ما هو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؟
اضطراب الكرب التالي للصدمة أو اضطراب ما بعد الصدمة ويسمى أحياناً باضطراب الكرب التالي للرضح (PTSD - Posttraumatic stress disorder) نوع من أنواع المرض النفسي واضطراب متعلق بالشعور بالقلق أو الصدمة والذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم والتورط فيه أو مجرد مشاهدته.
ويمكن لمجموعة كبيرة من الأحداث أن تسبب هذا الاضطراب، كحوادث الطرق الخطيرة والحروب والمعارك والاعتداء الجنسي أوالاغتصاب والاعتداء الجسدي والسرقة والسطو والكوارث الطبيعية أو أي صدمة أخرى.
ولا يتعلق اضطراب ما بعد الصدمة بخلل أو ضعف في شخصية المريض، وإنما هو رد فعل على التغيرات الكيميائية في الدماغ بعد التعرض لأحداث صادمة أو مهددة.
ويعاني الشخص المصاب باضطراب ما بعد الصدمة من إحساس قوي بالخطر، مما يؤدي لشعوره بالتوتر أو الخوف، وذلك حتى في المواقف الآمنة.
الأشخاص المعرضون للإصابة باضطراب مابعد الصدمة:
في ما مضى خلال الحرب العالمية الثانية كان يدعى هذا الاضطراب "Shell Shock" أي صدمة القذائف أو القصف، ثم لاحقاً أطلق عليه التسمية الحالية "اضطراب ما بعد الصدمة" وغيرها من التسميات وذلك لعدم اقتصاره على الأشخاص الذين خاضوا الحروب وإنما يشمل كل شخص تعرض لصدمة في حياته.
وقد يحدث هذا الاضطراب لكل من النساء و الرجال على حد سواء ولمختلف الأعمار.
وعلى الرغم من أن اضطراب ما بعد الصدمة قد يصيب أي شخص تعرض لحدث صادم إلا أن هنالك مجموعات من الناس قد تكون أكثر شيوعاً بينهم، نذكر منهم:
- رجال الإطفاء.
- المراهقون الناجون من حوادث السيارات الخطيرة.
- ضحايا الاغتصاب من الإناث.
- أسرى الحرب
أنواع اضطراب ما بعد الصدمة:
من خلال فهم هذه الأنواع المختلفة من اضطراب ما بعد الصدمة، يمكن للأفراد اكتساب نظرة أعمق حول التأثيرات المحددة التي يمكن أن تحدثها الصدمة على صحتهم العقلية.
حيث يمكن أن يساعد تحديد نوع اضطراب ما بعد الصدمة لدى الشخص في البحث عن العلاج المناسب والدعم الذي يحتاجه للشفاء والتعافي.
وتشمل الأنواع الستة من اضطراب ما بعد الصدمة ما يلي:
1. الاستجابة الطبيعية للتوتر:
في حين أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة يمكن أن تحدث بعد الأحداث الصادمة، إلا أنه لا يصاب جميع الأفراد بهذا الاضطراب.
حيث يعاني معظم الأفراد عادة من استجابة طبيعية للضغط النفسي لضغوطات الحياة، مثل المرض أو الحوادث أو العمليات الجراحية، وتهدأ هذه الأعراض عموماً دون التسبب في ضائقة كبيرة من خلال مهارات التأقلم والدعم.
2. اضطراب التوتر الحاد:
اضطراب التوتر الحاد (ASD) هو نوع من اضطراب ما بعد الصدمة الذي يحدث مباشرة بعد وقوع حدث صادم.
حيث قد يعاني الأفراد المصابون باضطراب طيف التوحد من قلق متزايد، ومشاعر قلق أو خوف مستمرة، وأفكار متطفلة تتعلق بالصدمة.
وقد يُظهرون أيضاً استجابة مفاجئة مبالغ فيها، أو يشعرون دائماً بالتوتر أو يذهلون بسهولة بسبب الضوضاء العالية أو الحركات المفاجئة.
3. اضطراب ما بعد الصدمة غير المعقد:
عادة ما يتطور اضطراب ما بعد الصدمة غير المعقد من حدث صادم واحد، مثل اضطراب ما بعد الصدمة بعد حادث سيارة.
حيث قد يواجه الأشخاص أفكاراً تطفلية، حتى عندما يحاولون تجنب التفكير في الحدث، وقد يظهرون زيادة في التوتر أو القلق في أماكن محددة مما يؤدي إلى إثارة ذكريات الصدمة.
كما قد يبدو البعض متقلب المزاج، مما قد يؤدي إلى توتر العلاقات ويؤثر على القدرة على القيام بالأنشطة اليومية.
4. اضطراب ما بعد الصدمة الانفصامي:
حيث يتضمن هذا النوع من اضطراب ما بعد الصدمة أعراضاً نموذجية جنباً إلى جنب مع نوبات انفصالية مستمرة أو متكررة ناجمة عن اضطراب ما بعد الصدمة.
ويعد اضطراب ما بعد الصدمة الانفصامي أمراً شائعاً بالنسبة لأولئك الذين عانوا من إساءة معاملة كبيرة من الأسرة أو صدمة الطفولة.
وإذا لم يتم علاجه، يمكن أن يؤدي الانفصال إلى هفوات في الانتباه والذاكرة مدى الحياة، مما قد يؤدي إلى الإضرار بالنجاح العام والعلاقات والأداء اليومي.
5. اضطراب ما بعد الصدمة المعقد:
يتطور اضطراب ما بعد الصدمة المعقد (CPTSD) بعد أحداث صادمة متعددة أو متكررة، وقد يعاني الأفراد من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بشكل أكثر مختلف، أحياناً يكون رد الفعل على شكل تغيرات سلوكية معادية للمجتمع وعدوانية.
حث يكافح الكثيرون لمعالجة تأثير الصدمات التي تعرضوا لها، مما يؤدي إلى تدني احترام الذات والاندفاع وعمليات التفكير المدمرة.
6. اضطراب ما بعد الصدمة المرضي:
يترافق اضطراب ما بعد الصدمة المرضي مع وجود مشكلة أو أكثر من حالات الصحة العقلية الأخرى.
ومن الشائع أن يعاني الأفراد الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة أيضاً من اضطرابات أخرى، وهذا يمكن أن يزيد من تعقيد أعراضهم وعلاجهم.
أسباب اضطراب ما بعد الصدمة:
يمكن أن يتطور اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) بعد حدث مرهق للغاية أو مخيف أو مؤلم، أو بعد تجربة مؤلمة طويلة. وتشمل أنواع الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة ما يلي:
- حوادث خطيرة.
- الاعتداء الجسدي أو الجنسي.
- سوء المعاملة، بما في ذلك إساءة معاملة الأطفال أو العنف المنزلي.
- التعرض للأحداث المؤلمة في العمل، بما في ذلك التعرض عن بعد.
- مشاكل صحية خطيرة، مثل دخول العناية المركزة.
- تجارب الولادة، مثل فقدان الطفل.
- وفاة شخص قريب منك.
- الحرب والصراع.
- التعذيب.
كما أن هناك مجموعة من عوامل الخطر التي تكون موجودة قبل حدوث الصدمة (عوامل الخطر السابقة للصدمة)، أو قد تنشئ خلال الصدمة أو بعدها (عوامل الخطر اللاحقة للصدمة)، ومنها:
- مشاهدة شخص آخر يتعرض للأذى، أو حدوث مشاكل أخرى بعد التعرض للحدث الصادم كخسارة شخص مقرب.
- التعرض لصدمة في الطفولة، كتعرض الشخص في الطفولة للانتهاك أو الاعتداء الجنسي.
- وجود تاريخ مرضي من الاضطرابات النفسية أو تعاطي الأدوية والمخدرات.
- غياب الدعم الاجتماعي بعد التعرض للصدمة.
- العيش ضمن بيئة تشهد أحداثاً خطیرة وصدمات.
- رؤية جثة.
أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):
قد تبدأ أعراض الاضطراب بالظهور بعد أسابيع أو حتى شهور من الحادثة. وعادة ما تظهر في غضون 6 أشهر من ذلك الحادث.
ومع مرور الوقت قد يصبح الشخص المصاب بالاضطراب أكثر شعوراً بالقلق والخوف والاكتئاب، حيث يمكن لهذا الاضطراب أن يؤثر سلباً ولسنوات عديدة على حياة الشخص المصاب، وقد تتسبب أعراضه في شل قدرته على العمل وممارسة أنشطته المعتادة.
وعادة ما يتم تقسيم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إلى أربعة فئات:
1. أعراض عيش التجربة:
قد تشمل أعراض عيش التجربة:
- معاناة المصاب من تكرار الذكريات المؤلمة وغير المرغوب بها للحدث الصادم بشكل لا إرادي.
- عيش ذكريات حية للحظة الحدث الصادم كما لو كان يحدث حقيقةً مرة أخرى.
- تكرر أحلام أو كوابيس مزعجة عن الحدث الصادم.
- ضغط نفسي أو ردود فعل جسديّة عند تذكُّر الحدث الصادم.
2. أعراض التجنب والتهرب من كل ما يتصل بالحدث الصادم:
وقد تشمل أعراض التجنب:
- محاولة الشخص المصاب أن يتجنب التفكير في الحدث الصادم أو التحدث عنه أو التعبير عن مشاعره تجاه ذلك الحدث.
- تجنب الأماكن أو الأنشطة أو المواقف أو الأشخاص الذين يذكرونه بالحدث الصادم.
3. التغيّرات السلبية في التفكير والمشاعر والحالة المزاجية:
قد تشمل أعراض التغيرات السلبية في التفكير والحالة المزاجية:
- ظهور أفكار سلبية لدى المصاب عن نفسه أو عن الآخرين بشكل متكرر ومستمر.
- الشعور بالانفصال عن الآخرين ومواجهة صعوبة في الحفاظ على العلاقات الوثيقة.
- مشاكل تتعلق بتذكر الحدث الصادم.
- الشعور بالقلق والذنب واللوم واليأس من المستقبل.
- فقدان الاهتمام بأنشطة كان يستمتع بها الشخص المصاب في الماضي.
- يصعب على الشخص المصاب أن يشعر بمشاعر إيجابية.
- الشعور بالخدر العاطفي والانفعالي.
4. أعراض الاستثارة وردود الأفعال البدنية والانفعالية:
قد تشمل أعراض التغيرات في ردود الأفعال البدنية والانفعالية:
- ردود فعل مبالغ فيها كالشعور بالذعر أو الخوف بسهولة.
- الشعور بشكل دائم بالخطر والترقب والحذر.
- سلوك متهور ومدمر للذات، مثل الشرب بشكل كبير أو القيادة بسرعة كبيرة.
- مواجهة اضطرابات في النوم.
- مواجهة صعوبة في التركيز.
- سرعة التهيج.
- نوبات من الغضب أو السلوك العدواني.
بالإضافة للأعراض السابقة، قد يعاني الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة من عدد من المشاكل، بما في ذلك:
- مشاكل في الصحة العقليّة: (قلق، اكتئاب، رهاب، إيذاء النفس مثل استخدام المخدرات، أفكار وسلوكيات انتحارية).
- أعراض جسدية: (صداع، دوخة، دوار، إغماء، ضربات قلب متسارعة، الآم في الصدر، مشاكل معوية).
أعراض اضطراب مابعد الصدمة عند الأطفال:
أما بالنسبة للأطفال فقد تشمل الأعراض:
- تبول الطفل في السرير بعد أن كان قد تعلم استخدام المرحاض.
- نسيان الطفل كيفية الكلام أو عدم قدرته على الكلام.
- تعلق الطفل الشديد بأحد الوالدين أو غيرهما ممن يعتني به.
- قيام الطفل بإعادة تمثيل الحدث أثناء اللعب.
علاج اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD):
في حال تم تشخيص حالة اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فهناك مجموعة من العلاجات النفسية والأدوية التي يلجأ إليها الأطباء النفسيين والمختصين بالعلاج النفسي لمساعدة هؤلاء الأشخاص.
1. العلاج السلوكي المعرفي:
يقوم هذا النوع من العلاج على تشجيع الشخص المصاب على تذكر الحدث الصادم الذي تعرض له ومواجهته.
ثم بعد ذلك التعبير عن مشاعره حيال ذلك. مما يساعده على الاسترخاء والتخلص من الحساسية للصدمة وتقليل أعراضها.
2. العلاج بالتعرض:
يعتمد هذا النوع من العلاج على تكرار الحديث والتخيلات والذكريات المتعلقة بالحدث الصادم وتفاصيله و وذلك وسط بيئة آمنة ومضبوطة مما يساعد الشخص المصاب على مواجهة سبب الخوف والقدرة على التحكم بأفكاره ومشاعره.
هناك بعض التساؤلات التي طُرِحَت حول كفاءة هذا العلاج، ولذلك يتم التشديد على ضرورة إجرائه بعناية فائقة لتفادي خطورة تدهور الأعراض.
3. العلاج بالأدوية:
هناك بعض الأدوية التي قد يتم استخدامها في علاج اضطراب ما بعد الصدمة، مثل: (مضادات الاكتئاب، الأدوية المضادة لاضطراب القلق).
وقد تساعد هذه الأدوية في علاج مشاكل النوم والحصول على بعض الراحة، وتقليل تكرار الأفكار المخيفة.
حيث ترتبط هذه المشاكل عادةً باضطراب ما بعد الصدمة.
وبالرغم من ذلك، إلا أن هناك تقارير أثبتت وجود علاقة سببية بين استخدام مضادات الاكتئاب وارتفاع خطورة الانتحار وذلك لدى الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 24 سنة.
4. العلاج النفسي الجماعي (مجموعات الدعم):
يعتمد هذا النوع من العلاج على مساعدة الأشخاص الذين تعرضوا لصدمات مشابهة لبعضهم البعض بمشاركة ومناقشة تجربتهم ومشاعرهم.
حيث يساعدهم هذا على إدراك أن أي شخص آخر لو كان مكانهم لكان قد تصرف بطريقة مشابة وأنهم ليسوا وحيدين.
وفي الحقيقة فإن الكثير ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة يجدون أن مشاركة مشاعرهم وأفكارهم والصعوبات التي واجهوها مع أشخاص عانوا من حالات مشابهة أسهل عليهم.
ولذلك فإن العلاج الجماعي قد يكون فعالاً ومفيداً جداً لهم وللآخرين.
نصائح للمصابين باضطراب مابعد الصدمة:
إذا كنت تعاني من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة إليك بعض الأمور الأخرى التي قد تساعدك:
- تعرف على ماهية هذا المرض لتساعد نفسك على فهم مشاعرك وكيفية التعامل مع هذه المشاعر.
- إحصل على الدعم من عائلتك وأصدقائك، وتحدث مع شخص تثق به.
- اتبع نمط حياة صحي ومتوازن. تأكد من تناول طعام صحي، وممارسة الرياضة، وابتعد عن كل ما يسبب لك القلق والتوتر.
- قد يكون العلاج النفسي هو ما تحتاجه لمساعدتك على التعامل مع اضطراب مع بعد الصدمة. لذلك استشر ذوي الخبرة والاختصاص.
- لا تتردد في طلب المساعدة في حال سيطرت عليك أفكار مخيفة بإيذاء نفسك أو الآخرين ولم تعد قادر على التحكم في نفسك.
اليوم العالمي للتوعية باضطراب ما بعد الصدمة:
تم تحديد اليوم الوطني للتوعية باضطراب ما بعد الصدمة رسمياً في عام 2010 من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي بموجب قرار مجلس الشيوخ رقم 541 الصادر عن الكونغرس رقم 111 المخصص لخلق الوعي بشأن اضطراب ما بعد الصدمة، وتم الاعتراف به سنوياً في 27 يونيو.
و في عام 2013، حدد مجلس الشيوخ شهر يونيو بأكمله باعتباره شهر التوعية باضطراب ما بعد الصدمة.
في الختام:
- اضطراب ما بعد الصدمة هو اضطراب ناجم عن الصدمة ويمكن أن يؤثر بشكل كبير على حياتك على العديد من المستويات.
- قد يكون التأقلم والتكيف مع الحياة اليومية أمراً صعباً. ومع ذلك، أنت أو من تحب لست وحدك.
- يعاني الكثير من الأشخاص من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الأحداث المؤلمة في حياتهم ووجدوا طرقاً للتأقلم وتلبية احتياجاتهم والعودة إلى نوعية حياتهم.
- المساعدة موجودة، وقد تساعدك أنت أو من تحب في علاج هذه الأعراض وإيجاد طريقة لمعالجة اضطراب ما بعد الصدمة والتعايش معه.
أضف تعليقاً