الكورتيزون: ارحموا عزيز قوم ذل

يُعَدُّ الكورتيزون من أسوأ الأدوية سمعة؛ إذ يهرب منه الجميع حتى ولو كان يتشارك مع مركبات أخرى، وبمجرد أن يسمع المريض باسمه يفر هارباً، وهذا الكورتيزون هو من أكثر الأدوية ظلماً من الناحية الإعلامية؛ إذ إنَّه يملك تأثير السحر في الأعراض، وبفترة قصيرة يجعل المريض يتحسن بشكل كبير، حتى إنَّ هناك مثلاً متداولاً في أوساط الأطباء: "لا تدع مريضك يموت قبل أن تعطيه الكورتيزون".



ما هو الكورتيزون؟

الكورتيزون هو هرمون طبيعي من هرمونات الجسم تفرزه الغدة الكظرية، ولنكن دقيقين أكثر؛ تتكون الغدة الكظرية من قشر ولب؛ إذ يُفرز اللب الأدرينالين، أما القشر فيفرز الهرمونات الستيروئيدية والمعروفة لدى عامة الناس بـالكورتيزونات، ويفرز القشر نوعين من الهرمونات وهي الستيروئيدات القشرية السكرية والمعدنية، والأندروجينات الكظرية.

في الحقيقة يُعَدُّ الكوليسترول هو طليعة بدائية لتركيب الكورتيزون؛ إذ يتشارك الكوليسترول مع الكورتيزون ليس فقط في التركيب؛ بل أيضاً في السمعة السيئة، مع أنَّ الكوليسترول ضروري من أجل عمل كل خلية في خلايا جسم الإنسان.

يرسل الوطاء الهرمون المطلق للكورتيكو تروبين إلى النخامية ليحفزها على إفراز الهرمون الموجه لقشر الكظر، والذي يحفز قشر الكظر على إفراز "الكورتيزون".

إنَّ مضادات الالتهاب الستيروئيدية أو كما هي معروفة لدى العامة "الكورتيزونات" هي الهرمونات القشرية السكرية ومركباتها الصنعية، مثل: البريدلون، والديكسا ميتازون، والميتيل بريدنيزولون وغيرها، وهي تُعطَى عن طريق الفم.

وتوجد كورتيزونات تُعطى عن طريق الاستنشاق أو بخاخ لعلاج مرض الربو، مثل البيكلوميتازون والديكسا ميتازون وغيرها، وتوجد كذلك كورتيزونات تُعطى عن طريق الوريد أو كريمات جلدية موضعية أو حتى قطرات عينية أو بخاخات أنفية.

كيف تعمل الستيروئيدات القشرية السكرية أو الكورتيزونات؟

تدخل الكورتيزونات إلى الخلية الحية، وترتبط مع هيولى الخلية ومستقبلاتها النوعية، وتنتج سلسلة من التعليمات أو التفاعلات تؤدي في نهاية المطاف إلى إنتاج بروتينات نوعية تمارس التأثير المطلوب من الكورتيزون.

ما هي تأثيرات الستيروئيدات القشرية السكرية أو الكورتيزونات؟

  1. لها فاعلية معاكسة للالتهاب والمشكلات التحسسية؛ إذ تثبط تصنيع وإفراز الوسائط التي تشارك في عملية الالتهاب أو التحسس مثل الهيستامين والبروستاغلاندين والبراديكينين وغيرها.
  2. الكورتيزونات لها فاعلية مثبطة للجهاز المناعي؛ إذ تثبط الجهاز اللمفاوي وتقلل بذلك عدد الخلايا المناعية اللمفاوية البائية والتائية، وكذلك تقلل تصنيع الانترفيرون والأضداد أو ما يُعرَف بالغلوبولينات المناعية؛ وبذلك فهي تقلل من مناعة الجسم تجاه الفيروسات والجراثيم والفطور.
  3. تؤثر الكورتيزونات في مكونات الدم، فهي تقلل من تعداد الخلايا المناعية اللمفاوية والحمضات والأسسات، بينما تزيد عدد الكريات البيض عديدة النوى، وهي تزيد أيضاً من تعداد الصفيحات الدموية والكريات الحمراء وخضاب الدم، فهي بذلك تزيد من قابلية التخثر في الدم وحدوث الجلطات.
  4. تقوم الكورتيزونات برفع مستويات السكر في الدم، وتزيد تصنيع السكريات من الحموض الأمينية في كل أعضاء الجسم، وتنقص استهلاك الجسم للسكر وتقلل إفراز الأنسولين، كما أنَّها تقوي تأثير الأدرينالين الذي يرفع سكر الدم.
  5. يقوم الكورتيزون بعملية هدم للبروتين على الأمد البعيد؛ حيث تؤدي المستويات المرتفعة لفترات طويلة إلى ضعف عضلي، وزيادة في كمية الدهون المخزنة في الجسم؛ بسبب زيادة تصنيعها وزيادة امتصاصها من الأمعاء.
  6. تُحدِث الكورتيزونات تأثيرات هامة في توازن الوارد في الجسم؛ إذ تزيد من احتباس الصوديوم والماء ومن ثم ترفع الضغط الشرياني، وبالمقابل تزيد طرح البوتاسيوم في البول؛ وهذا يؤدي إلى نقصه في الدم، وكذلك تُنقِص من تركيز كلس الدم؛ إذ تُنقِص امتصاصه من الأمعاء، وتزيد أيضاً من طرح الفوسفور عبر البول.
  7. الكورتيزونات لها تأثير مثبِّط للمحور النخامي الوطائي، ومن ثم تُنقِص تصنع الستيروئيدات الطبيعية، وخصوصاً عند استعمال الديكسا ميتازون والكارتي فازول.
  8. يُثبِّط الكورتيزون الهرمون المطلق لهرمون الدرقية، ومن ثم يؤدي إلى قصور درق.
  9. يمنع الكورتيزون الكلس من الترسب في العظام؛ وذلك عن طريق تثبيط الكالسيتونين.
  10. يؤدي الكورتيزون إلى ضعف عضلي ناجم عن هدم البروتينات وطرح البوتاسيوم، وكذلك يسبب هشاشة العظام لأنَّه يطرح الكلس ويمنع ترسبه فيها.
  11. ترفع الكورتيزونات الضغط الشرياني عبر زيادة تقبض الأوعية وزيادة تأثير المقبضات الوعائية في الأوعية.
  12. يؤذي الكورتيزون المعدة، عبر زيادة إفرازها لحمض كلور الماء وحدوث التقرحات والنزف الهضمي؛ إذ إنَّه يقلل إفراز المخاط الواقي للمعدة.
  13. كما للستيروئيدات أو الكورتيزونات تأثيرات هامة في الجهاز العصبي المركزي؛ إذ تعمل على تنبيهه وتُشعرهُ بالأرق والنشوة والتوتر والقلق والكآبة والتهيج؛ وبذلك فهي تزيد من حدوث الاختلاطات، ومن ثم تفاقم الصرع والاضطرابات النفسية.
  14. للكورتيزون تأثير فاتح لشهية المريض على الطعام، من خلال دوره في معاكسة السيروتونين والهيستامين وزيادة الحمض المعدي.
إقرأ أيضاً: 9 أطعمة فعّالة لعلاج الالتهابات المُختلفة

ما هي الاستعمالات الدوائية للكورتيزون؟

  1. نُعطي الكورتيزون لتعويض النقص في الهرمونات الستيروئيدية في حالات قصور قشر الكظر.
  2. يُستعمَل الكورتيزون من أجل تشخيص متلازمة كوشينغ؛ إذ إنَّ الديكسا ميتازون يثبط إفراز الكورتيزون تناذر كوشينغ الناجم عن مشكلة نخامية، في حين أنَّه غير قادر على فعل ذلك في تناذر كوشينغ الناجم عن ورم.
  3. تُستَعمَل الكورتيزونات كمضادات التهابية في مختلف الأمراض.
  4. يُعطى الكورتيزون في الحالات التحسسية، مثل الربو أو الصدمة التأقية أو التهاب الأنف التحسسي أو الأرجية الدوائية أو التهاب الجلد التحسسي، وغيرها من الحالات التحسسية.
  5. يُستعمَل الكورتيزون كمضاد للأمراض السرطانية، على سبيل المثال: سرطان الدم اللمفاوي والنقيوم المتعدد والأورام اللمفاوية.
  6. يعطى الكورتيزون لعلاج أمراض الدم، مثل نقص العدلات وفقر الدم المناعي ونقص الصفيحات الدموية مجهول السبب.
  7. يُستعمَل الكورتيزون كدواءٍ مثبط للمناعة؛ وذلك من أجل الإبقاء على الطعم في عمليات زرع أو نقل الأعضاء وحمايته من مناعة الجسم المُضيف، وفي معالجة أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الرثياني والصداف والوهن العضلي الوخيم، والذئبة الحمامية الجهازية.
  8. تُستعمَل الكورتيزونات في التقليل من الوذمة الدماغية، وعلاج التناذر النفروزي.
  9. للكورتيزون أيضاً أهمية في علاج الإقياء التالي للعلاج الكيميائي؛ إذ نستعمل الديكسا ميتازون والكيتيل بريدنيزولون.
  10. للكورتيزون فاعلية في تدبير فرط كلس الدم الحاد، وفي إنضاج رئة الجنين عند إعطائه للأم.

ما هي الآثار الجانبية المتوقعة لاستعمال الكورتيزون؟

  1. تركُّز شحوم الجسم في الوجه، أو ما يسمى بالوجه البدري، والعد، وزيادة نمو شعر الجسم، وقلة النوم، وزيادة في الشهية، وهذا ما نسميه بتناذر كوشينغ.
  2. في حال إيقاف الكورتيزونات بشكل مُفاجئ، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى قصور كظري حاد.
  3. آثار جانبية عصبية مثل القلق والهياج وقلة النوم والاكتئاب والاختلاطات.
  4. التهابات في المعدة، وقد تحدث قرحات أو نزف هضمي.
  5. الضعف المناعي ومن ثم زيادة الإصابة بالفيروسات والجراثيم والفطور.
  6. زيادة في قابلية التخثر والجلطات بسبب زيادة صفيحات الخضاب.
  7. قد تسبب الكورتيزونات آثاراً جانبية عينية في حال استعمالها بالطرق الموضعي أو الجهازي، مثل الساد والطرق.
  8. يفاقم الكورتيزون مرض السكري، ويؤدي إلى زيادة الكسور بسبب هشاشة العظام.
  9. يُسيء الكورتيزون للاضطرابات النفسية والصرع.

ما هي الآثار الجانبية للكورتيزونات الموضعية الجلدية؟

يمكن أن تسبب الكريمات أو المراهم الكورتيزونية مناطق من ضمور البشرة، أو حتى تشققات في الجلد بسبب إضعاف بنيته، أو أماكن ناقصة الصباغ، كما أنَّه يسبب زيادة في نمو الشعر وتأخُّر التئام الجروح، ويؤدي أيضاً إلى زيادة نسبة حدوث الإنتانات المختلفة.

ما هي الحالات التي يُمنَع فيها تناول الكورتيزونات؟

هناك مرضى من الممنوع لديهم أخذ الكورتيزون؛ وذلك لأنَّه يفاقم هذه الأمراض مثل، مرضى ارتفاع التوتر الشرياني، وفشل الكلى، وقصور القلب، والقرحة المعدية الحديثة وحتى القديمة منها، وقصور الكبد، والاضطرابات النفسية الشديدة، والداء السكري المرافق بحماض كيتوني سكري، ومرض السل، وبعض الأمراض الفيروسية مثل فيروس الهربس البسيط والحماق والحلأ النطاقي، وهشاشة العظام والصرع.

ما هي الستيرويدات المعدنية؟

هي ستيرويدات يكون تأثيرها الأساسي هو حبس الصوديوم والماء، ومن ثم حصول الوذمات وارتفاع في الضغط الشرياني، وتسبب ضعف عضلي لأنَّها تطرح البوتاسيوم، والذي من الممكن أن يتسبب بدوره في لانظميات قلبية.

إقرأ أيضاً: 4 أنواع من الأغذية الصحية وفوائدها للجسم

ما هو دواء الميتيرابون وما هو استعماله؟

هو دواء يُعَدُّ من فئة الأدوية المضادة للستيروئيدات المعدنية، ويُستعمَل في علاج متلازمة كوشينغ؛ إذ يُسبِّب تأثيرات جانبية مثل العد والشعرانية وزيادة الأندروجينات.

ما هو المفيبريستون واستعمالاته؟

هو مركب دوائي ستيروئيدي صنعي، ومعاكس قوي للستيروئيدات السكرية؛ إذ يعمل على معاكسة مستقبلات الكورتيزون، وله تأثير مضاد للبروجسترون، عن طريق معاكسة مستقبلاته.

يُستعمَل هذا الدواء من أجل تحريض الإجهاض لوحده أو يُعطى بالمشاركة مع البروستاغلاندين، ويُستعمَل كذلك كمانع حمل بجرعة فموية واحدة في الشهر، إذ يُعطى في منتصف الطور اللوتيني، وفي علاج تناذر كوشينغ.

كلمة أخيرة:

في نهاية هذا المقال، لا بد لنا أن نشير إلى فكرة في غاية الأهمية؛ وهي أنَّ كل هذه الآثار الجانبية ليست محتومة أو مؤكدة؛ وإنما أغلبها تأتي فقط في حال استعمال الكورتيزونات لفترات طويلة بجرعات عالية، أما في حال استعمالها تحت إشراف طبيب مختص ومؤهل، فإنَّ أضرارها تكون في أدنى حد، وفوائدها أكبر بكثير من أضرارها.

المصدر: مقرر الأدوية في كلية الطب البشري جامعة تشرين - اللاذقية.




مقالات مرتبطة