تعويم العملات: أسبابه وميزاته ومخاطره

كثيراً ما نسمع عن مصطلح "تعويم العملة" في وسائل الإعلام ونشرات الأخبار الاقتصادية، لكن ما يزال لدى الكثير منا بعض الغموض عما يُقصَد تماماً بتعويم العملة، وما هي أسبابه، وما هي مميزاته ومخاطره؛ لذا سنتناول في هذا المقال هذا المصطلح بشيء من التفصيل.



أولاً: ما هو تعويم العملة أو سعر الصرف العائم؟

  • سنُعرِّف أولاً سعر صرف العملة: هو عدد وحدات العملة المحلية، اللازمة لشراء وحدة واحدة من العملة الأجنبية.
  • أما تعويم العملة: هو تحرير سعر صرف هذه العملة؛ وذلك بجعله يتحدد تلقائياً حسب آلية العرض والطلب على العملات في السوق، دون أي تدخُّل من الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده.
  • في حال تعويم العملة فإنَّ سعر صرف العملة يتغير باستمرار، فقد يتغير عدَّة مرات خلال اليوم الواحد؛ وذلك حسب كل تغير في العرض والطلب على العملات الأجنبية.

أشكال التعويم هي:

1- التعويم الخالص أو التعويم الحر:

يكون سعر الصرف في هذا النوع من التعويم حراً تماماً؛ إذ يُترَك ليُحدَّد تبعاً لقوى العرض والطلب في السوق، ولا يوجد أي تدخُّل من الدولة سواء كان مباشراً أم غير مباشر، وغالباً ما يُطبَّق نظام التعويم الحر من قِبل الدول المتقدمة التي تتمتع بنظام رأسمالي صناعي، مثل الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني، والفرنك السويسري.

2- التعويم المُوجَّه أو التعويم المُدار:

يُترَك سعر الصرف في هذا التعويم أيضاً لقوى العرض والطلب، لكن مع وجود تدخل للدولة؛ أي المصرف المركزي عند الحاجة إلى توجيه سعر الصرف في اتجاه محدد، من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية، ويُتَّبع التعويم المُوجَّه من قِبل بعض البلدان الرأسمالية بالإضافة إلى بعض البلدان النامية.

إقرأ أيضاً: الاقتصاد الموجه: مفهومه ومزاياه وعيوبه

ثانياً: نشأة نظام تعويم العملة

كان النظام النقدي الدولي في القرن التاسع عشر وحتى فترة ما بين الحربين، محكوماً بنظام قاعدة الذهب، التي كانت تُغطى فيه النقود المتداولة باحتياطي من الذهب تغطية كاملة.

لكن بعد الأزمة الاقتصادية عام 1929، وبعد الحرب العالمية الثانية، أُلغيَت قاعدة الذهب والعمل على إنشاء نظام نقدي عالمي، وعُقِد المؤتمر النقدي والمالي الدولي للأمم المتحدة عام 1944 في "بريتون وودز"، الذي اقترح قاعدة جديدة للصرف بالذهب لكن مع عملة أجنبية أساسية واحدة هي الدولار، وضمان قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، بما يعادل 35 دولار لأوقية الذهب؛ وبذلك احتفظت الولايات المتحدة باحتياطها بالذهب، في حين احتفظت بقية الدول باحتياطها بالدولار؛ أي ثبَّتت أسعار صرفها مقابل الدولار الأمريكي.

انهار نظام "بريتون وودز" عام 1971، بعد إعلان الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" بأنَّ الولايات المتحدة لم تعد تستطيع الاستمرار بتحويل كل الدولارات المتداولة في العالم إلى ذهب، وبدأت الثقة بالدولار تنهار، وظهرت صعوبة بالغة أمام الدول التي ثبتت عملتها مقابل الدولار، في الحفاظ على سعر صرف ثابت.

وفي عام 1973 بدأ التحول إلى نظام الصرف العائم أو تعويم العملة، الذي ما يزال قائماً إلى يومنا هذا.

شاهد بالفيديو: أكبر 5 تحديات في الاقتصاد العالمي الجديد وطرق مواجهتها

ثالثاً: متى تلجأ الدول إلى تعويم عملتها؟

تلجأ الدول إلى تعويم عملتها:

  1. عندما تعاني من أوضاع اقتصادية غير مستقرة.
  2. عندما تنشط فيها السوق السوداء، وتكثر حيازة العملات الأجنبية والمضاربات.
  3. عند خروج سعر الصرف عن يد البنك المركزي.
  4. عند استمرار العجز في ميزان مدفوعاتها، وزيادة الواردات السلعية عن الصادرات.
  5. عند استمرار قلة موارد الدولة من النقد الأجنبي، ووجوده خارج البنك المركزي والمؤسسات المالية.
  6. بهدف المحافظة على احتياطي النقد الأجنبي، وتخفيض الواردات.

رابعاً: ميزات تعويم العملة

يُحقِّق تعويم العملة الكثير من المزايا لاقتصاد الدول، مثل:

1- استقرار ميزان المدفوعات:

يُساعد تعويم العملة على تحقيق استقرار ميزان المدفوعات؛ فعندما تواجه الدولة التي تتبع نهج التعويم عجزاً في ميزان مدفوعاتها، ستشهد قيمة عملتها انخفاضاً؛ وهذا يجعل صادراتها أرخص، فيزيد الطلب عليها؛ وهذا ما يؤدي إلى ارتفاع سعر صرف عملتها؛ وبدوره يحقق التوازن في ميزان مدفوعاتها ويسد العجز.

2- تجنب التضخم:

يساعد تعويم العملة على تجنب التضخم؛ إذ تستطيع الدولة التي عوَّمت عملتها استغلال الوقت الذي ينخفض فيه سعر صرف عملة الدول - التي تستورد منها خاصة السلع الحيوية - بالنسبة إلى سعر صرف عملتها، والاستيراد بتكلفة أقل؛ وهذا يُجنِّبها التضخم، بخلاف الدولة التي تُثبِّت سعر صرف عملتها؛ فقد لا تتمكن من استيراد السلع الحيوية والأساسية لسكانها؛ بسبب ارتفاع تكلفتها نتيجة تثبيت سعر صرف عملتها بالنسبة إلى عملات الدول التي تستورد منها، وتكون النتيجة زيادة الطلب على هذه السلع وارتفاع أسعارها، وحدوث التضخم.

3- تحرير السياسة الداخلية:

تتمتَّع الدول التي تُعوم عملتها بتحرير سياستها الداخلية؛ فمثلاً تكون قادرة على مواجهة العجز في ميزان مدفوعاتها، من خلال تغيير سعر صرف عملتها؛ وهذا يجعل سعر صادراتها أرخص، فيزداد الطلب عليها، فتُعالج العجز في ميزان مدفوعاتها، على عكس الدول التي تُثبت سعر صرفها، فتضطر لكي تواجه عجز ميزان مدفوعاتها إلى اتباع سياسات انكماشية تقشفية، وغالباً ما تكون ذات نتائج سلبية على الاقتصاد، والبطالة إحدى أبرز هذه النتائج.

4- حرية التبادل الخارجي:

يُصبح باستطاعة البنوك في نظام تعويم العملة، تداول العملات بكل حرية ودون أية قيود، على عكس نظام سعر الصرف الثابت الذي يستلزم مراقبة وتدخل مستمر من قِبل الدولة وتقييد للبنوك.

5- الاحتفاظ بالاحتياطيات غير مطلوب:

الدولة التي تتبع نظام تعويم العملة غير مُلزَمة بالاحتفاظ باحتياطي من العملات الأجنبية في بنكها المركزي؛ بل تستخدم هذا الاحتياطي في الاستيراد وتعزيز نموها الاقتصادي، على عكس الدول التي تتبع نظام سعر صرف ثابت؛ إذ تكون مُلزَمة بالاحتفاظ باحتياطي معين من العملات الأجنبية - كالدولار مثلاً - في بنكها المركزي؛ وذلك لضرورة الحفاظ على قيمة عملتها.

6- المرونة:

يُمنَح تعويم العملة للدولة المرونة الكافية لمواجهة الأزمات الاقتصادية والتغيرات المفاجئة؛ وهذا ما أنقذ الكثير من الدول العالمية في أزمة النفط الأولى عام 1973، على عكس نظام الصرف الثابت الذي لم يكن قادراً على التعامل مع أزمة كهذه.

7- الإدارة:

يُوفِّر تعويم العملة للدولة القدرة على إدارة سعر صرف عملتها في الخارج، حسب مصلحة اقتصادها.

8- تحسين إنتاجية السوق:

الدولة التي تتبع نظام تعويم العملة تُتداوَل عملتها بناءً على تغيُّر سعر صرفها؛ وهذا يزيد تداول المحافظ بين هذه الدولة وغيرها من الدول، ومن ثمَّ يزداد الطلب على صادراتها؛ وذلك يُحسِّن إنتاجية السوق المحلي ليُلبي الطلب على المنتجات والبضائع.

9- القضاء على السوق السوداء:

من أهم ميزات تعويم العملة هي القضاء على السوق السوداء، وعلى ظاهرة "الدولرة" التي تتمثل في إقبال الأفراد على شراء الدولار وتخزينه للمضاربة؛ وهذا يؤثر سلباً في قيمة العملة المحلية.

إقرأ أيضاً: ماهو الاقتصاد النقدي؟

خامساً: مخاطر تعويم العملة

ينطوي تعويم العملة على بعض المخاطر أيضاً، مثل:

1- تقلبات سعر الصرف:

من مخاطر نظام تعويم العملة أنَّه يُعرِّض الدولة إلى تقلبات مفاجئة في سعر صرف عملتها؛ إذ تتحدد قيمة العملة المعومة حسب بورصة العملات العالمية، التي تتسم بالتقلبات السريعة والمفاجئة.

2- التأثير في النمو الاقتصادي:

قد تفقد الدولة التي تُعوِّم عملتها السيطرة على سعر صرف عملتها أحياناً؛ كأن يرتفع سعر صرف عملتها مقابل انخفاض سعر صرف عملة حيوية أخرى؛ وهذا يؤثر سلباً في النمو الاقتصادي لهذه الدولة.

3- زيادة مشكلات الدول غير المستقرة:

قد يزيد تعويم العملة من مشكلات الدولة التي تعاني من عدم استقرار اقتصادي، ومثال عن ذلك: الدولة التي تعاني من مشكلة البطالة، قد يؤدي تعويم عملتها إلى زيادة وتفاقم مشكلة البطالة.

4- المضاربة:

يعتمد تعويم العملة على السوق العالمي للعملات في تحديد قيمة العملات المتداولة، وتحدث في هذه البورصة العالمية عمليات مضاربة يومية؛ وهذا قد يؤثر سلباً في الدولة التي تُعوِّم عملتها ويُعرِّض سعر صرف عملتها للكثير من التقلبات.

5- الموازنة العامة:

قد يؤثر تعويم العملة في قيمة العملة المحلية ارتفاعاً أو انخفاضاً؛ وهذا يؤدي إلى عدم الاستقرار في الأسعار، ومن ثمَّ التأثير في التجارة الخارجية والنمو الاقتصادي، ومن ثمَّ الموازنة العامة للدولة.

6- التأثير في الصادرات:

قد يؤثر تعويم العملة سلباً في صادرات الدولة؛ وذلك عند التعادل بين سعر العملة المحلية والعملات الأجنبية، فحينها لن تُحقِّق الدولة المُصدِّرة أية أرباح تُذكر، فالحالة المُثلى للتصدير هي أن تكون العملة المحلية أرخص من بقية العملات كحالة الصين.

7- قد يؤدي التعويم إلى هروب رؤوس الأموال المحلية إلى الخارج:

وذلك بسبب المخاطر الناتجة عن التقلبات الشديدة في سعر صرف العملة.

إقرأ أيضاً: تاريخ النقود من المقايضة إلى النقود الرقمية

سادساً: تجارب دولية لتعويم العملة

1- الولايات المتحدة الأمريكية:

تُعَدُّ تجربة تعويم العملة في أمريكا خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي، من أهم وأنجح تجارب تعويم العملة في العالم؛ إذ أدى تعويم الدولار إلى ارتفاع قيمته؛ وهذا شجع على جذب رؤوس الأموال، وسد العجز في ميزان مدفوعاتها.

2- البرازيل:

يُعَدُّ الاقتصاد البرازيلي اليوم أكبر اقتصاديات أمريكا اللاتينية؛ إذ اتُّخِذ قرار تعويم الريال البرازيلي عام 1999، وفقد حينها أكثر من 87% من قيمته؛ وهذا أدى إلى تضخم مُرعب في الأسعار، ثم استعاد الريال البرازيلي استقراره عام 2003، وحينها بدأ يؤتي نظام التعويم ثماره، في القضاء على التضخم، وارتفاع معدلات النمو.

3- الدول العربية:

بالنسبة إلى الدول العربية التي عوَّمت عملتها تعويماً موجهاً، ويمكن القول إنَّ اقتصاد بعض منها بدأ يشهد تحسناً، وهي:

مصر: تبنَّت مصر نظام التعويم المدار في عام 2003، بالإضافة إلى: لبنان، والمغرب، والعراق، والسودان.

شاهد بالفيديو: أنواع النقود وتاريخها

في الختام: تعويم العملة خيار يحتاج إلى دراسة وتحضير

لا يمكن الجزم بأنَّ تعويم العملة هو الخيار الأفضل دائماً، فتوجد ظروف معينة تناسب تطبيق هذا النظام، ولا يمكن تطبيقه تطبيقاً اعتباطياً دون دراسة وتهيئة الظروف المناسبة له؛ إذ طرح صندوق النقد الدولي أجندة إصلاح للدول التي تعاني من أوضاع اقتصادية غير مستقرة، تتضمن حزمة من الإجراءات والوصايا من بينها تعويم العملة، وتحرير التجارة الخارجية، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتحرير سعر الفائدة، وخصخصة القطاع العام.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة