تمارض الأطفال: الأسباب والحلول

يُخفي الطفل وراء براءته الكثير من الدهاء والذكاء، وقد يستخدمهما من أجل الحصول على ما يريد أو رفض ما لا يرغب فيه ويكرهه، وأحياناً لمجرَّد لفت الانتباه إليه، وخاصة أنَّ لفت الانتباه هو من صفات الطفل السَّوي في السنوات الأولى من عمره؛ إذ يرغب في أن يكون محطَّ انتباه واهتمام الجميع، وقد يلجأ الطفل إلى التمارض في سبيل ذلك.



كيف يمكن إذاً أن نميِز بين الطفل المريض والطفل المُتمارض؟ وهل سيتكرر تمارض أطفالنا؟ وما هي الحيَل التي يستخدمها الأطفال للتمارض؟ وما هي الأسباب التي تدفعهم إلى هذا السلوك؟ والكثير من الأسئلة الأخرى سنجيب عنها في هذا المقال.

ما هو تمارُض الأطفال؟

تمارض الأطفال هو من الحيَل الفطرية التي يتَّبعها الطفل دون أن يتعلَّمها، وغالباً ما يكون الهدف من وراء سلوك الطفل هذا الخبرات المثيرة للضغط العصبي كالذهاب إلى المدرسة، أو الامتحانات، أو مرور والديه بتجربة انفصال، وفي نفس السياق يمكن أن تكون العطلات والإجازات الطويلة دوافعَ أيضاً للتمارُض كما أوضحَ بعض أطباء الأطفال.

عرَّفت الدكتورة عصمت الجميعي الأستاذة في جامعة الملك سعود كليَّة التمريض النفسي تمارُض الأطفال: "إنَّه ادِّعاء المرض مثل وجع الرأس وغيرها من الحيل التي يتَّبعها الطفل ليتمكَّن من تنفيذ أمر ما أو للحصول على اهتمام والديه"؛ تتجلَّى إذاً هذه الظاهرة بشكل كبير بهدف استعطاف كلٍّ من الأب والأم للسماح له بالبقاء في المنزل وعدم الذهاب إلى المدرسة.

قد تبدو المشكلة مرتبطة بالسنة الدراسية الأولى للطفل، ولكنَّها من الممكن أن تتفاقم وتتعاظم في المراحل العمرية الأخرى؛ إذ على الأم أن تكون يقظة جداً وحذرة في تعامُلها مع طفلها في مثل هذه الحالات؛ وذلك لأنَّه من الممكن أن يكون الطفل صادقاً، وهنا وجب الحديث عن ضرورة التمييز بين المريض والمُتمارض.

على الأهل الانتباه والبحث عن أعراض المرض على جسم الطفل؛ إذ توجد الكثير من الأعراض التي تُثير القلق وتدل على حقيقة ادِّعاء الطفل وتنفي عنه صفة التمارض، ومن هذه الأعراض الغثيان، والإسهال، واصفرار الوجه، وارتفاع الحرارة.

في حالة التمارض فإنَّ الطفل يبني أعذاره حسب الأوجاع السابقة التي تعرَّض إليها وجرَّبها بنفسه، فتظهر على شكل رغبة في التقيؤ، ودخول متكرر إلى الحمام، وقلَّة في الحماسة والنشاط، وغيرها من الأساليب التي غالباً لا يكون مصدرها ألماً حقيقياً.

من الجدير بالاهتمام أنَّ الطفل عندما يتمارض فإنَّه يحاول استثارة عطف وحنان والديه، وفي حال لم يتلقَّ الاهتمام والحب الذي يتوقعه سيشعر بأنَّه غير محبوب وسيكبر لديه شعور كبير بالنقص؛ لذلك على الوالدين أن يكونا على قدرٍ كبير من الوعي للتعامل مع حالة طفلهم، والحل ليس أبداً الانصياع إلى رغبة الطفل أو مثلاً مواجهته بحقيقة معرفتهم أنَّه يتمارض؛ وإنَّما الحل يكون بإظهار الحب والحنان والتعاطف الحقيقي مع التأكيد له أنَّ الحالة التي يمر بها حالة مؤقتة وفترة توُّعك ستنتهي قريباً؛ وبهذه الطريقة يأخذ الطفل حاجته من الحب الذي يبحث عنه وفي نفس الوقت يكون جاهزاً للعودة وممارسة حياته بشكل طبيعي.

إقرأ أيضاً: 12 ممارسة لتربية أطفال أصحاء تساعدهم على النجاح في مرحلة البلوغ

أسباب تمارُض الأطفال:

تقف الكثير من الأسباب وراء تمارُض الأطفال، وبالطبع تختلف هذه الأسباب باختلاف الفئة العمرية، فمثلاً في مرحلة رياض الأطفال والمرحلة الابتدائية غالباً ما تنحصر الأسباب باختلاق حجج لتجنُّب الذهاب إلى المدرسة، ويمكن تلخيصها بما يأتي:

  1. الارتباط القوي بالأم والخوف من الانفصال عنها، أو تعلُّق الطفل بألعابه وغرفته ومشاهدته إخوته الذين بقوا في المنزل ورغبته في البقاء واللعب معهم.
  2. الخوف من المعلِّم أو من المدرسة بحد ذاتها أو من الركوب في الحافلة المدرسية.
  3. عدم أداء أحد الواجبات المدرسية والخوف من عقاب أو توبيخ المعلِّم أو الخوف من الخجل أمام زملائه لتقصيره.
  4. الرغبة في التهرُّب من حصَّة درسية لا يحبها ولا يهتم بها.
  5. إحساس الطفل بالملل من المدرسة أو الروضة.
  6. الرغبة في جذب انتباه والديه، ويظهر هذا السبب خاصةً عند الطفل الذي يعاني من إهمال والديه له وعدم اهتمامهم به، والطفل الذي يفتقد إلى الحب والحنان.
  7. معاناة الطفل من المشكلات داخل مدرسته أو صفِّه، كالتنمُّر بسبب تقصيره مثلاً أو شكله أو قلَّة نشاطه؛ مما يجعل المدرسة مكاناً غير محبَّب ولا يرغب في الذهاب إليه كل يوم.
  8. إصابة الطفل بأحد الأمراض النفسية كأن يعاني من التوحُّد أو طيف التوحُّد، أو أن تكون لديه بعض المشكلات النفسية التي تجعله يرغب في الانعزال والانطواء والابتعاد عن المجتمع، وهنا يجب أن تكون الأم على قدر عالٍ من الانتباه للبحث عن الحلول في مرحلة مبكرة.
  9. الهروب من حل الواجبات المدرسية قد يكون أيضاً أحد الأسباب التي تدفع الطفل إلى التمارض، فتراه ماهراً في إضاعة الوقت وهدره دون فائدة تُذكر، ومن السلوكات التي يقوم بها بري القلم كل خمس دقائق، وطلب الذهاب إلى الحمَّام كل ربع ساعة، ومحي ما يكتبه ليعيد كتابته بغرض تضييع الوقت، وقد يقوم بنفس الأفعال في المدرسة، وهذا الطفل لا يحتاج طبعاً إلى مساعدة في الدراسة لأنَّه غالباً ما يكون طفلاً ذكياً؛ بل هو يحتاج إلى علاج نفسي لأنَّ عدم الاهتمام به سيولِّد لديه عدم ثقة بالنفس؛ مما يسبب انعزاله عن الآخرين.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

علاج تمارض الأطفال:

اقترح المعالجون النفسيون العديد من طرائق العلاج لظاهرة تمارض الأطفال، وفيما يأتي سنعدِّد بعضاً من هذه الطرائق:

  1. في البداية وقبل البدء بأي علاج لا بدَّ أولاً من التأكُّد أنَّ الطفل لا يعاني من أي مرض عضوي يسبب له هذه الأعراض التي يدَّعيها.
  2. فن إيقاظ الطفل: يعني هذا عدم إيقاظ الطفل على الموعد تماماً؛ بل إيقاظه على الأقل قبل ربع ساعة، وهذا كي تُتاح الفرصة للأم لتدليل طفلها قليلاً، والسماح له بسرد أحلامه التي رآها في منامه، ومتابعته وهو يرتدي ملابسه حتى تتنمَّى لديه روح الاستقلالية. من الممكن أن تقدِّم الأم بعض الهدايا لتشجيع الطفل على الاستيقاظ مبكراً، والحرص طبعاً على نظام حياة صحي له يتضمَّن النوم المبكِّر حتى لا يكون الاستيقاظ عبئاً عليه ويحتاج إلى اختلاق الحجج ومنها التمارض لتجنُّبه.
  3. المناقشة والحوار مع الأطفال من أهم الطرائق التي تُحدِث نفعاً، والتي يمكن استخدامها لعلاج ظاهرة التمارض عندهم، فعندما نجعل الأطفال يتحدثون بطلاقة دون خوف نصل معهم إلى الحلول المناسبة، ويمكن إقناعهم بعد ذلك بالذهاب إلى المدرسة، فمن الهام أن تخبر طفلك أنَّ ذهابه إلى المدرسة أمر طبيعي وأنَّ جميع الأولاد يقومون به، وأنَّ الوقت الذي سيقضيه في المدرسة برفقة أصدقائه هو وقت مُمتع ولطيف. في هذه الحالة، من الهام جداً العودة إلى المدرسة ومناقشة المشكلة مع المعلمة للبحث عن جذورها التي قد تكون بدأت من هناك، وفي حال كانت المشكلة سوء فهم مع المعلِّمة أو أحد الأصدقاء لا بدَّ من حلِّها لترجع المعلِّمة وتكسب ثقة الطفل، وبهذه الطريقة يزول السبب الذي يدفعه إلى التمارض.
  4. عدم إظهار الخوف أمام الطفل عند المرض أو التمارض، وعدم زيادة الاهتمام به أيضاً؛ إذ علينا أن نُشعِر الطفل بأنَّ المرض أمر طبيعي وكل شخص يمرض ويُشفى، وأنَّ هذه الحالة مُؤقَّتة وبعد أيام سيعود إلى وضعه الطبيعي والقيام بكافة نشاطاته، وهذه الطريقة في الحقيقة تساهم في تقوية عزيمة الطفل حتى يتمكَّن من التغلُّب على مرضه إذا كان صادقاً، وفي نفس الوقت تُشعِره إذا كان متمارضاً بأنَّ هذه الحيلة غير ناجحة على الأقل بالطريقة التي يريدها.
  5. مكافأة الطفل عند الذهاب إلى المدرسة، وفي حال لم يُجدِ هذا الأسلوب نفعاً نلجأ إلى الأسلوب المناقض له؛ أي حرمان الطفل من فعل أشياء يحبُّها كحرمانه من المصروف أو من رحلة، وبالتأكيد يجب الابتعاد عن أسلوب القسوة الشديدة.
  6. يجب على الوالدين العمل على إشباع مشاعر أطفالهم وحاجاتهم النفسية وتقديم الحنان والحب والدعم لهم، ومن خلال ذلك يشعر الطفل بالأمان النفسي الذي يمكِّنه من التعبير عن نفسه وعن رغباته دون خوف ودون اللجوء إلى حيَلٍ وخدع.
  7. الحرص على أخذ الطفل من المدرسة في الوقت المُناسب وعدم التأخُّر عنه من شأنه أن يُشعِر الطفل بعدم الأمان، وفي المقابل يجب أخذ الطفل إلى المدرسة قبل الموعد المُحدَّد.
  8. التواصُل مع المرشد المدرسي في المدرسة هام جداً؛ وذلك لحلِّ المشكلة قبل أن تتفاقم وتؤثِّر في التحصيل الدراسي للطفل.
  9. كما ذكرنا أكثر من مرة السبب الرئيس لتمارُض الأطفال هو رغبتهم في عدم الذهاب إلى المدرسة؛ لهذا لا يجب الخضوع إلى رغبة الطفل؛ بل يجب تجاهُل هذه الرغبة وعدم السماح له بالتغيُّب حتى لا تصبح عنده عادة يومية يلجأ إليها بشكل متكرر، وبالطبع لا بدَّ من مناقشة الطفل ومحاورته بشأن ادِّعائه المرض. يجب الانتباه إلى أنَّ الخوف الذي قد يكون سبباً وراء تمارُض الطفل، قد يتحوَّل مع الوقت إلى مرض جسمي يُسمَّى السيكوسوماتية، وهو أحد الأمراض النفسية الجسميَّة التي يشعر الطفل بسببها بآلام المعدة أو التقيؤ أو الرغبة في الدخول إلى الحمام وغيرها من الأعراض، والحل طبعاً هو طمأنة الطفل وتقديم الحب غير المشروط له.
إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعد الطفل على تنظيم وقته بين الدراسة واللعب

في الختام:

إنَّ إشباع حاجات الطفل النفسية وإشعاره بالحب والحنان والتقدير، يُسهم في جعله يحسُّ بالأمان النفسي، ويمكِّنه أيضاً من التعبير عن رغباته واحتياجاته بكل ثقة ودون خوف، وبهذا يبتعد كل البعد عن الكذب واللف والدوران وعن التمارض لتحقيق ما يريد، وبناءً على هذا يجب على الوالدين متابعة الطفل في المنزل والحي والمدرسة والانتباه إلى أدق التفاصيل التي تتعلَّق به ليكونا حاضرين للتدخُّل دائماً.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة