إنَّه شعور رائع، ولكنَّ مستوى الدوبامين الذي تَسَبَّبَ النجاحُ بارتفاعه، والذي بدوره أشعركَ بالحماسة والاندفاع، سيتلاشى في نهاية المطاف؛ ممَّا يترك الناس الذين حققوا النجاح أمام سؤال هام:
ماذا بعد؟ ماذا عليَّ أن أفعل الآن بعد أن حققت هدفي؟
الناس طموحون؛ ولكن يمكن لهم أن ينسوا أنفسهم بعد الوصول إلى أهدافهم بنجاح، أو أن يبطئوا زخم تطورهم؛ وهذا هو الجزء الإشكالي الذي يواجهه العديد من الناس في مرحلة ما، هذا إن لم يكونوا قد واجهوه مسبقاً.
لذا، ولمساعدتك في طريقك، سنقدم لك بعض الاقتراحات لما يجب عليك فعله بمجرد تحقيق هدفك، وكيف يمكنك إيجاد سبل أفضل للمضي قدماً.
ماذا تفعل ما إن تحقق هدفك؟
إذا حددت لنفسك هدفاً كبيراً لتعمل من أجل تحقيقه، سيسهل عليك التركيز عليه فقط، دون أن تفكر فيما عليك القيام به بعد نجاحك في ذلك.
لحسن الحظ، يوجد بعض المعلومات الأساسية والدروس التي يمكنها مساعدتك بعد تحقيقك النجاح للمضي قدماً في الحياة.
سنورد هنا تفصيلاً للمبادئ التي وضعها المليونير "بول سكولاردي" (Paul Scolardi) لنفسه من أجل الوصول لنتيجة مؤثرة وعظيمة، والتي تتلخص بالمبادئ الآتية:
1. التواضع:
قد لا تسعى إلى أن تصبح مليونيراً مثل سكولاردي، ولكنَّ هذا الدرس هام ويجب تذكره: لا تستهن بمن حولك عند إنجازك لتقدم عظيم، وقدِّر وضع من هم بحالتك السابقة نفسها.
إنَّ تنمية الذات أمرٌ هَشٌّ يمكن خسارته بسهولة باتباعك للعادات السيئة التي قد تدفعك إلى وضعٍ أسوأ؛ علاوة على ذلك، يمكن للتصرف بغرور أو غطرسة بعد تحقيق إنجازاتك أن يُبعِد الناس عنك، سواءً كانوا من الأصدقاء أم العائلة أم المؤيدين؛ وهذا ليس جيداً، حيث ينبع النمو غالباً من مصادر تتخطانا كأفراد.
يملك أصحاب رؤوس الأموال أشخاصاً مرشدين يساعدوهم ويوجهونهم، ويملك الرياضيون مدربين أيضاً؛ ويساهم أمثال هؤلاء في نموك وتطورك بطريقةٍ أو بأخرى، رغم أنَّهم لا يُذكَرون في قصص النجاح؛ لذا، كن متواضعاً، وتعرَّف على هؤلاء الناس، واعترف بوجودهم ومساهماتهم.
2. تدريب نفسك على وضع أهداف أكبر:
سنتكلم عن هذه الفكرة باستفاضة لاحقاً؛ ولكنَّ الفكرة هي أنَّه بمجرد تحقيق هدفٍ لم تكن تعتقد أنَّ بإمكانك تحقيقه، سترغب بالمواصلة عن طريق وضع هدفٍ أكبر، وترغب تدريجياً في تحديد أهداف تعتقد أنَّها مستحيلة التحقيق بعد كلِّ إنجاز.
على سبيل المثال: إذا حصلت على منصبٍ رفيعِ المستوى في وظيفتك، فقد يكون الهدف الأكبر هو بناء عملك الخاص في الصناعة نفسها.
3. العمل بجد وذكاء أكبر:
كلُّ ما تحتاج إليه عند العمل على تحقيق أهدافك هو الحفاظ على الثقة والتفكير الإيجابي، والقيام بكلِّ ما يلزم لتحقيق الإنجاز؛ فإذا أردت تبنِّي مسعىً أكبر، فستحتاج إلى حافزٍ وثقةٍ أكبر بنفسك، والعمل بجدّ حتى تحققه.
لكنَّ العمل الشاق ليس كلَّ شيء؛ إذ من المفترض أيضاً أن تعمل بذكاء، وأن ينعكس هذا على إنجازاتك. لذا اسأل نفسك: ما الذي ساعدك على تحقيق هذا الهدف في المقام الأول؟ وما الطريقة أو النهج الذي اتبعته لجعل كلِّ هذا يحدث؟
يتوه الكثير من الناس في طريقهم، ويفقدون إمكاناتهم التي أوصلتهم إلى هذا المنصب الرفيع منذ البداية؛ ذلك لأنَّهم سمحوا للنجاح بأن ينال منهم، والذي غالباً ما ينبع من عدم تفكيرهم بالعواقب.
لذا احرص على النظر إلى الوراء لتذكر ما ساعدك على الوصول إلى مكانك الحالي، والاستفادة من تجاربك السابقة.
4. تجاهُل المنتقدين:
عادةً ما يكون الحاقدون والمنتقدون متشابهين، وستجد دائماً أشخاصاً يحاولون التقليل من أهمية إنجازاتك عند نجاحك؛ لذا انتبه لذلك، حيث يشعر الكثير من الناس بالغيرة، ويصلون إلى الحدّ الأقصى الذي يجعلهم يتمنون لك الفشل دوماً.
جزءٌ من المشكلة هو أنَّ العديد من الناس الذين لم يعملوا على تحقيق أهدافهم يظنُّون أنَّ تحقيق النجاح بسيط، وأنَّه شيءٌ يمكن القيام به فيما لا يتجاوز بضع أشهر أو أسابيع حتى؛ وليس هذا فقط، فغالباً ما يدركون مقدار العمل المطلوب لوصول الناس إلى ذروة النجاح.
خذ سكولاردي مثلاً، لو أنَّه لم يشارك قصته الخاصة وسعيه ليصبح مليونيراً، لما عرفنا حقاً ما عاناه للوصول إلى ما وصل إليه الآن؛ فكلَّ ما نعلمه أنَّه لم يكن مليونيراً سابقاً، وأنَّه كذلك الآن.
حتى لو كان نجاحك مؤثراً في مجالٍ صغير، فستصادف الحاقدين أو الأشخاص الذين لا يصدقونك؛ لذا تجاهلهم، وتعامل معهم كما لو أنَّ مشاعرهم هذه غير متعلقة بنجاحك.
ماذا تفعل بعد نجاح الهدف؟
قد ترغب -مع أخذ هذه المبادئ الأربعة في الاعتبار- في تطبيق ما سنورده لاحقاً في حياتك لمتابعة التقدم؛ ولكنَّ الأفضل من ذلك، أن تطبقها الآن في أثناء استمرار عملك لتحقيق أهدافك.
ولكن، ماذا بعد أن تحقق النجاح؟ هذه المبادئ عظيمة بالتأكيد، ولكنَّها قد لا تمنحك الزخم الذي تحتاجه في أعقاب نجاحك. لذا نقدم إليك بعض الأشياء التي يجب أخذها في عين الاعتبار:
1. ضع هدفاً أكبر، أو وسِّع نطاق هدفك الصغير:
أنت تريد أن تضع أهدافاً أكبر بالتأكيد، فطموحات الناس لا نهاية لها؛ لذا تطلع دائماً لتحقيق الأعظم.
قد يبدو الأمر كما لو أنَّك إنسانٌ جَشِعٌ، ولكن لا يجب أن يتمحور هدفك حول كسب مزيدٍ من المال أو الإنجازات العالية. يمكنك ببساطة الوصول إلى مزيدٍ من الناس ومساعدتهم في حلّ مشكلاتهم، أو تعميق التواصل مع عائلتك وأصدقائك، أو ممارسة الرياضة لتحسين صحتك واختبارها من خلال المشاركة في الماراثون.
مهما كانت الحالة، فأنت تريد أن تضع هدفاً أكبر ممَّا كان عليه سابقاً في العديد من الصناعات وجوانب حياتك، واعلم أنَّ هنالك دائماً مساحةً لشكلٍ من أشكال التوسع؛ لذا، عندما تفكر في ذلك، ستجد أنَّك تملك طموحات أخرى أيضاً.
هناك طريقةٌ أخرى للتفكير في هذا الأمر، وهي توسيع نطاق هدفك الأصلي إلى أبعد ممَّا كان عليه سابقاً؛ إذ في بعض الحالات، يوجد تقدّمٌ طبيعيٌّ يتمثَّل في تحديد الأهداف المرحلية التي أوصلتك إلى هذا الإنجاز.
على سبيل المثال: إذا كنت تتطلع إلى إنقاص الوزن ووصلت إلى الوزن المثالي، فسيكون الهدف التالي هو ممارسة تمرينات رياضية محددة، كالتدرب من أجل المشاركة في ماراثون محلي؛ وفي هذه الحالة، أنت ما تزال تسعى إلى ممارسة النشاط البدني، لكنَّك تتدرب بطريقةٍ مختلفةٍ لم يعتد جسمك عليها سابقاً.
2. ساعد الآخرين:
هذا نهجٌ آخر على غرار بند التواضع؛ فبدلاً من النظر إلى الناس بتعالٍ، كرِّس بعض طاقتك لمساعدتهم.
لعلَّكَ قد شاركت في جمعيّةٍ أو مجموعةٍ ساعدتك للوصول إلى نتائجك بطريقةٍ ما، وبما أنَّ تلك المجموعة أو الجمعية قد ساعدتك، فلماذا لا تكافئ هؤلاء الذين ساعدوك؟
هذا ليس تقدماً بالضرورة، ولكنَّه يمنحك الفرصة التي تحتاجها لمعرفة ما تريد القيام به بعد ذلك، ممَّا يسمح لك بالتقدم وتعزيز ما تعلمته في كلِّ مرحلةٍ من حياتك.
تذكر أنَّ قيَمَك هامة، وأنَّها قد تتغير إذا ضللت المسار الذي سيحقق لك النجاح؛ وتذكر أنَّ مساعدة المجتمع قد تساعدك على البقاء وفياً لأخلاقياتك ومُثلك العليا بطريقة أو بأخرى.
3. انظر إلى "سلال" أخرى:
يقول المثل "لا تضع كلَّ بيضك في سَلِّةٍ واحدة". إنَّها عبارةٌ مناسبةٌ في حياتنا؛ ذلك لأنَّنا جميعاً نملك جوانب أو "سلالاً" عديدة في حياتنا.
وعلى غرار البند الأول، ربَّما قضى بعضكم الكثير من الوقت في تشكيل سلّةٍ واحدةٍ وتجاهل أُخرَيات؛ وفي هذه الحالة، لماذا لا ننظر إلى سلال أخرى ونوليها الاهتمام الذي تحتاجه؟
4. فكر في نفسك وجِدها:
آخر اقتراحٍ هو أن تخصص بعض الوقت لنفسك؛ لذا توقف لبرهةٍ بغيةَ التفكير في ذاتك، وإيجاد نفسك مرةً أخرى بعد خطوة النجاح الكبيرة هذه.
إنَّه لمن المنطقي أن ترغب في الانتقال إلى الشيء الكبير التالي بعد نجاحك، ولكن من الهام أن تعود إلى نفسك أيضاً. وكما ذُكِر أعلاه، هناك جوانب عديدة لأنفسنا، وإذا ركزنا على جانبٍ واحد، فسوف نقلل من أهمية شيءٍ آخر حتماً.
نحن نتعلم هذا بالطريقة الصعبة لأنَّنا نقضي الكثير من الوقت في العمل لدرجة أنَّنا نهمل مجالات أخرى من حياتنا مثل: الصحة، والعائلة؛ إذ إنَّ هذه الجوانب جزءٌ من هويتنا، وقد يتسبب إهمالها لبعض الوقت بانهيار حياتنا الشخصية.
يتغير كلُّ ذلك عندما نأخذ على عاتقنا التفكير فيما كنَّا عليه، وما نريد أن نكون عليه؛ حيث علينا إجراء تغييرات فعالة في حياتنا للعثور على أنفسنا من جديد.
أفكار أخيرة:
يعتقد الناس أنَّ تحقيق النجاح سهل ويحلّ جميع مشكلاتنا، ولكنَّ هذا ليس صحيحاً غالباً؛ حيث سيكون هناك مع كلِّ نجاحٍ تحققه، شيءٌ آخر يتطلب منك القيام بالمزيد.
بالطبع، أنت حر في البقاء في موضعك الحالي، ولكنَّ الحفاظ عليه هام أيضاً؛ لذا يمكنك من خلال تذكر كلِّ هذا وامتلاكك هذه المبادئ وتطبيق هذه الممارسات، إعداد نفسك للقادم بشكلٍ أفضل، واعتبار نجاحك خطوةً في طريق تحقيق المزيد.
أضف تعليقاً