كيف تتجاوز مشاكل الصحة العقلية في مكان العمل؟

لقد نالت الصحة العقلية في عام 2020 الاهتمام الذي تستحق؛ إذ أُجبر مليارات الأشخاص على عزل أنفسهم بعيداً عن أصدقائهم أو أقاربهم، وطُلِب منهم العمل من المنزل لوقف انتشار فيروس كورونا (Covid-19)، ومن هنا جاءت واحدة من أكبر أزمات الصحة العقلية التي حدثت على الإطلاق، مما جعل هذه المحادثات التي كانت محظورة في يوم من الأيام في طليعة اهتمام العالم، وخاصة فيما يتعلق بمكان العمل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن ورائد الأعمال داني بيكيت جونيور (Danny Beckett Jr) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع مشكلات الصحة العقلية في مكان العمل وكيف يمكن أن نتجاوزها.

نحن نعلم أنَّ العمل يمكن أن يكون مرهقاً وقد يسبب بعض القلق لبعض الموظفين، ومع ذلك، بالنسبة إلى العديد من العمال الذين يعانون من مشكلات الصحة العقلية، يمكن أن يتحول سريعاً إلى مشكلة أكبر تؤثر في دورهم وأدائهم.

تؤثر الصحة العقلية في الجميع، بمن فيهم أنا، فإنَّ كونك مؤسس شركةٍ ومديراً تنفيذياً منذ سن 23 عاماً، لم يكن هناك قَطُّ تجربة خالية من التوتر، وعلى الرغم من أنَّني أحب العمل الذي أقوم به، إلا أنَّه نادراً ما يكون هناك نجاح دون أي تضحيات، وغالباً ما يؤدي ذلك إلى الإرهاق والتوتر والقلق، ومن خلال رحلتي الشخصية، تعلَّمت الكثير عن أهمية الصحة العقلية في مكان العمل، وكيف أعتني بنفسي عندما لم يكن هناك سوى قليل من التعليمات حول كيفية القيام بذلك.

لقد كان من المقرر إجراء إصلاح شامل لأماكن العمل لفترة طويلة، وفي وقت التغيير هذا، جاءت فرصة للقيام بذلك، فسواء كنت قائداً تجارياً تحاول إنشاء مساحة آمنة لدعم الصحة العقلية، أم موظفاً يبحث عن طرائق للتكيف، سأقدم لك تجربتي الخاصة للمساعدة على إرشادك خلال هذه الأوقات الصعبة.

كشفت الجائحة (Covid) عن الحاجة إلى دعم الصحة العقلية في مكان العمل:

لقد كان التحول المفاجئ نحو العمل عن بُعد بمنزلة جرس إنذار للقوى العاملة والشركات على حدٍّ سواء، لقد واجه قادة الأعمال حقيقة أنَّ موظفيهم في الواقع بشر حقيقيون؛ لديهم أزواج وأطفال وقضايا للتعامل معها خارج العمل، وقد فضح هذا الإدراك المستور وكشف عن جميع المواقف والقضايا التي كان الموظفون يتعاملون معها خارج العمل؛ حيث أفاد 9 من كل 10 موظفين أنَّ الإجهاد في مكان العمل يؤثر في صحتهم النفسية، وإذا أضفنا إلى هذا الضغوطات في المواقف والقضايا اليومية، نرى أنَّ الشركات ستواجه فجأة مشكلة أكبر بكثير مما كانت تعتقد، ومع ذلك، حتى في أثناء العمل عن بُعد، مارَس القادة إجراءات صارمة، منها العمل من 9 صباحاً حتى 5 ولخمسة أيام في الأسبوع مع فترات راحة محدودة ومجال صغير للمناورة لقضاء إجازة، حتى عندما كان موظفوهم يشهدون تضارباً بين عملهم وحياتهم بطريقة لم يسبق لها مثيل من قبل.

يشعر الموظفون بالتوتر والقلق والإرهاق، وعلى الرغم من عدم وجود حل واحد يناسب الجميع، إلا أنَّ إحدى الطرائق التي يمكن لأرباب العمل المساعدة من خلالها على دعم الصحة العقلية هي توفير المرونة؛ وذلك لأنَّه بفضل الجداول الزمنية المرنة، يتمكن الموظفون من العمل في الأوقات التي تناسبهم عملاً أفضل، مما يوفر الوقت للعناية بأنفسهم وأسرهم، ويقلل مواقف العمل المجهدة.

في دراسة أُجريت في عام 2020، أشار 84% من المصابين بأمراض عقلية مثل القلق أو الاكتئاب إلى أنَّ الوظيفة المرنة يمكن أن تساعدهم على معالجة مرضهم مساعدة أفضل، فالمرونة هي الخطوة الأولى نحو الدعم النفسي في مكان العمل، والشركات التي لم تدرك قيمتها بالفعل إمَّا أن تُسارع إلى اللحاق بالركب أو أن تشهد تراجعاً في قدرتها على الاحتفاظ بالموظفين.

إقرأ أيضاً: 10 علامات تدل على أنك تعاني من ضغط شديد في العمل

يؤثر القلق في العمال والقادة على حدٍّ سواء:

العاملون ليسوا وحدهم الذين يتعاملون مع التوتر، فالقيادة، نتيجة قلة الدعم في بعض الأحيان، تواجه القدرة نفسه من الصعوبات، فقد عانى 64% من كبار قادة الأعمال من حالات الصحة العقلية بما في ذلك القلق والتوتر والاكتئاب، لقد تميزت رحلتي الشخصية كقائد بالقلق مرات عدة، ومن التجربة، يمكنني القول إنَّ النضال كقائد أمر صعب للغاية، خاصة عندما تحتاج أيضاً إلى التركيز على رعاية موظفيك بالإضافة إلى معاناتك الخاصة، ومع ذلك، في هذه الأوقات نحتاج إلى أن نُقِرَّ بضعفنا، ليس فقط مع أنفسنا، بل مع فريقنا أيضاً.

يمكن أن تحدث مشكلات الصحة العقلية في أي وقت، وليس لمجرد وجود الجائحة، فبدءاً من القيام بمهام العمل البسيطة ووصولاً إلى اكتشاف الخلاف في مكان العمل، يمكن أن يؤثر التوتر والقلق في أي شخص، ولتقديم أفضل دعم لكل من الموظفين والقادة في مساعيهم، فإنَّ أبسط طريقة هي التحدث عن ذلك، ولكن لعقود من الزمان، كانت مناقشة أي نوع من مشكلات الصحة العقلية مع زملاء العمل تعدُّ من المحرمات، والآن أُتيحت الفرصة للموظفين لإلقاء نظرة خاطفة على حياة بعضهم بعضاً من خلال العمل عن بعد، وهناك فهم أعمق لحياة بعضهم بعضاً، وفرصة للتعبير عن الضعف.

قد يكون التشجيع على المحادثات حول الصحة العقلية مخيفاً، لكن ليس ضروريَّاً أن تكون المحادثات عميقةً جدَّاً في البداية؛ لذا حاول كقائد عقد اجتماعات شخصية وجهاً لوجه مع فريقك لتسألهم عن أحوالهم، وليس فقط من أجل العمل؛ بل اسألهم عن الحياة ككل، وحدد أين يمكنك دعمهم دعماً أفضل، ويمكن للموظفين أيضاً التحدث مع زملائهم في الفريق، والاعتراف لبعضهم بعضاً عن معاناتهم، فقد يبدو الأمر صعباً أن تعترف لرئيسك أو مشرفك أنَّك تواجه صعوبةً في العمل؛ لذلك يمكنك أن تبدأ بكتابة نص بسيط للمساعدة على توجيه المحادثة، والأهم من ذلك كله أن يكون صادقاً، فقد يكونون قادرين على مساعدتك بطرائق لا تتخيلها.

شاهد بالفديو: طرق بسيطة لتحسين صحتك العقلية

كيف يمكن للموظفين المحترفين دعم أنفسهم؟

إنَّ العناية بصحتك العقلية ليست مَهمة سهلة، ولسوء الحظ، لا توجد عملية مُفصَّلة أو حل يناسب الجميع، ولكنَّ هناك خطوات يمكنك اتخاذها للمساعدة على دعم نفسك والتأكد من أنَّك تبذل قصارى جهدك لمنع أي قلق إضافي من التراكم والمبالغة في التوتر.

فوضع حدود من أهم الخطوات التي يجب اتخاذها عند التأسيس لحياة أكثر صحة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالعمل، فقد كنت أعمل لوقت متأخر من الليل وحتى في عطلة نهاية الأسبوع فقط لمحاولة إنهاء المشاريع في وقت مبكر، ثم بدأت بوضع حدود لساعات العمل لقضاء الوقت مع عائلتي بدلاً من تنفيذ مَهمة أخرى، وقد كنت أقضي وقتاً ممتعاً معهم بعد يوم طويل من العمل، وعلى الرغم من أنَّني ما زلت أضع حدوداً تنظِّم العمل، إلَّا أنَّ ذلك ساعدني كثيراً؛ لذا ابحث عن الراحة مع زملائك؛ إذ على الرغم من وجود حدود واضحة تُجنِّبك المبالغة في البوح عمَّا يدور في خلدك، إلَّا أنَّك ستتفاجأ بأنَّ العديد منهم يواجهون مشكلاتٍ مشابهة.

في الختام:

إذا كان دورك أو مسار حياتك المهنية لا يدعم صحتك العقلية، فمن المحتمل أن يكون الوقت قد حان للعثور على وظيفة جديدة، فقد وجدت الدراسات الحديثة أنَّ الموظفين الذين يتمتعون بالمرونة وخيارات العمل من المنزل هم أكثر ميلاً بنسبة 87% لأن يحبوا وظائفهم، ومع استمرار الضغط من أجل المرونة وخيارات العمل عن بُعد في مكان العمل، تسعى مزيد من الشركات يومياً إلى التحوُّل إلى جداول زمنية مرنة وتضع عافية موظفيها في مقدمة مبادئها.

سواء كنت مديراً تنفيذياً أم موظفاً، فأنت لست وحدك الذي يعاني من مشكلات الصحة العقلية في العمل، وقد تجعلك المصاعب التي تواجهها في عملك وحياتك تشعر بالإحباط، ولكنَّ هناك طرائق يمكنك من خلالها العمل لبدء التحاور مع زملائك في مكان العمل وتقديم الدعم من خلال الاعتماد على بعضكم بعضاً خلال الأوقات الصعبة.

المصدر




مقالات مرتبطة