ولكن وسط هذا الزخم الرقمي، يظهر سؤال جوهري: هل ترفعنا هذه الوسائل إلى آفاق جديدة من الإبداع والتواصل، أم تدفعنا تجاه دوَّامة من المقارنات، والتضليل، والقلق، والإدمان والضغط النفسي؟
نغوص في هذا المقال في عالم وسائل الإعلام الرقمية لنكشف عن الإيجابيات التي قد تعزز صحتنا النفسية، والسلبيات التي قد تهدد توازننا الداخلي، وسنعرض مباشرة بإيجاز أهم إيجابيات وسلبيات وسائل الإعلام الرقمية الحديثة، مع نصائح علمية وموثوقة لتحويلها من مصدر ضغط إلى أداة نمو ورفاه نفسي.
تشمل وسائل الإعلام الرقمية الإنترنت، والتلفزيون، والصحف الرقمية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ومن أبرز إيجابياتها: سرعة نشر المعلومات، وتعزيز التعليم، وتقريب المجتمعات، أمَّا سلبياتها فتشمل: الأخبار الزائفة، والإدمان الرقمي، والتأثيرات النفسية.
ما هي وسائل الإعلام الحديثة؟
هي الأدوات والقنوات التي تنقل المعلومات، والأخبار، والترفيه، والإعلانات إلى الجمهور من خلال تقنيات رقمية ومتطورة تختلف عن الوسائل التقليدية، كالصحف والراديو والتلفزيون، وظهرت نتيجة لتطور الإنترنت والتكنولوجيا، فهي تتيح التفاعل الفوري، والوصول السريع، والمشاركة الواسعة للمحتوى.
1. أنواع وسائل الإعلام الحديثة
- وسائل التواصل الاجتماعي: مثل فيسبوك، وإنستغرام، وإكس (تويتر سابقاً)، وتيك توك، ويوتيوب، تتيح إنشاء المحتوى والتفاعل الفوري مع الجمهور.
- الصحافة الرقمية: مواقع إخبارية إلكترونية، مثل الجزيرة نت وBBC Arabic تقدِّم أخباراً سريعة ومحدَّثة مع تفاعل مباشر من القرَّاء.
- المدونات والبودكاست: مقالات صوتية أو مكتوبة تتناول موضوعات متنوعة، تُنشر من خلال الإنترنت ويمكن الوصول إليها في أي وقت.
- منصات الفيديو وفق الطلب: مثل نتفليكس ويوتيوب، تتيح مشاهدة المحتوى المرئي متى شاء المستخدم.
- تطبيقات الأخبار الذكية: مثل Google News، توفِّر محتوى مخصصاً بناءً على اهتمامات المستخدم.
- الإعلام التفاعلي والذكاء الاصطناعي: يشمل التوصيات الذكية، وروبوتات المحادثة، والمحتوى الذي يتكيف مع سلوك المستخدم.
2. خصائص وسائل الإعلام الحديثة
- التفاعلية: تتيح للمستخدمين التعليق، والإعجاب، والمشاركة؛ بل وإنشاء محتواهم المخصص، مما يعزز التواصل ثنائي الاتجاه.
- السرعة: تتميز بسرعة نقل المعلومات والأخبار نقلاً لحظياً، ما يجعلها أداة فعالة في متابعة الأحداث الجارية.
- التخصيص: تعتمد على خوارزميات تعرض محتوى يتوافق مع اهتمامات وسلوك المستخدم، مما يزيد تفاعل الجمهور.
- الوصول الواسع: يمكن لأي شخص حول العالم الوصول إلى المحتوى، مما يعزز انتشار الرسائل الإعلامية.
- التعددية في الشكل: تشمل أشكالاً متعددة للمحتوى، مثل النصوص، والصور، والفيديو، والبث المباشر، والبودكاست، والرسوم التفاعلية.
- التكلفة المنخفضة: يُعد النشر الرقمي أقل تكلفة من وسائل الإعلام التقليدية، مثل الطباعة أو البث الإذاعي والتلفزيوني.

أبرز إيجابيات وسائل الإعلام
تشكِّل وسائل الإعلام الحديثة الوعي المجتمعي وتوجِّه الرأي العام، فقد تجاوز دورها حدود الترفيه والإخبار، لتصبح منصة فعالة في نشر المعرفة، وتعزيز الحوار الثقافي، وتقريب المسافات بين الشعوب.
سواء تعلق الأمر بالإعلام المرئي أم المسموع أم الرقمي، فإنَّ لهذه الوسائل الحديثة عدداً من الإيجابيات التي أثَّرت بوضوح في مختلف مناحي الحياة، وبنَت مجتمعات أكثر وعياً وتفاعلاً مع القضايا المحلية والعالمية:
1. سرعة الوصول للمعلومات
تتيح وسائل الإعلام الرقمية الوصول الفوري إلى الأخبار والمعلومات من مختلف أنحاء العالم، ولحظة بلحظة، فالجمهور لم يعد ينتظر الصحف الورقية أو نشرات الأخبار في وقت محدد؛ بل يمكنه متابعة التطورات مباشرة من خلال الهاتف أو الحاسوب.
وفقاً لتقرير Digital 2024 الصادر عن DataReport، فإنَّ 64.5% من سكان العالم يستخدمون الإنترنت، ويقضي المستخدمون ما معدله 6 ساعات و40 دقيقة يومياً على الإنترنت، معظمها في استهلاك الأخبار والمحتوى الإعلامي.
2. تعزيز التوعية والتعليم
تنشر وسائل الإعلام الرقمية الحديثة المعرفة، وتعزز الوعي بالقضايا الصحية، والبيئية، والاجتماعية، والسياسية، كما أصبحت أداة فعالة للتعليم الذاتي، من خلال المنصات الرقمية والدورات المفتوحة من خلال الإنترنت.
ووفق تقرير صادر عن UNESCO عام 2023، فإنَّ أكثر من 60% من الطلاب حول العالم، استخدموا وسائل الإعلام الرقمية خلال جائحة كوفيد-19 للوصول إلى محتوى تعليمي، سواء من خلال المنصات التعليمية أم اليوتيوب أم البودكاست، كما أنَّ منصات، مثل YouTube تُستخدم من قبل أكثر من مليارَي مستخدم شهرياً، وتُعد مصدراً رئيساً للتعلم الذاتي في مجالات مثل اللغات، والبرمجة، والصحة النفسية.
3. دعم التفاعل المجتمعي والثقافي
توفر وسائل الإعلام الحديثة فضاءً رقمياً مفتوحاً يسمح بالتعبير عن الرأي، وتبادل الآراء، وتعزيز الحوار بين مختلف الثقافات والمجتمعات. ومن خلال حملات التوعية والمناقشات من خلال وسائل التواصل، أصبحت المجتمعات أكثر انخراطاً في قضاياها.
في عام 2020، حشَدَت الحملات الرقمية، مثل #Black Lives Matter ملايين المستخدمين حول العالم للتضامن ضد العنصرية، وجذبت اهتمام الإعلام العالمي، مما يوضح قوة الإعلام الرقمي في التأثير المجتمعي.
أهم سلبيات وسائل الإعلام
لا يُنكَر الدور الكبير الذي تؤديه وسائل الإعلام في تشكيل رؤيتنا للعالم من حولنا، ولكن في الوقت ذاته، من الضروري التوقف عند الوجه الآخر لهذا التأثير، وهو الجانب السلبي الذي غالباً ما يكون خفياً أو يُقلِّل من شأنه.
فبين سيل الأخبار المتدفقة، والمحتوى المتنوع الذي يصل إلينا على مدار الساعة، ظهرَت آثار سلبية ملموسة على الصحة النفسية، والسلوك الاجتماعي، وطريقة تفكير الأفراد وتفاعلهم مع الواقع، وأهم سلبيات وسائل الإعلام الحديثة التي تتحول إلى عبء حقيقي على الأفراد والمجتمعات.
1. الأخبار الكاذبة (Fake News)
تعد الأخبار الكاذبة من أبرز سلبيات وسائل الإعلام الحديثة؛ إذ تنتشر المعلومات الزائفة بسرعة تفوق سرعة انتشار الحقائق، ما يثير القلق بشأن تأثيرها العميق في الأفراد والمجتمعات، وتشير الدراسات إلى أنَّ الأخبار المضلِّلة، تُشارَك بنسبة تصل إلى 70% أكثر من الأخبار الصحيحة، وتلقى تفاعلاً أكبر على منصات التواصل.
كما بيَّن استطلاع عالمي لأكثر من 35 دولة أنَّ أكثر من 80% من الناس، يرون في هذه الظاهرة مشكلة كبيرة تهدد استقرار مجتمعاتهم، بينما عبَّر 65% من البريطانيين عن خشيتهم من تأثيرها في الديمقراطية، وعدَّ 47% أنَّها تهدد الأمن الوطني.
ويواجه كثير من المستخدمين صعوبة في التمييز بين الخبر الحقيقي والزائف، فأقرَّ 64% من الأمريكيين بأنَّهم شاركوا أخباراً اكتشفوا لاحقاً أنَّها غير صحيحة.
ولا يقتصر أثر الأخبار الكاذبة على الجانب المعرفي والثقافي فحسب؛ بل يمتد إلى الاقتصاد أيضاً، إذ تُقدَّر خسائرها السنوية عالمياً قرابة 78 مليار دولار، بالتالي يفرض علينا هذا الواقع إدراك خطورة هذه الظاهرة وضرورة التصدي لها من خلال تعزيز الوعي الإعلامي، ونشر ثقافة التحقق، والحرص على عدم تداول المحتوى دون التأكد من مصداقيته.
2. التأثير النفسي: قلق واكتئاب وضعف تركيز
يترك التعرض المستمر للأخبار، خصيصاً السلبية منها، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة أثراً غير مرئي لكنَّه مؤلم، وكثير من الناس يشعرون بقلق دائم، أو بحزن غير مبرر، أو حتى بصعوبة في التركيز، دون أن يدركوا أنَّ مصدر ذلك.
قد يكون تلك الشاشة التي لا تفارقهم، فالإعلام اليوم لا ينقل الأحداث فقط؛ بل أصبح من دون قصد أحد العوامل التي تثقل النفس وتُربك العقل.
2.1. تسبب وسائل الإعلام القلق والاكتئاب
تزيد وسائل الإعلام، وخصيصاً مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار المتكررة الشعور بالقلق والاكتئاب لدى الأشخاص، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل:
2.1.1. التعرض المستمر للأخبار السلبية
مثل الحوادث، والكوارث، والأزمات الاقتصادية والسياسية، التي تخلق شعوراً بالخوف وعدم الأمان، وأظهرت دراسة جامعة تكساس التقنية (2022) أنَّ الأشخاص الذين يتابعون الأخبار بإفراط، يعانون من أعراض القلق والتوتر والاكتئاب بنسبة أعلى تتراوح بين 20% و30% مقارنة بمن يستهلكون الأخبار باعتدال.
2.1.2. المقارنات الاجتماعية
يشعر بعضهم عند مشاهدة صور أو منشورات لأشخاص يعيشون حياة تبدو مثالية بالنقص أو الفشل، مما يسبب انخفاضاً في المزاج ويؤدي إلى الاكتئاب.
2.1.3. الضغط النفسي
يجعل التدفق الكبير وغير المنظم للمعلومات العقل مشغولاً طوال الوقت، مما يرفع مستويات التوتر والقلق، وقد أكدت منظمة الصحة العالمية (WHO) زيادة بنسبة 25% في معدلات القلق والاكتئاب عالمياً خلال السنة الأولى لجائحة كوفيد-19، وارتبط ذلك بوضوح بالتعرض المتكرر للأخبار السلبية.
2.2. ضعف التركيز بسبب وسائل الإعلام
تشجع وسائل الإعلام الحديثة على التصفح السريع والتنقل بين موضوعات كثيرة في وقت قصير، وهذا يؤثر سلباً في القدرة على التركيز بسبب:
- الانتباه المتقطع: تجعل كثرة الإشعارات والتنبيهات الانتباه يتنقل باستمرار بين محتوى وآخر ويضعف القدرة على التركيز لفترات طويلة.
- تشتت الانتباه: تمنع مشاهدة فيديوهات قصيرة أو تصفح صفحات متعددة بسرعة الدماغ من التركيز العميق على مهمة واحدة.
- الإرهاق الذهني: تُرهِق كثرة المعلومات وعدم تنظيمها العقل، فيصبح من الصعب الاستمرار في التركيز على موضوع معيَّن وبذلك قد تتأثر سلباً صحتنا العقلية.
شاهد بالفيديو: كيف تضر وسائل التواصل الاجتماعي بحياتك المهنية المستقبلية؟؟؟
3. إدمان الشاشات
أصبح من الصعب اليوم تجاهل حجم الوقت الذي نقضيه يومياً أمام الشاشات، ومع مرور الوقت، يتحول هذا الاستخدام من عادة إلى نوع من الإدمان، فيشعر كثيرون أنَّهم لا يستطيعون الابتعاد عن أجهزتهم ولو لساعات قليلة، وهذا ما تؤكده الإحصائيات.
ووفق تقرير صادر عن Statista عام 2024، يبلغ متوسط الوقت الذي يقضيه الشخص البالغ يومياً أمام الشاشات قرابة 7.5 ساعات، أمَّا لدى المراهقين، فقد كشفَت دراسة لـ Common Sense Media أنَّ 62% منهم، يشعرون بأنَّهم لا يستطيعون الاستغناء عن هواتفهم، وهذا الاستخدام المفرط لا يمرُّ دون تأثير.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هناك علاقة مباشرة بين التعرض الطويل للشاشات وبين اضطرابات النوم، وزيادة معدلات السمنة، وتراجع المهارات الاجتماعية؛ بل وحتى مشكلات في التركيز.
كيف تؤثر وسائل الإعلام في المراهقين؟
يقضي المراهقون ساعات طويلة يومياً في تصفح المحتوى ومتابعة وسائل الاعلام الرقمية، وبينما تتيح هذه الوسائل فرصاً للتعلم والتواصل، إلَّا أنَّها تحمل في طياتها تأثيرات نفسية وسلوكية عميقة في هذه الفئة العمرية الحساسة.
فالمراهقون لا يزالون في مرحلة بناء الهوية وتشكيل السلوك، ما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر في المحتوى الإعلامي، سواء من حيث الإدمان الرقمي، أم اضطرابات النوم، أم حتى التحديات المتعلقة بالهوية والصورة الذاتية، مثل:
1. اضطراب النوم
يعد النوم الصحي عنصراً حيوياً في نمو وتوازن المراهقين، إلَّا أنَّ الاستخدام المفرط لوسائل الإعلام، خصيصاً في الساعات المتأخرة من الليل، أصبح سبباً رئيساً في اضطرابات النوم لديهم للأسباب التالية:
1.1. التعرض للضوء الأزرق
يعاني المراهقون مع انتشار الشاشات الإلكترونية في حياتهم من صعوبة في النوم، خصيصاً بسبب الضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة، فهو يؤثر في إنتاج هرمون الميلاتونين، الذي يؤثر سلباً في تنظيم النوم، وعندما ينخفض مستواه، يتأخر الشعور بالنعاس ويحدث اضطراب في الساعة البيولوجية للجسم.
إذ أشارَت دراسة حديثة إلى أنَّ 75% من المراهقين، يحتفظون بجهاز إلكتروني في غرفة نومهم، بينما 60% منهم يستخدمونه قبل النوم مباشرة، مما يزيد احتمالية اضطراب نومهم يومياً.
2.1. التحفيز الذهني قبل النوم
تحفز مشاهدة الفيديوهات، والألعاب الإلكترونية، أو التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم الدماغ وتزيد النشاط الذهني والعاطفي، مما يجعل الاسترخاء والدخول في النوم أكثر صعوبة.
3.1. الارتباط العاطفي بالمحتوى
تكون بعض المحتويات التي يتعرض لها المراهقون مثيرة، أو مزعجة، أو مثقلة بالمعلومات (مثل الأخبار أو الصراعات من خلال الإنترنت)، ما يسبب توتراً وقلقاً نفسياً ينعكس سلباً على جودة النوم.
4.1. السهر الطويل
يدفع الاستخدام المفرط للأجهزة المراهقين إلى تأجيل موعد النوم باستمرار من أجل متابعة المحتوى، مما يقلل عدد ساعات النوم الضرورية لنموهم وصحتهم النفسية.
5.1. الإدمان الرقمي
يعتمد كثير من المراهقين على استخدام الهواتف ووسائل التواصل، مما يجعل من الصعب عليهم فصل أنفسهم عنها حتى عند وقت النوم.

2. مشكلات في الهوية والسلوك
عندما يتعرض المراهقون من خلال وسائل الإعلام الرقمية باستمرار إلى معايير غير واقعية للجمال، أو أنماط حياة مثالية مصطنعة، أو سلوكات غير صحية منتشرة من خلال المنصات، فإنَّهم يصبحون أكثر عرضة للارتباك في تحديد هويتهم.
وهذا قد يؤدي إلى اضطرابات في السلوك، مثل التقليد السلبي، أو المبالغة في التمرد، أو حتى فقدان الثقة بالنفس، وفيما يأتي التفاصيل:
2.1. التعرض المستمر لنماذج غير واقعية
تُعرِّض وسائل الإعلام الرقمية المراهقين لصور وأفكار مثالية أو مبالغ فيها، مثل معايير الجمال وأنماط الحياة الفاخرة، مما يخلق توقعات غير واقعية عن الذات.
2.2. المقارنة الاجتماعية
تدفع هذه المنصات المراهقين لمقارنة أنفسهم بالآخرين، ما يُضعِف الثقة بالنفس والشعور بعدم الرضا عن الذات.
2.3. اضطرابات الهوية
ينتج عن ذلك شكوك وتشتت في الهوية الشخصية، وعدم استقرار نفسي في محاولة فهم الذات.
2.4. تقليد السلوكات الخطرة
يحفز الإعلام الرقمي بعض المراهقين على تقليد سلوكات غير مناسبة، مثل التمرد المفرط، أو العنف، أو عادات صحية ضارة بهدف الانتماء أو الحصول على قبول اجتماعي.
2.5. تأثير الجماعات الافتراضية
تضخم هذه الوسائل من تأثير المجموعات الافتراضية التي قد تفرض أدواراً أو توجهات سلوكية بعيدة عن القيم والبيئة الحقيقية للمراهق.
2.6. الحاجة للتوعية والتوجيه
يجب تقديم توعية إعلامية وتوجيه أسري واجتماعي لمساعدة المراهقين على تطوير هوية صحية ومستقلة بعيداً عن التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام الرقمية.
3. الإدمان الرقمي وتأثيراته
أصبح من السهل في عصر الأجهزة الذكية أن ينزلق المراهقون تجاه استخدام مفرط لوسائل الإعلام الرقمية، يتحوَّل تدريجياً إلى ما يُعرف بـ"الإدمان الرقمي" للأسباب التالية:
3.1. استجابة نظام المكافأة في الدماغ
يُفرِز دماغ المراهق عندما يتلقى إشعارات، أو إعجابات، أو تعليقات على منشوراته الدوبامين، وهو الناقل العصبي نفسه المرتبط بالمكافأة والمتعة، وهذا يعزز الرغبة في العودة لاستخدام الهاتف أو التطبيق مراراً وتكراراً.
3.2. الخوف من فوات الشيء (FOMO)
تغذي وسائل الإعلام شعور المراهق بأنَّه يجب أن يكون "متصلاً دائماً" حتى لا يفوته شيء هام (مثل الأخبار، أو التحديات، أو محادثات الأصدقاء)، مما يجعله متعلقاً بها طوال الوقت.
3.3. الهروب من الواقع والضغوطات النفسية
يلجأ بعض المراهقين لوسائل الإعلام الرقمية بوصفها وسيلة للهروب من التوتر أو الوحدة أو المشكلات الاجتماعية، ما يعزز الارتباط العاطفي بهذه الوسائل.
3.4. غياب الحدود والرقابة
لا توجد ضوابط أسرية أو مجتمعية واضحة لاستخدام وسائل الإعلام الرقمية، مما يجعل المراهقين يستخدمون الشاشات بإفراط دون وعي بالمخاطر.
كيف نوازن استخدام وسائل الإعلام؟
لتحقيق توازن صحي في استخدام وسائل الإعلام الرقمية، فمن الهام تبنِّي أسلوب واعٍ يركِّز على الاستفادة من الإيجابيات وتجنُّب الآثار السلبية، ويبدأ ذلك بتحديد أهداف واقعية لاستخدام هذه الوسائل، وتقليل الوقت الذي نقضيه عليها لصالح نشاطات تغذي العقل والجسم، ومن الضروري أيضاً إدراك التأثير الذي قد تتركه هذه الوسائل في الأداء في العمل أو الدراسة، أو العلاقات العائلية، خصيصاً عند استخدامها في أوقات غير مناسبة.
ويمكن أن يكون التوقف المؤقَّت عن استخدامها، أو حتى حذف التطبيقات لبعض الوقت، وسيلة فعالة لإعادة التوازن، فالعبرة في النهاية ليست في الامتناع الكامل؛ بل في إيجاد نقطة وسط تُعزز الإيجابيات وتُخفف وطأة السلبيات، وبعض النصائح من أجلك:
1. ضَعْ حدوداً زمنية
اعتمِدْ استراتيجيات بسيطة وعملية تقنِّن الوقت وتقلل التشتت لتحقيق توازن صحي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فمن أبرز هذه الأساليب: استخدام أدوات، مثل مؤقتات التطبيقات أو التطبيقات المتخصصة التي تتيح لك تتبُّع الوقت الذي تقضيه يومياً على المنصات الاجتماعية؛ إذ توفر بعضها تذكيرات تلقائية للخروج من التطبيق عند تجاوز مدة معيَّنة.
كما يُنصح بتحديد أوقات واضحة لاستخدام الهاتف، والامتناع عن استخدامه في أوقات الراحة، مثل قبل النوم أو في تناول الطعام، ويمكن تعزيز هذا الانضباط بإنشاء ما يُعرف بـ"المناطق الخالية من الهاتف" في البيئة اليومية، كغرف النوم، أو طاولة الطعام، أو عند بدء اليوم صباحاً، وهذه الخطوات لا تحد من الإفراط في الاستخدام فقط؛ بل تعزز أيضاُ جودة التفاعل الإنساني والراحة النفسية.
2. تابِعْ مصادر موثوقة
انتقِ المعلومات التي تتعرض لها بحذر وقم بتحليل الخبر إذا كنت تعتمد على وسائل الإعلام الرقمية بوصفها مصدراً للأخبار، لتفادي الوقوع في فخ الأخبار المضللة أو غير الدقيقة؛ لذا نوِّع مصادر المعلومات ولا تكتفِ بما يُنشر على هذه المنصات، واشترِك في مواقع إخبارية موثوقة أو تابِعْ نشرات الأخبار التقليدية من أجل التلفاز أو الإذاعة
هذا يساعدك على البقاء على اطلاع من مصادر أكثر دقة واحترافية، وهذا التنوع يعزز وعيك الإعلامي ويقلل تأثير المعلومات الزائفة التي تنتشر بسرعة من خلال وسائل التواصل.
شاهد بالفيديو: 6 طرق لمعرفة الأخبار الكاذبة
3. استخدِم أدوات تقنين الشاشة
اتَّبِع مجموعة من الاستراتيجيات السهلة والفعالة التي تحدُّ من الإغراءات الرقمية للتقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أبرزها تغيير إعدادات الهاتف إلى وضع التدرج الرمادي، وكذلك حذف تطبيقات وسائل التواصل من الهاتف أو إخفاؤها داخل مجلدات بعيدة عن الشاشة الرئيسة.
هذا يقلل سهولة الوصول إليها، وتعطيل الإشعارات الفورية؛ لأنَّها تجذب الانتباه وتشجع المستخدم على العودة المتكررة للتطبيقات دون حاجة حقيقية.
مستقبل الإعلام: من AI إلى deepfake
يشهد مجال الإعلام الرقمي مع التطور المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي تحولات جذرية أثرت في طريقة إنتاج وتناول المحتوى الإعلامي؛ إذ أصبح مستقبل الإعلام يحمل في طياته فرصاً كبيرة وتحديات جسيمة تتطلب تفكيراً واعياً وتنظيماً دقيقاً.
1. دور الذكاء الاصطناعي في توجيه الرأي العام
يُستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك المستخدمين وتفضيلاتهم على الإنترنت، فيخصص المحتوى المعروض لكل فرد، مما يكوِّن ما يُعرف بـ"فقاعات المعلومات"، وهذا التخصيص يمكن أن يعزز بعض وجهات النظر ويتجاهل أخرى، مما يؤثر سلباً في تنوع المعرفة والانفتاح الفكري.
تعتمد وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية على خوارزميات تعرض محتوى يزيد التفاعل بدلاً من ضمان المصداقية، ما يؤدي في النهاية إلى توجيه الرأي العام توجيهاً غير مباشر من خلال التحكم في المعلومات التي يصل إليها كل مستخدم.
2. مخاطر التزييف العميق (deepfake)
تأتي مخاطر التزييف العميق (Deepfake) في استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لتوليد فيديوهات وصوتيات مزيفة يصعب التمييز بينها وبين الحقيقة، وهذه التقنية قد تُستخدم لأغراض خبيثة، مثل تشويه السمعة الشخصية أو السياسية، أو التلاعب بالمحتوى الإعلامي، أو ابتكار روايات كاذبة تؤثر في الرأي العام.
كما أنَّ الجمهور العادي يواجه صعوبة كبيرة في كشف هذا المحتوى المزيف، مما يزيد خطر التضليل الإعلامي، وقد تتصاعد خطورة التزييف العميق عند استخدامه في مواقف حساسة، مثل الانتخابات أو الحروب الإعلامية بين الدول.
3. الحاجة للتشريعات
تفتقر عدد من الدول إلى قوانين شاملة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الإعلام، ما يجعل من الضروري وضع تشريعات تُلزم المنصات بالكشف عن المحتوى المصنَّع باستخدام هذه التقنية، وتفرض عقوبات صارمة على من يستغل التزييف العميق للإضرار بالآخرين أو زعزعة الاستقرار.
كما يجب أن تشجع هذه القوانين تطوير أدوات تقنية قادرة على اكتشاف المحتوى المزيَّف تلقائياً، وإلى جانب الإطار القانوني، يُعد تعزيز الوعي الرقمي لدى الأفراد أمراً ضرورياً للتحقق بفعالية من مصادر المعلومات ومواجهة التضليل.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
1. ما الفرق بين الإعلام التقليدي والرقمي؟
تعتمد صناعة الإعلام التقليدي على التلفاز والصحف، بينما الرقمي يستخدم الإنترنت ويتيح تفاعلاً فورياً مع الجمهور من خلال منصات، مثل المواقع والتطبيقات.
2. ما أبرز مخاطر الإعلام الحديث؟
نشر المعلومات المضللة، والإدمان على الشاشات، وتأثيراته السلبية في الصحة النفسية، خصيصاً لدى الأطفال والمراهقين.
3. هل يمكن التحقق من الأخبار؟
نعم، باستخدام أدوات تحقق، مثل Google Fact Check أو مواقع مستقلة تكشف صحة الأخبار والمصادر.
4. كيف أقي أطفالي من تأثير الإعلام؟
بالمتابعة المستمرة، وتقنين الوقت أمام الشاشات، وتفعيل أدوات الرقابة لحمايتهم من المحتوى الضار.
5. هل الإعلام الرقمي مفيد؟
نعم، إذا استُخدم بوعي، فهو يعزز الوصول للمعلومة والتواصل، لكنَّه يحتاج إلى توازن وانتباه للمحتوى.
في الختام
يُعد الإعلام الرقمي أداة بالغة التأثير، تحمل في طياتها القدرة على التثقيف كما قد تكون وسيلة للتضليل، وبين الفرص والتحديات، يبقى الوعي هو خط الدفاع الأول، والتوازن في الاستخدام هو مفتاح السلامة النفسية، أمَّا التدقيق في المعلومات، فهو ما يبني آراء مستقلة تستند إلى الحقائق لا الانطباعات.
التعليقات
سنوسي خبراج
شكرا
سنوسي خبراج
شكرا
أضف تعليقاً