طرق حل النزاع في مكان العمل بفاعلية

النزاع جزء من الحياة، إذ يمكن أن تتعارض آراؤنا مع زملائنا في العمل، أو شركائنا، أو أطفالنا، أو شخص ما في المتجر، أو أي شخص تربطنا به علاقة من أي نوع؛ ورغم سعينا الدائم إلى أن نكون لطفاء ومنسجمين مع الآخرين، فإنَّ النزاع جزء طبيعي من الحياة التي نعيشها، ويمكن أن يحدث في أي مكان وأي موقف، وهذا ما يجعل معرفة طرائق حل النزاع مهارة أساسية لنا جميعاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن مات أبوداكا (Mat Apodaca)، والذي يحدثنا فيه عن تجربته الشخصية في حل الخلافات والنزاعات والتعامل معها في العمل.

يجيد بعضنا التعامل مع النزاعات بطريقة أفضل من الآخرين، فأنا شخصياً ليس لدي مشكلة في مواجهة اختلافات الرأي عند حدوثها؛ لكن من ناحية أخرى، لا تحب زوجتي النزاع، وتحتاج عادة إلى بضع ساعات على الأقل لمعالجته والتفكير في الأمر الذي اختلفنا بشأنه، ثم يمكننا بعدها التحدث عن خلافاتنا.

ربَّما تكون طريقتها في التعامل مع خلافاتنا أفضل من طريقتي، حيث أوقعني أسلوبي في التعامل مع النزاعات في مشكلات عدة، وتأكدت من صحة هذا الأمر في العمل في أكثر من موقف، ممَّا دفعني إلى طرح السؤال: ما هي طرائق حل النزاع في مكان العمل بفاعلية؟

ما هو النزاع؟

حتى نكون على بينة من أمرنا، يجب أن نحدد بوضوح معنى كلمة "النزاع"؛ إذ يُعرَّف النزاع عموماً بأنَّه: مواجهة أو تصادم بين طرفين متعارضين، أو حالة تعارض وتناقض في الأفكار والمصالح والاهتمامات وما إلى ذلك؛ كما يُعرَّف أيضاً بأنَّه الجدال أو الاختلاف في الرأي.

يحدث النزاع عندما لا يتفق شخصان أو أكثر على شيء ما، ويتصاعد الأمر قليلاً بشكل من الأشكال؛ وقد يكون النزاع على شكل خلاف بين شخصين يعلنان رأيهما في أمر ما، ثم يدخلان في نقاش حاد أو يجمعان الأشخاص من حولهم لمحاولة الفوز بالنقاش، ويتجسد هذا الأمر في العديد من الأشكال والمواقف التي تواجهنا في الحياة.

إقرأ أيضاً: التعامل مع الاختلافات

الخلاف في مكان العمل:

دعونا نلقي نظرة على بعض حالات النزاعات الأكثر شيوعاً في أماكن العمل، لنتعمق بعدها في طرائق حلها بفاعلية:

1. النزاعات الشخصية:

يجب أن نتذكر في هذا النوع من النزاعات أنَّنا جميعاً مختلفون؛ فأنا مثلاً أحب التحدث كثيراً، وقد يفضل زميلي في العمل الهدوء في أثناء العمل، لكنَّني أواصل الثرثرة طوال اليوم؛ أو ربَّما يكون الشخص الجالس إلى جانبك من عشاق الرياضة ويرتدي ملابس فريقه المفضل، لكنَّك لا تحب الرياضة؛ إذ يوجد دوماً العديد من الاختلافات بيننا على أمور محددة.

2. النزاعات القيادية:

رغم وجود بعض أساليب الإدارة المعروفة مثل الإدارة التفصيلية، أو القيادة الملهمة، أو المنفتحة على العلاقات والآراء كافة؛، قد لا ينسجم الجميع مع كل نوع من أنماط القيادة.

لقد توليت مناصب إدارية في الآونة الأخيرة، لكنَّني كنت مساهماً فردياً لما يزيد عن 15 عاماً، وقد كنت أفضِّل امتلاك مساحة خاصة لخلق طريقتي الخاصة في إنجاز العمل، وكنت في نهاية اليوم أتولى الأمور على نحو جيد وأنجح بالفعل؛ ومع ذلك، لا يمكنني أبداً العمل مع مدير تفصيلي يحب التدقيق ومراقبة كل تحركاتي، ويحتاج إلى البقاء على تواصل دائم لمعرفة كل ما أفعله؛ إذ يدفعني ذلك إلى الجنون، ويؤدي إلى حدوث العديد من النزاعات بالتأكيد.

3. نزاعات الاعتماد (الاتكال) المتبادل:

نرى هذا النوع من النزاعات دائماً، وهو يحدث عندما تعتمد على شخص آخر لإنجاز مهماتك؛ فمثلاً: لنفترض أنَّك تعمل على تحضير عرض تقديمي، وتحتاج إلى بعض الأرقام والمعلومات، ومن المفترض أن يحصل زميلك في المحاسبة على هذه الأرقام في تاريخ معين، لكنَّه لم يكن قادراً على ذلك، واقترب موعدك النهائي وأنت تنتظر زميلك الذي لا يرد على هاتفه أو على البريد الإلكتروني؛ سيجعلك حصول مثل هذا الأمر تغضب بالتأكيد، وربَّما يؤدي إلى خلاف يؤثر في الجميع.

4. نزاعات التمييز:

لسوء الحظ، يحدث خلاف التمييز والتفريق في مكان العمل أيضاً، ويحدث بالطبع عند وجود مضايقات أو نزاعات بسبب عِرقِ شخص ما وعمره ودينه وجنسه وغيرها؛ ولكن لحسن الحظ، عادة ما تتفاقم هذه النزاعات لتصل إلى الموارد البشرية بسرعة، فالعديد من الشركات لديها سياسة عدم التسامح مع مثل هذه الأمور.

إقرأ أيضاً: أخلاقيات الحوار مع الآخرين

5. نزاعات أسلوب العمل:

تتعلق خلافات أسلوب العمل بالطريقة التي نعمل بها فردياً أو كفريق؛ وكما ذكرت مسبقاً، أحتاج إلى حرية التصرف لإنجاز عملي بالطريقة التي أشعر أنَّها الأفضل والأنسب، لكنَّ هذا لا يعني أنَّني لا أتبع القواعد والإجراءات اللازمة؛ وغالباً ما أجد طرائق مناسبة لأكون أكثر فاعلية لإنجاز عملي بسرعة؛ وإذا أملى أحدهم عليَّ طريقة معينة لأداء عملي، سنواجه مشكلة بالتأكيد.

يحب بعض الناس العمل بمفردهم، بينما يحب بعضهم الآخر العمل ضمن مجموعات؛ ويكره بعض الأشخاص الخضوع إلى إدارة تفصيلية ودقيقة، بينما يحب بعضهم الآخر الحصول على مساهمات ومعلومات من الآخرين بانتظام؛ فمثلاً: أحب تشغيل الموسيقى التي تُعزَف في المناسبات عندما أعمل، لكنَّ الكثير من الناس لا يناسبهم ذلك؛ ومن هنا تبدأ النزاعات في مكان العمل.

6. نزاعات الأفكار الإبداعية:

تحدث هذه الخلافات في أثناء جلسات العصف الذهني، فعلى سبيل المثال: لنفترض أنَّ هناك شخصين لديهما وجهات نظر أو أفكار مختلفة حول الطريقة التي يجب أن يُنفَّذ فيها مشروع أو فكرة ما: في الواقع، يمكن أن يكون هذا النوع من الخلاف مفيداً جداً إذا كان الشخصان متفتحي الذهن بما يكفي للاستماع إلى بعضهما بعضاً والتعاون والتوصل إلى فكرة أو حل مشترك؛ كما قد تكون الاستفادة من أفكار الطرفين في الوقت نفسه أمراً ممكناً في كثير من الأحيان.

شاهد بالفديو: 8 أسباب للتوتر والنزاعات في أماكن العمل

طرق حل النزاعات في أماكن العمل بفاعلية:

الآن، وبعد أن ذكرنا بعض أنواع الخلافات الأكثر شيوعاً في العمل، فلنلقِ نظرة على بضع نصائح لحلها بفاعلية:

1. هدِّئ من روعك:

خذ نفساً عميقاً وهدئ من روعك، فقد سبق وأقحمت نفسي مراراً في مواقف صعبة لأنَّني لم أكبح جماح غضبي، ممَّا أدى إلى وقوعي في نزاع مرير.

يمكن أن تساعد التهدئة كثيراً في منع حدوث النزاعات، فمثلاً: هل سبق لك وأن تلقيت بريداً إلكترونياً، وشعرت بالغضب عندما قرأته مباشرة، ممَّا دفعك إلى الرد بطريقة سيئة ومزعجة، ثم شعرت بتحسن كبير حتى أدركت أنَّ تهجمك كان سبباً لحدوث نزاع كبير؟

حدث هذا الأمر معي كثيراً، وكنت مذنباً في بعض الحالات؛ ولكن عندما تصرفت بطريقة أكثر ذكاء، منحت نفسي وقتاً كافياً لأهدئ من روعي قبل الرد، وعادة ما كان ذلك يؤدي إلى نتائج أفضل بكثير.

عندما يحدث الخلاف بالفعل، ابذل قصارى جهدك للحفاظ على هدوئك عندما تحاول التعامل مع الشخص الذي تختلف معه، وحاول معالجة الحديث بطريقة هادئة ومسؤولة، حيث يساعدك هذا كثيراً في حل المشكلة.

شاهد بالفديو: 7 أساليب فعالة يستخدمها الأشخاص الأذكياء لحل المشكلات

2. تواصل بوضوح:

أنا من أشد المدافعين والمؤيدين لفكرة التواصل الواضح في جوانب الحياة كافة؛ ولسوء الحظ، يبدو أنَّني من الأقلية الذين يتصرفون بهذه الطريقة.

تحدث العديد من النزاعات بسبب عدم وضوح التواصل، ويؤدي ذلك عادة إلى سوء فهم شخص ما لنوايا شخص آخر وتفاقم الخلاف بطريقة سيئة؛ إذ غالباً ما نميل إلى أخذ الأمور على محمل شخصي؛ لكن في الواقع، قليلاً ما يوجه الأشخاص الإساءة إلينا عمداً، رغم أنَّنا نفسر الأمر بهذه الطريقة في أغلب الأحيان؛ لذا يمكنك من خلال ممارسة التواصل بوضوح تقليل النزاعات وحلها وفهم الشخص الآخر بصورة أفضل.

3. مارس الإصغاء الفعال:

يتحقق الإصغاء الفعال من خلال التركيز على ما يقوله شخص ما، وإيلاء الاهتمام الكامل له؛ فلا تنظر إلى هاتفك عندما يصدر تنبيهاً، ولا تكتب بريداً إلكترونياً عندما يتحدث إليك، وما إلى ذلك؛ بل يجب أن تركز كل انتباهك على ما يقوله لك وتفهمه، فهذا الأمر بالغ الأهمية في حل النزاعات.

4. فكِّر ذاتياً:

ستفيدك القدرة على التفكير الذاتي والنظر إلى نفسك من وجهة نظر أخرى عندما تواجه نزاعاً في العمل، فأن تكون قادراً على القيام بذلك وصادقاً بشأن دورك في النزاع أمر بالغ الأهمية للسعي من أجل التوصل إلى نتيجة مُرضِية للطرفين؛ لكن لسوء الحظ، يوجد عدد لا بأس به من الأشخاص الذين لا يمنحون أنفسهم الوقت الكافي للتمهل والنظر إلى دورهم في النزاع.

إقرأ أيضاً: 7 طرق تساعدك على الشعور بالسعادة خلال أوقات العمل

عندما يمكنك النظر في جوهر الأمور ومعرفة دورك في النزاع، تمتلك القدرة على تقبل دورك فيه، وإخبار الطرف الآخر أنَّك كنت جزءاً من الخلاف الحاصل فيما بينكما؛ فعلى سبيل المثال: قد تُخطئ في أمر ما، فتشارك البريد الالكتروني التالي: "أعلم أنَّ تصرفي لم يكن صحيحاً عندما شاركت أفكاري مع بقية أعضاء الفريق؛ لذا أعتذر عمَّا بدر مني، وأنا جاهز لحل الأمر بطريقة تُرضي الجميع"؛ ممَّا يساعد على قطع شوط طويل في طريق إيجاد أرضية للوفاق بين أعضاء الفريق وحل النزاع الحاصل بأقل قدر من الأضرار.

5. توصَّل إلى حل للنزاعات:

أخيراً، إنَّ العمل من أجل التوصل إلى نتيجة يشعر فيه الجميع بالراحة طريقة فعالة بشكل لا يُصدَّق لحل النزاعات في أماكن العمل.

فكر في الأمر: إذا لم تحل النزاعات فعلياً، سترافقك المشاعر السيئة دائماً؛ لذا اعمل على حل النزاعات حتى يتمكن الجميع من متابعة العمل بفاعلية وسعادة، فعندما تصل إلى نتيجة يشعر فيها الجميع بالرضا، يصبح مكان العمل مكاناً مريحاً يريد الجميع التواجد فيه دائماً.

إقرأ أيضاً: 4 مشاكل تواجه الموظفين في العمل

الخلاصة:

يحدث النزاع في جميع مجالات حياتنا القائمة على العلاقات، ويختلف كل فرد منَّا عن الآخر في طريقة تعاطيه معها؛ لذلك فمن الطبيعي أن يحصل تصادم وخلاف من وقت إلى آخر؛ لكن عندما تكون على دراية ببعض الطرائق الرئيسة لحل الخلافات في أماكن العمل ومجالات أخرى من الحياة، تطور بعض المهارات الرائعة لعيش حياة صحية ومُرضِية.

المصدر




مقالات مرتبطة