الشخصية السوداوية: كيف نكتشفها ونتعامل معها؟

نحن نلتقي في حياتنا اليومية بعض الأشخاص الذين تغلب عليهم السوداوية والتشاؤم، والذين لا يرون إلا الجانب المظلم من الحياة، ونبدأ بالتساؤل عما يُعانيه هؤلاء الأشخاص، وكيف يجب التعامل معهم؛ لذا سنتناول في السطور القادمة الشخصية السوداوية، وما هي صفاتها، وأسبابها، وكيفية التعامل معها.



ما هي الشخصية السوداوية؟

تُعَدُّ الشخصية السوداوية شكلاً من أشكال اضطرابات الاكتئاب المتقدمة، فهي مرض نفسي يغلب على صاحبها التشاؤم، وتكون نظرته إلى الحياة نظرة كئيبة؛ إذ يرى الحياة لا معنى لها وهي مكان للألم فقط، ويُعاني من مشاعر مستمرة من الحزن واليأس، وعدم الشعور بالسعادة مهما كانت الظروف جيدة من حوله، وغالباً ما ينقل تشاؤمه وسلبيته لمن يجلس معه.

وقد تؤثر السوداوية في كافة جوانب حياة الشخص؛ العائلية، والعاطفية، والاجتماعية، والمهنية، وتجعله يتقوقع على نفسه، ورويداً رويداً تُصبح حياته مشلولة تماماً.

صفات الشخصية السوداوية:

تتصف الشخصية السوداوية بمجموعة من الصفات والسلوكات التي تجعلنا نكتشفها، وهي:

  1. تسيطر على الشخصية السوداوية مشاعر حزن واكتئاب ويأس، وعدم رغبة في الحياة طوال الوقت، ودون وجود أسباب جوهرية لذلك.
  2. تفقد الشخصية السوداوية اهتمامها ورغبتها في ممارسة النشاطات التي كانت تُثير اهتمامها سابقاً.
  3. التشاؤم، وتوقع الأسوأ دائماً حتى عند الأحداث السعيدة تتوقَّع الشخصية السوداوية أنَّ وراءها الكوارث.
  4. الإفراط في النوم أو المعاناة من اضطرابات النوم والأرق.
  5. عدم الرغبة في مغادرة المنزل أو حتى الغرفة.
  6. عدم القدرة على تجاوز الماضي، وفقدان الأمل في المستقبل.
  7. كثرة التفكير في الموت، وقد تتفاقم الحالة إلى التفكير بالانتحار.
  8. جلد الذات، والشعور الدائم بعقدة الذنب تجاه أمور غالباً الشخص غير مسؤول عن حدوثها.
  9. التشتت وعدم التركيز أو تذكُّر الأشياء.
  10. عدم الشعور بالحماسة أو الاستمتاع بأي أمر مهما كان إيجابياً.
  11. الانطوائية والوحدة وعدم الرغبة في التواصل مع أحد حتى أفراد العائلة.
  12. الشعور الدائم بأنَّها ضحية للحياة والقدر الظالم، والحساسية المُفرطة لأي ملاحظة أو انتقاد، والشعور بالإهانة.
  13. التردد وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
  14. تظهر علامات الحزن والكآبة والعبوس على وجه الشخص السوداوي.
  15. الشكوى الدائمة والتذمر والملل من كل شيء في الحياة.
  16. الخمول وقلة النشاط والشعور بالإرهاق.
  17. فقدان الطموح واللامبالاة تجاه أداء الواجبات أو العمل.
  18. شره للطعام أو فقدان الرغبة به.
  19. العصبية الزائدة، خاصة عند تقديم النصيحة لها.
  20. الميل إلى ارتداء الألوان القاتمة خاصة الأسود.
إقرأ أيضاً: تعرّف على أكثر 6 اضطرابات نفسية شيوعاً

أسباب الشخصية السوداوية:

لا تنشأ الشخصية السوداوية من فراغ؛ بل توجد مجموعة أسباب وعوامل تؤثِّر في الشخص وتجعله سوداوياً، ومن هذه الأسباب:

1. التنشئة الأسرية:

تُعَدُّ التنشئة الأسرية السبب الأول لإصابة الشخص بالشخصية السوداوية؛ إذ تُولِّد التربية القائمة على العنف والتوبيخ مشاعر سلبية لدى الطفل وتجعله يفقد الشعور بالسعادة والمتعة، ويزداد الأمر سوءاً في حال كان أحد الأبوين شخصاً متشائماً ومتذمراً من الحياة طوال الوقت؛ إذ غالباً ما ينتقل تفكيره ونظرته السوداوية للحياة إلى الطفل دون أن يشعر بذلك، فكما هو معروف أنَّ الطفل يُقلِّد أهله.

2. العوامل الوراثية:

قد تؤثر العوامل الوراثية في إصابة الشخص بالسوداوية في حال كان في العائلة اضطرابات من هذا النوع.

3. عوامل بيولوجية:

قد يعاني الشخص من مشكلات في الناقلات العصبية الهامة للحالة النفسية، مثل هرمون "الدوبامين" المسؤول عن المزاج والنوم والراحة والتركيز، وهرمون "السيروتونين" المسؤول عن السعادة، و"الأدرينالين" المسؤول عن الحماسة؛ وهذا يؤثِّر سلباً في صحته النفسية.

4. فقدان عزيز:

يُعَدُّ فقدان شخص عزيز من أكثر أسباب السوداوية شيوعاً؛ إذ كثيراً ما نجد أشخاصاً تحوَّلوا إلى شخصيات سوداوية فاقدة لأي رغبة في الحياة بعدما فقدوا شخصاً عزيزاً، خاصة في حالات فقدان أحد الأبوين أو الأخوة؛ إذ يحتاج هذا الموقف إلى الكثير من الإرادة والتسليم بالقضاء والقدر لتجنُّب الإصابة بالتشاؤم والسوداوية في الحياة.

شاهد بالفديو: كيف نتجاوز فقدان شخص عزيز؟

5. الخذلان:

يُصاب الشخص باضطراب السوداوية في حال تعرُّضه للخذلان أو لصدمة كبيرة، سواء من شخص ما كان يُعوِّل عليه كثيراً، أم من هدف أم حلم كان يطمح له ولم يتحقق، أم خسارة كبيرة تعرَّض لها.

6. المرض:

للأسف يوجد مَن لا تكون إرادته وعزيمته قوية في مواجهة المرض، فيتحول إلى شخص سوداوي ومتشائم في حال إصابته بمرض ما.

كيف نتعامل مع الشخصية السوداوية؟

التعامل مع الشخصية السوداوية ليس بالأمر السهل، ويحتاج إلى وعي وحكمة حتى تتجنب تأثيره فيك، وتساعده على التخلص من سوداويته، وهذه أهم النصائح التي تساعدك على ذلك:

  1. تعاطف؛ فأكثر ما يحتاج إليه الشخص السوداوي هو إشعاره بأنَّك متعاطف معه وتتفهم حالته، وأنَّك بجانبه، فتجنَّب أن تسخر منه، أو تستهزئ بمشاعره؛ لأنَّ ذلك يزيد وضعه سوءاً.
  2. أصغِ إليه واتركه يُعبِّر عن كل ما يدور في رأسه، ولا تحاول إسكاته.
  3. ابدأ بمساعدته شيئاً فشيئاً، من خلال تغيير طريقة تفكيره؛ بأن تُسلِّط الضوء على الجوانب الإيجابية في حياته، مثل وجود أهله بجانبه، ووظيفته المرموقة، وصحته البدنية، وأصدقاء يُحبونه، وذكِّره أنَّ الإخفاقات والفشل هي دروس نتعلم منها، وتجعلنا أكثر نضجاً وخبرة.
  4. امدحه وذكِّره دائماً بإيجابياته ونقاط قوَّته، وبالمواقف التي نجح فيها، والإنجازات التي حققها، وأنَّه يستحق السعادة.
  5. أعِد إنعاش حبه للحياة، من خلال تشجيعه على مغادرة غرفته وكسر عزلته، والخروج إلى أماكن جديدة، والتعرف إلى أناس جدد، أو ممارسة هواية جديدة.
  6. ردِّد على مسامعه أنَّ الحياة مُستمرة، ولا تقف عند خسارة شيء أو فقدان شخص، وأنَّها مليئة بالأشياء واللحظات الجميلة، وأنَّ حزنه وسوداويته هي التي تحرمه منها ولا تجعله يراها.
  7. أضِئ على الآثار السلبية لسوداويته، وكيف جعلت منه شخصاً ضعيفاً يائساً لا رغبة له في شيء، وكيف تراجع عمله وإنجازه، وأنَّه غالباً سيفقد عمله في حال استمر على هذه الحال.
  8. ذكِّره دائماً بأنَّ حالته هذه تُدمِّر علاقته بمن حوله، حتى أقرب الناس إليه من أهله وأصدقائه، وتجعل الآخرين لا يرغبون في التعامل معه خوفاً من التأثُّر بسلبيته وسوداويته.
  9. أظهِر له مشاعر الحب والاهتمام، كأن تُفاجئه بهدية يُحبُّها، أو دعوة للعشاء في مكان مُريح ودافئ.
  10. حصِّن مناعتك النفسية، وكن واعياً دائماً لعدم السماح للشخص السوداوي بالتأثير فيك، وتسرُّب طاقته السلبية إليك، وحاول أن تتجنَّبه إن كنتَ محبَطاً بعض الشيء أو تواجه وقتاً عصيباً.
  11. إن لم تجد أي تحسُّن أو تجاوب من الشخص السوداوي، وكان متعنِّتاً في سوداويته، فابتعد عنه إن كنت قادراً على الاستغناء عنه، أما في حال كان شخصاً مُقرَّباً إليك كأحد أفراد الأسرة، فشجِّعه على زيارة الطبيب النفسي.

علاج اضطراب الشخصية السوداوية:

يحتاج الشخص السوداوي إلى العلاج النفسي من قِبل طبيب نفسي مختص قادر على الفهم الدقيق للحالة، وإخضاعه لجلسات العلاج المعرفي السلوكي التي هي من أنجح الطرائق في علاج المشكلات النفسية؛ وذلك لأنَّها تقوم على تعريف المريض باضطرابه النفسي، وأسبابه، وآثاره السلبية في حياته وأحكامه، وعلاقاته، ونجاحه المهني والاجتماعي، وتدريبه على تغيير تفكيره، واستبدال الأفكار السلبية بأفكار إيجابية، وتغيير نظرته السلبية للحياة.

لا يوجد علاج دوائي لاضطراب الشخصية السوداوية، لكن قد يلجأ الطبيب النفسي إلى إعطاء المريض مضادات الاكتئاب لتخفيف أعراض التوتر والقلق والعصبية المصاحبة للشخصية السوداوية، وتحفيز إفراز هرمون السعادة "السيروتونين".

نصائح للوقاية من السوداوية:

أي شخص منا مُعرَّض للإصابة بالشخصية السوداوية؛ لذا هذه بعض النصائح المفيدة للتخلص من السوداوية عندما تشعر أنَّها بدأت بالتسلل إليك:

1. غيِّر روتينك اليومي:

إن بدأت تشعر بتسلل السوداوية إليك، فسارع إلى تغيير روتينك اليومي، وممارسة نشاطات جديدة؛ كالخروج إلى الطبيعة والمشي فيها، أو التعرف إلى أصدقاء جدد، والانضمام إلى جمعيات تطوعية ومساعدة المحتاجين، وتعلَّم الموسيقى، أو لغات جديدة، واقرأ كتباً ومقالات عن الصحة النفسية وتطوير الذات وتجنَّب الاكتئاب.

2. فكِّر بإيجابية:

فكِّر دائماً بإيجابية؛ ففكر أنَّك قادر على تجاوز أي أمرٍ مهما كان، فالإنسان بالإرادة قادر على صنع المستحيل، وخاطب نفسك بإيجابية كأن تردد أو تكتب على ورقة وتُعلِّقها في غرفتك: "أنا شخص ناجح"، و"أنا شخص قادر"، و"الحياة تُخبئ لي الأجمل"، و"سأتجاوز الأمر"، وإن مررت بمصاعب أو تجارب فاشلة، فلا تسمح للتشاؤم بالسيطرة عليك، وانظر إلى الفشل على أنَّه فرصة للتعلم، والانطلاق من جديد بخطوات أكثر ثباتاً.

شاهد بالفديو: 10 طرق لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك

3. اقتل فراغك:

الفراغ عدو الإنسان وباب للكثير من الأفكار والمشاعر السلبية؛ لذا اقتل فراغك، ومارِس هواية تحبها، أو تعلَّم لغة جديدة أو مهارة جديدة.

4. ثقِّف نفسك:

احرص دائماً على تثقيف نفسك في مجالات تنمية الذات والصحة النفسية، وتعزيز المناعة النفسية، فتتكوَّن لديك المعرفة والخبرة عن تحصين نفسك من الضغوطات والمشكلات التي قد تتعرض لها.

5. ابتعد عن السلبيين:

ابتعد عن الأشخاص السلبيين قدر الإمكان، وخالِط الإيجابيين الطموحين والمُفعمين بالطاقة وحب الحياة؛ أصحاب النظرة التفاؤلية؛ إذ يزيدك هؤلاء حماسةً وأملاً وحباً للحياة، ويشحذون همتك عندما تواجهك المصاعب.

6. ركِّز على إيجابياتك:

ما من شخص في هذه الحياة إلا ويمتلك إيجابية أو مهارة واحدة؛ لذا مهما كانت الإحباطات التي تتعرض لها، ركِّز على إيجابياتك ونقاط قوَّتك، وفكِّر فيما تملك من مهارات، واعمل على تطويرها، فلا داعيَ للتشاؤم والسوداوية طالما لديك نقاط قوة وتعمل على تعزيزها وتنميتها.

7. اتَّبع نمط حياة صحياً:

من الأمور الهامة للحفاظ على صحتك النفسية والجسدية معاً، أن تتبع نمط حياة صحياً، بتناول الطعام الصحي، وممارسة الرياضة، وتمرينات التأمل والاسترخاء التي تُخلِّصك من المشاعر السلبية.

إقرأ أيضاً: 6 طرق طبيعية لتعزيز صحتك النفسية

في الختام: فلنُبدِّد السواد إلى بياض بالحب والأمان

إن كان لديك علاقة تجمعك بشخصية سوداوية في حياتك، أو ستجمعك به علاقة لاحقة، فابذل جهدك أن تكون شخصاً داعماً لها، واغمرها بمشاعر الحب والأمان، فالحب هو الدواء الشافي لكل الأوجاع، وهو ما يُنير دواخلنا، ويُبدِّد سوداها إلى بياض.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة