ظاهرة الانحراف الأخلاقي: الأسباب والحلول

باتت مظاهر الانحراف الأخلاقي منتشرةً بوضوح في جميع مجتمعات العالم، حتى المحافِظة منها، وأصبحت من القضايا الشائكة والمُقلقة التي تحتاج إلى دراسة أسبابها، وإيجاد الحلول لها.



1. ما هو المقصود بالانحراف الأخلاقي؟

الانحراف عموماً: هو الخروج عن المسار أو الطريق السليم، والانحراف الأخلاقي: هو الخروج عن القوانين والضوابط والمعايير التي يضعها المجتمع ويقبلها، وهو انتهاك لأنظمته، وممارسة سلوكات تخدش الحياء، وتُنافي الأخلاق والقيم الحميدة، وتعود بالضرر على مرتكبها وعلى أسرته، وعلى المجتمع ككل.

والانحراف الأخلاقي كما يُعرِّفه عالِم الاجتماع "كوهين": "هو السلوك الذي يكون خارجاً عن التنبؤات المشتركة والممكنة في محيط النسق الاجتماعي".

أمثلة عن الانحراف الأخلاقي:

حالات الاغتصاب، والزنا، والتحرُّش الجنسي، والرشوة، والفساد، وتعاطي المخدرات، والخيانة الزوجية، والكذب، والنفاق، وعقوق الوالدين، واستخدام الألفاظ البذيئة، وترك الشباب والشابات لمنازلهم، والسرقة، والسطو، والتزوير، ومظاهر العُري والابتذال، ومخالفة القانون.

2. أسباب ظاهرة الانحراف الأخلاقي:

هناك مجموعة من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الانحراف الأخلاقي، من أبرزها:

التفكك الأسري:

تُعَدُّ الأسرة أساس نشأة الفرد، والعامل الرئيس في تكوين شخصيته ومبادئه وقيمه، فالأسرة المتماسكة المتآلفة التي يسودها الحب والأمان والأخلاق الحميدة، سيكون نتاجها أفراداً أسوياء صالحين نافعين لمجتمعهم، بينما الأسرة المفككة التي يعاني فيها الأبوان من مشكلات، لا تمنح أفرادها الاستقرار والتوازن النفسي، ولا التوعية والتوجيه اللازم، ويكون نتاجها أفراداً غير مستقرِّين نفسياً، ولديهم قابلية كبيرة للانحراف والشذوذ.

الفقر:

يُعَدُّ الفقر والحرمان من أبرز أسباب الانحراف الأخلاقي، فالإنسان عندما يشعر بالجوع أو الحاجة، أو عدم القدرة على تأمين متطلباته الأساسية، قد تُسوغ له نفسه اتباع الطرائق غير المشروعة وغير الأخلاقية للحصول على المال.

غياب الوازع الديني:

بُعد الشباب عن تعاليم الدين، والقيم والأخلاق التي يدعو إليها، يُعرضهم للانحراف عن الفطرة السليمة.

الفراغ:

الفراغ أكبر عدو للإنسان، فعندما يكون لديه الكثير من أوقات الفراغ، ولا يجد ما يفعله أو يشغله، يصبح استعداده للانحراف أكبر.

البيئة المحيطة:

يتأثر الإنسان في البيئة التي يعيش فيها، فإن كانت بيئة صالحة انعكست إيجاباً عليه، وإن كانت بيئة فاسدة انعكست سلباً عليه.

المال الزائد:

أحياناً يكون المال الزائد نقمة على صاحبه؛ وذلك عند غياب الوعي والرادع، فعندما يُغدق الأهل المال على الأبناء بغير حساب أو مراقبة، قد يميلون للانحراف والرغبة في الإنفاق والتبذير وتجريب كل ما يحلو لهم لو كان من المحاذير والموبقات.

غياب دور المدارس والجامعات:

للمدارس والجامعات دور تربوي وإرشادي قبل دورها التعليمي، من خلال الاهتمام بالجانب الأخلاقي والتربوي للأجيال، والتركيز على غرس القيم والأخلاق والأفكار السليمة.

وسائل الإعلام والإنترنت:

نعيش اليوم في عصر الإعلام والتكنولوجيا، وباتت وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأكثر انتشاراً ومتابعة، وللأسف تؤدي بعض هذه الوسائل دوراً سلبياً في توجيه المشاهدين نحو سلوكات مرفوضة أخلاقياً ومجتمعياً، كالبرامج التي تبث مشاهد العري والخلاعة، وتُروِّج للأفعال الخادشة للحياء، وتعمل على جعلها أمراً مقبولاً وطبيعياً.

رفاق السوء:

للأصدقاء دور رئيس في حياة الإنسان؛ وذلك لأنَّه يتأثر بهم ويتبنَّى أحياناً أفكارهم ويُقلِّدهم باللاشعور، فقد يستدرجه رفاق السوء إلى الانحراف والسلوكات الخاطئة، وكما يقول المثل: "قل لي من تُعاشر، أقول لك مَن أنت".

البطالة:

تُعَدُّ البطالة من أخطر أسباب الانحراف الأخلاقي؛ إذ يشعر العاطل عن العمل بالملل والفراغ، وقد يُصاب بالاكتئاب، بالإضافة إلى حاجته إلى مصدر رزق يعيش منه، فيلجأ للسلوكات المنحرفة أخلاقياً من سرقة أو ابتزاز أو إدمان الكحول.

الحرية المطلقة:

يُخطئ بعض الأهل في اعتقادهم أنَّ التربية الحديثة والصحيحة قائمة على منح الأبناء الحرية المطلقة حتى يعتمدوا على أنفسهم، ويتمكنوا من تكوين شخصية قوية ومستقلة؛ فالحرية أمر ضروري وعنصر هام في بناء شخصية الابن؛ ولكن لا يعني ذلك غياب دور الأهل كلياً أو عدم إشرافهم عليه، خاصة في سن المراهقة، فقد يُسيء المراهق استخدام هذه الحرية؛ وذلك بسبب قلة وعيه وإدراكه لمصلحته وما ينفعه وما يضره.

الضغوطات النفسية:

تؤدي كثرة الضغوطات النفسية والتجارب السيئة التي قد يتعرض لها الإنسان إلى رد فعل سلبي لديه، وهروبه من واقعه، وميله للسلوكات الشاذة والمنحرفة.

شاهد بالفديو: كيف أحمي نفسي من الانحراف الأخلاقي؟

3. أثر الانحراف الأخلاقي في الفرد والمجتمع:

للانحراف الأخلاقي آثار سلبية ومدمرة في الفرد والمجتمع:

أثر الانحراف الأخلاقي في الفرد:

  • يؤثِّر الانحراف الأخلاقي في الفرد تأثير شديداً، لدرجة أنَّه قد يدمِّر حياته إذا لم يُصلِح نفسه؛ إذ تُشوه السلوكات المنحرفة أخلاقياً سمعة الشخص، وتجعله منبوذاً من قِبل محيطه ومجتمعه، ويفقد احترام الآخرين له.
  • يشعر الشخص المنحرف بالضياع وعدم احترامه لنفسه، وتأنيب الضمير، ويصاب بالاكتئاب.
  • يتراجع أداء الطالب المنحرف في مدرسته وجامعته.
  • يؤثِّر السلوك المنحرف أخلاقياً في أداء الشخص المهني، وقد يجعله يخسر عمله، ويُحرمه من فرصة الحصول على وظيفة جديدة.
  • تؤثِّر السلوكات المنحرفة للشخص في علاقته بشريكه أو زوجته، وقد توصلهما إلى الانفصال.
  • تتأثر حالة الشخص الاقتصادية جراء سلوكاته المنحرفة، فقد يخسر ثروته، ويصل إلى الفقر.

أثر الانحراف الأخلاقي في المجتمع:

للانحراف الأخلاقي آثار سلبية شديدة في المجتمع، قد تصل إلى دماره وانهياره، وانحطاط مستوى الأخلاق فيه، وضياع حقوق أفراده، وانتشار الجريمة والرذيلة، ومعاناته من الجهل والتخلف، وهجرة العقول منه هرباً إلى أماكن أفضل.

إقرأ أيضاً: دور التنمية البشرية في المجتمع ونصائح من أهم الخبراء فيها

4. ما هي الحلول لظاهرة الانحراف الأخلاقي؟

تحتاج ظاهرة الانحراف الأخلاقي إلى تضافر جميع الجهات بدءاً من الأسرة، لإيجاد حلول لها من جذورها، وذلك كما يأتي:

الأسرة:

تبقى الأسرة هي خط الدفاع الأول ضد الانحراف الأخلاقي للفرد؛ إذ لا يقتصر دور الأبوين على تأمين الغذاء والكساء للأبناء؛ بل تقع عليهم مسؤولية تنشئتهم على الأخلاق الحميدة، واحترام الضوابط والمعايير المجتمعية، ونبذ كل السلوكات المنحرفة والمرفوضة أخلاقياً ومجتمعياً، وتعليمهم منذ الصغر على الصدق والأمانة.

كما يجب على الوالدين تعليم أبنائهم الشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهم وأسرتهم ومجتمعهم، وأداء عملهم بإتقان وإخلاص، والتعاون ومساعدة الآخر واحترامه، ورفض الكذب والخداع والغش، والخيانة، وكل سلوك فيه ضرر للنفس أو للآخرين، كما يجب عليهم مراقبة الأبناء ومتابعتهم دائماً، وعدم إغفال تفاصيلهم وسلوكاتهم، وحتى مَن يُرافقون من أصدقائهم.

المدرسة والجامعة:

للمدارس والجامعات دور كبير في تربية الأجيال، وتوجيههم للسلوك السليم، وتنمية الأخلاق لديهم، وغرس القيم والصفات الإيجابية فيهم.

وسائل الإعلام والإنترنت: 

لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي التأثير الأكبر في السنوات الأخيرة؛ لذا يجب التركيز عليها ورقابتها، بحيث تقدِّم البرامج الهادفة والتوعوية، والقائمة على نشر القيم والأخلاق، ومنع تقديم البرامج والمواد التي تُروِّج للفساد الأخلاقي، وتتسبب في ضياع الأجيال وتشتيتها عن دورها الحقيقي في بناء المجتمع، والتركيز على توجيه الشباب إلى الاهتمام بالعلم، وتطوير أنفسهم ومجتمعاتهم.

احتضان جيل الشباب:

تتحمَّل المؤسسات الاجتماعية عبئاً كبيراً في احتضان الشباب، ودعمهم من كل النواحي، وتعزيز دورهم في المجتمع، وإعطائهم الفرصة في التعبير عن أنفسهم ورأيهم، وتأمين فرص العمل لهم، وتحقيق العدالة بينهم، وشغل أوقات فراغهم، وتفريغ طاقاتهم من خلال إنشاء النوادي الرياضية، ورفع سويتهم الثقافية بانضمامهم إلى جمعيات ونوادٍ ثقافية وفنية.

القضاء على الفقر:

يُعَدُّ القضاء على الفقر من أهم خطوات علاج الانحراف الأخلاقي؛ وذلك لأنَّ الفقر باب للكثير من مظاهر الانحراف والرذيلة؛ لذا لا بد من مساعدة الأسر الفقيرة، وتحسين الظروف المعيشية لأفرادها، بحيث تُوفَّر لهم حياة كريمة، تتوفر فيها مقومات الحياة من مَسكن ومَأكل ومَلبس، حتى لا يُترَك لهم أي احتمال للجوء إلى سلوكات منحرفة من سرقة أو احتيال أو سلوكات غير أخلاقية.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم عن الفقر

القضاء على الجهل: 

الجهل علة العلل، فالمجتمع الذي ينتشر الجهل بين أفراده، لن تقوم له قائمة، وستنتشر مظاهر الانحراف الأخلاقي فيه لا محالة؛ لذا إن أردنا بناء مجتمع متحضِّر متقدِّم خالٍ من الانحراف الأخلاقي، فيجب القضاء على الجهل؛ وذلك من خلال جعل التعليم إلزامياً، وتوفيره للجميع، والاهتمام بإنشاء المدارس والجامعات، وتوفير البيئة والظروف المناسبة للطلاب، لترغيبهم وتحبيبهم بالدراسة وإكمال تعليمهم، وتشجيعهم بتكريم المتفوقين ومنحهم هدايا تحفيزية.

كما يجب الاهتمام بالجانب النفسي لديهم؛ وذلك عن طريق المرشدين النفسيين المؤهلين للتعامل مع الطلاب وحل مشكلاتهم وتقديم الدعم النفسي لهم، والعمل على تشجيع القراءة، وإنشاء المكتبات، وإقامة الندوات والمؤتمرات الثقافية لتوعية الشباب، وتذكيرهم بأنَّهم بُناة المستقبل، وبهم يصلح المجتمع أو يفسد.

القضاء على البطالة:

تنعكس البطالة على المجتمع بنتائج خطيرة، لما لها من آثار سلبية؛ وذلك لأنَّ الإنسان دون عمل، يعيش الكثير من أوقات الفراغ، فيشعر بالملل والفشل، وقد يُصاب بالاكتئاب، أو تنتابه مشاعر حقد على مجتمعه لشعوره أنَّه لم يحصل على فرصة عمل كغيره، فيبدأ بالانحراف كنوع من رد الفعل.

توفير الأمان:

إنَّ توفير الأمان والاستقرار للأفراد أمر في غاية الأهمية، فعندما يفتقر المجتمع لعنصر الأمان، وتسود فيه الفوضى والنزاعات والشغب، تنتشر بين أفراده مظاهر الانحراف الأخلاقي.

تفعيل القانون:

يحتاج الانحراف الأخلاقي إلى تفعيل الأنظمة القانونية والعقوبات لمَن يرتكبه، لردع الأفراد عن سلوكات الانحراف.

تأهيل المنحرفين:

لا يخلو مجتمع مهما بلغت درجة تقدُّمه من مظاهر الانحراف الأخلاقي والمنحرفين، ولكن بنسب مختلفة؛ لذا يجب الاهتمام بهؤلاء المنحرفين بإقامة المراكز المخصصة لهم، وتأهيلهم نفسياً من قِبل اختصاصيين ومعالجين نفسيين، والعمل على إعادة انخراطهم بالمجتمع كأشخاص أسوياء.

في الختام، الانحراف الأخلاقي مسؤولية جماعية:

يدمِّر الانحراف الأخلاقي المجتمعات، فإنَّ بناء الإنسان يبقى هو الدواء الشافي لكل مشكلات المجتمع؛ إذ يصلح المجتمع إن صلح أفراده، ويفسُد بفسادهم؛ لذا نؤكد أنَّ مكافحة الانحراف الأخلاقي مسؤولية الجميع، بدءاً من الأسرة التي يقع عليها الدور الأكبر، ثم المدرسة والجامعة، ووسائل الإعلام والإنترنت، والمؤسسات الاجتماعية والإصلاحية، من خلال تنشئة الأجيال تنشئة صالحة، قائمة على غرس القيم والأخلاق، وتحمُّل المسؤولية، ورفض مظاهر الانحراف.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة