عقدة النقص والشعور بالدونية: الأسباب والعلاج

هل تتعمَّد مقارنة كل فعل أو عمل تقوم به مع أعمال وأفعال الآخرين؟ وهل تسأل نفسك فيما إذا كان أداؤك يرقى إلى مستوى أداء الآخرين؟ هل شككت يوماً في قدرتك على إنجاز أمر ما أو أحسست بأنَّ هذا العمل يحتاج إلى شخص يكون ذا كفاءة أكثر منك؟ إن كنت ممَّن يفعل ذلك، فأنت تعاني مما يسمى بعقدة النقص والشعور بالدونية؛ لذا سوف نتعرَّف في هذا المقال إلى مفهوم عقدة النقص وأسبابها وعلاجها.



ما هو مفهوم عقدة النقص؟

يمتلك معظم الأفراد مشاعر من القلق تجاه ما يستطيعون إنجازه بالشكل الصحيح، كما قد تتملك الفرد في لحظات معيَّنة مشاعر مؤقتة من انعدام الثقة بقدرته على تحقيق الأهداف الخاصة به، وكذلك القصور في إنجاز ما يُسند إليه من مهام، لكن كما أشرنا آنفاً إلى أنَّها مشاعر مؤقتة وعرضية يمكن لأي فرد أن يمر بها خلال تعاطيه مع الحياة العملية؛ إذ تخطر هذه الأفكار على ذهن الفرد لبرهة من الوقت وسرعان ما تهجره لتتركه بسلام بعد أن تتعزز لديه الأفكار الإيجابية عن نفسه ويتذكر كل ما يمتلك من صفات جيدة ونقاط قوة ستمكِّنه من تجاوز الأمر مهما كان التحدي صعباً.

لكن في حال وجود قلة في تقدير الذات أو كما هو معروف "عقدة النقص" لدى الفرد، فإنَّ رد الفعل أو الاستجابة إلى ذلك تكون بشكل مختلف؛ إذ تبدأ بإحصاء نقاط ضعفك وعدد عيوبك وإلقاء اللوم على ذاتك وجلدها وتأنيبها، فعقدة النقص هي شعور الفرد بأنَّه الحلقة الأضعف؛ أي إحساسه بأنَّه أقل من غيره فيما يتعلق بإحدى الجوانب الآتية أو كلها: "النفسية، الفكرية، الاجتماعية، الجسدية"، ومع توالي الخيبات والخسارات يصبح الفرد أشد قسوة على نفسه ويحمِّلها كل خسارة حظي بها، والشعور العام هنا هو شعور الفرد بأنَّه أقل من غيره.

تعريف عقدة النقص:

يعود استخدام مصطلح "عقدة النقص" إلى عالم النفس الشهير "ألفرد أدلر" في عام 1907 عند شرحه لافتقار الأفراد إلى الدوافع لتحقيق أهدافهم، والذي عرَّف "عقدة النقص" بقوله: "شعور الفرد بالضِّعة وأنَّه أدنى من الآخرين؛ وذلك نتيجة قصور عضوي أو معنوي أو اجتماعي أو مادي، حقيقي أو متوهم؛ مما يجعل الفرد يُحقِّر نفسه ويشعر بضعف الثقة بالنفس والخجل في المواقف الاجتماعية وضعف القدرة على اتِّخاذ القرار؛ مما يدفعه إلى السعي إلى التفوق في محاولة للتحرُّر من شعور النقص والوصول إلى الكمال من خلال التعويض عن النقص".

توجد العديد من التعريفات الأخرى في الأدبيات التربوية والنفسية وكذلك الطبية التي تطرَّقت إلى هذا المصطلح فقد عرَّفت الجمعية الأمريكية لعلم النفس "عقدة النقص" بأنَّها: "شعور أساسي بعدم الكفاية وانعدام الأمن، ناجم عن نقص جسدي أو نفسي فعلي أو مُتخيَّل".

وفقاً "لمعجم كامبريدج لعلم النفس" عقدة النقص هي: "مزيج من الاعتقاد الخاطئ للفرد بأنَّه غير قادر على التعامُل مع بعض جوانب الحياة بسبب نقص جسدي أو نفسي حقيقي أو مُتخيَّل، ومشاعر الاكتئاب وتوقف جهود المواجهة في هذا المجال".

أسباب عقدة النقص والشعور بالدونية:

  1. التجارب السلبية التي يمر بها الفرد وتكون نتيجتها الفشل؛ إذ إنَّ تكرار الخيبات وحالات عدم النجاح في تحقيق الأهداف المطلوبة يجعل الفرد يُطلق حكماً عاماً على نفسه بأنَّه إنسان فاشل.
  2. المشاعر السلبية كالإحباط والقلق والتوتر.
  3. تعرُّض الفرد إلى العنف بأشكاله الأسري أو الاجتماعي أو الديني.
  4. التطلُّع إلى الوصول إلى الكمال وتحقيق المثالية في كل شيء.
  5. التنشئة الاجتماعية الخاطئة وتعرُّض الفرد إلى الإهمال من محيطه العائلي والاجتماعي.
  6. الوراثة: فوجود أفراد في العائلة يعانون من عقدة النقص والشعور بالدونيَّة يزيد من احتمال إصابة الأبناء بها.
  7. الصدمة العاطفية: التي تنتج عن مرور الفرد بالتجارب المرهقة التي يشعر بها الفرد بفقدان الأمان ودخوله في مرحلة من الإحباط واليأس والعجز مثل حالات الطلاق والانفصال عن الشريك، تعرُّض الفرد إلى الخيانة بأشكالها، عدم القدرة على تحقيق التواصل الاجتماعي مع الآخرين.
  8. التنمُّر: وهو أحد أشكال الإساءة التي تطال الفرد ولا سيما خلال مرحلة الطفولة على شكل نقد لاذع، والذي يولِّد لديه شعور بتدنِّي احترام ذاته.
  9. خضوع الفرد إلى المقارنات المستمرة مع الآخرين سواء قام هو بذلك أم الآخرون.
  10. وجود إعاقات جسدية لدى الفرد تمنعه عن ممارسة بعض الأعمال.
إقرأ أيضاً: 3 طرق تعزز بها ثقتك بنفسك عندما لا يثق أحد بقدراتك

أعراض الشعور بعقدة النقص:

  1. ضعف أو انعدام ثقة الفرد بنفسه وإمكاناته وقدراته على تحقيق أهدافه وإنجاز الأعمال المطلوبة منه أو تجاوز المواقف التي تعترضه.
  2. الخجل: يُعرِّف "ستاين" الخجل بشكل عام بأنَّه "ميل الفرد إلى الانسحاب من أمام الآخرين وخاصة الذين لا يعرفهم" كما يقول "كورسني" بأنَّ "الخجل ظاهرة انفعالية يعاني صاحبها من قلق مفرط وأفكار سلبية نحو ذاته"؛ إذ يؤثر الخجل بشكل سلبي في الفرد وفي مستوى الطموح لديه وفي طريقة حياته واختياره طريقة تحقيق أهدافه، فكثيراً ما نرى الفرد الخجول يميل إلى العزلة وتجنُّب التفاعل والتواصل الاجتماعي مع الآخرين.
  3. مقارنة نفسه بغيره في كل أمر وغالباً ما يختار الأشخاص الأكثر نجاحاً عند المقارنة.
  4. الحساسية الزائدة: إذ تجعل الفرد يقع في المبالغة عند تلقِّيه للأحداث المختلفة ويُضخِّم الأشياء بطريقة غير مبررة.
  5. الانغلاق على الذات بدافع الشعور بالذنب.
  6. الإحساس الداخلي المستمر بالفشل والهزيمة فتعرُّض الفرد إلى الخيبات المستمرة يجعله يعتقد أنَّ هذا مصيره مع كل تجربة جديدة يمكن أن يخوضها.
  7. الإحباط: إذ يخاطب الفرد نفسه بكلمات تأنيب الذات من مثل "ليست لدي القدرة، لا يمكن لي أن أنجح، لن يمضي هذا الأمر على ما يرام، سوف أفشل مجدداً في هذا العمل وغيره".
  8. بذل الجهد المضاعف في محاولة نيل استحسان الآخرين؛ إذ يتملَّك الفرد إحساس بأنَّ جميع الناس يراقبونه ويراقبون أفعاله ويدققون في عيوبه لتسجيل النقاط ضده.
  9. العيش في ظل الذكريات الحزينة وتذكُّر الماضي الأليم عند كل حدث حزين.
  10. كثرة النقد الذاتي: إذ يطال النقد التصرفات والتفكير والمشاعر والقدرات والمهارات وكل ما يتعلق بالفرد.
  11. التردد وعدم القدرة على اتِّخاذ القرارات: إذ يعجز الفرد عن الوصول إلى اتِّخاذ موقف حاسم ونهائي تجاه الأحداث وتطغى سمة التردُّد على حياته عموماً.
  12. تحقير الآخرين والتقليل من شأن أعمالهم وإنجازاتهم.

شاهد بالفديو: 8 أسباب وراء انخفاض تقديرك لذاتك

كيف يمكن علاج عقدة النقص؟

قد يستمر اضطراب الشعور بعقدة النقص لسنوات طويلة، وقد يستمر مدى الحياة إذا لم يخضع الفرد إلى العلاج، ويكون العلاج غالباً عن طريق استشارة الطبيب النفسي والخضوع إلى جلسات العلاج والدعم النفسي؛ إذ يختلف العلاج من فرد إلى آخر باختلاف المرحلة العمرية وكذلك باختلاف المرحلة التي وصل إليها في فقدان احترام ذاته، وتوجد مجموعة من الأشياء التي تفيد في تجاوز عقدة النقص وبناء الذات وزيادة احترامها وتقديرها ونذكر منها:

  1. تحليل المواقف وتحديد الحالات المزعجة التي تؤدي إلى التقليل من شأن النفس وتحطيمها؛ هل هي مشكلة شخصية أم في العمل أم أي شيء آخر؟ وتحليل أسبابها لبناء حل مناسب لتجاوزها.
  2. العمل على تعديل الأفكار والمعتقدات عن الذات: إذ يجب استخدام العبارات الإيجابية الباعثة على التفاؤل والأمل مثل: "كل شيء سيتم بشكل جيد، أنا أمتلك القدرة والمهارة اللازمة لكي أحقق النجاح"، وتجنُّب عبارات الأمر مثل "يجب عليَّ أن أفعل، يجب أن أنجز أكثر، لا بدَّ من النجاح".
  3. التركيز في الأشياء الإيجابية والإنجازات التي حققتها لكي تجعل منك شخصاً أكثر طموحاً وتملك الدافع المستمر لإحراز التقدم.
  4. مسامحة نفسك على أخطائك ولا تحمِّل نفسك أكثر مما ينبغي، فالإنسان بالفطرة مجبول على ارتكاب الأخطاء لكن ليس بالضرورة أن تكون إنساناً سيئاً.
  5. التركيز في الأفكار والخبرات المُستفادة من التجارب التي خضتها وكيفية توظيفها في المواقف المستقبلية.
  6. محادثة النفس بسلام وإيجابية، والابتعاد عن الحديث السلبي الذي يقلل من قدر النفس ويجعل الفرد يفكر باستمرار في أنَّه فرد لا يستحق شيئاً في هذه الحياة.
  7. محاولة الابتعاد عن الأشخاص السلبيين والتواصل مع الأشخاص الإيجابيين الذين يرون الجانب المشرق في الحياة ويسعون إلى السعادة؛ فهؤلاء سوف يساعدونك على تحسين ذاتك وشعورك نحوها كما يعملون على دعمك باستمرار وتقديم المساعدة عندما تحتاج إليها.
  8. ذكر نقاط قوتك باستمرار وعندما تشعر بأي إحساس يفضي إلى دونيَّة الذات كرِّر عبارات إيجابية من مثل: "أنا قادر، أنا أستطيع، أنا موهوب وما إلى ذلك".
  9. عدم مقارنة نفسك بأي شخص آخر سواء كان ناجحاً أم غير ناجح، ومعاملة نفسك على أنَّها متفردة في خصائصها، وما ينطبق على الآخرين ليس بالضرورة أن ينطبق عليك.
  10. خوض تجارب ومغامرات جديدة في مجالات تحبها وتميل إليها.
  11. العلاج الدوائي بإشراف متخصص؛ إذ يمكن تخفيف أسباب عقدة النقص باستخدام الدواء مثل حالات الاكتئاب والإحباط.
  12. تطوير ذاتك؛ فأي شيء تكتسبه سواء مهارة أم معرفة ينعكس بشكل إيجابي عليك.
إقرأ أيضاً: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر

الخلاصة:

الشعور بعقدة النقص هو شعور يتملَّك الفرد ويرتبط بتدنِّي احترام الفرد لذاته سواء بسبب نظرته السلبية إلى نفسه أم إحساسه بنظرة الآخرين السلبية له؛ إذ يسود في داخله إحساس بانعدام قيمة الحياة وتمتلئ نفسه بالفراغ وحالة من التوتر والقلق، ويسعى بكافة السبل إلى البعد عن الحياة الاجتماعية ولكنَّ كل ذلك يمكن علاجه من خلال اتِّباع برنامج إرشادي علاجي لدى اختصاصي نفسي والعمل على تطوير الذات بشكل مستمر.

المصادر:

  • 1، 2، 3، 4، 5
  • أمجد كاظم فارس، الشعور بالنقص وعلاقته بمعنى الحياة لدى طلبة الجامعة، كلية الإمام الكاظم للعلوم الاسلامية، منشورات مجلة الأستاذ، العدد 218 المجلد الثاني لسنة 2016م.



مقالات مرتبطة