بعض النصائح للانفتاح على التغيير

إذا كنت مثلي تقترب أو أصبحت في منتصف العمر تماماً، فمن المحتمل أنَّك تشعر بالراحة مع مقدار ما تعرفه، ولديك أيضاً إجراءات روتينية وطقوس مناسبة لك جداً، أليس هذا ما نستحقه بصفتنا أشخاصاً بالغين؟ لقد مررنا بسنوات جربنا فيها كلَّ شيء بدءاً من العثور على الوظيفة والأصدقاء والنشاطات الترفيهية وانتهاءً بالملابس التي تناسبنا بشكل أفضل، وقد أصبحنا مرتاحين الآن.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدونة "باتي أونديركو" (Patty Onderko)، وتُقدِّم لنا فيه 3 نصائح للانفتاح على التغيير.

يعدُّ حفظ الذات غريزة قوية للبقاء، فنحن عندما نشعر بالتهديد نتأهب للدفاع عن موقفنا وممتلكاتنا ووجهة نظرنا، ولكن إحدى المفارقات الكبرى للبشرية هي أنَّ حفظ الذات يتطلب التكيف، وعلينا أنْ نتغير كي نحافظ على حياتنا، وإنَّ الشعور بالراحة الشديدة سواء أكان ذلك في كهف أم في منزل مكون من ثلاثة طوابق مع تدفئة مركزية، يمنعنا من التكيف مع العالم المتغير.

إنَّ العالم يتغير فعلاً ليس بطرائق كارثية فقط مثل النيازك أو الاحتباس الحراري؛ بل يمكن أن يُغلق أحد المطاعم الإيطالية المفضلة لديك، وقد يمنعك ألمٌ في ركبتك عن الجري كلَّ صباح، وقد تصبح وظيفتك مؤتمتة ويتخلى عنك رب العمل؛ بمعنى آخر قد يحدث شيء مفاجئ معك بطريقة ما، وستكون بحاجة إلى تعلُّم أشياء جديدة، ولأنَّك إنسان فستكون هذه العملية مزعجة بالنسبة إليك، وهذا الانزعاج يسمى النمو، يمكنك القيام بذلك بنفسك، ولكن سيكون الأمر أسهل بمساعدة صديق أو والد أو مينتور أو كوتش.

هل أنت منفتح على التغيير أو المساعدة؟ هل أنت مستعد لتلقي التدريب؟ إذا لم تكن كذلك فقد لا تسير مواجهتك مع الأمور المفاجئة على ما يرام؛ إذ من السهل أن تأمر نفسك بأن تكون أكثر انفتاحاً، ولكن من الصعب جدَّاً فعل ذلك بحق، لا سيَّما إذا كنت خجولاً أو حذراً أو تتَّخذ موقفاً دفاعياً.

إقرأ أيضاً: فوبيا الخوف من التغيير: الأسباب وطرق العلاج

إليك فيما يأتي ثلاث نصائح سديدة كي تفتح قلبك وعقلك وحياتك للتغيير:

1. أكِّد على قيمك:

عندما نشعر بالتهديد تتأهب دفاعاتنا على الفور، ولحماية تقديرنا لذاتنا قد ننكر أخطاءنا ونجد كثيراً من الأخطاء عند الآخرين، فإذا فاز فريق عملك في صفقة ما _ على سبيل المثال _ فقد تفترض أنَّ ذلك كان بسبب عملك الجاد واستراتيجيَّتك، ومع ذلك إذا خسرتم فمن السهل إلقاء اللوم بالفشل على كسل زملائك في الفريق أو على افتقار عميلك إلى الرؤية.

في حين أنَّ هذا النوع من محاباة الذات قد يحافظ على كبريائنا إلا أنَّه لا يسمح لنا بالتعلم من التجربة، ولكن توجد طريقة لمواجهة غريزة حماية "الأنا" تسمَّى "توكيد الذات"، وهي نظرية بسيطة طوَّرها عميد جامعة كاليفورنيا (University of California) في بيركلي (Berkeley) كلود ستيل (Claude Steele) في الثمانينيات ودُرِسَت على نطاقٍ واسعٍ منذ ذلك الحين؛ تنصُّ النظرية على أنَّك من خلال تأكيد قيمك الأساسية فإنَّك تخفف من الصدمات التي تجرح كبرياءك، ويتكون هذا النوع من توكيد الذات من إدراك وتذكير نفسك بالصفات التي تجعلك على من أنت عليه وما هو الأهم بالنسبة إليك مثل عائلتك، وقدرتك على تقديم اللطف، وإبداعك، وإيمانك.

تقول المؤلفة الحاصلة على درجة الدكتوراه والزميلة الأقدم في جامعة كاليفورنيا في بيركلي "كريستين كارتر" (Christine Carter)، في مركز العلوم الجيدة الكبرى (Greater Good Science Center) ومؤلفة الكتاب الذي يحمل اسم "المكان اللطيف: كيف تنجز المزيد من خلال القيام بعمل أقل؟" (The Sweet Spot: How to Accomplish More by Doing Less)؟: "لا يقتصر وجود المرء على كبريائه".

في دراسة أُجريَت عام 2012 عن نظرية توكيد الذات طلبت الأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعة كلاركسون (Clarkson University) في بوتسدام نيويورك (Potsdam, New York) الحاصلة على درجة الدكتوراه "ليزا ليغولت" (Lisa Legault) وزملاؤها من طلاب الدراسات العليا تصنيف ستَّة مبادئ، وكانت القيم المستخدمة في دراستها النظرية (اكتشاف الحقيقة)، والاقتصادية (ما هو مفيد جداً)، الجمالية (الشكل والجمال والانسجام)، الاجتماعية (البحث عن حب الناس)، السياسية (السلطة) والدينية (الوحدة).

بعد ذلك طُلب من نصف المشاركين كتابة مقال قصير عن القيمة الأعلى تصنيفاً وما يعنيه ذلك بالنسبة إليهم، ووُجِّه النصف الآخر منهم إلى كتابة سبب عدم أهمية القيمة الأعلى تصنيفاً بالنسبة إليهم، وبعد ذلك أجرى جميع المشاركين اختبار أداء بسيطاً، طُلب منهم فيه الضغط على زر عندما رأوا الحرف إم (M) وليس الحرف دبليو (W).

كان أداء الطلاب الذين أُكِّد على قيمهم من خلال الكتابة عن أهمية القيمة أفضل في الاختبار، وتفاعلوا مع إشارات الخطأ مع إجهاد أقل، في حين أظهر المشاركون الذين طُلب منهم تقويض قيمهم علامات أكبر على الضيق العصبي عندما ارتكبوا أخطاءً؛ ممَّا تسبب في تقديم أداء أسوأ.

استنتجت "ليزا" أنَّه من خلال توكيد الذات: "يمكن للناس ترسيخ إحساسهم بالذات في رؤيتهم الواسعة للذات ترسيخاً جيداً، ولديهم حاجة أقل للدفاع ضد التهديد، وبدلاً من ذلك يمكنهم التركيز على متطلبات الموقف، وتنحية الحاجة إلى حماية كبريائهم جانباً".

تقول كريستين: "من الأمور الأساسية كي تكون مستعداً لتلقي الكوتشينغ هو التخلي عن موقفك الدفاعي ببساطة من خلال تذكير نفسك بما يهم حقاً، وإذا كنت لا تستطيع تقبُّل الأخبار السيئة والنصائح، فلا يمكنك التعلم ولا التغيير ولا النمو سواء كانت مسألة مهنية (قد يقول أحد زملائك في العمل: "لقد تأخرت في عملك وتحتاج إلى إدارة وقتك بشكل أفضل، دعني أساعدك")، أم مشكلة تتعلق بعلاقتك العاطفية (قد يخاطبك شريك حياتك من باب التشجيع قائلاً: أريدك أن تكون أكثر إيجابية)، أم مسألة حياة وموت (قد ينصحك طبيبك: "أنت تعاني من مرض السكري وتحتاج إلى تغيير نظامك الغذائي")، تقبَّل التحسين من خلال الالتزام بقيمك الأساسية بدلاً من كبريائك.

شاهد بالفيديو: 10 حقائق جوهرية ستغير حياتك

2. تعاطَف مع نفسك:

في دراسة نشرتها مجلة "جورنال أوف بيرسونالتي آند سوشيال سايكولوجي" (Journal of Personality and Social Psychology)، طُلب من المشاركين إنشاء مقطع فيديو يقدمون فيه أنفسهم ويصفونها، وقيل لهم أنَّ شخصاً ما سيشاهد أشرطتهم ويقيِّم مدى ودِّهم وذكائهم وما إذا كانوا محبوبين وكم يبدون ناضجين، تلقى نصف المجموعة تقييمات إيجابية، وتلقى النصف الآخر تغذيات راجعة محايدة.

على الرَّغم من أنَّ جميع التعليقات كانت ملفقة تماماً وعشوائية، إلَّا أنَّ معظم الأشخاص في المجموعة التغذيات الراجعة سواء كانت جيدة أم محايدة أخذوا الأمر بصدر رحب وكانوا على استعداد لقبول التعليقات على شخصياتهم؛ ولكن الكثير من الأشخاص الآخرين شعروا بالغضب والانزعاج من التعليقات المحايدة وتمردوا على فكرة أنَّهم قد يكونون عاديين ببساطة، وقد ألقوا اللوم على المراجعين فيما يتعلق بالتقييمات السيئة بدلاً من إلقائها على شخصياتهم.

ما هو الفرق بين هاتين المجموعتين؟ لمَ واحدة منهم تقبلت التقييم بهدوء والأخرى أصبحت دفاعية؟ قُيِّم المشاركون في الدراسة على مستويات التعاطف مع الذات قبل التجربة، وكان الفرق واضحاً؛ أولئك الذين سجلوا درجات عالية في التعاطف مع الذات لم يشعروا بالتهديد بسبب التغذيات الراجعة؛ فيمكن أن يقبلوا ويعترفوا بوجود عيوب فيهم إلى جانب نقاط القوة وكانوا منفتحين، ومع ذلك فإنَّ الأشخاص الذين يعانون من ضعف التعاطف مع الذات افتقروا إلى هذه المرونة العاطفية.

إذاً ما هو التعاطف مع الذات بالضبط؟

تقول كريستين: "إنَّه لطف مع نفسك؛ جميعنا نعتقد أنَّنا إذا تحدَّثنا بشكل نقدي مع أنفسنا فسوف نتحسن، ولكن جميع الأبحاث تظهر بيقين مطلق أنَّ النقد الذاتي لا يحسن الأداء؛ بل إنَّه يمنع قدرتك على التعلم من الموقف ويثير استجابة للتوتر بحيث تكون فيها استجابة "الكر أو الفر" هي خيارك الوحيد، ولن يحدث النمو الشخصي عندما تنتقد نفسك".

تقول الباحثة المرموقة الحاصلة على درجة الدكتوراه والأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعة تكساس (University of Texas) في أوستن (Austin) "كريستين نيف" (Kristin Neff) ومؤلفة العديد من الكتب بما في ذلك الكتاب الذي يحمل اسم "التعاطف الذاتي القوة المؤكدة لكونك لطيفاً مع نفسك" (Self-Compassion: The Proven Power of Being Kind to Yourself): "بالتعاطف مع الذات نقدِّم لأنفسنا نفس اللطف والرعاية التي نقدمها لصديق جيد"، وتؤكد أنَّ التعاطف مع الذات هو ليس شفقة على الذات؛ لأنَّ الشفقة على الذات تتجاهل الروابط مع العالم بأسره والعيوب والمعاناة المشتركة للبشر.

يتضمن تعريف كريستين للتعاطف مع الذات ما يأتي:

  • اللطف الذاتي بدلاً من الحكم على الذات، هل تتحدث إلى نفسك كأنَّك تتحدث إلى صديق تثق به بصوت هادئ ومتسامح؟ أم أنَّك تصرخ مثل رقيب يدرب عناصره؟ إذا كنت منفتحاً على عيوبك فأنت منفتح على النمو.
  • مشاعر الإنسانية المشتركة بدلاً من العزلة؛ تحثنا كريستين على رؤية عيوبنا ومعاناتنا على أنَّها جزء من الحالة الإنسانية المشتركة حتى نتمكن من رؤية نقاط ضعفنا من وجهة نظر أوسع وأكثر تسامحاً؛ فإنَّ عيوبك تربطك بجميع البشر الآخرين.
  • اليقظة الذهنية بدلاً من المبالغة، تقول كريستين: "حاول تحقيق التوازن في مشاعرك بدلاً من تجاهل ألمك أو المبالغة فيه"؛ أي عندما تفرط في تحديد مشاعر معينة يمكن أن تنساق وراء السلبية أو تنغمس في كبريائك.

تنصح كريستين بقضاء بعض الوقت كل صباح في قول كلمة لطيفة لنفسك؛ للتعرف على علاقتك بالإنسانية النابضة وغير المثالية من حولك وممارسة اليقظة سواء من خلال ممارسة التأمل أم اليوجا (yoga) أم غسل الأطباق أم أي أسلوب من أساليب التأمُّل.

إذا كنت تخاطب نفسك الآن وتقول: "أنا متشكك بشأن هذه الأشياء لأنَّني واعٍ لذاتي، لكنَّني سأجربها" فلا بأس بذلك؛ فأنت على الطريق إلى التعاطف مع الذات والقابلية على تلقي الكوتشينغ.

شاهد بالفيديو: 10 عادات من شأنها أن تغير حياتك إلى الأفضل

3. جرِّب أشياء جديدة:

بمجرد ممارسة توكيد الذات والتعاطف مع الذات يمكنك الاستفادة من انفتاحك، والخطوة الأولى لذلك هي التحدث إلى الغرباء؛ فتشير الدراسات إلى أنَّه كلما زادت التفاعلات الاجتماعية مع الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات ضعيفة، مثل: الركاب وموظفي المتاجر والجيران وغيرهم؛ شعرنا بالسعادة والرضى في أيامنا أكثر.

يمكنك التحقق من القطع الفنية أيضاً؛ حيث يساعد تقدير اللوحات والمنحوتات على جعلك دقيق الملاحظة، وكذلك يمكنك أخذ بعض الدروس؛ فإنَّ تعلُّم شيء ما سواء كان العزف على القيثارة أم لغة جديدة أم لعب الشطرنج أم برمجة الكمبيوتر أم تسلق الصخور؛ يبني ويحافظ على الوظيفة المعرفية.

تقول أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد (University of California, Riverside) الحاصلة على درجة الدكتوراه ومؤلفة الكتاب الذي يحمل اسم "كيف تحقق السعادة: نهج علمي للحصول على الحياة التي تريدها" (The How of Happiness: A Scientific Approach to Getting the Life You Want، "سونيا ليوبوميرسكي" (Sonja Lyubomirsky): "انمُ وتحدَّ نفسَك وابحث عن فرصٍ جديدةٍ دائماً، وهذا ما يمنعنا من الشعور بالراحة أكثر من اللازم".

إقرأ أيضاً: 14 سبباً يدفعك إلى تجربة أشياء جديدة في الحياة - (الجزء الأول)

في الختام:

قبل كلِّ شيء اطلب المساعدة للقيام بهذه الأشياء؛ فنحن البشر يحتاج بعضُنا إلى بعضٍ.




مقالات مرتبطة