العقل نعمة جميلة لا محدودة: نصائح لتنمية مدارك العقل وجعله أكثر انفتاح

إنَّ العلم والعقل كلمتان ومصطلحان ومفهومان يرتبطان مع بعضهما بعضاً بعلاقة وثيقة، ويصبان في نفس المكان، إنَّ إعمال العقل، وتنشيطه، وتطويره، وتوسيع آفاقه ومداركه يتطلب خوض ميادين العلوم المختلفة والاستعداد النفسي، والعاطفي، والروحي، والجسمي، والفيزيولوجي لاستقبال وتلقِّي المعلومات التي من شأنها أن تنشِّط تلافيف المخ وتوقظه من كبوته وغفوته، وتخلِّصه من الخمول والكسل وقلة النشاط.



نعمة العقل:

من النعم الجميلة والعطايا العظيمة التي منحنا إياها الله تعالى وخصَّنا بها وميَّزنا نحن البشر، أن أعطانا عقلاً جميلاً يفكر ويحلل ويستنتج ويركِّب، وتُعَدُّ هذه النعمة العظيمة دليلاً دامغاً وحجةً واضحة على تكريم الإنسان لعبده ومحبته العظيمة له ورحمته الشديدة ورأفته به، ويحضرنا في هذا الحديث قول الله تعالى في كتابه العزيز الحكيم كما ورد في الآية القرآنية الكريمة: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ ممَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70].

لذا يجب على الإنسان العاقل الواعي المتفكر ألا يغفل عن نعم ربه وعطاياه الحميدة والعظيمة، وأن يقابله بالشكر والتسبيح والتعظيم والتمجيد، وأن يترجم حبه وشكره وامتنانه فعلاً وعملاً؛ وذلك بأن يحافظ على عقله ويوجهه نحو التفكير الإيجابي والطريق المستقيم، وأن يبتعد عن الأفكار السلبية وطريق الحرام والشهوات، ويدرك عظمة العقل وأهميته فلا يدمره ولا يخربه؛ بل يطوره وينميه؛ وذلك لأنَّ أناقة العقل تنعكس على أناقة الجسم وأناقة الروح.

ما هو معنى كلمة عقل؟

في اللغة العربية الفصحى والمعاجم والمراجع، وردت كلمة عقل في عدة معانٍ، ومن أبرزها أن جاء العقل بمعنى الحبس؛ أي بمعنى يحبس العقل الإنسان العاقل الرزين الرصين الواعي عن النطق بالكلام البذيء والمهين، وعن الفعل المسيء والخاطئ والمعيب الذي يكمن وراءه الشر والأنانية والكره والحقد والحسد، فالعقل هنا وفي هذا السياق له وظيفية تأديبية، فهو يردع الإنسان عن ارتكاب القبيح من الأفعال، ويؤدبه ويعطيه دروساً في حسن الخلق وحسن التعامل مع الناس وكيفية التعاطي مع البشر ومع الحياة ككل.

قد ترد كلمة عقل ضمن معنى آخر؛ أي يأتي العقل نقيضاً للجهل فيطرد خيوط الجهل والتخلف وقلة المعرفة، ويلبس صاحبه ثوب التعقل، والمعرفة، والحكمة، والمحاكمة العقلية، والمقارنة، والاستنتاج، والنقد المهذب الذي يقوم على احترام الرأي والرأي الآخر دون اتباع أسلوب الاستهجان والتهجم على آراء الآخرين، وإبداء آراء سلبية تظلم الطرف الآخر أو تقلل من شأنه ومكانته، وقد وردت كلمة عقل ومنحها الله منزلة كبيرة وشأناً عالياً بأن أعطاها بعداً شديد القدسية في القرآن الكريم؛ إذ قال عز وجل في سورة البقرة، الآية 44: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}.

ماذا قال الفلاسفة والعلماء والمستشرقون في العقل وأهميته ومدى ارتباطه بالإنسان والعلم والكون؟

يحضرنا ضمن هذا السياق قول الفيلسوف العظيم "أبو الوليد الباجي" عن أهمية العقل: "العلم الضروري الذي يقع ابتداءً ويعمُّ العقلاء"، وانطلاقاً من هذه المقولة التي تستدعي الاهتمام، نتأمل فيها عظمة هذا الكلام ومعانيه الخفية، فإنَّ الإنسان الآدمي لا يمكن أبداً أن يُخلق دون عقل، ومع ذلك، لا يستطيع الانفكاك عن عقله، فهو بوصفه كائناً حياً ميزه الله عن باقي مخلوقاته من نباتات وجوامد وحيوانات دابة وغير دابة بهذه النعمة الجميلة شديدة القدسية؛ ألا وهي نعمة العقل والتأمل والتفكير.

ما هي مكانة العقل في الإسلام؟

لقد عمل الدين الإسلامي بوصفه دين التسامح والحب والسلام منذ تأسيس الدولة الإسلامية على يد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مروراً بزمن الخلفاء الراشدين حتى يومنا هذا، على محاربة ورفض كل ما كان سائداً في الجاهلية من أمراض الجهل والتخلف والتعصب القبلي والطائفي والمذهبي، وقد عمل الإسلام على مناصرة العقل والإنسان ومحاربة كل ما يخالف عقل الإنسان ويهمش مساحته ويحد من تطوره ونموه وازدهاره ورقيه.

لقد أرسى الإسلام قواعد المحبة والسلام التي تتطلب وجود عقل جميل وذكي ومنفتح على الثقافات والديانات والفنون والعلوم الأخرى سواء كانت أصولها شرقية أم غريبة أم فارسية، وقد حارب الإسلام الجهل والتطرف، وحرَّم وأد البنات - وهي عادة كانت سائدة في زمن الجاهلية - لقناعتهم بأنَّ الفتاة هي وصمة عار، إلا أنَّ الإسلام حرَّم هذه العادة، وساوى بين الجنسين، ومنح المرأة حقوقها انطلاقاً من عبقرية رسولنا الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عيله وعلى آله وصحبه وسلم.

أكمل الخلفاء الراشدون السير على نهج النبي عليه أزكى الصلاة وأتم التسليم؛ لأنَّه يمثل القائد الأعلى والمعلم الأول والأب الروحي والرسول الأكرم للبشرية جمعاء على اختلاف أجناسها وأطيافها وألوانها، وقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف كما حفظه الصحابة ورووه: "ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهبَ للبِّ الرَّجل الحازم من إحداكنَّ يا معشر النِّساء".

شاهد: 10 حقائق قد لاتعرفها عن العقل البشري

ما هي أهمية العقل بالنسبة إلى الإنسان؟

  1. تُعَدُّ هبة العقل مكرمة من الله تعالى كرَّم بها عبده الضعيف محبةً له ورحمةً به، فلا يخطئ ولا يعصي ولا يكفر؛ إنَّما يراجع أفكاره ويستغفر ربه ويتوب إليه، فالله تعالى تواب رحيم يقبل التوبة ويكافئ على عمل الخير بالأجر العظيم ومحو السيئات، والإنسان بطبعه خطَّاء وآثم وحمَّال للذنوب.
  2. يُعَدُّ العقل سبباً رئيساً لاستخلاف الله تعالى من قبل الإنسان، فالإنسان أعظم مخلوقات الله وأعلى مرتبة من باقي الكائنات على وجه البسيطة والمعمورة كلها، ومن المعروف أنَّ أعلى مرتبةً بين البشر هي مرتبة الأنبياء بالدرجة الأولى، ثم تأتي مرتبة الشهداء لأنَّهم عنوان التضحية والفداء والرسالة الخالدة، ثم تأتي مرتبة العلماء لأنَّهم سخَّروا علمهم وحياتهم وعقلهم وقدراتهم في خدمة العلم والإنسانية جمعاء.
  3. العقل وسيلة ليقوم الإنسان العاقل والواعي والمتفكر في هذا الكون والمدرك لعظمة الخالق جل جلاله باستصلاح الأرض وعمارتها وتصليح ما خربه المفسدون، وإنشاء مشافٍ لخدمة المرضى، ومدارس لتعليم الناس، وتأمين حاجاتهم المعيشية والغذائية، والسعي إلى إصلاح الأرض والناس، وإعمار كوكب نظيف معافى وخالٍ من الأوبئة والأمراض والأشرار، والسعي الدائم إلى نشر قيم الخير والتسامح، وبناء السلام والعدالة الإنسانية؛ كل ذلك للوصول إلى المدينة الفاضلة.
  4. الإنسان العاقل الواعي المتفكر الحكيم هو خليفة الله على الأرض وأعز مخلوقاته وأقربهم إليه.
  5. العقل هو خير وسيلة ليفرق الإنسان بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، وبين الصح والخطأ، وبين الطاعة والمعصية، وبين الاعتراف والإنكار، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الذنب والتوبة، وبين ما يُرضي الله وما يثير سخطه، فالإنسان يوجه عقله نحو الخير والأفعال الحسنة ليمحو ما علق في روحه من شوائب وذنوب وآثار الكره والضغينة والحسد.

إنَّ الله سبحانه وتعالى باسمه الكبير يحب عبده المؤمن القوي، ويفضله على عبده المؤمن الضعيف، وهذا ما ورد في الحديث النبوي الشريف على لسان خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، كما رواه ونقله الصحابة: "المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير".

إنَّ المقصود بالمؤمن القوي ليس قوي البنية أو مَن يخرج في ساحات المعارك ويبادر بالقتال أو من يسخط بصوت عالٍ أو من يحمر جبينه عند الغضب؛ بل المؤمن القوي هو الإنسان الحكيم الذي يأخذ بأوامر دينه وربه ورسوله، ويصدِّق بكلمات كتاب الله، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويستخدم خلايا عقله فيما يرضي الله تعالى، ويخدم الإنسانية جمعاء، ويخوض مجالات العلوم الإنسانية، فيخترع ويبتكر ويستنتج ويستدل ويحلل ويناقش.

نصائح لتنمية عقلك:

1. مارس أشياء جديدة:

إنَّ القيام بأفعال جديدة غير معتاد الجسد على ممارستها أو القيام بها كالسباحة وغيرها، تجدد بنية خلايا الدماغ؛ وهذا ينعكس إيجاباً على مسارات السيالة العصبية؛ الأمر الذي يؤدي إلى تنشيط الدماغ بشكل كبير وزيادة مساحة الذكاء عند الشخص، وللقيام بأشياء جديدة وخوض مغامرات غريبة وممتعة وغير مألوفة، حاول أن تدمج أكثر من نشاط في اليوم الواحد؛ فاقرأ رواية، واكتب مسرحية، واعزف على آلة البيانو، واصنع كيكةً بالشكولا، وتعلَّم السباحة، فجميع هذه النشاطات مفيدة وتغني المادة الذهنية المحسوسة في دماغك.

2. مارس الرياضة بانتظام:

في الرياضة حياة، فهي تعزز خلايا دماغك، وتساهم في تشكيلها وتركيبها، وتجعل تلافيف الدماغ أوسع وأعمق بكثير مما كانت عليه، وفي كل مرة تمارس فيها تمرينات رياضية، ستشعر بأنَّك إنسان آخر، وسيؤثر هذا الإحساس إيجاباً في منطقة الدماغ والجملة العصبية والصحة النفسية، فالرياضة هي أفضل وأنجح وسيلة للتخلص من ضغط الحياة المعاصرة وهمومها وآلامها ومآسيها، كما تسهم الرياضة في تخفيف التوتر وتفريغ الطاقة السلبية، وإيصال الإحساس بالطاقة الإيجابية والاندفاع نحو الحياة، وعدم الاستسلام للصعوبات، وتحدي الظروف المحيطة التي تعوق النجاح.

إقرأ أيضاً: 4 إرشادات مهمة للحفاظ على صحة العقل مدى الحياة

3. احرص على تدريب ذاكرتك كل فترة:

الذاكرة جزء من تركيبتك الجسمانية، فهي تشبه أعضاء جسدك إلى حد كبير، وتحتاج إلى تنشيط مستمر من فترة إلى أخرى ومن حين إلى آخر، وقد تتعب شأنها، في ذلك شأن أي جزء من جسدك، فقد تتعرض لإجهاد كبير نتيجة تراكم الذكريات والأحداث التي وقعت في الماضي؛ وهذا يؤدي إلى وقوعك في خطر النسيان.

يكون إرهاق الذاكرة على شكل ألزهايمر مبكر، يؤدي إلى نسيان الشخص مكان بيته ومكتب عمله، وأسماء الأشياء، ورقم الشقة، واسم الشارع، وعناوين المحلات والسوق؛ لذا انطلاقاً من هذه الفكرة، عليك أن تحرص على تدريب ذاكرتك باستمرار لتنشيطها ومنحها القدرة والمساحة والإمكانية في تذكيرك بأسماء الفصول، والأشهر، والحوادث، والأمكنة، والقصص، والأحداث الماضية التي مرت في حياتك وترسخت في وجدانك وحفرت في روحك صدعاً كبيراً لا يُعوض.

4. كن مغامراً وجرب كل ما هو جديد وغريب:

الحياة مغامرة ولعبة ونحن طرف فيها سواء كنا خاسرين أم رابحين، فلا تكن جباناً ومتخوفاً وحذراً من تجربة كل ما هو جديد، فإياك والجبن، فإنَّه يقلص من ذكائك، ويضعف من شخصيتك، ويهدم إرادتك، ويفقدك المتعة ومقاومة التحديات، فإنَّ الخوف من المجهول داء يستوطن في المخ ويتلف خلاياه، ويسبب كسلاً في الدماغ وخمولاً في التفكير وشُحَّاً في المعرفة وتدهوراً في التجربة وانهياراً في الخبرة.

إنَّ الحياة بحاجة إلى أشخاص شجعان لديهم قلب من حديد وإرادة من فولاذ وعقل متفتح وذكي يتلقى كل ما هو جديد بصدر رحب وروح لا تعرف الانهزام؛ لذا تعلَّم الأشياء الغريبة التي لم يسبق لك أن مارستها في حياتك من قبل، وستجد نفسك إنساناً آخر ينظر إلى الحياة بطريقة أخرى وعقلية أخرى وذهن آخر، فكن مغامراً ولا تبالي وستحصد النتيجة المُرضية.

إقرأ أيضاً: 4 أسرار تتعلّق بالعقل الباطن للإنسان

في الختام:

احرص على امتلاك استراتيجية وسياسة ومهارات التفكير الإيجابي، فإنَّ التفكير الإيجابي يزيد من مساحة الذكاء وينشط الدماغ، كما أنَّ النظرة الإيجابية للحياة والمستقبل والناس ولذاتك قبل كل شيء، تؤثر بالدرجة الأولى في صحتك النفسية وجملتك العصبية، فإنَّ التفكير السلبي الهدام والقلق الدائم المتصاعد والاكتئاب الحاد المزمن والسلبية المطلقة والسوداوية القاتمة والحالكة والمظلمة والقاتلة تبيد الخلايا العصبية وتدمر الأعصاب وتؤثر سلباً في حالتك النفسية.

إنَّ السلبية من علامات الغباء، وعوز المعرفة، وانعدام الأفق، وانحسار الحلم، والتعرض لخيبات الأمل ونوبات اليأس والفشل المستمر والمتكرر، وفقدان اللذة الحقيقية ألا وهي لذة النجاح.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة