الكذب: أنواعه، وأسبابه، وآثاره، وطرق علاجه

يغوص بعض الأشخاص في الكذب إلى العمق وصولاً إلى حالة مَرضية مُزرية؛ حيث يتحول الكذب إلى عادة يومية وسلوك قهري لا بد من ممارسته، الأمر الذي يحوِّل الإنسان إلى وحش شرس لا يؤتمن جانبه.



شَرْعَنَ مجتمعُ اليوم الكذبَ بطريقة واضحة، فكم عدد المرات التي نسمع فيها مصطلح "كذبة بيضاء"، وكأنَّها طريقة لجعل الكذب مصطلحاً مطاطياً يحتوي على الكثير من التجاوزات، فيغدو غضبك من كذبة صديقك "البيضاء"؛ غضباً مستهجناً، ويغدو حديثك المتواصل عن الصدق وأهميته وقداسته؛ حديثاً مملاً.

من جهة أخرى، عدَّ الكثير من الناس الكذب من ضروريات الحياة وأساسياتها اليوم، فكيف ستكسب العلاقات الاجتماعية من دون الكذب والمجاملات، وكيف ستحصل على رضا مديرك من دون المراوغة والنفاق، وكيف ستحصل على تلك الوظيفة المرموقة من دون التلاعب وادعاء المؤهلات الاستثنائية التي لا تمتلكها بالأساس، وكيف ستنال رضا الحبيبة إن لم تدَّعِ امتلاك ممتلكات وعقارات في غاية الرفاهية؟ أما ما يخص وسائل التواصل الاجتماعي؛ فيظهر فيها الكذب في أوج عطائه؛ حيث تتصدر كلمات وتعليقات الكذب كامل المساحة الزرقاء.

ما هو الكذب، وأسبابه، وعلاجه؛ هذا ما سنعرفه من خلال هذا المقال.

ما هو تعريف الكذب؟

هو حالة من تشويه الحقائق أو المعلومات، أو عدم الاعتراف بالحقيقة كاملة؛ وذلك من أجل الهروب من الألم أو طمعاً في سعادة محتملة.

ما هي أنواع الكذب؟

1. الكذب الادعائي:

وفيه يدَّعي الإنسان ما ليس فيه، كأن يدَّعي امتلاكه لعقارات وممتلكات ومجوهرات، في حين أنَّه لا يملك أيَّاً منها على الإطلاق، ويعد الشعور بالنقص أهم مصدر من مصادر هذا الكذب؛ إذ يرى الإنسان ذاته أقل من الآخرين، كما يعد المفهوم المشوَّه للقيم عاملاً أساسياً في خلق هذا النوع من الكذب؛ حيث يُعطِي الإنسان الكاذب، المادةَ، الأهميةَ المطلقةَ في حياته، ويعدُّ المالَ العنصرَ الأول لإجراء تقييم بين الناس، في حين أنَّ المعيار الأساسي للتقييم بين الناس هو قيم الاستقامة والصدق والالتزام.

2. الكذب الدفاعي:

وهو الكذب الذي يلجأ إليه الإنسان من أجل دفع الضرر عن نفسه، أو من أجل تحقيق منفعة ما لنفسه، على سبيل المثال: كأن يكذب الطفل على والديه قائلاً: "لم أكسر التحفة، أخي الأصغر قد فعل ذلك"، في حين أنَّه مَن كسرها.

وهنا على الأهل تربية الطفل على أهمية الصراحة والوضوح، كما يجب إعطائه مساحة من الحرية بحيث يعبِّر عن ذاته ورغباته.

3. الكذب التخيلي:

ويقوم الفرد هنا بالخلط ما بين الحقيقة والخيال، بحيث يؤلِّف كذبة ما ويقوم بتصديقها تماماً ويعمل على أساسها.

4. الكذب المَرضي:

ويصل هنا الإنسان إلى حالة مَرضية، بحيث يشعر بقسرية الكذب وإلحاحه، ويكذب الإنسان هنا بدون وعي منه؛ أي أنَّه غير مستبصر في حالته ويستمر لفترات زمنية طويلة جداً، فقد يبدأ من سنوات عدة ويمتد أمد الحياة.

يتحول الكذب في هذه المرحلة إلى عادة متأصِّلة لدى الإنسان، بحيث لا يستطيع العيش لثانية واحدة بدون كذب، ويكون هدفه السيطرة على الآخرين وإلحاق الأذى بهم.

شاهد بالفيديو: 6 طرق لكشف الكاذبين من حولك

ما هي أسباب الكذب؟

1. الكبت:

تؤدي تربية الطفل بطريقة قاسية وظالمة إلى نتائج كارثية في حقِّه، كأن يتحول إلى كاذب لكي يضمن عدم تعرُّض الأبوين له وعدم اعتدائهم عليه؛ ولذلك على الأبوين التعامل مع طفلهما بأسلوب راقٍ وناضج، بحيث يعطونه مساحة كبيرة من الحرية والثقة والحب، مع تبيان قيم الحياة له (وأهمها الصدق) والأضرار الناتجة عن تجاهلها، ومع معاقبته بطريقة مدروسة في حال ارتكابه الأخطاء، فلا يستخدمان الضرب على الإطلاق؛ بل يستخدمان أسلوب الحرمان، كأن يحرمانه من النزهة مع أصدقائه مثلاً، الأمر الذي ينعكس على الطفل بنتائج إيجابية.

2. التقليد:

يُقلِّد الطفل والديه تماماً في كل تصرفاتهما، فإن كان أحدهما كاذباً؛ عليك أن تتوقع نشوء طفل كاذب بنسبة كبيرة جداً.

3. عدم الثقة بالنفس:

يكذب الكثير من الناس لعدم ثقتهم بأنفسهم؛ إذ إنَّهم يبنون حياة لا تشبه حياتهم من أجل كسب رضا الآخرين وإعجابهم.

إقرأ أيضاً: الكذب عند الطفل: تطوره، أشكاله، وطرق العلاج (1)

ما هي الآثار النفسية والجسدية للكذب؟

يجعل الكذب الإنسان دائم القلق والتوتر والأرق؛ إذ يُصاب العقل بالاضطراب ما بين الكذبة والحقيقة، ممَّا يجعله أمام مجهود مضاعف؛ حيث يخاف الإنسان ويتوتر من احتمالية اكتشاف كذبته من قِبل الطرف الآخر، ومن ثم يستنفر الجسم ويفرز هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) بكثرة، كما يُفرَز الأدرينالين، مما يجعل الجسم في حالة تأهب إمَّا للدفاع أو للهروب، ويزداد معدَّل دقات القلب، ويتعرق الجسم، وتتسع العينان.

إضافة إلى تراجع الذاكرة وتدهورها؛ حيث لا يستطيع الكاذب تذكُّر كامل أكاذيبه، الأمر الذي يجعله يؤلف أكاذيب جديدة ويضيع أكثر وأكثر.

علاج الكذب:

في حال كان الكذب ليس مَرضياً، فهنا يجب على الشخص أن يتحمَّل مسؤولية الأمر، وأن يسعى إلى التخلص من هذه الآفة اللعينة التي تُفقِده ثقة الناس به واحترامهم له، كما تجعله في حالة من المشاعر السلبية الدائمة، وتبني علاقة مضطربة بينه وبين نفسه، فلا يمكن أن تجد شخصاً كاذباً؛ متوازناً نفسياً.

كما تؤثر في كل قيمه في الحياة، فلا يمكن أن تجد شخصاً كاذباً؛ لديه مبادئ ثابتة ويسعى إلى إسعاد الآخرين وتقديم النفع لهم، كما على الآخرين أن يساعدوا الشخص الكاذب في تخطِّي هذه الآفة من خلال مواجهته وعدم الانصياع لكذبته، كأن يضعوا له حداً، الأمر الذي يجعله لا يتمادى في كذبه.

إقرأ أيضاً: أسباب الكذب وطرق التعامل مع الشخص الكاذب

أمَّا في حال كان الكذب حالة مَرضية؛ فعندها على المريض أن يطلب مساعدة متخصص نفسي في القضية، بحيث يُخضِعه لجلسات علاج معرفي سلوكي، ويحوِّله من حالة عدم الاستبصار إلى حالة من الوعي بحالته وخطورتها وضرورة اتخاذ خطوات جدية لعلاج الوضع.

ومن ثمَّ يفهم الطبيب النفسي السبب الحقيقي الكامن وراء إدمان الكذب، ويقوم بعد ذلك ببناء برنامج علاجي مشترك ما بينه وبين المريض وأهل المريض وأصدقائه، بحيث يطبِّق خطوات عملية مع المريض، وبمساعدة المحيط به يضمن الالتزام بتلك الخطوات.

في الختام:

إن كنت تتوقع أنَّ الكذب يساعدك على الوصول إلى ما تريد؛ فأنتَ واهم للغاية؛ وذلك لأنَّك عندما تكذب؛ تخسر نفسك وقيمك واحترام وثقة مَن حولك، كما تخسر أهم ما في الحياة وهو رضا الله، وتبتعد عن أغلى ما تملك وهي الإنسانية؛ فما نفع أن تصل إلى ما تريد، حين تكون قد خسرت نفسك وربك؟!

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة