كيف تحافظ على صحة الدماغ؟

يُتوقَّع من الناس الذين يعيشون في البلدان الغربية اليوم أن يعيشوا حياة أطول، وسطياً، من المئة سنة الماضية؛ إذ كانت معدَّلات العمر القصير متأثرة بسبب المعدَّل المرتفع من الوفيات بين الرضَّع، ومع هذا، فإنَّه من المتوقَّع أن يعيش الطفل ذو الخمس سنوات اليوم حتى 82، بدلاً من 55؛ أي 27 سنة إضافية؛ بناءً على بيانات من الدائرة القضائية "إنجلترا وويلز".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيب النفسي والمتخصص في صحة الدماغ "كايلاس روبرتس" (Kailas Roberts)، يُحدِّثُنا فيه عن نصائح للعناية بالدماغ.

ومع أنَّ هذا التطور يُعَدُّ مبشِّراً بالخير، نتيجة للتطور في ميدان الرعاية الصحية ومكافحة الأوبئة، فإنَّه سلاح ذو حدين؛ إذ يمكن للجسم أن ينجو خلال كل هذه العقود، ولكنَّ الدماغ قد لا يفعل ذلك؛ وإذا أصبح الإنسان سليماً جسدياً لكن مع دماغٍ متضرِّرٍ تضرُّراً دائماً، فسيكون في وضعٍ لا يُحسَد عليه، وهذا هو القلق الذي أثاره استطلاع حديث أجرته مؤسسة "ألزاهايمرز ريسيرتش" (Alzheimer's Research)؛ إذ إنَّ الخرف، بالنسبة إلى نصف المشاركين تقريباً، هو الحالة التي يخشونها أكثر من غيرها؛ إذ يصل إلى أكثر من 60% بين مَن تزيد أعمارهم عن 65 عاماً.

لقد عملتُ في ميدان صحة الدماغ لما يَقرُب من 20 عاماً بصفتي طبيباً نفسياً، وأحد مجالات اهتمامي الرئيسة؛ هو الخرف، وهو فقدان تدريجي لوظائف المخ بسبب مرض، مثل مرض ألزهايمر، وتوصَّلتُ إلى الاعتقاد بأنَّه يجب على الجميع التفكير في صحة دماغهم في وقت مبكِّرٍ أكثر بكثير من سن 65؛ وذلك لوجود طرائق لتقليل خطر الإصابة بالخرف، والخلل الإدراكي تقليلاً كبيراً، وكلما عالجتَ - في وقت مبكِّر - ما لديك من أسلوب الحياة والظروف الصحية التي تنطوي على المشكلات، من المُرجَّح أن تكون أكثر نجاحاً.

ومع ذلك، فإنَّ تجنُّب الخرف هو أمر واحد فقط، ولكنَّه بنفس أهمية تحسين وظائف المخ طوال حياتك؛ فإتاحة المجال لهذا العضو الحيوي للعمل في أفضل حالاته قبل عقود عديدة من خطر الخرف، سيساعدك على الاستمتاع بمزيد من الإنتاجية والسعادة والحياة الرغيدة.

يتغير الدماغ مع التقدم في السن لكن لا داعي للقلق:

عندما تحاول أن تجعل دماغك أكثر صحة، فمن المفيد إدراك الأشياء التي تقوم بها بخلاف ذلك؛ إذ يتأثر الدماغ عموماً في الأمور الآتية:

  1. عندما لا يتلقَّى الدماغ غذاءً كافياً من أجل النمو، سواء أكان الأوكسجين أم المغذيات الحيوية، فقد يكون هذا بسبب نقص إمدادات الدم، أو عدم كفاية استهلاك المغذيات.
  2. من خلال تراكم "البقايا"؛ تتراكم البقايا في الدماغ مع مرور الوقت، بِوصفها نتيجةً ثانويةً لعمليات التمثيل الغذائي، ويمكن أن تكون هذه البقايا ذات طبيعة التهابية؛ أي ينتج كرد فعل لتهديد محتمل للدماغ، ويتفاقم هذا الالتهاب مع تقدُّم العمر؛ إذ يؤدي الالتهاب إلى العديد من الحالات الصحية المزمنة بما في ذلك الخرف.
  3. عندما يتضرَّر الدماغ من الإصابة الجسدية، حتى الأحداث غير الضارَّة نسبياً؛ مثل ضرب كرة القدم بالرأس، يمكن إذا تكرَّرت أن تسبِّب مشكلات إدراكية طويلة الأمد.
  4. نقص التدريب؛ يمكن تدريب الدماغ مثله مثل العضلات، ولسوء الحظ، فمثلما تَضمر عضلاتنا الجسدية إذا لم نستخدمها، فإنَّ هذا يعني أيضاً أنَّ نقص التدريب والنشاط العقلي يمكن أن يؤدي إلى فقدان الوظيفة الإدراكية وفشل الدماغ.

كلما عشت طويلاً، زاد الوقت المُتاح لهذه المشكلات التي تعمل ضدَّ صحة الدماغ لتتراكم؛ إذاً ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى الدماغ المتقدِّم في السن، حتى الذي يتمكَّن من تجنُّب الإصابة أو المرض؟ توجد أخبار جيدة، وأخرى سيئة.

النبأ السيئ هو أنَّه عليك أن تتوقَّع بعض التراجع في "قوة الدماغ" مع تقدُّمك في العمر، وربما يكون ذلك حتى في وقت مُبكِّر من الثلاثينيات من عمرك:

  • يمكن أن تظهر عادة النسيان، لكن ربما تكون المشكلة الأكثر وضوحاً هي فقدان سرعة الاستيعاب، فأنا في منتصف الأربعينيات من عمري، ويمكنني بالتأكيد أن أشهد على ذلك، ويمكنني عادةً الوصول إلى الإجابة الصحيحة في النهاية، لكن أصبح الأمر يستغرق وقتاً أطول، وأصبح لعب الألعاب التي تتطلَّب سرعة البديهة مع ابني المراهق قضية خاسرة.
  • سوف تتدهور أيضاً "المهارات التنفيذية" مع تقدُّم السن، ومن ذلك تلك التي تحكمها "قشرة الفص الجبهي في الجزء الأمامي من الدماغ"؛ وهذا قد يضرُّ بقدرتك على التخطيط، وتنظيم نفسك، وحل المشكلات المعقدة، ويكون هذا أسوأ عندما تَرْزح تحت ضغط الوقت، وترتبط هذه التغيُّرات في الإدراك بالتغيُّرات في الدماغ، مثل: الانكماش، وهو كفيل بفقدان الخلايا العصبية، والتغيُّرات في إمدادات الدم.

أمَّا النبأ السارُّ؛ هو أنَّ بعض المهارات المعينة لا تتراجع تراجعاً كارثياً مع التقدُّم في السن؛ فلن تتضرَّر مفرداتك، وقدراتك اللغوية، بصرف النظر عن اللحظات التي تعلق بها الكلمة على طرف اللسان، المُتعلِّقة بتباطؤ قدرتنا على الاستيعاب على الأرجح.

وبالمثل، فإنَّ مهاراتك الإبصارية المكانية ستنجو على الأرجح عندما تتقدَّم في السن، وسيُمكِّنك ذلك من معرفة مكانك بالمقارنة مع أشياء أخرى ضمن بيئتك، سيكون الأمر مفيداً عندما تقود سيارتك، وسترجح كِفَّة الحكمة والخبرات التي تكتسبها على الأمور التي تتراجع في أثناء تقدُّمك في السن؛ وهذا ما يؤدي إلى اتِّخاذ قرارات أفضل.

علاوةً على ذلك، لست مضطراً لأنْ تُذعِن لكل التغيُّرات التي يأتي بها التقدُّم في السن، فقد كان الاعتقاد السائد حتى وقت قريب أنَّه وبعد أن ينضج الدماغ في مرحلة العشرينيات، فسيبدأ بالانحدار منذ ذلك الوقت، لكن عَلِمنا الآن أنَّ ذلك غير دقيق؛ إذ إنَّ الأبحاث المتراكمة تشير إلى أنَّ البشر يتابعون تطوير خلايا عصبية جديدة خلال حياتهم، فمنطقة "الحصين" هو أحدها، وهو المسؤول عن تشكيل الذكريات الجديدة، وهو الموقع الذي يتضرَّر مبكِّراً عند الإصابة بمرض ألزهايمر.

إنَّ القدرة على تحفيز النمو من أجل استثمار المرونة العصبية للدماغ؛ أي قدرته الدائمة على التكيُّف، تُقدِّم فرصة هامَّة ومبشِّرة؛ إذ تعني أنَّه يمكنك إجراء تغييرات في أسلوب الحياة، من شأنها أن تساعدك على الحفاظ على اللياقة العامَّة للدماغ، حتى عندما تتقدَّم في السن.

إقرأ أيضاً: 10 مواد طبيعية تعزز الدماغ وتحسن الذاكرة والطاقة والتركيز

أسباب الخرف متجذِّرة تجذُّراً عميقاً:

مقارنةً بالتقدُّم الطبيعي في السن، فإنَّ الخرف يعكس تدهوراً وظيفياً أكثر خطراً بكثير، ويسوء الأمر مع مرور الوقت، وبتفشِّي المرض أكثر، وانتشاره عن طريق الدماغ ستتأثر القدرات المعرفية أكثر، ومن الجدير بالذكر أنَّ الخرف ليس تشخيصاً بحدِّ ذاته؛ بل هو مصطلح نذكره كي نصنِّف الأعراض والدلائل التي تشير إلى مشكلة بالإدراك؛ إذ تصبح أسوأ.

يُعَدُّ مرض ألزهايمر أشهر الأسباب وأكثرها شيوعاً، لكن يمكن لأمراض القلب أن تسبِّب الخرف أيضاً، والخرف الجبهي الصدغي، وبعض التغيُّرات الشائعة، وإنَّ أحد التحديات التي تواجه التعامل مع الخرف، هو حالة تَظهر عند الكبار في السن، ولكنَّ أصلها متجذِّر.

نحن نعلم أنَّ أحد البروتينات السامَّة المرتبطة بألزهايمر، يمكن أن تبدأ في الدماغ قبل أن تظهر الأعراض بعقود، وبالمثل، فإنَّ المشكلات القلبية، مثل: ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الكوليسترول، يمكن أن تتطوَّر قبل أن يصبح المرض واضحاً بعدة سنين.

وهذا يُلقي الضوء على ملاحظة هامَّة وإيجابية، وهي الفرصة لاكتشاف عوامل الخطر قبل أن تظهر أعراض الخرف، فيمكن منع ظهور الأعراض أو تأجيلها على الأقل؛ فوَفقاً لتقرير أجرته مجلة علمية رائدة تُدعى "ذا لانسيت" (The Lancet) في 2020، فإنَّ 40% من حالات الخرف حول العالم يمكن تجنُّبها عن طريق أعراض يمكن تغييرها خلال حياة المرء.

وكما يعرف مَن يحاول الحفاظ على عادات حياة صحية، والامتناع عن العادات السيئة على الأمد الطويل، أنَّ قول هذا أسهل من فعله، فالحفاظ على الدافع أمر صعب، خاصة عندما نرى تأثيرات إيجابية تتبع تطبيق عادات سيئة مباشرة؛ مثلاً: فرط النشاط الذي يأتي من أكل الحلويات.

تثير هذه النتائج الدافع فينا، فهي متجذِّرة بتاريخ أسلافنا؛ إذ كان الخطر نادراً، ولكنَّ الخطر في العصر الحديث لم يعد نادراً؛ بل وفيراً؛ فلم يكن لدينا هذه السهولة في الوصول إلى الأشياء التي تضرُّ بدماغنا، وبشكلٍ رئيس: السكر، والدهون المشبعة، والملح، فإنَّ الشيوع الكبير لهذه المواد ورغبتنا العارمة تجاهها؛ كلا الأمرين يُعدَّان كارثةً بحد ذاتها.

وعلى الرَّغم من التحديات، فإنَّ الحقيقة تؤكد وجود أشياء يمكن فعلها لحماية الدماغ من الخرف، بالإضافة إلى أنَّ هذه النشاطات تأتي بنتائج فورية على صعيد التحسُّن الإدراكي والصحي عموماً، ولحماية الوظائف الدماغية على الأمد البعيد والقريب، يجب معالجة ذات الأمور.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح ذهبيّة لتعزيز طاقة الدماغ

ما العمل؟

سأقترح خمس فئات من الإجراءات التي يُمكنك اتِّباعها لتحسين الوظائف الدماغية لديك على الفور، ولمساعدتك على تقليل خطر تطوير الخرف في وقت لاحق:

1. تغذية دماغك:

يُشكِّل الدماغ 2% من وزن الجسم، ومع هذا، يستخدم 20% من طاقته، فليس من المفاجئ إذاً أنَّه إن لم يتلقَّ الطاقة المناسبة، فلن يؤدي وظائفه كما يجب؛ إذ يتطلَّب ذلك استهلاك المغذيات المناسبة، ونظام ينقلها للدماغ نقلاً مناسباً، ويعتمد الدماغ على صحة الأوعية الدموية، بما فيها غياب تصلُّب الشرايين، أو تموضع الدهون التي تضيِّق الأوعية الدموية.

يؤثر الضغط الدموي غير الطبيعي تأثيراً مباشراً في الدعم الغذائي للدماغ؛ فإن كان مرتفعاً، سيزيد من خطر الأزمة القلبية، وإن انخفض، فإنَّ ذلك سيعوق وصول المغذيات إلى الدماغ؛ لذا إنَّ الحمية الغذائية الصحية يمكن لها أن تضبط ضغط دمك ومستويات الكوليسترول ضبطاً فعَّالاً.

تُعَدُّ أكثر حمية مدعومة بالأدلة من أجل حماية الدماغ هي حمية البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أظهرت دراسة تبحث في فوائد هذه الحمية، أنَّ المشاركين الذين اتَّبعوها بانتظام، قد كانوا بمنزلة مَن هم أصغر بـ 7 سنوات، بناءً على القدرات المعرفية، مقارنةً بمَن لم يتَّبعوها على الإطلاق، وكلا الحميتين تقترح أطعمة، وتحذِّر من أطعمة، أو توصي بالتقليل منها على الأقل.

الأطعمة التي تنصح بها:

  • الأوراق الخضراء، والخضار غير النشوية.
  • التوابل، والأعشاب.
  • البقوليات، والفاصولياء.
  • الحبوب الكاملة.
  • أسماك المياه الباردة؛ مثل: السلمون، والتونا، والسردين وما شابه.
  • زيت الزيتون.
  • الدواجن.
  • المكسرات، والبذور.
  • التوت.

الأطعمة التي تحذر منها:

  • الأطعمة المصنعة والمشبعة بالسكر.
  • اللحوم الحمراء، ومشتقات الحليب.

الفكرة الأساسية من كل هذه الأطعمة، هي الحصول على الدعم الكافي من مضادات الأكسدة؛ المركبات التي تحوي تأثيراً يحمي الدماغ، والألياف، والدهون غير المشبعة بما فيها أحماض الأوميغا 3، وفيتامين ب، وكمية كافية من الكربوهيدرات المعقدة.

ذكرتُ آنفاً الالتهاب بوصفه سبباً لسوء صحة الدماغ؛ إذ إنَّ مضادات الأكسدة في الأطعمة التي ذكرتها آنفاً تُقلِّل من الالتهاب عن طريق الحد من الشوارد الحرة التي هي جزيئات كجزءٍ من وظائف الجسم اليومية، كالتنفس، وتناول الطعام، والنشاط الجسدي، وتُنتَج بإفراط كرد فعل على بعض الأشياء الأخرى، كتلوث الهواء، والتدخين، والكحول، والأطعمة المصنعة على سبيل المثال لا الحصر، وإن وصل الالتهاب إلى الدماغ، فإنَّ هذا يؤدي إلى مشكلات إدراكية ومنها الخرف.

تحتوي الألياف على فوائد خاصة، وتفتقر إليها الأنظمة الغذائية الغربية عموماً؛ بسبب انتشار الأطعمة المُصنَّعة، وتتسبَّب الألياف في تغيُّر في البكتريا التي تعيش في الأمعاء "الميكروبيوم" وهذا يُعَدُّ أمراً حميداً، فعندما يكون "الميكروبيوم" غير صحي، يؤدي هذا أيضاً إلى الالتهاب، ويعود هذا في جزء منه إلى تكسُّر الطبقة الحامية الرقيقة في الأمعاء؛ وهذا يؤدي بالمادة المُسبِّبة للالتهاب بالعبور إلى الأنسجة والدورة الدموية، ويحتمل أن تؤثر في الدماغ.

يتكوَّن الدماغ من 60% من الدهون؛ لذا أنا لا أنصح بحمية قليلة الدهون لهذا السبب، فإنَّ النوع المناسب من الدهون يُعَدُّ ضرورياً للخلايا العصبية؛ وذلك لنقل الرسائل نقلاً أكثر فاعلية.

تكمن مشكلة الدهون في ميلنا لاستهلاك النوع الخاطئ "الدهون المشبعة"، التي توجد في مشتقات الحليب كاملة الدسم، واللحوم الحمراء، ويمكن لهذا النوع أن يُسبِّب الأمراض القلبية الوعائية، وهذا ليس صحياً للدماغ، ويمكن للكميات الكبيرة منها أن تُسبِّب البدانة، التي بدورها تؤدي إلى الالتهاب، فينبغي أن تلجأ إلى الدهون غير المشبعة، وهي موجودة بزيت الزيتون والمكسرات على سبيل المثال.

إقرأ أيضاً: لماذا يمكن للصيام المتقطع أن يعزِّز صحة الدماغ؟

2. تمرين عقلك:

يشير "الاحتياط المعرفي" إلى قدرة الدماغ على القيام بالوظائف بشكل أمثل، على الرَّغم من الضرر الجسدي الذي يتسبَّب به المرض أو الإصابة الجسدية، مثل مرض ألزهايمر، فكلما ارتفع "الاحتياطي"، كان ذلك أفضل للدماغ.

ترتبط عدة عوامل بـ "الاحتياطي المعرفي"، مثل: المستوى العالي من التعليم، والمهن التي تتطلَّب جهداً معرفياً، لكن يمكنك أن تتَّخذ خطوات فعَّالة لكي تُدرِّب دماغك، وتدعم الاحتياطي المعرفي.

توجد بعض الشروط الضرورية لكي تُدرِّب عقلك تدريباً فعَّالاً ومثالياً:

  • أولاً: يوجد اتِّفاق عامٌّ على أنَّ التجديد والتنوع مطلوبان؛ مثل: فعلُ أمرٍ عقلك غير معتاد عليه، فربما يجب على مُدمني الكلمات المتقاطعة أن يلعبوا لعبة "سودوكو" والعكس صحيح، ويُعَدُّ تعلُّم لغة جديدة، أو أساليب الرقص، أو العزف على آلات موسيقية أمثلة رائعة عن ذلك، وتُعَدُّ الممارسة المتكررة ذات نفع خاص أيضاً في تحسين قدرات إدراكية معينة أيضاً، ويساعد هذا الدورة العصبية على دعم هذه المهارات.
  • ثانياً: التعقيد؛ فالمهام المعرفية الصعبة تتحدَّى الدماغ أكثر، وستكون ذات فائدة أكبر؛ وهذا يشبه حمل الأثقال في صالة الألعاب الرياضية؛ إذ تتحقق المكاسب الحقيقية من خلال تشجيعك لنفسك، ويرتبط بهذا الشرط النهائي تطوُّر التعقيد؛ ويعني ذلك بشكل أساسي رفع مستوى صعوبة التعلُّم، أو النشاط العقلي باستمرار بحيث تواجه تحديات كافية.

تردني عادةً أسئلة عن تطبيقات لتمرين العقل مثل "لاموسيتي" (Lumosity) و"برين إتش كيو" (BrainHQ)، على الرَّغم من كونها ممتعة، وهي من الجانب الإيجابي، تُشجِّع التدريب المستمر، إلا أنَّه لا يوجد حتى الآن دليل قوي على أنَّ المهارات التي طُوِّرت من خلال هذه التطبيقات أصبحت شاملة؛ أي إنَّك ستتحسَّن في اللعبة المُعيَّنة التي تلعبها، لكن هذا قد لا يشمل نشاطات أو مجالات معرفية أخرى.

توجد جوانب سلبية أيضاً لإمكانية الإدمان على هذه الألعاب والتطبيقات؛ لقد رأيت عدداً من المرضى الذين ركَّزوا على تحسين نتائجهم في الألعاب، وقضوا ساعات كل يوم في التدرُّب على حساب النشاطات الهامَّة الأخرى؛ مثل التواصل الاجتماعي، فغالباً ما يتعرَّض هؤلاء الأفراد للتوتر عندما لا يتقدَّمون، وهذا في حدِّ ذاته ليس جيداً للدماغ، كما هو الحال مع كل شيء، إنَّها مسألة اعتدال.

لتحسين الذاكرة على وجه الخصوص، توجد عدة حِيل وأساليب يمكن استخدامها؛ إذ يمكن أن يكون تجميع أجزاء أكبر من المعلومات في أجزاء أصغر مفيداً، ونحن نفعل ذلك بشكل طبيعي عند تقسيم أرقام الهواتف المحمولة.

يُعَدُّ اختبار نفسك عما تعلَّمته مفيداً، و"التكرار المتباعد"؛ أي إعادة دراسة المواد بعد انقطاع لساعات أو أيام أو أسابيع أو أكثر، يُعَدُّ أداةً قوية للتذكُّر، فتوجد تقنيات أكثر تقدُّماً، ويمكن أن تكون أيضاً قوية بشكل لا يُصدَّق للذاكرة، والأكثر شهرة هما طريقة "الوتد" وطريقة "قصر الذاكرة" أو "تقنية لوسي" (Loci)، وكلاهما يتضمن "ربط" كل ما تريد أن تتعلمه بصورة مألوفة لك في ذهنك، وإنَّ ذاكرتنا البصرية قوية جداً؛ إذ تعتمد هذه الأساليب على هذه الحقيقة.

كلما كانت الصورة المُرفقة غير مألوفة، زاد احتمال تذكُّرها؛ لذا يجب استخدام الإبداع بوصفه مثالاً عن استخدام طريقة "الوتد" لنفترض الآن أنَّك تحاول تذكُّر أربعة أشياء يجب أن تشتريها من السوق؛ مثلاً، السمك، والخبز، واللبن، والأرز، يمكنك بعد ذلك ربط السمكة ببندقية؛ تخيل صورة لسمكة ضخمة تأمرك أن ترفع يديك؛ فروح الدعابة في الصورة تساعدك على التذكُّر، وهكذا.

يمكنك استخدام الأماكن لمساعدتك أيضاً، ويفضَّل أن تكون هذه الأماكن مألوفة؛ منزلك على سبيل المثال، وإذا كانت لديك قائمة من 10 أشياء يجب تذكُّرها، فيمكنك أن تتخيَّل المشي في منزلك و"ربط" العناصر الموجودة بالقائمة بأماكن مختلفة فيه، وبهذه الطريقة، المواقع تشبه الأوتاد.

من خلال استخدام تقنيات الذاكرة مثل هذه، ستضرب عصفورين بحجر واحد؛ فقد تعوِّض عن الضرر الذي أحدثَته الشيخوخة على ذاكرتك، ومن خلال تنشيط ذهنك، ستحافظ على دماغك حادَّاً ويبني احتياطك المعرفي.

إقرأ أيضاً: حمية رواد الأعمال الغذائية لتحقيق النجاح وتعزيز أداء الدماغ

3. الاهتمام بصحتك النفسية والتواصل مع الآخرين:

يبدو من استخدام المصطلحين "صحة الدماغ" و"الصحة النفسية" أنَّهما شيئان منفصلان، لكنَّهما في الواقع مرتبطان بشدة؛ إذ إنَّ اثنين من أكثر مشكلات الصحة النفسية شيوعاً، "الاكتئاب والقلق"، يمكن أن يكون لهما آثار ضارَّة في الدماغ، إلى جانب تأثيرهما الأكثر وضوحاً في الحالة المزاجية والعاطفية.

إذا كنتَ قد عانيت من هذه الظروف المُنهكة، فسوف تُقدِّر الآثار قصيرة الأمد، كالتفكير البطيء، وضعف الذاكرة، وصعوبات التركيز، وضبابية الدماغ وما شابه، وفي الحالات القصوى، يمكن أن تكون شديدة بما يكفي لتحاكي الخرف، وعلى الأمد الأبعد، ستظهر نتائج كارثية عندما لا تُعالَج المشكلات المزمنة المتعلقة بالصحة النفسية، ويتسبَّب الالتهاب بمعظمها.

من الواضح وجود ما يُسمَّى "تأثير الجرعة"، فكلما كانت نوبة الاكتئاب أطول وأكثر شدةً على سبيل المثال، كانت تأثيراتها السلبة أسوأ فيف صحتك الإدراكية، وقد أظهرت الدراسات أنَّ مشكلات الصحة النفسية هذه يمكن أن تُغيِّر من بنية الدماغ.

يتقلَّص "الحصين"، وهو منطقة في الدماغ التي ذكرناها آنفاً على أنَّها ضرورية للذاكرة، التي تتضرَّر عند مرضى ألزهايمر، بسبب نوبات الاكتئاب، ومع ذلك، توجد أنباء سارَّة؛ فقد ثبت أنَّ علاج الاكتئاب بالأدوية يُحسِّن نمو "الحصين" وصحته، فالعلاقة الهامَّة بين الصحة العقلية، وصحة الإدراك/ الدماغ، هي سبب آخر لأخذ الصحة العقلية على محمل الجد.

تُعَدُّ التغييرات في نمط الحياة عنصراً ضرورياً في الحفاظ على الصحة العقلية؛ لذا امنح الأولوية لنومك وممارسة الرياضة بانتظام وتناول الطعام الصحي.

إذا واجهتك صعوبات دائمة في مزاجك أو علاقاتك أو في صحتك العامة، فلا تُكابر، وتحدَّث مع صديق تثق به، أو أحد أفراد أسرتك عما تشعر به، ولا تخف من مناقشة مخاوفك مع شخص من ذوي الاختصاص سواء كان طبيبك العام أم استشارياً أم طبيباً نفسياً.

تتوفَّر علاجات فعَّالة، نفسية أو دوائية، تساعد على معالجة مشكلاتك الآنيَّة، ويمكنها حماية صحة دماغك على الأمد الطويل على حدٍّ سواء.

أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في الصحة النفسية، هو مقدار ارتباطنا الاجتماعي؛ إذ يؤدي غيابه إلى الشعور بالوحدة، فيعاني الدماغ، ويزداد خطر الإصابة بالخرف، ويمكن لهذا أن يحدث بسبب الالتهاب، فقد ثبت أنَّ كلَّاً من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، يزيدان من مستويات الالتهاب في الدم.

ويمكن أن يؤدي الشعور بالوحدة إلى مجموعة من المشكلات الأخرى؛ كالأمراض النفسية والجسدية على حدٍّ سواء، ويمكن أن يكون لها أيضاً تأثير سلبي في الدماغ؛ ولهذه الأسباب، فقد ارتبط لدى بعض الخبراء الشعور بالوحدة بـ "المرض" الذي يُغيِّر بنية الدماغ ووظائفه.

لكن بالمقابل، فإنَّ الصلة الاجتماعية تُدرِّب الدماغ، وتبني احتياطياً معرفياً؛ إذ تتطلَّب المحادثات أخذاً ورداً قوةً ذهنية كبيرة؛ فعليك الانتباه إلى ما يُقال، وتذكُّره، وصياغة إجابة عنه، وإعطاء حكم اجتماعي جيد، فكل هذه المهارات تستحق الصقل.

تظهر النتائج التي توصَّلت إليها دراسة بريطانية استمرت عقوداً وشملت الآلاف من الموظفين الحكوميين، أولئك الذين كانوا أكثر نشاطاً اجتماعياً مع الأصدقاء خلال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من العمر، كان لديهم أداء معرفي متفوِّق في نهاية الدراسة، وكذلك، فإنَّ أولئك الذين كانوا نشطين اجتماعياً في الستينيات من العمر، كانوا أقل عرضة للإصابة بالخرف في وقت لاحق.

لذا من الهامِّ البقاء على صلة بالآخرين؛ فقابل أصدقاءك وعائلتك، سواء كان عن طريق الشبكة أم الهاتف أم شخصياً، وابحث عن حلقة اجتماعية يمكن أن تنضم إليها؛ كنادي كتَّابٍ على سبيل المثال، وتُعَدُّ مواقع إلكترونية مثل "ميت آب" (Meetup) مفيدة لمعرفة ما يجري من حولك، فيمكن حتى للمشي في الحي أن يكون فرصةً جيدة للتواصل الاجتماعي.

شاهد بالفيديو:6 ممارسات يوميّة تغذي العقل

4. تمرين جسدك:

كما ترتبط الصحة النفسية بصحة الدماغ، كذلك ترتبط بها صحتك الجسدية العامَّة؛ إذ توجد أدلَّةٌ على أنَّ الاعتناء بالصحة الجسمانية العامَّة يُحسِّن من صحة الدماغ، والسبب الأكثر وضوحاً هو أنَّ اللياقة الأفضل تؤدي إلى أوعية دموية أكثر صحة؛ وهذا ما يُحسِّن من عملية تزويد الدماغ بالأوكسجين والمغذيات.

لكن يُحسِّن التمرين من المادة الرمادية لدينا بطرائق أخرى، فعلى الأمد البعيد، يرتبط بانخفاض الالتهاب، ويمكن أن يُعوِّض بعض الأضرار التي تحدث من تناول الأطعمة السكرية، أو الغنية بالدهون، ويساعد على التحكُّم بالوزن والنوم والصحة النفسية، مع ما يترتَّب على ذلك من فوائد لصحة الدماغ.

يأتي دور الحماية الآخر من إنتاج مادة تُسمَّى "عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ" (BDNF)، فهذا الجُزيء مُفيدٌ للغاية في تعزيز نمو الدماغ وصحته، وتزداد مستوياته عن طريق التمرين، ويعمل الخبراء على إرشادات النشاط البدني خصوصاً للدماغ، لكن في الوقت الحالي نتَّبع الإرشادات العامَّة للصحة البدنية.

يقترح هؤلاء القيام بما لا يقل عن 150 دقيقة من تمرينات "الأيروبيك" متوسطة الشدة أسبوعياً، أو 75 دقيقة من التمرينات القوية، وتعني كلمة "متوسطة" مستوى يمكنك التحدث في أثنائه دون الغناء؛ كركوب الدراجات، والجري، والمشي السريع، والسباحة، كلها أمثلة جيدة، ويُقترح أيضاً إضافة تمرينات المقاومة إلى نظامك باستخدام الأوزان، أو وزن جسمك على الأقل مرتين في الأسبوع.

تدعم الأبحاث أيضاً فكرة أنَّ التمرينات عالية الكثافة، يمكن أن تكون مفيدة خاصة لقلبك ومن ثمَّ لعقلك؛ إذ يُعَدُّ تدريب التدريب المتقطِّع عالي الكثافة؛ فتتدرَّب بالقرب من حدود سعة القلب والأوعية الدموية لفترة طويلة، مثالاً تقليدياً عن ذلك.

يجب التحدُّث عن البدانة في سياق تدريب الجسم؛ إذ تزيد السمنة من خطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية؛ وهذا ما يزيد من فرصة الإصابة بالخرف، وهي أيضاً حالة التهابية غير مواتية للدماغ، ومع ذلك، لا تتساوى جميع الدهون؛ إذ تبدو دهون البطن، التي تؤدي إلى السمنة المركزية الزائدة خبيثة؛ لذلك إنَّ التحكُّم بالوزن ومراقبة خصرك، واتِّباع النظام الغذائي، ونصائح التمرينات التي أشرت إليها؛ هي جزءٌ هامٌّ من إدارة صحة الدماغ.

إقرأ أيضاً: 4 خطوات لتحقيق أقصى استفادة من طاقة الدماغ

5. حماية الدماغ:

ستساعد التدريبات التي ذكرناها، وخيارات نمط الحياة على تعزيز صحة دماغك، لكن هذه الخطوات ستذهب سُدى إلى حدٍّ ما، إذا كنت غير محظوظ وأُصِبتَ في الدماغ.

في عملي، رأيت عدداً من المرضى الذين يعانون من إصابات في الرأس، وغالباً ما يتمُّ تلقِّيهم في حوادث أو اعتداءات في بعض الأحيان، ويمكن أن تكون العواقب المعرفية لها كارثية، بالطبع، ليس من الممكن حماية أنفسنا بدرعٍ واقٍ في كل لحظة من كل يوم، لكن توجد خطوات معقولة يمكنك اتِّخاذها لتقليل خطر التعرُّض لإصابة في الرأس في أثناء ممارسة حياتك اليومية.

أتحدَّث هنا جزئياً عن الرياضات التي تتطلَّب الاحتكاك الجسدي، ومن ذلك كرة القدم، والركبي، والملاكمة؛ إذ أظهرت الدراسات معدَّلات أعلى من العجز المعرفي لدى أولئك الذين مارسوا هذه الرياضات باحتراف.

يوجد أيضاً دليل على الإصابة بـ "اعتلال دماغي رضحي مزمن" (CTE)، وهو علامةٌ على تلفٍ جسدي في الدماغ، بمعدَّلات أعلى من المتوسط ​​لدى أبطال الرياضة المتقاعدين، سواء أكان ذلك في لعبة الركبي أم في كرة القدم، ويبدو أنَّ "الاعتلال الدماغي الرضحي المزمن"، هو نتيجة لتراكم "بروتين تاو"، وهو أحد البروتينات المتسبِّبة في مرض ألزهايمر، ويحمل معه مخاطر أعلى للإصابة بالخرف.

في الآونة الأخيرة، أظهر بحث من جامعة "غلاسكو" (Glasgow) أنَّ وضعك في ملعب كرة القدم يؤثِّر في خطر إصابتك بالخرف، وهذا في جميع الاحتمالات يتعلَّق بتسديد الكرة بالرأس، فأنت بأمان بصفتك حارس مرمى، لكن كونك مدافعاً، فإنَّ ذلك ينطوي على المخاطرة الأكبر.

مع أنَّني لا أرغب في رؤية نهاية لهذه الرياضات، فإنَّني أُوصي من منظور صحة الدماغ بتجنُّب المشاركة في الرياضات التي تنطوي على مخاطر عالية للإصابة في الرأس، وإذا أصررت على الأمر، فإنَّ ارتداء خوذة الرأس الواقية أمر بالغ الأهمية، ويجب أن تتوفر إرشادات واضحة عن التعامل مع الارتجاج المتواصل في أثناء اللعب.

مع أنَّ الكثيرين قد لا يوافقون على ذلك، فإنَّني لست مقتنعاً بأنَّ الضربات الرأسية في كرة القدم هي جزء هامٌّ من اللعبة، وأنصح بعدم القيام بذلك، وبالأخص الضربات الرأسية عالية التأثير.

النوم هو عنصرٌ أساسيٌّ آخر في حماية الدماغ، لقد ذكرته بوصفه جزءاً من نمط حياة صحي في سياق الصحة النفسية، لكنَّه يستحق أيضاً أن يُعَدَّ عاملاً هامَّاً في حد ذاته؛ إذ يساعد النوم على تطهير الدماغ من المركبات التي من شأنها أن تُلحِق الضرر به، ومن ثمَّ فهي تشكِّل وقاية.

يرتبط الأرق المزمن بزيادة خطر الإصابة بالخرف، فضلاً عن الضعف الحاد في القدرة الإدراكية، ونظراً لكوني أُعاني من قلَّة النوم طيلة حياتي، فإنَّني أشعر ببعض العزاء في حقيقة أنَّ قلة النوم المزمنة لن تسبِّب حتماً الخرف، لكن توجد صلة.

يتمُّ التوسُّط في آلية التخليص الوقائي للنوم من خلال "الجهاز الليمفاوي"، وهو عبارة عن سلسلة من الأوعية التي تمَّ اكتشافها منذ وقت قريب، التي تعمل جنباً إلى جنب مع الأوعية الدموية في دماغك.

عندما تكون نائماً، لا سيما في أعمق المراحل، يكون "الجهاز اللمفي" نشطاً نشاطاً، ويعمل بمنزلة "غسيل دماغ"؛ إذ تتدفَّق سوائله عبر أنسجة المخ، ويطرد البروتينات مثل: "الأميلويد والتاو"؛ لذلك إنَّ تحديد نومك بِوصفه أولوية أمر بالغ الأهمية للحفاظ على صحة دماغك على الأمد الطويل.

حاول إنشاء روتين يمكن التنبُّؤ به لوقت النوم يساعدك على الاسترخاء والراحة، وتجنَّب الإفراط في تناول الكافيين؛ إذ يُعَدُّ هذا كله جزءاً من صحة الدماغ الجيدة.

المصدر




مقالات مرتبطة