فن التغافل: فوائده وطرق اكتسابه

يأتيك اتِّصال مُفاجئ من صديق لك يخبرك به أنَّه سمع فلاناً من الناس يتحدَّث عنك بالسوء، أو يخبرك أحدهم بأنَّ شخصاً آخر يشعر بالغيرة منك ويحسدك على تحققه من نجاحك في موضع ما، كما يمكن أن يحدث اختلاف بالرأي بينك وبين شريك أو خلافات مع عائلتك أو حتى أصدقائك، كلها مواقف يكون الإنسان معرَّضاً إليها خلال حياته اليومية وغالباً يكون أمام خيارين فقط؛ إمَّا تصعيد الموقف الذي يؤدي إلى حدوث الخصام والشقاق بين الأفراد، أو التغافل وصرف النظر والاستمرار في الحياة بشكل طبيعي، وإذا كنتَ تريد معرفة ما هو فن التغافل، فهذا المقال سوف يجيبك.



أولاً: ما هو فن التغافل "التغاضي"؟

إنَّ معظم المشكلات التي تصادفنا خلال مشوار حياتنا يكون سببها زيادة التركيز في تفاصيل كل حدث ومعنى كل كلمة تُقال لنا وكل تصرف نكون معنين به؛ لذا فإنَّنا نحتاج إلى ما يُسمى التغافل أو التغاضي لكي نستمر، فالتغافل في جوهره يعني تجاوز الإساءة وتجاهلها وكأنَّها لم تكن ولم تأتِ؛ أي صرف النظر عن حدث ما - سواء من عدو أم قريب لك أم صديق - وسبَّب لك هذا الأمر نوعاً من الأذى سواء النفسي أم المعنوي أم المادي أم الجسدي

يعني التغاضي أيضاً صرف النظر عن عيب أو نقص موجود في شخص آخر مع علمك اليقين بوجود هذه الصفة أو تلك في ذلك الشخص؛ وذلك ترفُّعاً منك عن إحصاء سيئات الآخرين واصطياد أخطائهم واستغلال الهفوات التي يقعون بها، وعدم تذكيرهم بالمواقف والأحداث المُحرِجة لهم ولا سيما أمام الآخرين؛ وذلك بهدف الحصول على راحة البال وعدم الدخول في سجالات قد لا تنتهي وتكون لها عواقب وخيمة من شجار مستمر وكلام فظ وقطيعة تحدث بين الأفراد ومشاعر سلبية تتملَّك الفرد وتؤدي إلى تعكير صفو حياته.

ثانياً: أشكال التغافل

1. التغافل ضمن العائلة سواء بين الأزواج أم في تربية الأولاد:

كثيراً ما يشهد الزواج الكثير من المشكلات سواء كانت أسبابها كبيرة أم غير هامة، ومع ذلك تبدأ المشاجرات بين الطرفين؛ كأن يبدأ أحدهما باتِّهام الآخر بصفات بذيئة مع أنَّه ليس من طبعه فعل ذلك، فهُنا تبرز أهمية التغافل وتقدير لحظة غضب الطرف الآخر وعدم التفكير في هجره وتركه وحده؛ بل التأنِّي وإتاحة الوقت الكافي له للتفكير في المواقف والوقوف على خطئه.

قد تحدث الكثير من المشكلات في أثناء تربية الوالدين للأولاد، وينبغي هنا صرف النظر عن الكثير من التصرفات والسعي بدلاً من نقدهم بشكل مستمر إلى تشجيعهم وتقويم سلوكهم بطريقة محبَّبة لطيفة لكي تكون تنشئة أسريَّة واجتماعية صحيحة وصحية.

2. التغافل في مكان العمل:

بيئة العمل هي أكثر البيئات التي تدفع الإنسان إلى أن يكون أكثر وضوحاً وإلى عدم المجاملة وتبرير أخطاء الآخرين؛ ربما هي أكثر مكان يمكن أن يعاني فيه الفرد ليستطيع إتقان التغافل والترفُّع عن أخطاء الزملاء؛ لذا يجب عدم التركيز في التفاصيل بشكل مفرط يدفع الفرد إلى الدخول في المشكلات وجلب الصعوبات لنفسه ولعمله؛ لأنَّ كل ذلك سينعكس على إنجازه العملي.

ثالثاً: ما هي فوائد التغافل؟

  1. دراسة المشكلة من جوانبها كافة: إذ إنَّ التغافل يُكسِب الفرد ويمنحه الوقت الكافي للتفكير في أسباب حدوث المشكلة وأبعادها، ودراسة الرد المناسب الذي ينتهي بأقل الخسائر للفرد وللآخرين.
  2. المشاعر الإيجابية: فعدم دخولك في المشاحنات مع الآخرين والحفاظ على علاقات وديَّة بعيداً عن ثورات الغضب التي تعوق إنجاز المشاريع في حياتك، سوف ينعكس بشكل إيجابي على شخصيتك وحياتك، ويُشعِرك بالسلام الداخلي الذي يجعلك تمضي قدماً نحو الأمام مرافقاً الشعور بالسلام الداخلي والحب والعطاء تجاه الآخرين.
  3. التغافل تجاه أعمال الآخرين يعطيهم الفرصة لمراجعة ما قد قاموا به والوقوف على أخطائهم، ويمنحهم فرصة التراجع عنها.
  4. اكتساب الفرد الاحترام من الآخرين على حسن أخلاقه وصبره.
  5. الحفاظ على استقرار العائلة بالدرجة الأولى واستقرار المجتمع بشكل عام.
  6. إغلاق أبواب الشر وفتح أبواب الخير للجميع.
  7. نيل رضى الله عز وجل، فالتغافل صفة محمودة عند الله تعالى؛ إذ يقول في القرآن الكريم في حديثه عن رسوله الكريم عندما أخطأت إحدى أزواجه: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيْرُ).

شاهد أيضاً: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

رابعاً: طرائق تساعدك على اكتساب فن التغافل "التغاضي"

قبل ذكر أي من الأشياء التي يمكن أن تساعد على اكتساب مهارة فن التغافل والتغاضي يجب على كل فرد أن يعي حقيقة مفادها أنَّ الإنسان مجبول على ارتكاب الأخطاء، فمَن منَّا لم يقترف خطأً ما سواء في حق نفسه أم في حقِّ الآخرين؟ من منا لم يتفوَّه يوماً ما بكلمات جرحت مشاعر الآخرين؟ من منَّا لم يواجه أشخاصاً لم يستطع الاتِّفاق معهم ونشبت الخلافات بينهم؟ فالإنسان خلال حياته اليومية مُعرَّض للظروف التي قد تجعله يرتكب أخطاء ربما تكون في معظمها غير مقصودة؛ لذا هذه خطوات يمكنها المساعدة على اكتساب مهارة فن التغاضي:

  1. يجب عليك أن تكون شخصاً واقعياً ولا تتوقع أنَّ جميع الأفراد الذين قابلتهم أو الذين سوف تقابلهم يتمتعون بالشخصية المثالية.
  2. كل فرد ممَّن تتعامل معهم - سواء كان أمك أم أباك أم زوجك أم زوجتك أم أولادك أم الأقرباء أم أصدقاء العمل - هو إنسان والإنسان مجبول على ارتكاب الأخطاء؛ لذا لا تتوقَّع أن تسير حياتك معهم وفق خطة أنت وضعتها وحدك وفقاً لتفكيرك فيهم؛ بل عليك إدراك فكرة الاختلاف الموجود بينكم واختلاف أهدافكم وأولوياتكم أيضاً.
  3. التركيز في الصفات الجيِّدة في الآخرين: كل إنسان يملك من الصفات السيِّئة والجيدة؛ لذا من المفيد أن تحاول تجنُّب ذكر الصفات السيئة لدى الآخرين؛ بل حاول أن تستحضر كل صفة جيِّدة عند الإنسان الآخر وتشجعه عليها وتمدح وجودها عنده، تلك الطريقة ستجعل تعاملك معه أفضل كما أنَّك تقدم المساعدة له بطريقة غير مباشرة؛ إذ سيعمل على تحسين ذاته أكثر فأكثر لنيل الرضى والاحترام الاجتماعي.
  4. التحلي بالحكمة: ليس من الجيد خوض كافة التجارب والمعارك أحيانا والفوز بها؛ بل الحكمة أحياناً أن تتنازل عن بعض الأشياء بغية الحفاظ على علاقاتك، وربما تنطوي المشكلة ذاتها بذلك السلوك.
  5. التحلي بالذكاء العاطفي وإدارة انفعالاتنا بشكل جيد.
  6. التسامح: إنَّ الله غفور رحيم وعلى عبده الاقتداء بحكمته؛ لذا اجعل قلبك عطوفاً رحيماً بعيداً عن سلوكات الانتقام والتشفِّي من الآخرين، واغفر إساءتهم بحقِّك.
  7. استثمر حياتك بشكل سليم وابتعد عن الإفراط في التفكير والتدقيق في التفاصيل.
إقرأ أيضاً: إرشادات مهمة لتحافظ على هدوئك النفسي مدى الحياة

خامساً: نصائح في التغافل

  1. لا تتغافل عن الأعمال التي تتضمن إثماً أو معصية لله عز وجل.
  2. لا تتغافل عن الأعمال التي تضر بوحدة وتماسك الأسرة والمجتمع.
  3. لا تتغافل عن الأعمال التي تضر بالآخرين وتسبب لهم الأذى من أي نوع كانت.
  4. تجاهل الفعل أو السلوك الخاطئ أو المضر وليس الشخص الذي قام بذلك الفعل، فقد يكون أكثر ما يحتاج إليه في تلك اللحظة هو الدعم ومساندة الآخرين له.
  5. فرِّق بين التغافل والغفلة: فالغفلة هي نوع من الغباء وعدم الفطنة والسذاجة، أو السهو في بعض الأحيان وعدم الانتباه إلى الأشياء كما يجب، بينما التغافل هو الانتباه إلى كل شيء وتجاهل سلوك محدد خاطئ.
  6. ابتعد عن التدقيق في التفاصيل فعدا عن كونه مرهقاً للتفكير والأعصاب وعائقاً أمام إنجاز أعمالك، فله عواقب ليست جيدة في معظم الأحيان.
  7. لا تدخل في أمور وقضايا لا تعنيك بمعنى أنَّه يجب عليك الابتعاد عن الفضول واحترام خصوصية الآخرين قدر الإمكان؛ لتجنُّب الوقوع في الأخطاء والدخول في المشاحنات معهم.
إقرأ أيضاً: نصائح لتتحلّى بالصبر عندما تتعرّض لضغوط العمل

سادساً: أقوال في التغافل

  1. الأعمش: "التغافل يطفئ شراً كثيراً".
  2. عن الربيع بن السلمان قال: سمعت الإمام الشافعي يقول: "اللبيبُ العاقلُ هو الفطن المتغافل".
  3. عمر بن عثمان المكي: "المروءة التغافل عن زلات الإخوان".
  4. يقول الشاعر أبو تمام: "لَيْسَ الغبِيُّ بسَيِّد في قومه  ولكنَّ سيِّد قومه المُتغابي"
  5. الأصمعي: "تَنَاسَ مسَاوئ الإخوان يدم لك ودهم".
  6. الإمام أحمد بن حنبل: "تسعة أعشار حسن الخلق التغافل".
  7. معاوية بن أبي سفيان: "العقل ثلثه فطنة، وثلثاه تغافل".
  8. ابن الجوزي: "ما يزال التغافل عن الزلات من أرقى شيم الكرام، فإنَّ الناس مجبولون على الزلات والأخطاء، فإن اهتمَّ المرء بكل زلة وخطيئة، تعبَ وأتعبَ، والعاقل الذكي من لا يدقِّق في كل صغيرة وكبيرة مع أهله، وأحبابه، وأصحابه، وجيرانه، وزملائه، كي تحلو مجالسته وتصفو عشرته".
  9. قال ثعلب:

أُغْمض عيني عن صديقي تغافلا

 

كأننَّي بما يأتي مِن الأمر جاهلُ

وما بي جهل غير أنَّ خَلِيقَتي

 

تطيق احتمالَ الكُرْهِ فيما يحاولُ

الخلاصة:

إنَّ القدرة على التغافل عن الأخطاء هي فن لا يتقنه الجميع، فهو من علامات رجحان العقل وسعة الصدر والقدرة على الصبر، فالإنسان المُتغافل هو الإنسان العاقل الذي يتجاوز زلات الآخرين وهفواتهم وأخطاءهم إذا لم ينتج عنها المساس في المبادئ سواء الاجتماعية أم الدينية الحاكمة للمجتمع.

المصادر:

  • 1،2،3،4،5
  • يزن الغانم، المختصر المفيد في خلق التغاضي والتغافل.
  • أبي عماد الأثري، أهمية خلق التغافل وأثره على الفرد والمجتمع.



مقالات مرتبطة