أولاً: فهم إدارة المحافظ الاستثمارية
على الرَّغم أنَّه من الشَّائع استخدام مصطلحي "إدارة المحافظ الاستثمارية" و"التَّخطيط المالي" كمرادفات، إلا أنَّ هذه العناصر الأساسية في عالم الخدمات المالية ليست هي نفسها. إذ إنَّ إدارة المحافظ الاستثمارية هي عملية إنشاء حساب استثماري والحفاظ عليه، في حين أنَّ التخطيط المالي هو عملية تطوير الأهداف المالية ووضع خطة عمل لتحقيقها.
كما أنَّ مدير المحافظ الاستثمارية المحترف؛ مسؤولٌ عن إدارة المحافظ نيابةً عن الآخرين، بينما قد يتجه الأفراد إلى الإدارة الذاتية لاستثماراتهم وبناء محافظهم الاستثماريَّة الخاصة.
إنَّ الهدف النِّهائي لإدارة المحافظ الاستثمارية هو زيادة العائد المتوقع للاستثمارات في ظلِّ مستوىً مناسب من نسبة المخاطرة.
يمكن أن تكون إدارة المحافظ بشكل عام، إمَّا ذات طبيعة سلبية (Passive) أو نشطة (Active):
- الإدارة السَّلبية للمحفظة هي إستراتيجية طويلة الأمد تقوم على مبدأ إنشاء المحفظة الاستثمارية وضبطها، ومن ثمَّ نسيانها (Set-it-and-forget-it). وغالباً ما تشتمل على تتبع مؤشر أو مجموعة من المؤشرات. وعادةً ما يشار إلى ذلك النَّوع من الإدارة؛ بالاستثمار وفقاً لمؤشر السُّوق (Indexing or Index investing).
- تشتمل الإدارة النَّشطة للمحفظة -الإدارة الفعالة- على مديرٍ واحد أو مدراء مشاركين أو فريقاً من المدراء؛ والذين يحاولون التَّفوق على عائدات السُّوق -أي تحقيقَ أرباحٍ تفوق عائدات السوق- من خلال إدارة محافظ الصناديق الاستثمارية بشكل نشط؛ عبر اتخاذ قراراتٍ استثماريَّةٍ تستند لأبحاث تتعلق باتجاهات السُّوق والتَّحولات الاقتصادية والتَّغيرات في المشهد السياسي، والعوامل التي قد تؤثر على شركات معينة. أكثر ما نجد هذا النَّوع من الإدارة في الصَّناديق الاستثمارية ذات رأس المال المحدود (Closed-end funds)، والتي عادةً ما تُدار بشكلٍ نشط.
استناداً لما سبق، وقبل أن نبدأ في الخوض عميقاً في هذا الموضوع، ضع في حسبانك ما يلي:
- إنَّ إدارة المحافظ الاستثمارية هي عملية بناء مزيج استثماري مناسب لتحمل المخاطر، والحفاظ عليه.
- تشمل العوامل الرئيسية لأي استراتيجية متبعة في إدارة المحافظ الاستثمارية؛ تخصيص الأصول وتنويعها وقواعد إعادة موازنة الحسابات الدَّائنة والمُدَيَّنة (إعادة الموازنة - Rebalancing).
- تسعى الإدارة النشطة للمحفظة الاستثمارية إلى التغلب على مؤشر السوق (تحقيق عوائد استثمارية عالية) عبرَ تمييز الأصول المالية الأقل من ناحية القيمة السُّوقية (Undervalued assets)، والذي غالباً ما يتم الوصول إليه عبر الصفقات قصيرة الأمد، وتحيُّن اللحظة الأمثل للاستثمار في سوق التَّداول (Market timing).
- تسعى الإدارة السَّلبية للمحافظ الاستثمارية (المحافظ المالية/الاستثمارية المفهرسة: محافظ يتم ربطها بمؤشر مرجعي لأحد أسواق التَّداول) إلى الابقاء على أداء المحفظة مماثلاً لأداء مؤشر السُّوق بدلاً من التَّفوق عليه، مع إبقاء التَّكاليف والرُّسوم عند حدِّها الأدنى.
ثانياً: العناصر الرئيسية لإدارة المحافظ الاستثمارية
1. تخصيص الأصول (Asset Allocation):
إنَّ مفتاح الإدارة الفعالة للمحفظة الاستثماريَّة هو مزيج الأصول طويل الأمد. ترتكز عملية تخصيص (توزيع) الأصول على إدراك أنَّ الأنواع المختلفة من الأصول لا تعمل بشكل متناغم؛ بل إنَّ بعضها أكثر تقلباً من غيرها.
يسعى توزيع الأصول إلى الضَّبط الأمثل لنسبة المخاطرة للعوائد على المستثمرين، عبر الاستثمار في مزيج من الأصول ذات العلاقة المتدنية مع بعضها البعض. ويمكن للمستثمرين الأكثر جرأةً ترجيحَ كفَّةَ محافظهم الاستثمارية نحو استثماراتٍ أكثر تقلباً. أما بالنسبة للمستثمرين الأكثر تحفظاً، فبإمكانهم أن يُرجِّحوا كفَّةَ محافظهم الاستثمارية نحو استثمارات أكثر استقراراً.
قد تستخدم المحافظ الاستثمارية المفهرسة نظرية المحفظة الاستثمارية الحديثة (MPT) للمساعدة في بناء محفظة مثالية، في حين قد يستخدم المدراء النشطون أيَّ عدد من النَّماذج الكمية والنوعية.
2. تنويع الأصول أو الاستثمارات ضمن المحفظة الواحدة (Diversification):
الحقيقة الحتميَّة الوحيدة في الاستثمار؛ هو أنَّه من المستحيل التنبؤ بشكلٍ مستمر بالرابحين والخاسرين. وبالتالي، فإنَّ النَّهج الحكيم هو إنشاء سلة من الاستثمارات التي توفر طيفاً واسعاً من فئات الأصول المالية (Asset classes). إذ إنَّ التَّنويع كفكرة؛ هو توزيع ونشر المخاطر والعوائد ضمن فئات الأصول المختلفة.
ونظراً لأنَّه من الصَّعب معرفة أيُّ مجموعة فرعية من فئات الأصول أو من القطاعات المالية سوف تتفوق على الأخرى، فإنَّ التَّنويع يسعى إلى الحصول على عائدات جميع الأصول بمرور الوقت، لكن مع تقلُّبٍّ أقل. وعليه؛ يحدث التَّنويع السَّليم ضمن فئات مختلفة من الأسهم والسَّندات المالية (Securities)، وقطاعات الاقتصاد والمناطق الجغرافية على اختلافها أيضاً.
3. إعادة الموازنة (Rebalancing):
هي طريقة تستخدم لإعادة المحفظة إلى تخصيصها الأصلي المستهدف وفقاً لفترات سنوية. إنَّه من المهم بالنسبة للمحافظ المالية أن تُبقيَ على توليفة أصول تعكس أفضل صورة للعائدات مقابل المخاطر بالنسبة للمستثمر.
خلاف ذلك، فإنَّ التقلبات التي قد تحصل في الأسواق يمكن أن تُعرِّض المحفظة لمزيد من المخاطر، أو تقلص من فرص تحقيق العوائد. إذ يمكن مثلاً أن تتحول الحافظة التي تبدأ بتوزيع نسبته 70٪ للأسهم مقابل 30٪ للدخل الثابت إلى توزيعٍ نسبته 80/20. وذلك مردُّه إلى انتعاشٌ مبالغ في تقديره في السوق، وهو ما يُعَرّض المحفظة لمخاطر أكثر مما يمكن للمستثمر تحمله.
تتطلب إعادة الموازنة دوماً بيع السندات المالية مرتفعة السِّعر ومنخفضة الأرباح، وإعادة توزيع العائدات والأرباح وتخصيصها لأسهم وسندات منخفضة السعر، وعالية الأرباح.
يتيح تكرار هذه العملية سنوياً للمستثمرين أن يحصلوا على مكاسب وأرباح من المحافظ الاستثمارية، وزيادة فرص النمو في القطاعات ذات الإمكانات العالية مع الابقاء على محفظة تتماشى بأفضل صورة للعائدات مقابل المخاطر بالنسبة للمستثمر.
ثالثاً: الإدارة النشطة للمحفظة الاستثمارية
يستعين المستثمرون الذين يطبقون النهج النشط في إدارة المحافظ الاستثمارية بمدراء الصناديق أو الوسطاء الماليين لشراء الأسهم وبيعها، في محاولة للتفوق على عوائد متوقعة لمؤشِّرٍ ما، مثل مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" أو مؤشر "راسل 1000".
يحتوي صندوق الاستثمار المُدَار بهذه الطريقة على مدير محفظة واحد أو مجموعة مدراء مشاركين أو فريق من المدراء الذين يتخذون القرارات الاستثمارية الخاصَّة بالصندوق. ويعتمد نجاح الصناديق الاستثمارية التي تتم إدارتها وفقاً لهذه الطَّريقة على الجمع بين البحث المعمَّق والتنبؤ بالسوق، وخبرة وحنكة مدير المحفظة أو فريق الإدارة.
يولي مدراء المحافظ المالية المنخرطة في الاستثمار النشط اهتماماً شديداً بتوجهات السُّوق والتَّغيرات الحاصلة في الاقتصاد والمشهد السِّياسي، إضافةً إلى العوامل التي قد تؤثر على شركاتٍ معينة.
يتم استخدام هذه البيانات لتوقيت شراء وبيع الاستثمارات في محاولة للاستفادة من عدم انتظام تداولات الأسهم ومؤشرات السوق. يَدَّعي المدراء النشطون بأنَّ هذه العمليات ستزيد من احتمال تحقيق عوائد أعلى من تلك التي تتحقق بمجرد محاكاة الأسهم أو الأوراق المالية الأخرى المدرجة ضمن مؤشر معين.
ونظراً لأنَّ هدف مدير المحفظة في أحد الصناديق المدارة بنشاط هو التَّفوق على مؤشر السوق، عليه أن يتحمل مخاطر السوق الإضافية للحصول على العوائد اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
أما عملية الفهرسة، فتُلغي تلك المخاطر الإضافية نظراً لأنَّه لا يوجد خطر حدوث خطأ بشري من حيث اختيار الأسهم. كما يتم تداول صناديق المؤشرات تلك بشكل أقل تكراراً، مما يعني أنَّها أقل عرضة للنَّفقات وأكثر كفاءة من ناحية الضرائب من نظرائها المدارة بشكلٍ نشط.
عادةً ما تفرض الإدارة النشطة رسوماً مرتفعة، وقد أثارت الأبحاث الحديثة شكوكاً حول قدرة مدراء تلك المحافظ الاستثمارية على التَّفوق باستمرار، على مؤشرات السوق.
رابعاً: الإدارة السلبيَّة للمحفظة الاستثمارية
تتضمن الإدارة السلبية للمَحَافظ، والتي يشار إليها أيضاً باسم "إدارة صناديق المؤشرات"، إنشاء محفظة استثمارية مخصصة لتتبع عائدات مؤشر السوق أو "المؤشر المعياري للسوق" قدر الإمكان.
يلجأ مدراء المحافظ للأسهم والسندات المالية الأخرى المتداولة ضمن المؤشر ويطبقون نفس عملية التَّرجيح المتبعة فيها. الغرض من الإدارة السلبيَّة للمحافظ الاستثمارية هو توليد عوائد استثمارية مماثلة للمؤشر الذي تم انتقائه، بدلاً من التَّفوق عليه.
لا تنطوي استراتيجية الإدارة السَّلبية على وجود فريقٍ إداري يتخذ قرارات استثمارية، وإنَّما يتم تنظيم المحافظ على شكل صناديق مؤشراتٍ متداولة (ETF) أو صناديق استثمار مشتركة أو وحدات ائتمانٍ استثمارية.
يتم تصنيف صناديق المؤشرات على أنَّها تدار بشكل سلبي، لأنَّ لكلٍّ منها مدير محفظة يقوم بجعل أداء محفظته قريباً من أداء المؤشر العام للأسهم، والذي يمثل معدل أسعار أغلب الشركات الهامة المطروحة في السوق. وذلك بدلاً من تداول الأوراق المالية بناءً على معرفته بخصائص مخاطر وأرباح الأسهم والسندات المالية المختلفة.
ونظراً لأنَّ استراتيجية الاستثمار هذه ليست استباقية أو نشطة، فإنَّ رسوم الإدارة التي يتم تعيينها في المحافظ وصناديق المؤشرات السَّلبية غالباً ما تكون أقل بكثير من نظيرتها في الإدارة النَّشطة.
أضف تعليقاً