كيف تؤثر في الآخرين بفاعلية؟

نحن نخوض الكثير من النقاشات والحوارات مع الآخرين، معتقدين أنَّ مهارة التواصل من المهارات الفطرية التي لدينا، وأنَّنا مُميَّزون في امتلاك ملكة التأثير في الآخر؛ ولكن ما يلبث ذلك المعتقد أن يصطدم بحقيقة الواقع، منبِّهاً إيَّانا إلى الكثير من التفاصيل التي توقَّعنا أنَّنا لا يمكن أن نقع فيها.



وفجأة تصبح مهمة إيصال ما نريد إلى الآخر من المهام الصعبة والمرهقة، ونعاني بشدة من مواقف مليئة بسوء الفهم والإرباك الحاصل بيننا وبين الآخر، ونفقد السيطرة على تلك الجدالات المحتدمة التي تشتعل من حيث لا ندري، ونقف عاجزين أمام تلك الإيماءات اللَّامبالية التي يرسلها لنا الآخر كنوع من عدم الاحترام والتقدير، ونتلوَّع من تلك اللهجة القاسية ونبرة الصوت العالية واللغة الشديدة التي يتبنَّاها الآخر في لقاءاتنا.

تدفعنا هذه المظاهر إلى سؤال أنفسنا الأسئلة الأكثر أهمية: كيف لنا أن نؤثر في مَن هم حولنا؟ وكيف لنا أن نبني علاقات جيدة مع الآخر؟ وكيف نكسب ثقة الآخرين واحترامهم؟ وكيف نصل إلى ما نريد مع المحافظة على العلاقة المتينة بيننا وبين الآخر؟

لطالما تعاملنا مع ذاك الشخص المُؤثِّر، القادر على إيصال فكرته بأيسر الطرائق وبالشكل الذي يتناسب مع احتياجات الآخر ودوافعه، ذلك المُقدِّر والمتفهِّم لآراء الآخرين واختلافاتهم عنه، والواعي لأهمية الابتسامة والطاقة الإيجابية، والمتحدث بأرقى العبارات وأكثرها لطافة، والقادر على رؤية الأشياء الجميلة في الطرف الآخر، والذكي في التعامل مع الصفات السلبية لدى الآخرين، والمبدع في إيصال ما لديه من تعليقات وملاحظات، والساعي إلى رفع الطرف الآخر وتشجيعه دوماً؛ ونقف أمام ذلك الشخص متسائلين عن وصفته السحرية في كسب قلوب الناس.

هل ترغبون في معرفة وصفته السحرية؟ إذاً، دعونا نغوص إلى فقرات هذا المقال.

ما أهمية العلاقات مع الآخرين؟

تعدُّ مهارة بناء العلاقات مع الآخرين من أقوى المهارات على الإطلاق؛ فلا يمكن أن تكون أباً ناجحاً من دون بناء علاقات متينة ومترابطة مع الأولاد، ولا يمكن أن تكون مديراً ناجحاً إلَّا إذا تمكنت من بناء علاقات ناجحة مع الموظفين والعملاء، ولا يمكن أن تكون بائعاً ناجحاً إلَّا إذا سعيت إلى إنشاء علاقات طيبة مع العملاء، إذاً، العلاقات هي رأس المال الحقيقي للإنسان، وهي العنصر السحري وراء نجاحه.

ولكي تكون ذكياً وفعالاً في علاقاتك مع الآخرين، لابدَّ من معرفتك القواعد الأساسية الكامنة وراء نجاح العلاقات.

ما هي القواعد الأساسية للتأثير في الناس وكسب ثقتهم؟

1. عدم الانتقاد:

يعي الشخص المُؤثِّر خطورة توجيه انتقادات سلبية إلى الآخرين؛ فلا أحد يحب الانتقاد أو يتقبَّله، لذلك يسعى الشخص المُؤثِّر إلى التركيز على الخصال الإيجابية التي يملكها الآخرون بدلاً من البحث عن الأمور السلبية.

من جهة أخرى، يتَّبع الشخص المُؤثِّر أسلوباً ذكياً في توجيه الملاحظات أو التعليقات، فيُغلِّف ملاحظته بين جملتين إيجابيَّتين، الأمر الذي يجعل ملاحظته رقيقة بحيث يتقبَّلها الطرف الآخر، كأن يقول للطرف الآخر: "أنا أحبك، وأنت شخص فعَّال في بيئة العمل، وأنت تعلم أنَّ هدفنا هو الارتقاء بالعمل دوماً. ومن جهة أخرى، أعتقد أنَّ طريقتك في التعاطي مع المسألة التي أوكلتك فيها لم تكن موفَّقة، ولكنَّني متأكد من مرونتك وقدرتك على القيام بأفضل من ذلك بكثير في المرات القادمة".

إقرأ أيضاً: النقد الإيجابي البنّاء

2. الصدق:

من أهم القواعد لكسب ثقة الناس هو أن تكون صادقاً وواضحاً معهم؛ فلا مكان للتصنع هنا، لأنَّ الناس لديهم الحدس العالي والقدرة على اكتشاف التعابير الزائفة والكلمات غير الصادقة.

كن صادقاً بداية مع ذاتك، وحدِّد رسالتك وقيمك في الحياة، ومن ثمَّ ابن علاقات صادقة مع الآخرين. وتكلَّم بصدق عن سعادتك الحقيقية بوجودك معهم، وعن المشكلات التي قد تعترض طريقك في أثناء سعيك لتحقيق هدفك، وعن مخططاتك لتنفيذ المهام الموكلة لفريقك.

اجعل عملك متوافقاً مع كلماتك؛ وعندها فقط ستنال ثقة الناس واحترامهم لك.

3. اللطافة:

كن لطيفاً مع الآخرين، واستخدم التعابير اللبقة معهم، كأن تقول للآخر: "من فضلك"، و"هذا من لطفك وكرمك". يساعد اتباع الأسلوب اللطيف في التقريب وبناء الألفة بينك وبينهم.

4. الحب غير المشروط:

امنح الحب دون شروط، ولا ترسم توقعات عالية من الطرف الآخر. وكن غنياً وممتلئاً من الداخل، ولا تنتظر شيئاً من الطرف الآخر؛ وعندها ستجذب إليك الأشخاص الأقوياء والفاعلين في الحياة.

يشعر الآخر بعدم الأمان معك في حالة الحب المشروط، ولن يستطيع أن يقدِّم ويعطي من قلبه، وسيشعر أنَّ قيمته مقتصرة على ما يقدمه لك، لا على إنسانيته وتفرُّده؛ فعلى سبيل المثال؛ يصنع الوالد شرخاً بينه وبين ابنه عندما يقول له: "ادرس والتحق بكلية الطب البشري وإلَّا لن تنال حبي واهتمامي بك".

 5. احترام الأفكار:

لكي تصنع تأثيراً قوياً على الآخرين عليك أن تحترم أفكارهم مهما بدت بسيطة، فإحساس الآخر بأنَّك تهتم به وبأفكاره، وبأنَّك تحاوره وتتفاعل معه من الأحاسيس الواجب تفعيلها في خضم علاقتك مع الآخر.

شاهد بالفيديو: 8 تصرّفات تكسبك احترام الآخرين

6. التشجيع:

لكي تكسب ثقة الناس عليك أن تشجعهم دوماً، وأن تدعمهم نفسياً وتمدحهم بكلمات صادقة وبصفات يمتلكونها بالفعل. ومن جهة أخرى، عليك أن تُقدِّر جهودهم مهما صغرت، فإحساس الآخر أنَّه مقدَّر يُضاعِف من إنتاجيته ويزيد من سعادته.

7. الاقتراح لا الفرض:

من أكثر الأدوات التي تساهم في خلق علاقات طيبة مع الآخر هي الاقتراحات، فبدلاً من فرض الأوامر والتعليمات على المحيطين بك؛ استخدم لغة الأسئلة والاقتراحات، كأن تطلب من شخص ما فعل أمر ما عن طريق سؤاله وطلب رأيه، مثل: "ما رأيك لو قمنا بفعل هذا الأمر؟".

8. الابتسامة:

عليك أن تحافظ على ابتسامة لطيفة وصادقة ونابعة من القلب في أثناء تعاملك مع الآخرين، فمن شأن ذلك أن يكسر الجليد فيما بينكما ويؤلف بين القلوب.

9. الاهتمام والإحساس بمشكلات الآخرين:

من أكثر الاحتياجات النفسية للآخر هو إحساسه بالاهتمام؛ لذلك اهتم بتفاصيل الناس المحيطين بك بصدق وجدِّيَّة، وشاركهم مشكلاتهم ومخاوفهم وهمومهم، من شأن ذلك أن يجعلك مؤثِّراً قوياً عليهم.

10. التواضع:

مهما بلغتَ مكانة عالية علمياً واجتماعياً وثقافياً، فعليك المحافظة على تواضعك وبساطتك؛ إذ يهرب الناس من الشخص المغرور والمتعالي، فيبقى وحيداً ولا يستطيع التأثير في الناس مطلقاً.

يدل التواضع على الثقة بالنفس، والامتلاء الداخلي، والتصالح مع الذات، والقرب من الله، في حين يدل الغرور على النقص الداخلي، وعدم الثقة بالنفس.

11. مخاطبة الأشخاص بأسمائهم:

احفظ أسماء الأشخاص المحيطين بك في العمل أو النادي؛ حيث يؤدي مناداتك الأشخاص بأسمائهم إلى بناء علاقات اجتماعية أقوى بكثير؛ إذ يفرح كل شخص عندما يسمع اسمه على شفاه غيره، ويشعر بأهميته ووجوده.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتذكّر أسماء الآخرين بسهولة

12. تفهُّم الاحتياجات والدوافع:

إن رغبتَ في بناء تأثير قوي في الآخرين، عليك أن تضع نفسك في مكان الطرف الآخر، وتتفهم رغباته ودوافعه وطريقة تفكيره، كأن تقول له في لحظة انفعاله: "أنا أتفهَّم موقفك، ولا ألومك حقيقة على ردة فعلك تلك، ولكن ما رأيك أن ننتقل سويَّةً إلى مستوىٍ آخر من الحوار أكثر عمقاً ونضجاً؟".

عندما تضع نفسك مكان الآخر، وترى الأمور من زاويته الخاصة؛ تصبح أكثر مرونة وقدرة على تقبُّل ردَّات فعله ومواقفه.

13. الإنصات وعدم المقاطعة:

عليك أن تتقن فن الإصغاء في حال رغبتَ في بناء علاقات متينة مع الآخر، بحيث تستمع بحبٍّ واهتمام إلى حديث الآخر، ولا تقاطعه، ومن ثمَّ تترك فاصلاً زمنياً لمدة بضع ثواني قبل أن تتكلم بدورك؛ حيث يُعطِي الفاصل الزمني إحساساً للآخر بأنَّك تفكر في كلامه وتأخذ وقتك للرد عليه.

14. التواصل البصري:

لا تنسَ التواصل البصري في أثناء حديثك مع الآخر، فلا يكون هناك تواصل فعَّال بدون وجود تواصل بصري بين الأشخاص؛ إذ يُعطِي النظر في عين الطرف الآخر الإحساس بأنَّه مسموع ومُحترَم.

إقرأ أيضاً: وفقَاً لعلم النفس: ماذا يقول التواصل البصري عن شخصيتك؟

15. عدم المجادلة:

تقبَّل مستويات الوعي المختلفة بين الناس، وكن متنبهاً لاختلاف القيم بينك وبينهم، لذلك لا تجادل أحداً، ولا تدخل في نقاش عقيم مع أحد، ولا تحاول تغيير أحد.

من جهة أخرى، ركِّز على الأمور المشتركة بينكما في حال احتدام النقاش، كأن تُذكِّر الطرف الآخر بالهدف المشترك والذكريات التي تجمعكما؛ الأمر الذي يجعل الطرف الآخر أكثر هدوءاً ومرونة في التعاطي. واعلم أنَّ الشخص القوي هو القادر على احتواء الآخر للوصول إلى ما يريد مع تحقيق الرضا للطرف الآخر.

16. الاختصار:

لا تُسهِب الحديث في الموضوع الذي تتحدث فيه؛ بل امنح الناس الخلاصة والنتيجة والتفاصيل الهامة؛ إذ يُشعِر الإسهاب الناس بالملل ويقتل عنصر التشويق لدى الآخر.

17. الإيماءات:

كن حقيقياً مع جسدك، واجعله يتماشى مع مفرداتك، وأطلق العنان ليديك وتعبيرات وجهك وجسدك من أجل التعبير عمَّا تقول، فمن شأن ذلك أن يزيد من ثقة الناس بما تقول.

شاهد بالفيديو: كيف تستثمر لغة الجسد لتكسب كاريزما قوية تسحر من حولك

18. الاعتراف بالخطأ:

ابدأ بذاتك، وكن قوياً، واعترف بخطئك في حال وجوده، فيتعلَّم بذلك الآخرون المسؤولية أمام أخطائهم وهفواتهم. الإنسان القوي هو مَن يعترف بخطئه ويعتذر ويعمل جاهداً على إصلاحه، في حين يلوذ الإنسان الضعيف بالفرار من الخطأ ويلقيه على عاتق إنسان آخر.

19. احترام الحدود:

عليك أن تحترم الحدود الشخصية لدى الآخرين، فلا تفرض عليهم تصرفات مُعيَّنة ليقوموا بها، ولا تنتقد أسلوبهم في عيش حياتهم، ولا تُلزِمهم بما تؤمن به في الحياة؛ بل دعهم وشأنهم، واحترم خصوصيتهم، فهم لا يؤذونك ولا يعتدون على مساحتك الشخصية.

الخلاصة:

كن مبادراً وتدرب على القواعد الأساسية لبناء علاقات طيبة مع الآخرين، فتستحق أن تكون مُؤثِّراً إيجابياً في الناس، بحيث تكون مصدر ثقة وإلهام وحب وطاقة لهم. تأكَّد أنَّه ما مِن أحد ينوي نية إيجابية ويسعى بما فيه فائدة الناس؛ إلَّا وأعانه الله وكافأه أعظم المكافآت وأجملها.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة