عقاب الأطفال، وأهم أساليب التأديب الفعالة لتعديل سلوك الطفل السلبي

يخوض معظم الأهالي حروباً طاحنة مع أولادهم، مستخدمين أشد أنواع العقوبات ضراوة، من ضرب وتهديد وصراخ وكلمات جارحة؛ إلَّا أنَّ المفاجئ في الأمر أنَّ كل محاولاتهم تبوء بالفشل، فيُعلِن الأهالي استسلامهم الحقيقي أمام التمادي المبالغ فيه من قِبل الأولاد، ويأتي هنا السؤال: "أليس حرياً بالأهالي البحث عن طرائق أخرى لتربية أطفالهم بعيداً عن العنف والترهيب والتخويف، بعد أن لمسوا عدم نجاعة هذه الأساليب مع أطفالهم، بدليل استمرار سلوكاتهم السلبية وتزايد حدة عنادهم؟".



ولأنَّ أولادنا أمانة في أعناقنا، كان لزاماً علينا البحث في أساليب التربية الحديثة للوصول إلى طرائق تأديب تجعل من الطفل شخصاً متوازناً وقوياً؛ فهدفنا هو تنشئة طفل يمتلك القناعة والإرادة للابتعاد عن الخطأ، والشغف لفعل الأشياء الصحيحة، وكامل الحرية للتعبير عن آرائه؛ إذ لا يُولِّد العنف إلَّا عنفاً، ولا يُولِّد الحب إلَّا حباً.

لماذا نعنِّف أطفالنا؟

لا نعاقب أطفالنا في أغلب الأحيان نتيجة لسلوكاتهم المزعجة، بل لعدم قدرتنا على الفهم الصحيح لها؛ حيث يميل الطفل إلى التصرف وفقاً لفطرته السليمة، إلَّا أنَّ عدم فهمنا احتياجاته ووعينا للدوافع الكامنة وراء سلوكاته وتصرفاته يسبب نشوب الحروب بيننا وبينه.

من الأسباب التي تجعلنا نلجأ إلى استخدام العقاب التقليدي التعنيفي مع أولادنا:

1. التعدي على قيمة الحرية:

يُولَد الطفل حراً، ويمتلك كامل الإرادة وحرية الاختيار؛ لكن عند التعدي على حريته والتحكم به، يتحوَّل إلى طفل عنيد ومشاكس وصعب المراس؛ فعندما يتَّبع الأهل أسلوب الأمر والنهي والإجبار مع ابنهم، يطعنون بفطرته السليمة التي وُلِد عليها؛ لذلك كان لزاماً عليهم اتباع أسلوب الحوار والإقناع معه، كأن يبيِّنوا له إيجابيات وسلبيات أمر ما، ثمَّ يتركوا حرية الاختيار له لكي ينَّموا لديه الإحساس بالمسؤولية.

2. عدم وجود قواعد واضحة:

يميل الطفل إلى الفوضى والعشوائية في حال عدم وجود قواعد واضحة تحكم سلوكاته؛ لذا على الأهل هنا العمل على تأسيس دستور أسري تُذكَر فيه القواعد التي يجب اتباعها والأمور السلبية التي يجب تجنبها، مع ذكر العواقب الإيجابية والسلبية لكلا الأمرين؛ كما ينبغي لهم عدم التذبذب والتهاون في تنفيذ هذا الدستور لكي يُبنَى لدى الطفل مهارة الالتزام واحترام الاتفاقيات.

3. غياب القدوة:

يحاكي الطفل سلوكات والديه بدقة متناهية؛ لذلك على الأهالي أن يكونوا قدوة حسنة لأطفالهم، حيث يميل الكثير منهم إلى معاقبة أطفالهم على تفاصيل يقومون هم أنفسهم بفعلها، كأن يضرب الأب ابنه على استخدامه ألفاظ جارحة مع أخته الصغيرة، في حين أنَّه يستخدم تلك الألفاظ في أثناء تربيته لأولاده.

إقرأ أيضاً: 5 أشياء لن ينساها طفلك عنك أبداً

4. عدم فهم احتياجات الطفل:

قد يطعن الأهالي باحتياجات الأطفال الفطرية في حال مطالبتهم إياهم بالهدوء الدائم، وعدم الحركة، وتنفيذ الأوامر فحسب؛ لكن في الحقيقة يحتاج الطفل الصغير إلى الإحساس بالأمان والحب والاستمتاع والمرح بالحياة، ويرغب في الاكتشاف والبحث والحركة، ويكون مفعماً بالطاقة والنشاط.

لذا يجب على الأهل احتواء سلوكات أولادهم وفهم الاحتياجات الكامنة وراءها، والعمل على إشباعها، وربط الأنشطة التعليمية مع احتياجاتهم، كأن يستخدموا معهم الألعاب التي تنمي مهاراتهم وقدراتهم.

شاهد بالفديو: 8 خطوات لتقوية علاقتك مع أبنائك

5. التفريغ السلبي في الطفل:

لا يملك الكثير من الأهالي الإحساس بمسؤولية التربية، فيميلون إلى تفريغ ما يعانوه من ضغوطات حياتية وعملية في أولادهم، كأن يضربوهم أو يصرخوا عليهم أو يجرحوهم، الأمر الذي يُعرِّض الطفل إلى الإصابة باضطرابات نفسية كالاكتئاب.

6. عدم الفهم الصحيح للتربية:

يميل الأهالي إلى اتباع أسلوب الإكراه والإجبار مع أولادهم، معتقدين أنَّهم بذلك يضمنون بناء أطفال ناجحين وأقوياء، ولا يدرون أنَّ نتائج الإكراه قد تكون إيجابية على الأمد القريب، لكنَّها كارثية على الأمد البعيد؛ إذ يمكن لقمع الطفل وكبت مشاعره وأفكاره والسيطرة على تفاصيل حياته وعدم إفساح المجال له ليعيش حريته وشخصيته أن يجعل منه قنبلة موقوتة تنفجر في يوم من الأيام.

لذلك، على الأهل العمل على رفع ثقة الطفل بنفسه، واتباع أسلوب الحوار والإقناع معه، والتعامل معه على أنَّه كائن مستقل له رغباته وقيمه واحتياجاته.

7. عدم الاعتناء بالطفل:

يميل الطفل المُهمَل إلى اتباع سلوكات سلبية من شأنها أن تجعله ضحية للعنف الأسري دون أن يدرك الأهل أنَّهم السبب بذلك، حيث تؤدِّي سوء تغذية الطفل وإهماله وعدم مراقبة محيطه المدرسي والاجتماعي إلى تحويله إلى كائن سلبي التصرفات والسلوكات.

8. عدم احتواء غيرة الأطفال:

قد يسلك الطفل سلوكات سلبية كرغبة منه للفت انتباه والديه بعد انشغالهما عنه نتيجة قدوم الطفل الثاني إلى الحياة، لذا من واجب الأهل هنا إدراك هذه المسألة والعمل على تحقيق المساواة بين الأطفال وعدم التمييز بينهم، وإشباع الاحتياجات النفسية لكلٍّ منهم على حدة.

إقرأ أيضاً: تقلّب المزاج عند الأطفال – أسبابه – أهم النصائح للسيطرة عليه

ما بين العقاب والتأديب:

يلجأ الكثير من الأهالي إلى استخدام أساليب العقاب القائمة على العنف بهدف تعديل السلوك السلبي للأبناء، إلَّا أنَّهم لا يجدون النتائج التي يتطلعون إليها؛ بل يتمادى الأطفال في سلبيتهم وعنادهم، غير آبهين بما يتعرَّضون إليه من عنف جسدي.

لقد أثبتت الدراسات أنَّ للضرب آثاراً سلبية غاية في الخطورة في صحة الطفل النفسية والعقلية، حيث يؤثر في الجزء المسؤول عن التعلم والذاكرة في دماغ الطفل، ويؤدي إلى ضموره، ويجعل الطفل أقل ذكاء وقدرة على التعلُّم من غيره؛ كما يؤثر سلباً في الجزء المسؤول عن العاطفة، ممَّا يُفقِد الطفل قدرته على التحكم بانفعالاته.

يؤثر العقاب الجسدي واللفظي القاسي في تقدير الطفل لذاته وثقته بنفسه، فيميل إلى الانعزال وعدم الانخراط مع الناس نتيجة لقلة ثقته بذاته، أو لأنَّه يصبح عدوانياً وسلبياً جداً في تعاطيه مع غيره من الناس.

نستطيع من هنا القول أنَّ ما يلزمنا هو تأديب أطفالنا وليس تعنيفهم، حيث تراعي الأساليب التربوية القائمة على التأديب التوازن النفسي للطفل، على عكس الأساليب العقابية القائمة على المشاعر السلبية والانفعالية من الأبوين؛ إذ يسبِّب العقاب ضرراً نفسياً لدى الطفل، في حين يسبب التأديب ألماً مؤقتاً يختفي تدريجياً ليبقى السلوك المُصحَّح مكانه.

أساليب التأديب الفعالة لتعديل سلوك الطفل السلبي:

1. كرسي التفكير:

يُطلَب من الطفل في هذه التقنية الجلوس على كرسي موضوع في منطقة مريحة من المنزل يُدعَى "كرسي التفكير"، بحيث يُعِيد التفكير في السلوك السلبي الذي قام به ويقيِّمه، ويكتشف البديل المناسب الذي كان عليه القيام به.

إقرأ أيضاً: 3 عادات سلوكية خاطئة منتشرة بين الأطفال

2. دستور العائلة:

ينبغي أن تضع الأسرة قواعد واضحة بالمشاركة والحوار مع الطفل، ويُطلَق عليها "دستور العائلة".

يحدِّد دستور العائلة السلوكات الإيجابية التي يُكافَأ الطفل عند قيامه بها، والسلوكات السلبية التي يُؤدَّب عليها؛ مع الحرص على أن يكون الطفل طرفاً أساسياً ومشاركاً في وضعها.

3. الحرمان:

يستحق الطفل التأديب بعد قيامه بسلوك ما من السلوكات السلبية المذكورة في دستور العائلة، كأن يُحرَم من نزهة مع أصدقائه أو من ألعابه، على أن يكون الحرمان من أشياء ثانوية لا احتياجات أساسية.

4. الحزم:

يجب على الأهالي أن يتَّبعوا لغة حاسمة مع أطفالهم، وأن يكونوا حازمين في تنفيذ ما ينص عليه الدستور، بحيث يعي الطفل أنَّ الأمر هام جداً وجدي.

5. الفصل بين الشخص والسلوك:

على الأهالي تعلُّم مهارة ضبط الأعصاب، بحيث لا يجوز مطلقاً فقدان السيطرة على الذات واستخدام أساليب العنف الجسدي أو اللفظي، بل يجب احتواء الموقف وتوصيف الحدث دون المساس بشخص الطفل.

6. التفسير العميق:

اعلم أنَّ لدى الطفل سبب مقنع يفسر سلوكاته؛ لذلك ابحث في احتياجات الطفل، وحدِّد احتياجه غير المُلبَّى الذي يظهر بشكل سلوك سلبي.

7. القدوة:

إن كنت تستخدم العنف مع طفلك، فلا تستغرب عندما يستخدم طفلك العنف مع أخيه الأصغر منه؛ إذ يحاكي الطفل سلوكات أهله تماماً؛ لذا احرص على أن تكون قدوة حسنة لأطفالك.

8. حرية الاختيار:

على الأهالي أن يحترموا حرية أطفالهم، بحيث يُفسِحون لهم المجال للاختيار في القضايا التي لا تؤثر في مستقبلهم، كطريقة لبسهم، والألعاب التي يفضلونها؛ إذ من شأن ذلك أن يُشبِع لديهم قيمة الحرية التي فُطِروا عليها، ويُشعِرهم بالراحة، ويدفعهم إلى القيام بالسلوكات الإيجابية.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

9. اللغة المهذبة واستخدام صيغة الماضي:

كن محترماً مع ابنك، واطلب منه أي شيء بأسلوب لبق ولطيف، إذ من شأن ذلك أن يُعزز ثقته بنفسه ونظرته عن ذاته؛ كما يجب استخدام صيغة الماضي بدلاً من الأمر، فعلى سبيل المثال: في حال لم ينظِّف أسنانه، لا تقل له: "اذهب ونظِّف أسنانك"، بل قل له: "لقد غسلت أسنانك، أليس كذلك؟".

إقرأ أيضاً: 6 خطوات أساسية لتربية الأطفال على المسؤولية

10. الصبر والتكرار:

كن صبوراً، حيث تتطلب النتائج الإيجابية للتربية وقتاً لكي تظهر؛ واعلم أنَّ التكرار هام جداً لتعديل السلوك، فلا تمل منه.

11. الثقة:

أنت مصدر الثقة والأمان والحب لابنك؛ لذلك أظهر له أنَّك تثق به وبتقدمه الدائم وتميِّزه، إذ من شأن ذلك أن يشعل الحماسة في قلبه والثقة بذاته وقدراته.

12. المكافآت:

كن كريماً مع طفلك، وكافئه لدى قيامه بأي سلوك إيجابي.

شاهد بالفديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

13. الحوار الدائم:

اجعل طفلك صديقاً لك، وكن منفتحاً لأي سؤال يطرحه عليك في أي مجال، وأبدي اهتمامك بأفكاره، وأنصت إليه بكل حواسك، وتناقش معه، وبيِّن له الأمور من كل جوانبها الإيجابية والسلبية لكي يتخذ قراراته عن قناعة؛ إذ من شأن ذلك أن يبني علاقة صحية معه، ويُبعِده عن كل المكروهات.

14. الاعتذار:

في حال كنت ممَّن يتبع أساليب العقاب العنيفة مع أولاده، واقتنعت الآن بضرورة اتباع طرائق تأديب مختلفة معهم، فلا تتردد في مصارحة أطفالك بمنتهى الشفافية عن الأمر، كأن تعتذر منهم عمَّا عانوه من عذاب، وتُصرِّح عن عزمك اتباع أسلوب جديد في التعامل معهم، وتُعلِن عن رغبتك في أن يشاركوك العزم على إنجاح الأمر.

إقرأ أيضاً: 4 طرق تساعدك على الاعتذار دون الشعور بأي إحراج

الخلاصة:

طفلك أمانة لديك، وستُسأَل عنه في يوم القيامة؛ لذلك احرص على تأديبه وليس تعنيفه، فلم يُخلَق ذلك الملاك من أجل المعاناة والإهانة والأوامر والفرض والضرب، بل خُلِق للحياة والسعادة والراحة والهناء والأمان والاحتواء والتقدير.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة