عند الحديث عن التعاطف مع الآخرين والتعامل معهم بلطف، لا بدّ لنا أن ندرك أنَّه ثمَّة اعتقادين أساسيين مرتبطين لدى الناس بهاتين الصفتين:
1- التعاطف واللطف تصرُّفان يقوم بهما الشخص مع أشخاصٍ آخرين:
التعاطف واللطف يمكن أن يمتدا إلى جوانب أبعد من العلاقات بين البشر، إذ من الحكمة في الواقع أن تفكر في كوكب الأرض وأصناف المخلوقات العديدة التي تعيش فيه أثناء القرارات التي تتخذها يومياً. لا يمكن أن نُنْكِر أنَّ الاهتمام بكوكب الأرض يقدم الفائدة لكل أولئك الذين يعيشون على سطح الأرض، وهو لا يعني فقط أن تساعد في حماية الأصناف المهددة بالانقراض بل أن تساعد أيضاً البشر الآخرين في الحفاظ على حياتهم وتحقيق النجاح.
2- يحتاج التعاطف والتحلّي باللطف إلى بذل كثير من الجهد:
هذا الكلام ليس صحيحاً بالضرورة إذ لست مضطراً إلى التطوع كل أسبوع وإلى تغيير روتين حياتك اليومية حتى تمارس التعاطف أو تكون لطيفاً. إنَّ القيام بتصرّفاتٍ لطيفةٍ بسيطةٍ كل يوم يمكن أن يؤثر بشكلٍ إيجابي في حياة الآخرين.
إليك بعض التصرفات اللطيفة السهلة، والبسيطة، والمهمة فعلاً والتي يمكنك فعلها في حياتك اليومية:
1- استخدام الكأس الخاص بك عند شراء القهوة:
هل يُعَدُّ التوقف في المقهى جزءاً من الأعمال التي اعتدت على القيام بها كل صباح؟ وإذا كنت تفعل ذلك أتُحْضِرُ معك كوبك الخاص إلى المقهى؟ إذا نظرت حولك قد يصيبك بالإحباط العدد الكبير من الأكواب الورقية غير القابلة لإعادة التدوير والأغطية البلاستيكية التي تراها.
فكّر في عدد المقاهي الموجودة فوق سطح الأرض وفي حجم النفايات التي يلقونها بسبب هذه الأكواب والأواني التي تُستخدَم مرةً واحدةً فقط. فكر فيما قد يحدث إذا أحضرت معك كوبك الخاص أو طلبْتَ أن تُقدَّم لك القهوة بكوبٍ زجاجي، كيف سيؤثر هذا في كمية النفايات التي ترسلها إلى مكب النفايات؟
يُعَدُّ إحضار الكوب الخاص طريقةً سهلةً لبدء اليوم بتصرفٍ لطيف، ومن يعلم! قد يشجع تصرفك هذا الأشخاص الذين يقفون خلفك في الطابور على القيام بالتصرف نفسه.
2- التوقف عن شراء عُلَب المياه البلاستيكية:
أَمِنَ الضروري فعلاً شراء عُلَب المياه البلاستيكية! وفقاً لتقريرٍ أعدَّته مؤسسة (Ellen MacArthur Foundation) تُقدِّر أكثر الأبحاث تفاؤلاً حجم البلاستيك الموجود في المحيطات اليوم بحوالي 150 مليون طن، وإذا استمرت الأمور بالسير بالطريقة نفسها من المُتوقَّع أن يكون ثمَّة مليون طن من البلاستيك مقابل كل 3 طن من الأسماك بحلول عام 2025 وأن يفوق وزن البلاستيك وزن السمك الموجود في البحر بحلول عام 2050.
ساهم في الحد من انتشار أكوام البلاستيك واحمل معك زجاجة خاصةً للماء، إذ يُعَدُّ هذا التصرف، مثل استعمال كوبك الخاص، واحداً من العديد من التصرفات اللطيفة البسيطة التي تستطيع البدء بها الآن.
3- إحسان الظنّ بالآخرين:
من السهل التسرع في إطلاق الأحكام على الآخرين حينما يسيء شخصٌ ما التصرف في موقفٍ ما أو يتصرف بطريقةٍ تفتقر إلى البراعة. ما الذي يحدث مثلاً حينما يتأخر صديقٌ 20 دقيقةً عن موعدٍ اتفقتما عليه مسبقاً دون أن يتصل بك ليخبرك أنَّه سيتأخر؟ ربما يكون أول ما يخطر في بالك أنَّ صديقك شخصٌ لا مبالٍ لأنَّه لم يتصل. كيف ستكون ردة فعلك إذا أرسلْتَ لصديقك رسالةً تدعوه فيها إلى العشاء ولم تتلقى منه ردَّاً؟ ما الذي يخطر في بالك إذا قطع شخصٌ ما الطريق عليك أثناء قيادة السيارة؟
قد تقول في مثل هذه الحالات أنَّ هؤلاء أشخاصٌ حمقى وغير مبالين، لكن ماذا لو أحسنت الظن بهم عوضاً عن ذلك وحدثت نفسك قائلاً: "ربما يكون صديقي مشغولاً في العمل أو في المدرسة"، أو "ربما لم يرَ صديقي الرسالة التي أرسلتها إليه"، أو "ربما لم ينتبه ذلك السائق". إذا بدأت تتصرف بهذه الطريقة تستطيع الحفاظ على توازن مزاجك وردود أفعالك.
4- إعارة الانتباه إلى الآخرين بشكلٍ كامل:
يقول الفيلسوف الفرنسي "سيمون ويل": "يُعَدُّ الانتباه أندر أشكال السخاء وأكثرها صفاءً". يصف "سيمون ويل" الذي عاش في بداية القرن العشرين الانتباه بالندرة فماذا لو وازنّا ذلك العصر بعصرنا هذا الذي تنتشر فيه الهواتف المحمولة ومصادر تشتيت الانتباه حيث من النادر أن تتواصل مع أي أحدٍ إذا لم تتلقى منه رسالةً أو مكالمة.
تُعَدُّ إعارة الانتباه للآخرين تصرفاً بسيطاً جدَّاً لكن على الرغم من ذلك ثمَّة الكثير من الناس يغفلون عنه. حاول أن تترك هاتفك في المنزل أو في السيارة حينما تقابل صديقك، وإذا استوقفك زميلٌ ما ليتحدث معك ابتعد عن كمبيوترك وكن حاضر الذهن بشكلٍ كامل.
5- ارتداء الثياب المستعملة:
يُعَدُّ شراء الثياب من محلات الثياب المستعملة أو إعارتها للأصدقاء واستعارتها منهم تصرفاً لطيفاً تجاه الكوكب وتجاه محفظة أموالك. إذ يذهب معظم الناس إلى المحلات (سواءً تلك الموجودة في الأسواق أو على شبكة الإنترنت) فيبتاعون قطعةً ما ويرتدونها إذا وجدوا أنَّه جميلة وأنَّ سعرها مناسب، لكنَّ معظم الثياب مصنوعة من مواد كيميائية سامة وقد لا يشغل تفكيرك أولئك الذين يصنعون تلك الثياب ولا كيف يُعامَلون.
وفقاً لتقريرٍ نشره موقع (Clean Clothes Campaign) فإنّ 80% من عمال صناعة الثياب حول العالم هم نساءٌ يواجهن غالباً تمييزاً وتحرشاتٍ جنسيةً في مكان العمل.
هل فكرت قطُّ فيما يحدث لثيابك حينما تتوقف عن ارتدائها؟ وفقاً لتقريرٍ نشرته وكالة (McKinsey & Company) في عام 2016 ينتهي المطاف بثلاثة أخماس جميع الثياب المصنَّعة إمَّا في المحارق وإمَّا في مكبات النفايات بعد عدة سنوات من تصنيعها. فلماذا لا تجرب شراء الملابس من محلات الألبسة المستعملة أو التبرع بثيابك القديمة؟
6- إلقاء التحية على أشخاصٍ جدد:
قد يرى العديد من الناس أنَّ النظر إلى أشخاصٍ غريبين وإلقاء التحية عليهم أمرٌ غير ملائم لكنَّ ذلك يُعَدُّ أحد التصرفات اللطيفة التي يمكن أن تُدْخِل السعادة إلى قلوبهم. تعامل مع المسألة كما لو كانت تجربةً اجتماعية وانتظر بفضولٍ ما سيحدث عندما تجريها.
7- تقبُّل الجميع:
قد تتجنَّب في بعض الأحيان التواصل مع أشخاصٍ تقابلهم في العمل أو المناسبات الاجتماعية إذ ليس من الممكن أن تعامل كل شخص مثلما تعامل أصدقائك المفضلين. فكر كيف يمكن أن تشعر إذا أحسست أنَّك شخصٌ منبوذ وجرب أن تتواصل مع أولئك الأشخاص الذين يبدو أنَّهم مهمشون من محيطهم. قد يعني هذا الكثير لذلك الشخص وسيجعلك تُحِسُّ بشعورٍ رائعٍ على الأرجح.
8- الاستمتاع بالطريق:
تخيَّل أنَّك عالقٌ في طابورٍ طويلٍ من السيارات المتوقفة أو التي تسير ببطء وبينما تنتظر بصبر تَجَاوَزَتْكَ سيارةٌ من اليمين وأراد سائقها أن يأخذ مكانك. ما أول شيءٍ سيخطر في بالك؟ قد تقول إنَّه شخصٌ أحمق أو قد تنعته بصفاتٍ أسوأ. قد تشعر بالغضب وتطلق أبواق سيارتك أو تومئ له حتى يعلم أنَّه لا يمكن أن يتصرف هكذا.
تحصل مثل هذه الأمور حينما تقود سيارتك، أليس كذلك؟ إذ بينما تقود سيارتك على الطريق السريع قد يقود شخصٌ سيارته أمامك بطريقةٍ متهورة وقد تكون واقفاً عند تقاطع فيسير سائقٌ دون أن تكون أولوية المرور له، وقد يركن سائقٌ سيارته بطريقةٍ تجعل من المستحيل أن يركن شخصٌ آخر سيارته بجانبها في المكان نفسه.
ماذا لو جعلت أخلاقك الحميدة وتصرفاتك اللطيفة ترافقك في الطريق؟ فأنت لا تستطيع القيام بأي شيء لتغيير الطريقة التي يقود بها ذلك السائق سيارته، وعوضاً عن الشعور بالغضب واللجوء إلى الزمور أحسِن الظن بالآخرين وقل لنفسك: "لا بد أن يكون ذلك الشخص في عجلةٍ من أمره".
9- أخذ قسطٍ من الراحة:
كن لطيفاً مع نفسك أيضاً وتذكَّر أنَّك إنسانٌ وترتكب الأخطاء مثل أي أحدٍ آخر، فقد تقول كلماتٍ غير مناسبة، وتفوِّت موعداً نهائياً، وترتكب الأخطاء في أثناء قيادة السيارة. يجب عليك أن تتعلم من أخطائك بكل تأكيد لكن لا تدعها تستهلك وقتاً وجهداً أكثر من اللازم، وعوضاً عن توبيخ نفسك ادعمها بالعبارات نفسها التي تستخدمها لتقديم الدعم لصديقك وحافظ على سعادتك.
التصرف بلطف ليس أمراً معقداً إذ من خلال القيام يومياً بهذه التصرفات اللطيفة البسيطة والمدروسة ستساهم في جعل هذا الكون مكاناً أفضل.
أضف تعليقاً