العلاج النفسي وأهميته في الحفاظ على الصحة النفسية

هل تشعر أنَّ كل شيء في الخارج جيد، ولكنَّك على الرغم من ذلك تشعر بالضيق؟ وهل تواجه صعوبات يومياً في الاستيقاظ وبدء يومك؟ وهل تشعر بارتباكٍ كبيرٍ في مشاعرك وأفكارك؟ وهل سلوكاتك وأفعالك بدأت تصبح خارج سيطرتك؟ باختصار، هل بدأت حياتك تصبح عبئاً ثقيلاً تحمله فوق ظهرك؟



في حال كانت إجاباتك "نعم" عن معظم الأسئلة السابقة، نعتقد أنَّك تحتاج إلى جلسات علاج نفسي، فالعلاج النفسي وأهميته في الحفاظ على الصحة النفسية، هو موضوع مقالنا لهذا اليوم، فإذا كنت مهتماً، فتابع القراءة.

ما هو العلاج النفسي؟

العلاج النفسي مصطلح يدل على العلاج الذي يُستخدم مع الأشخاص الذين يعانون من مشكلات في الصحة العقلية، ويتم هذا العلاج من خلال الحديث مع طبيب نفسي أو اختصاصي نفسي أو معالج نفسي أو أي شخص من مقدمي خدمات الصحة العقلية، لذلك يُطلق عليه أيضاً العلاج بالحوار أو الاستشارة.

يفيد العلاج النفسي المريض بفهم مشكلاته أكثر، والتعرف إلى الأسباب التي أدت إلى اضطراب حالته النفسية والعقلية، وهذا هام جداً وله آثار إيجابية كبيرة في حياة المريض؛ إذ يصبح أكثر قدرة على فهم مشاعره وضبط سلوكاته وحالته المزاجية؛ أي السيطرة على حياته عموماً، والتعامل مع الظروف الصعبة التي يمر بها.

أنواع العلاج النفسي:

يوجد أنواع عديدة للعلاج النفسي، ويتوقف استخدام كل نوع على حالة المريض ووضعه، ولكل نوع من أنواع العلاج النفسي منهج خاص يختاره المريض تبعاً للحالة التي يمر بها.

سنذكر فيما يأتي أكثر تقنيات العلاج النفسي شيوعاً:

1. العلاج السلوكي المعرفي (CBT):

يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي في كثير من الحالات، وقد يُستخدم وحده أو يترافق مع علاج دوائي؛ إذ يعد هذا العلاج من العلاجات الهامة والفعالة؛ وذلك نظراً لدوره الكبير في تعريف الشخص بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء كل سلوك أو تصرُّف يقوم به، كما أنَّه يرشده إلى المعتقدات والسلوكات الخاطئة التي يقوم بها، ويعلِّمه كيف يستبدلها بأخرى إيجابية.

2. العلاج السلوكي الجدلي:

يعد هذا العلاج من أنواع العلاج السلوكي المعرفي، ويقوم على تدريس الشخص الذي يخضع للعلاج المهارات السلوكية التي تساعده على التعامل مع الضغط وإدارة مشاعره، وهذا ما سينعكس على علاقاته الاجتماعية، ويؤثر إيجاباً فيها.

شاهد بالفديو: 6 عادات لتحسين الصحـة العقلية

3. العلاج الديناميكي النفسي:

يتم في هذا النوع من العلاج النفسي ما يشبه عملية التحليل النفسي التي يخرج بعدها الشخص الذي يخضع للعلاج أكثر وعياً بأفكاره وسلوكاته اللاواعية، فيحللها ويفهمها، وهذا له دور كبير في فهم الشخص لنفسه ولدوافعه ولكل تصرفاته والنزاعات التي تجري داخله.

4. العلاج النفسي الداعم:

هو العلاج الذي لا يُستخدم للحالات المرضية؛ وإنَّما يُستخدم غالباً مع الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في التأقلم مع المحيط، أو يعانون من ضغوطات في مكان العمل، أو يمرون بمواقف صعبة.

يوجد أيضاً نوع من العلاج النفسي الذي يهدف إلى تحسين العلاقات وعلاج المشكلات مع الآخرين، والهدف الأساسي في هذا النوع من العلاج هو تحسين المهارات الشخصية، وتعزيز عمليات التواصل مع الآخرين، سواء في المنزل أم العمل أم حتى مع الأصدقاء والمقربين.

من الجدير بالذكر أنَّ المعالج النفسي يقوم في الجلسة الأولى بأخذ معلومات عنك وعن أسباب زيارتك له، كما قد يجري استبيانات، ويطلب منك ملء نماذج، والهدف من كل هذا هو تحديد حالتك بشكل دقيق لاختيار منهج أو نوع العلاج النفسي المناسب لك، وقد يستغرق الأمر مع المعالج أكثر من جلسة حتى يحسم أمره نهائياً بشأن كيفية خضوعك للعلاج النفسي.

إقرأ أيضاً: 8 أمور أساسيّة تدل على الصحة النفسيّة الجيدة للإنسان

متى نحتاج إلى العلاج النفسي؟

نحن نحتاج إلى العلاج النفسي في كثير من الحالات، ونتيجة كثير من المشكلات النفسية التي نواجهها وتؤثر في صحتنا العقلية؛ إذ يظهر دور العلاج النفسي وأهميته في الحفاظ على الصحة النفسية، من خلال تقديم المساعدة في العديد من الحالات، وهنا لا بد من التأكيد على أنَّ جلسات العلاج النفسي ليست بالضرورة خاصة بالأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية أو عقلية؛ بل من الممكن أن تكون مفيدة بشكل كبير في حال مرور الشخص بظروف صعبة أو تعرضه للضغوطات والمشكلات النفسية، مثل:

  1. المشكلات والنزاعات الأسرية التي قد تحدث مع الوالدين أو مع الشريك، وينتج عنها كثيراً من الضغوطات المسببة للقلق والتوتر، وهذا ما يؤثر في مدى توازن الشخص وقدرته على اتخاذ القرارات الصائبة، فمثلاً قد يعتقد أحد الأشخاص أنَّ الطلاق هو الحل للمشكلات مع الشريك، وعند الخضوع لجلسات العلاج النفسي، قد تتوضح لديه الأسباب الحقيقية المسببة للتوتر والمشكلات، وهذا ما يساعد كثيراً على اتخاذ القرار الصائب.
  2. ضغوطات العمل والمشكلات الناتجة عن بيئة العمل غير الصحية، هذه البيئة التي ينتج عنها كثير من القلق والتوتر.
  3. الشخص الذي يعاني من عدم قدرته على ضبط أعصابه في التعامل مع حالات الغضب والانفعال.
  4. الحالات التي يعاني منها الأشخاص من مشكلات حدثت معهم في الطفولة، مثل الاغتصاب أو التحرش؛ إذ يساعد العلاج النفسي على التعافي والتصالح مع النفس، وبدء الحياة من جديد، وخاصة أنَّ الكثيرين من الأشخاص الذين مروا بأشياء مشابهة في طفولتهم، لا يستطيعون إكمال حياتهم بشكل طبيعي، وهنا يظهر دور جلسات العلاج النفسي في المساعدة على تخطي تلك الظروف القاسية.
  5. الأشخاص الذين يعانون من مشكلات جنسية أو مشكلات في النوم.

إضافة إلى التدخلات السابقة للعلاج النفسي، فمن الممكن اللجوء إلى العلاج النفسي في كثير من الحالات المَرضية، وسنذكر منها:

  1. اضطراب القلق؛ إذ يتم اللجوء إلى جلسات العلاج النفسي في حال إصابة الشخص بأي اضطراب من اضطرابات القلق، مثل الوسواس القهري أو اضطرابات ما بعد الصدمة أو اضطراب الذعر.
  2. الحالات المزاجية السيئة التي تؤثر في ممارسة الفرد لحياته الطبيعية، وتتعطل بسببها أعماله اليومية الروتينية، مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.
  3. الأشخاص المصابون بالإدمان مهما كان نوع الإدمان، سواء أكان إدماناً على شرب بعض المواد، مثل الكحول أو المخدرات، أم الإدمان على سلوكات معينة، مثل إدمان الجنس أو لعب القمار.
  4. اضطرابات الشهية المؤثرة في الصحة النفسية للإنسان، ومن ثم في الصحة الجسدية، مثل الشره المرضي أو فقدان الشهية.
  5. الاضطرابات التي تسبب انفصالاً عن الواقع، مثل الفصام.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

ماذا يحدث بعد البدء بجلسات العلاج النفسي؟

شعرنا أنَّ صحتنا النفسية ليست على ما يرام، أو نمرُّ بظروف صعبة وضغوطات كبيرة، وما إلى ذلك من الأسباب الكثيرة التي سبق أن تحدثنا عنها، والتي دفعتنا نحو خيار الخضوع لجلسات العلاج النفسي بهدف تحسين صحتنا النفسية، والسؤال الأهم هنا "ماذا يمكن أن يحدث بعد البدء بالعلاج النفسي؟".

في الحقيقة وفي معظم أنواع العلاج النفسي، ستجد نفسك ومنذ الجلسة الأولى تمتلك أخيراً الفرصة لتتكلم عن كل ما يخطر في بالك؛ إذ سيقوم المعالج بتشجيعك للتعبير عن مشاعرك بكل صراحة، ومن الوارد جداً ألا تشعر بالراحة في البداية، لكن مع مرور الوقت ستكسب مزيداً من الثقة، وستجد نفسك شجاعاً لتتكلم بكل أريحية.

لا تتوقع أن تبدأ بالتحسن من أول جلسة، فمن الممكن أن تشعر بالإرهاق أو حتى القلق؛ والسبب يرجع إلى كمية العواطف التي تضطر إلى التعامل معها في كل جلسة؛ لذلك من الهام أن تتابع جلساتك، ولا تتوقف دون إعلام المعالج برغبتك.

بالنسبة إلى الوقت الذي قد تحتاجه، فإنَّ تحديده بدقة غير ممكن؛ ويرجع هذا إلى عدد من الأسباب، منها نوع العلاج النفسي الذي تخضع له، والأعراض التي تحس بها، والتحسن الذي تقدمه، وحالتك بحد ذاتها؛ هل هي اضطراب أم مجرد ضيق عابر؟

في النهاية لا تتوقع حلا جذرياً لمشكلاتك؛ لأنَّ هذا في الحقيقة ليس من مهام العلاج النفسي، فالعلاج النفسي يعلِّمك فقط كيف تتعامل، وكيف تتأقلم، وكيف تتعايش تعايشاً صحيحاً مع ما تعانيه، ويمكننا في هذا الصدد تقديم مجموعة من النصائح لك لضمان تحقيق أقصى استفادة من العلاج النفسي:

  1. اختر المعالج النفسي المناسب لك، فشعورك بالارتياح مع معالجك هام جداً لتحقيق الاستفادة المطلوبة، فإذا لم تشعر بهذا الارتياح، فأخبر المعالج أنَّك ستتوقف عن العلاج، وابحث عن معالج آخر.
  2. تأكد من أنَّ المعالج الذي اخترته حاصل على شهادة في هذا المجال، ومن الأمثلة عن الأشخاص الذين يمكنهم العمل بصفتهم معالجين نفسيين "الأطباء النفسيون، علماء النفس، الممرضون النفسيون، المستشارون"، وغيرهم من المتخصصين المعتمدين والخاضعين لدورات تدريبية وتأهيلية في مجال العلاج النفسي.
  3. التزم بالخطة العلاجية التي وضعها لك المعالج النفسي، ولا تفوِّت الجلسات، ولا تقطع العلاج فجأة؛ لأنَّ هذا قد يسبب تراجعاً في حالتك، وبدلاً من الاستفادة، قد تشعر بعدم الارتياح، ويزداد وضعك سوءاً.
  4. لا تبقَ منغلقاً على نفسك، فجلسات العلاج النفسي فرصتك للتعبير عن مشاعرك وكل ما يجول في خاطرك، فكن صادقاً وصريحاً؛ لأنَّ هذا هام جداً ليفهم معالجك مشكلتك فهماً دقيقاً.
  5. اصبر، فلن ترى نتائج فورية؛ بل الأمر يحتاج إلى العديد من الجلسات حتى تشعر بالتحسن.
إقرأ أيضاً: 5 أسباب تستدعي زيارة الطبيب النفسي

في الختام:

الخضوع للعلاج النفسي من الأمور الهامة للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو ظروف صعبة، أو للأشخاص الذين مروا بطفولة صعبة وقاسية، فمن خلاله يستطيع الإنسان التصالح مع نفسه، وفهم الأسباب الحقيقية التي تقف وراء المشاعر السيئة التي يحس بها، والتي تؤثر تأثيراً كبيراً في صحته النفسية.




مقالات مرتبطة