حلول واستراتيجيات لتشجيع القادة على ممارسة الرعاية الذاتية

صحيحٌ أنَّ فوائد رعاية الذات معروفة جيداً، لكن عندما أتعامل مع العملاء الذي يطلبون استشارتي، غالباً ما تلقى فكرة الرعاية الذاتية رفضاً كبيراً، لماذا إذاً يعارض الكثير من القادة تخصيص بعض الوقت لأنفسهم؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة بالينا نيل (palena neale) والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في أهمية الرعاية الذاتية للقادة.

يرجع الأمر عادةً إلى التشبث بمفاهيم خاطئة حول طبيعة كل من القيادة الجيدة والرعاية الذاتية، وآلية تطبيقهما، ولكن من حسن الحظ، توصلتُ إلى أنَّ أكثر الناس ارتياباً في إمكانهم التغلُّب على تلك المفاهيم الخاطئة وتعلُّم الاستفادة من الرعاية الذاتية من خلال التأمُّل المدروس، وفيما يلي، أستعرض الأعذار الثلاثة الأكثر شيوعاً التي يبرر بها العملاء امتناعهم عن ممارسة الرعاية الذاتية، وأقترح بعض الحلول لمساعدتهم على التغلُّب على ذلك:

1. إظهار أهمية الرعاية الذاتية:

يجد بعض العملاء الذين يطلبون مساعدتي، أنَّ مفهوم رعاية الذات برمته هو تشويه لصورة القائد الجاد في أذهانهم؛ إذ أجدهم يتململون لدى طرحي فكرة ممارستهم للتأمل أو اليقظة الذهنية أو غناء الترانيم أو إضاءة الشموع أو التنزه في الطبيعة أو أي نشاطٍ مريحٍ آخر؛ حيث يستخف بعضهم بفكرة تخصيص وقت للعناية بأنفسهم بوصفه شكلاً من أشكال الترف، في حين يستمتع آخرون لدى قيامهم بذلك، ولكنَّهم يشعرون بكونه رفاهية ليس في مقدورهم الحصول عليها.

إذاً كيف باستطاعتنا التغلُّب على هذه المعتقدات المُقيِّدة؟ بداية، أسعى مع عملائي إلى إعادة صياغة مفهوم رعاية الذات وتصويره على أنَّه استثمار في الذات من شأنه رفع إنتاجيتهم الإجمالية وزيادة فاعليتهم كقادة؛ حيث غالباً ما يكون المنهج المُدعَّم بالبيانات هو الأكثر إقناعاً، وتؤكد الأبحاث أنَّ اتباع نظام غذائي وممارسة التمرينات الرياضية والنوم والاستقرار العاطفي من شأنه تعزيز عافيتك وصحتك.

وعلى وجه التحديد فإنَّ الالتزام بنظام غذائي من شأنه تحسين الحالة المزاجية ورفع مستويات الطاقة والتخفيف من مستويات الاكتئاب، كما تؤدي ممارسة تمرينات الآيروبيك إلى تنشيط الدورة الدموية، وتعزز القدرة على التعلُّم والتذكُّر، بالإضافة إلى أنَّ أخذ قسط كاف من النوم يؤدي إلى رفع مستويات التركيز، وتحسين الوظيفة الإدراكية، بما في ذلك الإبداع والابتكار، وتعزيز القدرة على التعلُّم والتعاطف.

لشد الانتباه إلى الفوائد الملموسة لرعاية الذات، عادة ما أطرح على عملائي الأسئلة التالية:

  • في حال دعوتك لاتباع نظام غذائي، والحصول على قسط كاف من النوم وممارسة التمرينات الرياضية والحفاظ على حالة من الاستقرار العاطفي، بدلاً من التركيز على رعاية الذات، كيف سيغير ذلك من شعورك؟
  • ما الذي سوف تتوقف أو تستمر أو تبدأ بالقيام به على الفور لتحسين صحتك النفسية والجسدية؟
إقرأ أيضاً: 4 نصائح للحفاظ على صحتك النفسيّة والجسديّة

2. وضع خطة تنظِّم ممارسة الرعاية الذاتية:

غالباً عندما أتطرَّق إلى موضوع الرعاية الذاتية أو حتى مجرد أخذ استراحة، يرد عملائي على ذلك على النحو التالي: "أتمزح معي؟ قد استهلكت طاقتي تماماً في رعاية أسرتي وفريق عملي، وفي محاولة تنظيم التعليم المنزلي، وتقديم الدعم العاطفي لأصدقائي وزملائي وعائلتي، ليس لدي وقت لذلك".

من المؤسف أنَّ هذا الشعور الدائم بالضغط المستمر شائع جداً بين قادة اليوم الذين لا تنتهي مشاغلهم، ولسوء الحظ، يؤدي إحساسنا بالتوتر إلى تنبيه اللوزة الدماغية، وهي منطقة من الدماغ مسؤولة عن استجابتنا السلوكية المرتبطة بالخوف والقلق، والتي تقوم بدورها بتحويل المسارات العصبية بعيداً عن قشرة الفص الجبهي المسؤولة عن التفكير المنطقي وحل المشكلات وصنع القرارات وقوة الإرادة؛ بمعنى آخر، عند الشعور بالتوتر والإرهاق على وجه التحديد، فإنَّ الحل الأفضل لمواجهة ذلك يكمن في التروي والتمهل، مما يساعدنا على  التفكير على نحو أفضل والابتكار وحل المشكلات التي تثير قلقنا.

يُعَدُّ هذا مؤكداً علميَّاً تأكيداً كاملاً؛ إذ أظهرت الدراسات أنَّ تخصيص وقت للراحة من شأنه أن يساعد على الوقاية من ملل القرار، وتجديد وتقوية الحافز وزيادة الإنتاجية والإبداع وتقوية الذاكرة وتحسين القابلية للتعلم، حتى أنَّ الفواصل الصغيرة القصيرة في إمكانها تعزيز التركيز وتحسين الإنتاجية.

عندما نفكر في حجة "ليس لدي وقت" التي يسببها التوتر، سيكون من المفيد أن نطرح الأسئلة الآتية:

  • ما هي الأولويات الأساسية في حياتك؟ وهل في إمكانك تحقيقها دون تمتُّعك بصحة وعافية جيدة؟
  • كم من الوقت في إمكانك توفيره عندما تستجيب للتحديات وأنت ممسك بزمام الأمور ولا يعتريك الإحساس بالتوتر؟
  • ما الشيء الذي في إمكانك تأجيله اليوم كي تحظى ببضع دقائق إضافية؟ لاسيما أنَّك غالباً تقضي وقتاً أكثر مما ترغب فيه في تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، فكيف في إمكانك إذاً استثمار هذا الوقت لتعزيز عافيتك وتحسين أدائك؟

3. دحض فكرة عدم حاجة القادة الأقوياء إلى رعايةٍ ذاتية:

يأتي بعض عملائي إلى التدريب معتقدين أنَّ كونهم قادة يمنعهم من إظهار أية هشاشة أو وهن، ومؤخراً، عملت مع عميلة شرحت لي بأنَّها تتوقَّع من ذاتها ومن أي قائد يحترم نفسه بأن يكون لديه كافة الإجابات، وتساءلت: "وإلا لماذا قد يتبعني أحد؟"، يتفق الاعتقاد أنَّ ممارسة الرعاية الذاتية هي مؤشر على الضعف مع فكرة أنَّ إظهار الضعف يترافق مع كونك قائداً سيئاً، الأمر الذي من شأنه أن يُولِّد رفضاً حقيقياً لتجربة ممارسات الرعاية الذاتية.

وبغية التغلُّب على المعتقدات المقيدة التي تتشبث بها عميلتي، كان لا بد من اكتشاف تصوراتها المسبقة لما يعنيه أن تكون قائداً، والتعمق في القوة التي يمنحنا إيَّاها إظهار الضعف والفرص التي يمكن أن نجدها عند اعتمادنا على الآخرين.

عندما بدأت عميلتي الاعتراف بأهمية التفويض وطلب المساعدة، كانت قادرة على الاقتناع بأنَّ الرعاية الذاتية هي في الواقع المفتاح لكونك قائداً على درجة عالية من الفاعلية.

إذا كنت تجد صعوبةً في تغيير مفاهيمك حول ماهية القيادة الجيدة، حاول أن تطرح على نفسك الأسئلة التالية:

  • إذا كان أكثر القادة قوة ممن تعرفهم يعاني من التوتر، ماذا ستنصحه أن يفعل؟
  • كيف استفدت من تخصيص وقت لنفسك أو لفريقك في الماضي؟
  • إذا لم تكن بحاجة إلى المساعدة، لكنَّك فقط بحاجة إلى استجماع قوَّتك من جديد، ماذا ستفعل ذلك؟

شاهد بالفيديو: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

استراتيجيات ممارسة الرعاية الذاتية للقادة:

بمجرد أن تبدأ بالتغلُّب على رفضك الداخلي لفكرة الرعاية الذاتية، سيكون الوقت قد حان لجعلها جزءاً من روتينك اليومي.

إليك بعض الاستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها بالنسبة إلى عملائي:

1. البدء بتقبُّل فكرة الرعاية الذاتية:

الاعتراف برفضك للرعاية الذاتية هو بمنزلة الخطوة الأولى للتغلب عليه، على سبيل المثال، أحد القادة الذين عملت معهم، كان يربط الرعاية الذاتية بالجلوس للتأمُّل ورائحة البخور التي تملأ المكان، وهو ما يجده أمراً منفراً تماماً.

حينما تجاوزنا ذلك المفهوم الخاطئ، تمكَّنا من الوصول إلى فهم أفضل لفوائد الرعاية الذاتية؛ حيث دعوته إلى كتابة اليوميات في الصباح، والقيام بنزهة قصيرة بعد الظهر في أحضان الطبيعة، والاستماع لموسيقى الجاز بعيداً عن ضجيج الأطفال في المساء.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات للرعاية الذاتية للأشخاص المشغولين

2. جعل الرعاية الذاتية أمراً خاصاً بك:

عليك استيعاب أنَّ الرعاية الذاتية ممارسة فردية تختلف باختلاف الفرد الذي يمارسها؛ لذا من الممكن أن تأخذ أشكال عدة مختلفة، فقد تكون شخصاً لا يستمتع بالمنتجعات الصحية، لكنَّك ربما تكون من الأشخاص الذين تمنحهم الطبيعة جرعةً من الطاقة، كما أنَّ الحديث على الهاتف قد يكون مرهقاً، في حين أنَّ رسم لوحة أو حل لغز الكلمات المتقاطعة من شأنه أن ينشطك، أو على العكس تماماً.

شاهد بالفيديو: 8 استراتيجيات لتحسين مزاجك ورفع مستوى طاقتك

3. جعل ممارسات الرعاية الذاتية مختصرة:

في إمكان التغييرات الصغيرة إحداث فروق كبيرة؛ حيث يضبط أحد عملائي يومياً المنبه لمدة خمس دقائق من أجل إجراء جلسة تأمُّل لطيفة تعزِّز مشاعر الحب، وهذا ساعده على تصفية ذهنه على نحو مذهل؛ لذلك عليك تجربة ممارسة تأمُّل اليقظة الذهنية عبر الجلسات التي تُقدَّم عبر الإنترنت بغية تعزيز استقرارك العاطفي، وكتابة يومياتك لتحسين وعيك الذاتي، وممارسة الكتابة الإبداعية لتعزيز قدرتك على الابتكار وعافيتك، كما أنَّ التواصل مع شخص لم تتحدث معه منذ فترة طويلة من شأنه تقوية الروابط الاجتماعية، بالإضافة إلى التدرب على التعبير عن الامتنان أو فعل أمر لطيف لتعزيز شعورك بالإيجابية، أو تنشيط دورتك الدموية بالتنزه في الحي الذي تقطنه.

4. تخصيص وقت لممارسة نشاطات الرعاية الذاتية في جدول أعمالك:

بمجرد أن تنجح في وضع خطة، أدْرِجها ضمن التقويم الخاص بك لجعلها رسمية، وإذا لم تكن واثقاً تماماً حيال ما ستفعله، يمكنك البدء بتحديد فترتين زمنيتين مدة كل منهما عشر دقائق يومياً، من خلال ضبط منبهك، ومن ثم اختيار نشاط جديد لتجربته كشكل من أشكال الرعاية الذاتية خلال كل فترة منهما.

5. اكتساب الخبرة:

لن تتمكَّن من ممارسة الرعاية الذاتية على نحو مثالي من المحاولة الأولى، وبمجرد أن تبدأ، فكر فيما هو مفيد لك، وما الذي قد ترغب في تغييره أو إضافته إلى روتينك اليومي، ففي إمكانك أيضاً أن تستمد الإلهام من أقرانك وزملائك في العمل، وليس عليه ابتكار ما هو جديد، إذا كان ما يفعلونه مغرياً بالنسبة إليك، تبنَّاه إذاً واجعله خاصاً بك.

6. بمجرد أن تنجح في القيام بذلك شارك تجربتك:

بصفتك قائداً، فأنت تحدد ما يقوم به فريق عملك؛ لذا شارك تجربتك معهم، ووضح لهم بالكلمات والأفعال أنَّك على دراية تامة بأهمية الرعاية الذاتية، وإذا كنت منفتحاً حيال استثماراتك في رعايتك لذاتك، فإنَّ فريق عملك والمنظمة بأكملها ستحذو حذوك.

تبدأ الرعاية الذاتية منك، وتأتي بأشكال وأنماط عدة، ولكنَّ ممارستها بوعي وتأنٍّ من شأنها أن توفر لك الأدوات التي تحتاج إليها لتكون قائداً أفضل وشخصاً أكثر سعادة وصحة؛ لذا في حال أردت أن تظهر بأفضل مظهر ممكن، وأن تلهم من هم حولك لفعل الأمر عينه، فمن المفيد تخصيص بعض الوقت للاستثمار في عافيتك.

المصدر




مقالات مرتبطة