤدي تقليد جلسة الشخص أو وقفته إلى إنشاء تقارب، مما يسهِّل الإحساس بمشاعر بعضنا بعضاً؛ حيث تُفعَّل هذه العملية عن طريق تنشيط مناطق معيَّنة من الدماغ من خلال تحفيز الخلايا العصبية المتخصصة المسماة بالخلايا العصبية المرآتية؛ تنشُط هذه الخلايا العصبية المعيَّنة في أثناء مشاهدة فرد ما يمارس نشاطاً أو مهمة، مما يسهِّل التعلُّم والتنظيم والفهم، كما أنَّها تتيح للشخص الذي يراقب فعلاً أن يصبح أكثر كفاءة في تنفيذ الإجراء جسدياً، وتُحدِث تغييرات في الدماغ وتغير بنيته العامة لتعزيز نتيجة هذا النشاط المختار.

عندما تصغي إلى زميلك بنية صادقة ستفهم قصده، وعندما يُضاف إليها تطابق في لغة الجسد، سيشعر أنَّكما متشابهان؛ لذا يمكن أن تسهِّل هذه الحيلة البسيطة الفهم والتواصل في جميع جوانب المحادثة.

3. تخلَّص من جميع مصادر التشتيت إلى الأبد:

يقول الكاتب والمتحدِّث التحفيزي جيم رون (Jim Rohn): "الأمر الذي يسهُل القيام به، يسهُل أيضاً عدم القيام به"، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي سوف يستمر في جميع جوانب التواصل، ومن المؤكد أنَّ تشتيت الانتباه سيؤدي إلى عدم فهم المحادثة أو تفسيرها، مما يؤدي إلى تواصل ضعيف وغير فعال.

يجب ألا نُغفِل هذه الحقيقة، لا سيما في هذا العصر الذي يتشتت فيه انتباه الناس باستمرار بوسائل التواصل الاجتماعي والمكالمات والرسائل والإشعارات التي لا تتوقف.

تسيطر علينا ثقافة عَرفت كيفية تسخير إدماننا على هرمون الدوبامين وغيَّرت قدرتنا على بذل الجهود الحثيثة لإنجاز المهمة التي في متناول أيدينا، فتقوم عوامل التشتيت هذه بإلهائنا عند استخدامها، وتستهلك قوَّتنا الذهنية والعمليات المركزية، وهذا ما يؤخِّر بعد ذلك قدرتنا على العودة إلى المسار الصحيح.

اكتشفت غلوريا مارك (Gloria Mark)، الباحثة في جامعة كاليفورنيا (إيرفاين) (University of California, Irvine)، أنَّ أذهاننا تستغرق في المتوسط ​​23 دقيقة و15 ثانية حتى تصل إلى ذروة حالة التركيز بعد المُقاطعة؛ لذا لا تستغرب هذا الأمر، فعوامل التشتيت هذه ستكلِّفك الوقت وتجعلك عُرضةً لارتكاب الأخطاء، ولا تتخطى فائدتها إرضاء غرورك عند تلقي إعجاب جديد على ملفك الشخصي على وسائل التواصل الاجتماعي.

يجب أن تُطبَّق في الاجتماعات سياسة عدم استخدام الهاتف، ويجب فتح مكالمات الفيديو الجماعية في متصفِّحها الخاص دون فتح علامات تبويب أخرى، ويجب إيقاف تشغيل جميع التحديثات والإشعارات ودردشة البريد الإلكتروني إن أمكن؛ وذلك للتخلص من جميع عوامل التشتيت في أثناء الاجتماع.

هذه بعض الأمثلة التي تُعلِّمنا كيفية تحسين بيئتنا لتحقيق أعلى مستويات التواصل في مكان العمل.

إقرأ أيضاً: في عالم مليء بعوامل التشتيت: التركيز قوة خارقة

4. ترجم كلماتك إلى أفعال:

يجب ألا تجد صعوبة في التواصل الفعَّال في مكان العمل؛ ولكن يجب أن يكون مدروساً، ويمكن للمعرفة أن تعرِّفنا إلى أشياء جديدة، ولكن يختلف اكتساب المعرفة عن تطبيقها، ويشبه الأمر تعلُّم ركوب الدراجة، كلما تدربت أكثر، سهُلت عليك قيادتها.

يمتلك خبراء التواصل مهارات إصغاء ممتازة، مما يتيح لهم أن يكونوا متواصلين فعَّالين في مكان العمل وفي الحياة؛ لذا إن رغبت في التمكن من مهارات التواصل لديك، فيجب عليك تطبيق هذه النصائح دون تسويف، وتعلُّم كيفية تحسين مهارات الإصغاء لديك؛ لذا اختر عباراتك بعناية، وأصغِ باهتمام، وكن حاضر الذهن.

 

المصدر




مقالات مرتبطة