العقم النفسي: أسبابه، وأعراضه، وطرق علاجه

يتسبب العقم في منع قدرة أيِّ زوجين على إنجاب الأطفال بشكل طبيعي، وهو على وجه الدقة عدم حدوث حمل بعد مرور سنة كاملة من ممارسة الجماع المنتظم دون استخدام موانع الحمل.



يُعَدُّ العقم عموماً من أكثر مهددات استقرار الزواج؛ ذلك لأنَّ الزواج في أغلب المجتمعات والثقافات يهدف إلى تكوين الأسرة وإنجاب الأبناء، وفي حال تأخَّر حدوث الحمل يدخل الأزواج في دوامة البحث عن الأسباب، فيرتادون العيادات الطبية ويُجرون التحاليل والصور بحثاً عن الأسباب المعرقلة للحمل ومعالجتها.

وعند تأكيد الأطباء خلو الزوجين من المشكلات العضوية لحدوث الحمل، من عوامل وراثية وانسداد الأبواق واضطرابات الإباضة عند الزوجة، أو ضعف الانتصاب واضطرابات إنتاج الحيوانات المنوية وانسداد القنوات الموصلة إليها عند الزوج، يجزم الأطباء بأنَّ أسباب حدوث العقم هي اضطرابات ومشكلات نفسية، وهذا ما يسمى العقم النفسي.

سنتحدث في هذا المقال عن تعريف العقم النفسي، وأسبابه، وأعراضه، وطرائق علاجه.

تعريف العقم النفسي:

العقم النفسي هو مجموعة المشكلات والاضطرابات النفسية التي تُفقد الشخص القدرة على الإنجاب، على الرغم من عدم وجود مسببات عضوية تقلل من خصوبته؛ حيث يكون الأشخاص المصابون بالعقم النفسي أصحَّاء جسدياً وبنيوياً وعضوياً، غير أنَّ مجموعة من المخاوف والقلق تسيطر على تفكيرهم فتمنع حصول عملية الحمل.

يمكن أن تسبب الاضطرابات النفسية العقم عند الرجال، فتؤثِّر في عملية الانتصاب الكامل التي تؤمِّن قوة وسرعة القذف المناسب لوصول النطاف إلى البويضة في جسم الأنثى، ويكثر حدوث العقم النفسي عند الرجال حديثي الزواج؛ إذ يؤثِّر توترهم ومخاوفهم وهواجسهم في جودة أدائهم في العلاقة الحميمة؛ ممَّا يسبب لديهم ضعف الثقة بالنفس وهذا يؤثر بدوره في عمليتي الانتصاب والقذف مرة أخرى، ويُدخل الرجل في متاهة تكون أسبابها ونتائجها حلقة مفرغة يدور فيها دون أن يعرف لها نهاية.

أمَّا النساء فلسن أوفر حظاً من الرجال في النجاة من هذا المرض إذا صحَّ التعبير؛ بل على العكس تماماً، فهنَّ يتأثَّرن أكثر منهم؛ لأنَّ جسد المرأة هو البيئة الحاضنة التي ستحمل البويضة وتغذيها حتى تمام مرحلة الحمل، ويمكن أن يتسبب العقم النفسي لديهن بمنع تخصيب البويضة، أو عدم تعشيشها وثباتها في جدار الرحم.

إقرأ أيضاً: مشكلات السنة الأولى من الزواج وطرق تلافيها

أسباب العقم النفسي:

تتنوع العوامل النفسية التي تسبب العقم، ويمكن تصنيفها حسب الطرف الذي تؤثر فيه إلى:

1. العوامل التي تسبب العقم النفسي عند الرجال:

إنَّ أسباب هذا النوع من العقم، كما يتضح من اسمه، هي أسباب نفسية بحتة، قد يتعلق قسم منها بالعلاقة الزوجية، وقد يتعلق القسم الآخر بأسباب ضغوطات الحياة المعتادة، والتي يختلف تأثيرها من شخص إلى آخر؛ حيث يتسبب التعب والضغط في العمل لدى بعض الرجال في شعورهم بالإرهاق، وهذا يتسبب بدوره في ضعف إنتاج الحيوانات المنوية، كما تتحكم المشاعر العاطفية عند بعض الرجال في قدراتهم الجنسية.

2. العوامل التي تسبب العقم النفسي عند النساء:

تؤثِّر العوامل النفسية عند النساء في عملية الاتصال الجنسي فتسبب فشله، أو قد تؤثر في عملية إنتاج البويضة، وهناك بعض الفرضيات التي تعزو سبب تأخُّر حدوث الحمل إلى أسباب عديدة نذكر منها:

  • تأثير القلق والتوتر في مفرزات عنق الرحم؛ ممَّا يتسبب في تقليلها، ومن ثمَّ التأثير في الهيباثالاموس (تحت المهاد) والذي بدوره يؤثِّر في المبيض؛ ونتيجة لذلك تغلق فتحة قناة فالوب بسبب تشنج عضلات جدارها، وقد يكون التأثير أيضاً في عضلات المهبل؛ ممَّا يؤدي إلى تشنجها، كل ذلك يسبب عسر عملية الاتصال الجنسي بين الزوجين.
  • الكبت الجنسي لدى النساء، والذي تسببه التربية التي يتربين عليها الإناث في المجتمعات الشرقية، والتي ترسم صورة خاطئة عن الجنس والعلاقة الحميمة واللذين يُعدَّان الطريقة الوحيدة لإنجاب الأطفال؛ إذ إنَّه في بعض المجتمعات المحافظة يتم تخويف الفتاة من ممارسة الجنس لإقناعها بالحفاظ على عذريتها، فتتشكل لديها نظرة سلبية عن جسدها وعن الجنس والعلاقة الحميمة تملؤها الأوهام والمخاوف؛ ممَّا يعرقل عملية الممارسة الجنسية الطبيعة والانسجام الذي تقوم عليه، ويستبدله بجو من التوتر والقلق يعرقل الاستجابات الطبيعية للجسم ويمنع حدوث الحمل بشكل طبيعي وسلس.
  • انعدام الانسجام في العلاقة الجنسية بين الزوجين، وما يترتب على هذا الوضع من صراعات وشجارات من شأنها تنغيص الحياة الزوجية، ونحن نعلم أنَّ العلاقة الحميمة من أهم العناصر في حياة الأزواج، وعدم استقرارها يؤثر في استقرار الزواج، وأنَّ عدم التوافق فيها يؤثر في التوازن الهرموني وفي عمليات الانقباض والانبساط في عضلات جدار الرحم والقنوات التناسلية وغيرها؛ ممَّا يؤثر في عملية الإباضة وفي استقرار البويضة في المسار التناسلي، والذي يحتاج إلى الاستقرار ليستطيع حضانة البويضة الملقحة ورعايتها وتعشيشها بشكل مستقر، وتأمين التغذية والعناية لها حتى تتحول إلى جنين.
  • المشكلات النفسية التربوية التي تحملها الأنثى في معتقداتها، والتي تسبب حصول صراعات داخلية حول فكرة التقرب من الرجل وإقامة العلاقة الجنسية معه، بسبب ما زُرِع في أفكارها من قذارة هذه الرغبات وتلويثها لنقاء الروح وصفائها، ناهيك عن الكبت الذي تربَّت عليه وما يتضمنه من قوانين المنع والتحريم للعلاقة مع الرجل في فترة العزوبية، وما ينص عليه من جرأة في الممارسة لإرضاء الزوج واستمرار النسل بعد الزواج. فالمرأة التي تربَّت في مجتمعات محافظة تفتقر إلى الثقافة الجنسية، وتتبنى الثقافة المجتمعية السائدة التي تبالغ في تلطيخ صورة العلاقة الجسدية بين المرأة والرجل، وتعدُّها من الخطايا والكفر؛ ممَّا يسبب نفور المرأة من هذه العلاقة، ووقوعها في حالات من الرفض لها وعدم التقبل، حتى بعد أن تصبح محلَّلة ومباحة.

شاهد بالفديو: 6 أسباب قد تعرّضك للعجز الجنسي

  • ميل بعض النساء إلى اعتماد الشخصية الذكورية العدوانية أو التي تدعى "الشخصية المسترجلة"، وهي التي ترفض بشكل واعٍ أو غير واعٍ الدور الأنثوي الذي يستقبل ويحضن الحيوان المنوي ومن بعده البويضة الملقحة ومن ثم الجنين، وتَعُدُّ ذلك انتهاكاً لها فتقوم بصده ومقاومته ولفظه، وهذا النوع من الشخصيات يمتلك صراعات داخلية عنيفة حول كينونتها الأنثوية.
  • عدم نضج بعض الشخصيات الأنثوية بيولوجياً ونفسياً؛ حيث تكون عملية الإباضة لديهن ضعيفة، أو يكون الرحم طفولياً، أو تكون القنوات التناسلية ضيقة وغير بالغة انفعالياً.
  • البرود الجنسي وما يترتب عليه من نشاط هرموني واهن وضعيف.
  • تقمص بعض الزوجات دور الأم للزوج بسبب كون الرجل ذا دور سلبي أو معتمد عليها، فتتحور التركيبة النفسية لها من كونها زوجة إلى كونها أُماً لهذا الرجل الذي يؤدي دور الطفل؛ ممَّا يُحدِث الكثير من الخلل في المشاعر والهرمونات ومنه في العمليات البيولوجية، فيحول دون حدوث الحمل.
  • صورة الأم المستبدة المتسلطة في ذهن المرأة؛ ممَّا يجعلهاتكره وترفض دور الأمومة.
  • الرغبات المتناقضة والمترددة في حدوث الحمل من عدمه؛ حيث إنَّ الدافع الفطري الداخلي لها يرغب وبشدة في أن تصبح أُماً، لكنَّ التفكير في تبعات الأمومة ومشكلاتها يجعلها ترفض هذه الرغبة؛ ممَّا يسبب عدم استقرار شعوري وهرموني عندها، ويمنع بذلك حدوث الحمل.
  • الرغبة الشديدة في الإنجاب؛ حيث تُعَدُّ الرغبة المُلحَّة في حدوث الحمل سبباً يؤدي إلى نزول البويضات قبل موعدها، وقبل أن تصبح ناضجة وجاهزة للإلقاح.
  • الصدمات الشعورية القوية والمتكررة، والتي تتسبب بانقباضات كثيرة وغير منتظمة في منطقة الأبواق والرحم وعنق الرحم، وتؤدي إلى التأثير في بطانة الرحم.
  • الإثارة الجنسية المتكررة دون إشباعٍ للرغبة؛ ممَّا يسبب الاحتقان والجفاف والتلزُّج في عنق الرحم.

أعراض العقم النفسي:

العَرَض الرئيس للعقم النفسي هو عدم الإنجاب، أمَّا عن الأعراض الأخرى فتأتي على هيئة اضطرابات جسمية ونفسية، يكون كلٌّ منها سبباً في حدوث الآخر ونتيجة له.

تتمثل الأعراض الجسمية عند النساء في عدم انتظام الدورة الطمثية، وآلام شديدة مرافقة لها، أو انقطاعها أحياناً، ومن ثمَّ عدم انتظام حدوث التبويض، أو إنتاج بويضات غير ناضجة، أو ارتفاع هرمون الحليب في الجسم "البرولاكتين"، والذي يُعَدُّ وجوده في الدم من موانع حدوث الحمل، أمَّا عند الرجال، فإنَّ الأعراض الجسدية تتمثل في ضعف الانتصاب أو القذف المبكر، وقد تظهر كخلل في نمو الشعر على جسده.

أمَّا عن الأعراض النفسية فتكون عبارة عن مشاعر الخوف والغضب المسيطرة على الحالة النفسية لأحد الزوجين، والتي من شأنها تفعيل الهرمونات المعرقلة للخصوبة، كما يمكن أن يكون القلق النفسي والاكتئاب أهم عرضين من أعراض العقم النفسي لدى كلٍّ من الرجل والمرأة.

إقرأ أيضاً: الاكتئاب بين الزوجين: أسبابه، وأعراضه، وطرق الوقاية منه

طرائق علاج العقم النفسي:

يكون العلاج الفعَّال للعقم النفسي عن طريق زيارة الطبيب أو المعالج النفسي وليس الطبيب النسائي؛ حيث يقوم المعالج النفسي بدراسة الأسباب التي أدت إلى حدوث العقم ليبدأ خطة العلاج المناسبة، فإذا كانت المسببات هي سوء العلاقة وعدم التفاهم بين الزوجين، فسوف يعمل الطبيب على توضيح وجهات النظر وحل الخلاف بينهما للتقليل من مشاعر الخوف والغضب التي تؤثر في عملية الإنجاب لديهما.

كما يوضِّح المعالج دور تحالف الزوجين ووقوفهما جنباً إلى جنب في حل هذه المشكلة المشتركة، ويبيِّن لهما دور الأسباب الجسدية والنفسية في عرقلة حدوث الحمل.

وعلاوة على ذلك، يتعامل المعالج أيضاً مع الاضطرابات النفسية التي سببها العقم من اكتئاب وقلق وأمراض جسدية ونفسية أخرى واضطرابات العلاقة بين الزوجين؛ حيث تكون معظم خطط العلاج مبنية على رفع مستوى التقبل لفكرة عدم الإنجاب بالنسبة إلى الزوج والزوجة، لمنحهم الفرصة في إشغال أنفسهم بأمور أخرى.

تشير الدراسات إلى أنَّ معظم الأزواج الذين عانوا في السابق من العقم النفسي، تم الحمل عندهم بعد أن تناسوا موضوع الإنجاب وصرفوا النظر عنه، وخططوا لحياتهم القادمة بمعزل عن التفكير في موضوع الأطفال؛ وذلك لأنَّ انشغال الذهن عن موضوع الإنجاب من شأنه أن يخفف مسببات التوتر التي تؤثر بدورها في هرمونات الجسم وتمنع حدوث الحمل؛ إذاً، فإنَّ علاج هذه المشكلة هو علاج نفسي بالدرجة الأولى والأخيرة.

العقم النفسي، هو مثال آخر يوضح العلاقة بين الأمراض الجسدية والنفسية، فهو عبارة عن اضطراب نفسي تظهر نتائجه على الجسد، أسبابه نفسية بحتة وعلاجه نفسي بحت، لكنَّ بعض أعراضه عضوية ظاهرة، وهو نموذج من شأنه أن يوضح لنا أهمية الصحة النفسية، وضرورة التمتع بها، من أجل الحصول على عيش رغيد وبناء أسرة سعيدة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة