كيف تتغلب على قانون باركنسون؟

ربَّما جرَّبتَ الأساليب الممكنة كلها لتحسين الإنتاجية، وتعلَّمتَ كيفية تحديد أولوياتك وإنشاء جدول عمل يخفف وطأة ساعات الذروة، وحسَّنت أيضاً بيئة عملك وتعلَّمتَ حتى كيف ترفض الطلبات غير الضرورية، وعلى الرغم من بذل قصارى جهدك، ما زلتَ تواجه صعوبة في زيادة الإنتاجية، فقد يكون هناك تفسير بسيط لهذا، ولا داعي للاستسلام؛ حيث تتضمن معظم نصائح الإنتاجية تنفيذ المزيد من المهام في الفترة الزمنية نفسها، وعلى الرغم من أنَّ هذا بالتأكيد ليس شيئاً سيئاً، إلا أنَّه لا يأخذ في الحسبان "قانون باركنسون".



ما هو قانون باركنسون؟

"قانون باركنسون" هو مفهوم اشتهر من قِبل المؤرخ البريطاني والمؤلف "سيريل نورثكوت باركنسون" (Cyril Northcote Parkinson)، وتنبع فكرته في الواقع من مقال مشهور كتبه عام 1955 لمجلة "ذي إيكونوميست" (The Economist)، أُعيدَت طباعته لاحقاً مع مقالات أخرى في كتاب "قانون باركنسون: السعي إلى تحقيق التقدم" (Parkinson’s Law: The Pursuit of Progress) عام 1958.

طوَّر "باركنسون" (Parkinson) بناءً على ملاحظاته القول المأثور: "العمل يتوسع لكي يملأ كل الوقت المتاح لإنجازه"؛ ولتوضيح ذلك بشكل أكثر بساطة، كلما كان لديك المزيد من الوقت لإكمال شيء ما، طال وقت تأجيله؛ مما يؤدي ذلك في النهاية إلى المماطلة.

من المؤكد أنَّنا في مرحلة ما ارتكبنا جميعاً هذا الخطأ، وإذا ما فكرنا في الأبحاث التي كان علينا تسليمها في أثناء سنوات الدراسة، قد نتذكر أنَّه عندما كان لدينا أسبوعان لإنجازها، كنا ننتظر حتى لا يتبقى سوى 3 أيام لموعد تسليمها لنبدأ العمل عليها، وإذا كان الموعد النهائي في نهاية الشهر مثلاً، فكنا نؤجل العمل حتى الأسبوعين الأخيرين، وقد يشمل هذا المبدأ الأمور الأبسط، مثل إضاعة ساعة لمعرفة ما سنأكله على الغداء.

اعتقد "باركنسون" أنَّه إذا مُنِح الأشخاص وقتاً إضافياً لإكمال مهمة ما، فسوف يستهلكون غالباً ذلك الوقت، ولكنَّ الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنَّنا نفعل ذلك حتى لو لم نكن بحاجة حقاً إلى وقت إضافي.

كيف يؤثر قانون باركنسون في الإنتاجية؟

سألت الكاتبة والصحفية "تيفاني وين" (Tiffanie Wen) على قناة "بي بي سي" (BBC): "هل هناك بعض الحقيقة في الفكرة القائلة: "إنَّنا نضيع الوقت إذا لم يكن هناك قيود زمنية صارمة تحكمنا"؟ وهل يستغرق عملنا وقتاً أطول حتى يكتمل في هذه الحالة؟

في العقود التي انقضت منذ أن كتب "باركنسون" مقالته، أظهرت الدراسات أنَّه فيها بعض من الصحة؛ إذ أظهر الباحثون في ستينيات القرن الماضي أنَّه عندما يُمنَح الأشخاص بين الفينة والأخرى وقتاً إضافياً لإكمال مهمة ما، فإنَّ المهمة تستغرق وقتاً أطول لإكمالها.

وفي مجموعة أخرى من الدراسات التي أُجرِيَت عام 1999، طُلِب من الأشخاص تقييم أربع مجموعات من الصور، وعندما أُخبِروا بإلغاء المجموعة الرابعة، أمضوا المزيد من الوقت في تقييم المجموعة الثالثة، بدلاً من إنهاء المهمة بسرعة أكبر وحسب.

ما هي علاقة ذلك بالإنتاجية بالضبط؟ عموماً، بدلاً من العمل بكفاءة للقيام بالمزيد في وقت أقل، فإنَّنا نطيل العملية؛ ونتيجة لذلك، نحن نخصص المزيد من الوقت للمهام البسيطة.

إذا كنت تسعى إلى الكمال، فقد يكون لهذا تأثير معاكس؛ لذا يمكنك استخدام الوقت الإضافي لتعقيد المهام، على سبيل المثال: إذا كنت بحاجة إلى إعداد جدول أعمال لاجتماع سيُعقَد في غضون ثلاثة أسابيع، فقد تُدرِج الكثير من المعلومات أو تشغل تفكيرك بالمشكلات البسيطة التي يمكن أن تحدث، والحل هو أن تضع "قانون باركنسون" في حسبانك عن طريق تخصيص وقت أقل لإنجاز المهام.

في حين أنَّ هذا قد لا يبدو فعالاً، وجدَت دراسة موَّلَتها الحكومة السويدية أنَّه ممكن، ففي هذه الدراسة، كان لدى الممرضات اللواتي تحوَّلن من العمل ثماني ساعات إلى العمل ست ساعات ضغط أقل وإجازات مَرَضية أقل وزيادة في الإنتاجية.

وجدَت دراسة أخرى حول "قانون باركنسون" وعلاقته بالإنتاجية أنَّ "أعضاء فِرق قطع الأشجار أظهروا معدل إنتاج أعلى بشكل ملحوظ عندما اقتصر تسليم الأخشاب على يوم أو يومين في الأسبوع مقارنةً بما كان عليه الحال حينما لم يكن هناك قيودٌ كهذه، ونظراً لأنَّ كلاً من المالكين وأعضاء الطاقم دُفِع لهم على أساس أجر القطعة، كان هناك حافز لزيادة الإنتاج مبكراً عندما كانت القيود سارية".

تُظهر تلك الدراسات أنَّ تحديد مواعيد نهائية لتنفيذ المهام يساعد على التغلب على التأجيل، ويدفعك أيضاً إلى العمل بكفاءة أكبر؛ وهذا يعني أنَّك ستتمكن من إنجاز المزيد في وقت أقل.

إقرأ أيضاً: 13 أمراً عليك أن تضعهم ضمن قائمة مهامك اليوميّة لكي تزيد من انتاجيّتك

التغلب على "قانون باركنسون" من أجل زيادة الإنتاجية:

لكي تتغلب بشكل واقعي وفعال على "قانون باركنسون"، يجب أن تكون الخطوة الأولى هي مراقبة وقتك، ويُفضَّل أن تراقبه لمدة شهر، ولا يهم إذا كنت تستخدم برنامجاً لتتبع الوقت أم الملاحظات التي تدونها يوميَّاً حول الإنتاجية، فيجب عليك فقط إيجاد طريقة لمعرفة الوقت الذي تستغرقه لإكمال مهام معينة.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك تكتب مقالاً في مدونة كل يوم لموقع شركتك، في البداية، فيمكنك تخصيص ثلاث ساعات في الصباح للعمل على ذلك، ولكنَّك قد تلاحظ أنَّك تحتاج إلى ساعتين فقط، فأنت فقط لم تعلم أنَّك لست بحاجة إلى تلك الساعة الإضافية، ونظراً لأنَّه كان لديك أكثر من الوقت الكافي للكتابة، فربما كنت تضيع الوقت.

من الآن فصاعداً، لن تخصِّص لهذه المهمة إلا مدة ساعتين، وهذا يعني أنَّك ستقضي القدر اللازم من الوقت على أولوياتك وعناصر قائمة المهام، وفيما يأتي بعض الميزات التي ستحصل عليها عند التغلب على "قانون باركنسون" ومنها:

1. تقليل مدة المواعيد النهائية الخاصة بك إلى النصف:

كتب رائد الأعمال "جاري رومر" (Jari Roomer): "جوهر "قانون باركنسون" هو تحديد مواعيد نهائية أقصر بكثير مما كنتَ قد حددتَ من قبل؛ حيث يجبرك هذا على التركيز على الأساسيات وتجنُّب المشتتات والتوقف عن التأجيل؛ مما يجعلك أكثر إنتاجية، ويساعدك على تحقيق نتائج أفضل في وقت أقل.

عندما يكون لديك الكثير من الوقت المتاح لإكمال مهمة أو مشروع، فلن تشعر بالحاجة أو الدافع أو الضغط للعمل بتركيز، ونظراً لوجود وقت متاح لإضاعته في التوتر والقلق، ستستهلك هذا الوقت دون أن تشعر"؛ لذا تخلَّص من هذا الوقت الزائد بجعل المواعيد النهائية الخاصة بك أقصر بكثير، ويقترح "رومر" (Roomer): "تقليل المواعيد النهائية إلى النصف".

قد يبدو هذا غير واقعي في البداية، ولكنَّ "رومر" يقول (Roomer): "قد تتفاجأ بمقدار زيادة إنتاجيتك، ومن المحتمل جداً أن تجد سبلاً لإنجاز مهامك بشكل جيد في غضون فترة زمنية محدودة، ولكن إذا لم تتمكَّن من الوفاء بالموعد النهائي، فقد يحدث هذا إما لأنَّك ما زلتَ مشتتاً أو لأنَّك تضيع الوقت في الأشياء غير الضرورية، أو لأنَّك تحتاج إلى إبعاد الموعد النهائي الخاص بك قليلاً في المرة القادمة حتى تجد المدة المثالية".

2. الدخول في سباق مع الزمن:

إذا عدنا إلى حكاية كتابة مقالات المدونة، فسوف نجد أنَّه عادة ما تستغرق كتابة المقال ساعتين، ولكن ماذا لو أعطيتَ نفسك وقتاً أقل، مثل ساعة ونصف؟ يصبح هذا فجأة كالمسابقة، ويمكنك القيام بذلك في الأيام التي يكون فيها ضغط العمل كبيراً، فهي طريقة فعالة لدفع نفسك إلى حالة التأهب القصوى؛ نظراً لأنَّ هناك وقت أقل لإكمال المهام.

هناك طريقة أخرى لذلك، وهي استخدام تقسيم الوقت عند التخطيط لأسبوعك، على وجه الخصوص؛ "تقنية بومودورو" (The Pomodoro Technique)؛ حيث تعمل حوالي 25 دقيقة ثم تأخذ استراحة لمدة 15 دقيقة، وبعد أن تفعل هذا أربع مرات، يمكنك أن تأخذ استراحة لمدة 30 دقيقة.

بالإضافة إلى مساعدتك على التخطيط، فإنَّ "تقنية بومودورو" (The Pomodoro Technique) تحارب التأجيل وتقلل من التعب وتُخلِّصك من عادة تعدد المهام، وعلاوة على ذلك، فهي تتيح لك التعامل مع المشتتات والمقاطعات، ويمكن أن تبقيك متحمساً لأن تنتهي من المهمة وتكافئ نفسك على تقدُّمك بعد كل جلسة.

3. استخدام التهديد:

من الواضح أنَّ هذا لا يتضمن أي شيء غير قانوني أو غير أخلاقي؛ بل هو طريقة لخداع نفسك للتركيز على المهمة التي تقوم بها، على سبيل المثال: إذا لم تكمل مقال المدونة خلال أقل من ساعتين، فلن تشرب فنجاناً من القهوة، أما إذا نجحتَ في تحقيق هدفك، فكافئ نفسك. الهدف من هذا هو استخدام المحفزات الفردية.

4. وضع الحدود:

من الطرائق الأخرى للعمل بشكل أسرع والتركيز على ما هو هام، هو أن تجرِّب شيئاً مثل الذهاب إلى مقهى دون شاحن الحاسوب المحمول، ففي المتوسط، ستستمر البطارية ما بين 1.5 ساعة إلى 4 ساعات، وهذا يعتمد على طراز الحاسوب والتطبيقات المستخدمة.

ونظراً لأنَّك تعمل خلال وقت ضيق، ستجبر نفسك على إنجاز عملك قبل نفاد بطارية الحاسوب المحمول، وعلى هذا النحو، لن يكون لديك وقت لإضاعته، بدلاً من ذلك، ليس لديك خيار آخر سوى أن تظلَّ مركِّزاً ومتحفزاً.

5. مواءمة العمل مع الالتزامات الخارجية:

قال المؤلف والناشر "جوناثان ليفي" (Jonathan Levi) في دورته التدريبية حول الإنتاجية: عليك التخطيط ليومك بحيث يجب أن تكمل أهم مهامك قبل التزاماتك الخارجية، والسبب وراء نجاح هذا الأمر هو أنَّ هذه الالتزامات ليست اعتباطية مثل المواعيد النهائية التي حددتَها بنفسك.

على سبيل المثال: لنفترض أنَّك ستقابل صديقاً أو عميلاً لتناول طعام الغداء في الساعة 12:30؛ إذ يستغرق الوصول إلى هناك 30 دقيقة؛ لذا عليك أن تتجه إليه قبل الظهر.

يجب عليك القيام بأهم مهمة في اليوم قبل المغادرة، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يؤدي إلى ضياع بقية يومك، وسيكون من الصعب التركيز على أي شيء آخر؛ وذلك لأنَّ الدماغ ينشغل في مهام غير مكتملة.

إقرأ أيضاً: كيف توقف إشعارات تطبيقات الدردشة على هاتفك لتحقق المزيد من التركيز

في الختام:

هذه مجرد خمس استراتيجيات يمكنك استخدامها للتغلب على "قانون باركنسون"، وهناك الكثير من الأشخاص الذين يستخدمون مزيجاً من كل منها حتى يبتكروا طريقة مذهلة تناسبهم، وهذا مقبول تماماً؛ باختصار، أنتَ بحاجة إلى أن تكون على دراية بهذا المبدأ، فعندما تكون كذلك، يمكنك بعد ذلك إيجاد طرائق للتغلب عليه من أجل تجنُّب إضاعة الوقت الثمين، والأهم من ذلك، تجنُّب المماطلة فيما تحتاج إلى إنجازه.

المصدر




مقالات مرتبطة