ما هو مفهوم الأمانة؟
إنَّ الأمانة واحدة من الفضائل والأسس التي قام عليها الدين الإسلامي الحنيف، فهي أداء حقوق الآخرين، والمحافظة عليها، وهي الفريضة العظيمة التي رفضت الجبال والسماوات والأرض أن يحملنها لعظمتها وثقلها، ولكنَّ الإنسان حملها، وهي دليلٌ على إيمان المرء وحسن خلقه، كما أنَّها الصفة التي اشتُهِر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم منذ صغره، فقد كان لقبه "الصادق الأمين".
ما هو تعريف الأمانة؟
تعريف الأمانة لغةً:
ويقصد بالأمانة الوفاء بالعهد، والثبات عليه، والصدق والإخلاص في كل الأعمال، والجمع منها أمانات، والأمانة: الوديعة، وفلانٌ أمين: أي أنَّه شخصٌ وفيٌّ لا يتعدى على حقوق الآخرين، وهناك عدد من تعريفات الأمانة لغةً، ومن هذه التعريفات والآراء نذكر لكم ما يلي:
الأمانة كما عرَّفها الراغب الأصفهاني:
"يقصد بالأمانة الودائع بمختلف أشكالها التي توضع عند أحدٍ من الناس ويُؤتمَن عليها، وترد أيضاً بمعنى توحيد الله عز وجل بقول: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" استدلالاً بقوله عز وجل: (إنَّا عرضنا الأمانة على السَّماوات والأرض والجبال فأبَيْن أن يحملنها وأشفقن منها)، ومن معاني الأمانة أيضاً العقل الذي يتفكَّر به الإنسان ويعرف به الله سبحانه وتعالى، وبه يستطيع الإتيان بمجريات العدالة وغيرها من الأمور".
الأمانة كما عرَّفها ابن منظور:
"الأمانة تُناقِض وتُقابِل الخيانة".
تعريف الأمانة اصطلاحاً:
هي كل ما يتوجَّب على الإنسان أداؤه وحفظه، وقال الكفوي في تعريف الأمانة: "كل ما افترض على العباد فهو أمانة، كصلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وأداء دَين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار".
ما هي أشكال الأمانة؟
هناك العديد من أشكال الأمانة، ومن أهم هذه الأشكال نذكر لكم أعزائي القراء ما يلي:
- حفظ الودائع: ويقصد بها رد الوديعة إلى صاحبها، فمَن أمنَّك على وديعته وجب عليك ردها إليه متى أراد ذلك.
- الأمانة في العمل: إنَّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، لذلك يجب على المرء أن يؤدي ما عليه من أعمال بجدٍ وإتقان، وعلى أكمل وجه.
- الأمانة في العبادة: كل ما فُرِض من عبادات وتكاليف هو أمانة، فيجب على المسلم أن يحافظ على الصلاة، والصيام، وقراءة القرآن الكريم، والزكاة، وبر الوالدين، والالتزام بجميع الفرائض والقيام بها على أكمل وجه.
- الأمانة في الكلام: إنَّ المرء محاسبٌ ليس على أفعاله فقط بل على أقواله أيضاً؛ لذا يجب أن يكون حذراً في كل ما ينطق به، فقد ينطق المرء كلمة كفرٍ فيصبح من أهل النار، قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ)، [سورة: إبراهيم، الآية: 26]، وقد ينطق كلمةً حسنةً تدخله الجنة، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ)، [سورة: إبراهيم، الآية: 24].
- الأمانة في حفظ الجوارح: إنَّ الأعضاء والجوارح كلها أمانات، يجب ألا يستعملها المسلم إلا فيما يرضي الله سبحانه وتعالى؛ فاليد أمانةٌ يجب ألا تُمَد إلى المال الحرام، والعين أمانةٌ يجب ألا يُنظر بها إلى المحرَّمات، والأذن أمانةٌ يجب ألا يُسمع بها ما يُغضب الله عزَّ وجل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع أعضاء الجسم.
- الأمانة في السر: يجب المحافظة على السر وعدم إفشائه.
- أمانة الأبناء: إنَّ الأبناء أمانةٌ لدينا يجب الحفاظ عليهم، وتربيتهم تربيةً صالحة، وغرس مبادئ الأخلاق الحميدة في قلوبهم، ورعايتهم وتوفير كل احتياجاتهم.
أمثلة على الأمانة في الإسلام:
يزخر التاريخ الإسلامي بعديد النماذج العظيمة التي تقدّس الأمانة وتعظم شأنها، ولعل من أعظم الأمثلة التي يمكن ذكرها هي أمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما عرض عليه عمه أبو طالب الجاه والمال والمتع على أن يكف عن الدعوة إلى الإسلام، وقوله عليه السلام: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه ما تركته.
وكذلك حينما استودع علياً رضي الله عنه لأداء أماناته المودعة عنده من قبل كفار قريش، وذلك في أثناء هجرته عليه السلام، فهو لم يقل أنهم كفار ومشركون، بل حرص كل الحرص على أداء الأمانة لأصحابها، وكذلك عليه الصلاة والسلام وفي أثناء هجرته حينما توقف ليسأل ذلك الراعي أن يسقيه شيئاً من اللبن، فكان رد الأعرابي أنّ هذه الأغنام هي أمانة عنده، فاحترم النبي صلى الله عليه وسلم أمانة الراعي ولم يشرب لبناً منه بل كما ورد في الحادثة أنّه مسح على ضرع شاة لا تحلب.
وعديدة هي قصص الأمانة لدى الصحابة أيضاً، والذين تفانوا في أداء الحقوق والأمانات، ولعل حادثة سيدنا أبو بكر الصديق في حروب الردّة، حينما قال عبارته الشهيرة، والله لو منعوا عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه، وهذا إن دل فإنه يدل على أمانة الصديق في أداء مهماته وواجباته.
أنواع الأمانة في الإسلام:
قد يظن البعض منا أن الأمانة تخص الأموال أو الأشياء العينية فقط، في حين أن موضوع الأمانة واسع وكبير، وله أنواع متعددة، ومن أنواع الأمانة:
- الأمانة في الشهادة: ويقصد بها أن يكون الشاهد على أمر ما صادقاً بما يقول من دون زيادة أو نقصان.
- الأمانة العلمية: وتعني نقل العالم للعلوم بكل أمانة وإخلاص من دون زيادة أو نقصان.
- الأمانة في الكتابة: وتعني على الكاتب أن يكون أميناً فيما يدونه، لأن كل كلمة أو حرف من الممكن أن يغير الحق إلى باطل.
- الأمانة في النصيحة: إن جاءك شخص يطلب نصيحة منك، فعلى مقدم النصيحة أن يكون أميناً وصادقاً في نصحه، وحتى لو كانت تلك النصيحة تتعارض مع مصلحته الشخصية.
- الأمانة في القضاء: ويقصد بها أن يكون القاضي عادلاً في إصدار أحكامه وفقاً لأحكام القانون الذي أقسم على تطبيقها.
فضل الأمانة وأهميتها:
مكانة الأمانة في الإسلام عظيمة، وهي من أَجَمل القِيَم الخُلُقيّة التي بُنِيَت عليها الشريعة الإسلاميّة، وهي قيمة عظيمة تُصان بها حقوق الله عزَّ وجلّ وحقوق عباده، وهي من أشهر ما اتّصف به رسولنا الحبيب صلّى الله عليه وسلّم حتّى قبل نزول الرسالة عليه فقد كان لقبه بين قومه قبل بعثته "الأمين"، وفيما يلي نتعرّف على فضل الأمانة وأهميتها:
1. أمرَ الله عز وجل بأداء الأمانات إلى أصحابها:
قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا). [سورة: النساء، الآية: 58].
2. الأمانة من صفات المؤمنين:
قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8)). [سورة: المؤمنون].
3. إنَّ أداء الأمانة يجعل الناس يأتمنون بعضهم بعضاً:
قال الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، [سورة: البقرة، الآية: 283].
4. نهى الله سبحانه وتعالى عن الخيانة وهي ضد الأمانة:
قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)، [سورة: الأنفال، الآية: 27].
شاهد بالفديو: أقوال وحكم رائعة عن أهمية الصدق والأمانة
أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الأمانة:
هناك الكثير من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تتحدث عن الأمانة وتحث عليها، ومن هذه الأحاديث نذكر لكم أعزائي القراء ما يلي:
- عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يُحدِّث القوم، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحدِّث، فقال بعض القوم: سمعَ ما قال، فكرَهَ ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمَع، حتَّى إذا قضى حديثه قال: أين -أُراه- السائلَ عن الساعة؟، قال: ها أنا يا رسول الله، قال: فإذا ضُيِّعت الأمانة، فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة.
- عن عبد الله بن عمرو، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانةٍ، وصدقُ حديثٍ، وحُسنُ خليقةٍ، وعِفةٌ في طعمةٍ.
- كانت الأمانة من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال: ومن كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليه -وبسط يديه- فقال: ألا هل بلَّغت، ألا هل بلَّغت، ألا هل بلَّغت، ثم قال: ليُبلِّغ الشَّاهد الغائب، فإنَّه رُبَّ مُبلَّغٍ أسعد من سامعٍ.
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينام الرجل النومة فتُقبضُ الأمانة من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل الْوَكتِ، ثم ينام النومة فتُقبضُ الأمانة من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل المَجْلِ، كجمر دحرجته على رجلك، فنَفِطَ، فتراه منتبراً وليس فيه شيء، ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله، فيصبحُ الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتَّى يُقال: إنَّ في بني فلان رجلاً أميناً، حتى يُقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبَّةٍ من خردلٍ من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أبالي أيَّكم بايعتُ، لئن كان مسلماً ليردنَّه عليَّ دينه، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنَّه عليَّ ساعيه، وأمَّا اليوم، فما كنت لأبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً.
- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اضمنوا لي ستاً من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا الأمانة إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم.
- عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمسٌ مَن جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: مَن حافظ على الصلوات الخمس في وضوئهنَّ، وركوعهنَّ، وسجودهنَّ، ومواقيتهنَّ، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأدى الزكاة طيبةٌ بها نفسه، وأدى الأمانة، قيل: يا رسول الله وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة، إنَّ الله لم يأمن ابن آدم على شيءٍ من دينه غيرها.
- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الله عزَّ وجل إذا استُودع شيئاً حفظه، وإنِّي أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم.
وبذلك أعزاءنا القراء نكون قد قدمنا لكم مفهوم الأمانة، تعريفها، وفضلها، وأشكالها.
أضف تعليقاً