الموسيقى وأثرها في علاج ضيق التنفس بسبب كورونا

كان الغناء هو المرة الوحيدة التي شعرتُ فيها بالسيطرة على رئتيَّ، وللمفارقة، شعرتُ بأنَّني قادرة على نسيانهما؛ حيث كان ذلك في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، حين ازداد شعوري بضيق النفس سوءاً بعد أسابيع من التحسن المتقلقل.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "ليديا زورا" (Lydia Zuraw)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في كيفية علاج أعراض ما بعد الإصابة بـ "كوفيد-19" عن طريق الموسيقى.

شعرتُ بضيق في التنفُّس في أثناء المشي، والراحة، والاستلقاء، والجلوس، والعمل، ومشاهدة التلفاز، والتحدث، والتأمل بصمت؛ ولكن ليس في أثناء الغناء، فمنذ إصابتي المحتملة بفيروس "كوفيد-19" (COVID-19) في يونيو/ حزيران الماضي، اعتدت عدم الراحة والإحباط الناتج عن الشعور كما لو أنَّ جسدي لا يحصل على كل الهواء الذي يحتاجه.

لقد أصبحت أيضاً أقدِّر بعمق اللحظات التي يعود فيها تنفسي إلى وظيفته المستقلة ولا يشغل أي جزء من وعيي؛ حيث كانت الأعراض المبكرة التي ظهرت لدي قبل عام كالأعراض المعروفة إلى حد ما بالنسبة إلى شخص مصاب بـ "كوفيد-19": وهي التهاب الحلق والصداع والتعب وضيق التنفُّس.

ومع تأكيد عدم إصابتي بـ "فيروس كورونا المسبب للمتلازمة التنفُّسية الحادة الوخيمة" (SARS-CoV-2)، يعتقد بعض أطبائي أنَّني مصابة به، وأشك في ذلك أيضاً؛ نظراً لأنَّني ما زلتُ أتعامل مع الأعراض بعد عام.

ولطالما كانت الموسيقى جزءاً من حياتي، حتى خلال الجائحة؛ حيث بدأت دروس الكمان الكلاسيكية في سن الخامسة، وتركتُها بسبب الموسيقى الشعبية بعد ست سنوات؛ فكنت أتوق إلى أن أكون جزءاً من تقاليد الموسيقى الشعبية المختلفة التي كانت فيها أختي الكبرى تعزف على البيانو والسنطور.

انضممت إلى جوقتي الأولى في سن الثانية عشرة، وهذا جذبني لمجموعة من الأغاني من جميع أنحاء العالم، وبصفتي شخصاً بالغاً، بذلت قصارى جهدي لإرضاء ميولي إلى علم موسيقى الشعوب من خلال ورش العمل، وفعاليات مشاركة الأغاني، وجلسات الغناء، لكنَّني لم أُغنِّ بانتظام مع جوقة منذ فترة الكلية، وأتاحت لي الجائحة فرصة جديدة؛ وهي الانضمام إلى جوقة افتراضية "عبر البلدان".

من سبتمبر/ أيلول 2020 حتى أبريل/ نيسان 2021، كنا نجتمع في نهاية أسبوع واحدة شهرياً؛ وذلك لنتمرَّن على أغنية من مسرحية "يوروبا" (Yoruba) من "نيجيريا" (Nigeria)، وأغنية من تقليد "سيفدالينكا" (Sevdalinka) في "البوسنة والهرسك" (Bosnia and Herzegovina)، ومعيار "الآبلاشيان" (Appalachian)، وأغنية شعبية من مقاطعة "جيلان" (Gilan) في "إيران" (Iran)، وغيرها الكثير.

وكانت "كيبيك" (Quebec) واحدة من "وجهاتنا" في أكتوبر/ تشرين الأول، وقد ذاب كل التوتر من جسدي في المرة الأولى التي سمعتُ فيها عبارة من أغنية: "أصدقائي الأعزاء، أدعوكم" (Mes chers amis je vous invite)؛ فالنغمات المتباينة لهذه الأغنية "الكندية الفرنسية" (French Canadian) الحزينة قد لا تريح الجميع، لكن تردد صداها في أذني بقوة لدرجة أنَّني بدأتُ أقضي الكثير من وقت فراغي في تعلُّم انسجامها المتوسط ​​الصعب.

ولقد فوجئت بمقدار الارتياح الذي قدَّمَته لي؛ جسدياً وعاطفياً، وحتى بعد أن أتقنتُ النغمات وحفظتُ كلمات أغنية "كيبيكوا" (Québécois)، كنت أغني فيها في أي وقت كنت بحاجة إلى استراحة من ضيق التنفُّس.

إقرأ أيضاً: أعراض الإصابة بفيروس كورونا، وأهم إرشادات السلامة للوقاية منه

أنفاسٌ أطول، توترٌ أقل:

استعملَ المعالجون بالموسيقى قبل فترة طويلة من جائحة "كوفيد-19" (COVID-19)، آلاتِ الغناء والنفخ لمساعدة المرضى الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفُّسي، مثل مرض "الانسداد الرئوي المزمن" (COPD) والربو.

وقال "سينيكا بلوك" (Seneca Block)، الذي يشرف على معظم برامج العلاج بالموسيقى والفن في النظام الصحي لـ "المستشفيات الجامعية" (University Hospitals health) في شمال شرق ولاية "أوهايو" (Ohio)، إنَّ الأنفاس الطويلة يمكن أن تساعد على تعزيز الاسترخاء، وتقليل استجابة الجسم للتوتر؛ وهذا هو السبب في أنَّ ممارسات مثل اليوغا والتأمل تركز كثيراً على التنفُّس.

ويمكن أن يساعد التنفُّسُ الإرادي المطلوب للغناء أو العزف على "الهارمونيكا" الشخصَ على فهم معنى إطالة الزفير، وقال "بلوك"، الذي قاد فريقه مجموعات عازفي "هارمونيكا" تضم مرضى الانسداد الرئوي المزمن: "عندما ينفخون في آلة "الهارمونيكا"؛ فإنَّك تسمع نغمة؛ وهذا يعلمهم أنَّ هذه هي العلامة؛ لذا فهم يفعلون ذلك بشكل صحيح".

ويُعطى أحياناً الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الجهاز التنفُّسي "مقياس التنفُّس التحفيزي"؛ وهو جهاز طبي لمساعدتهم على تمرين رئتيهم، وأشار "بلوك" إلى أنَّ العلاج بالغناء يعمل بطريقة مماثلة، ولكن أقل تقنية.

وقالت "جوان لوي" (Joanne Loewy)، مديرة مركز "لويس أرمسترونج للموسيقى والطب" (Louis Armstrong Center for Music and Medicine) في نظام "ماونت سيناي الصحي" (Mount Sinai Health System) في "نيويورك" (New York): إنَّ محفزات التنفُّس مع الغناء وآلات النفخ مرتبطة بنوم أفضل، وضيق أقل في التنفُّس، ومزاج أكثر إشراقاً.

تقود "لوي" جوقة من المرضى الذين يتعافون من السكتات الدماغية، التي قد تبدو مثل أيَّة جوقة أخرى في لحظات معينة، وقالت: "لكن بين الأغاني، قد نركز على الذاكرة؛ فنحن نبحث باستمرار عن طرائق لمساعدة الناس على البقاء بصحة جيدة من خلال الموسيقى".

بدأ الباحثون بدراسة ما إذا كانت هذه العلاجات نفسها يمكن أن تساعد المرضى على التعافي من "كوفيد-19" (COVID-19) أيضاً، وفي أوائل شهر أغسطس/ آب، بعد نحو شهر من شفائي، سمعتُ عن برنامج واحد من هذا القبيل، طُوِّر في "إنجلترا" يسمى "إينو بريز" (ENO Breathe).

وتعلَّم في البرنامج التجريبي 12 مشاركاً تمرينات التنفُّس والغناء؛ وذلك بناءً على تقنيات المغنين المحترفين، وبحلول نهاية التجربة، أبلغ معظم المشاركين عن تحسُّن في ضيق التنفُّس وانخفاض القلق، وبعد تجربة تمرينات التنفُّس لأول مرة في الجوقات، اعتقدتُ أنَّ تقنية "إينو بريز" منطقية.

ويمكن أن تساعد جلسات الاستعداد للغناء على تحضير الجسم للزفير المستمر، والتنفُّس من الحجاب الحاجز - وهي عضلة تفصل بين الصدر والبطن - وهي الطريقة التي يُدخِل بها المغنون المزيد من الهواء إلى رئتيهم لدعم قوة وطول النغمات.

ويخطط فريق "لوي" (Loewy) ومركز "ماونت سيناي" (Mount Sinai) لرعاية المرضى للشفاء من أعراض ما بعد الإصابة بـ "كوفيد" (COVID) لإطلاق دراسة لمدة عام، تختص بكيفية إمكان العلاج الجماعي الافتراضي الأسبوعي بالموسيقى أن يحسِّن أعراض الجهاز التنفُّسي، والاكتئاب، والقلق، ونوعية الحياة، والإرهاق، والنوم، والمرونة لدى مرضى "كوفيد-19" لفترة طويلة مع استمرار مشكلات الجهاز التنفُّسي.

وتُجري "جامعة ليمريك" (The University of Limerick) في "إيرلندا" (Ireland) دراسة مماثلة بهدف إعادة تدريب العضلات المستعملة في التنفُّس.

إقرأ أيضاً: العلاج بالموسيقى: هل يمكن استخدام الموسيقى بديلاً عن الدواء؟

سلام في الفوضى:

لجأتُ إلى الموسيقى للحصول على المساعدة على التقليل من العلاج السريري، لكنَّني لست الشخص الوحيد الذي يعاني من أعراض "كوفيد-19" (COVID-19) المستمرة للقيام بذلك.

وعندما علمت "دانييل ريس" (Danielle Rees)، البالغة من العمر 34 عاماً، من "توكسون، أريزونا" (Tucson, Arizona)، ببرنامج التنفُّس الذي يستعمله العديد من "الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة"، ذكرها بالغناء.

ولذلك، أخرجت أقراصاً مضغوطة - سيديات - من كورال مدرستها الثانوية وبدأت بالغناء معها، وقالت: "لأنَّها طريقة أكثر متعة من مجرد محاولة الشهيق والزفير لمدة 10 دقائق"؛ حيث إنَّ غناء أغنية كاملة مرة أخرى يجعلها تشعر بالإنجاز، وكذلك العزف على البيانو، وهو شيء لم تفعله منذ فترة المدرسة الابتدائية.

وقالت "ريس": "عندما شعرتُ برغبتي في ممارسة العزف على البيانو، تمكَّنت من الجلوس وتحقيق ذلك؛ وكان هذا بالنسبة إليَّ، علامة كبيرة على أنَّ دماغي كان يعمل من جديد"، ولقد سمعتُ من أشخاص آخرين يعانون من تحديات معرفية طويلة الأمد، ويشار إليها غالباً باسم "العجز الاستدراكي"، أنَّهم يأملون في أن يساعدهم تعليم أنفسهم العزف على آلةٍ موسيقية جديدة على الخروج منها.

ويغنِّي الآخرون، أو يعزفون على الآلات الموسيقية، أو يستمعون فقط للموسيقى لإعادة الحياة إلى طبيعتها مرة أخرى، ومساعدتهم على التعافي من الغضب والألم الناتج عن أعراض فيروس "كوفيد-19" المزمنة.

ويقول المعالجون بالموسيقى إنَّه من الصعب الفصل بين الفوائد الجسدية والنفسية المتشابكة لعملهم بسبب ارتباط العقل والجسم؛ فلا أعرف ما إذا كان الغناء خلال ضيق التنفُّس الذي أصابني في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قد هدَّأني أو حسَّن بالفعل من طريقة عمل رئتيَّ، وأظن أنَّه ساعد على الأمرين.

وقال "بلوك": إنَّ الموسيقى تساعد على مكافحة القلق والتوتر الناجمين عن غياب التواصل الاجتماعي.

وبسبب الزمن اللازم لوصول الصوت عبر الإنترنت، فإنَّ مزامنة الأصوات أو الآلات الموسيقية مستحيلة عملياً عبر منصة "زووم" (Zoom)؛ فقد كنت أُسكت المايكروفون في أثناء تدريبات الجوقة الافتراضية، وكنت أغني مع المدرب وأسجل الأغاني ولم أكن قادرةً على سماع أي شخص آخر في الكورال يفعل الشيء نفسه في منازلهم.

وعلى مدار ثمانية أشهر، صوَّرنا أنفسنا ونحن نغني ما تعلمناه، وأرسلنا تلك التسجيلات إلى قادة الجوقة، الذين قاموا بتحريرها معاً، وفي اجتماعنا الأخير في أبريل/ نيسان، استمعنا لجميع أشكال التعاون في حفل على منصة "زووم" (Zoom).

أفتقد الشعور بأنَّني تعلَّمت أغنية لأول مرة، عندما وصلت حبالي الصوتية أخيراً إلى النغمة الصحيحة وسماعها في سياق التناغمات من حولي، وأفتقد الطاقة التي تعطيها وتأخذها مع الناس من حولك في أثناء الأداء؛ فقد لا تكون الجوقة الافتراضية هي نفسها الجوقة الواقعية، ولكن من خلال العزلة والتوتر والقيود الجسدية، كنت ممتنة للغاية لامتلاكها.

قال "بلوك": "خلال هذه الأوقات من التوتر والقلق الشديد، تصبح أشياء مثل الموسيقى والفنون أكثر أهمية للناس؛ حيث إنَّها تساعد على الحفاظ على الشعور بالأمل والسلام في ظل الفوضى".

المصدر




مقالات مرتبطة