الدلال الزائد للأطفال وتأثيره في شخصيتهم

حب الإنسان لأطفاله يدفعه باستمرار إلى تقديم أفضل ما لديه من حب وحنان وتلبية كل احتياجاتهم المادية والمعنوية، ومن الطبيعي أن يُكثِر الأهل من دلال أبنائهم وخاصة في مرحلة الطفولة، لكن عندما يزداد الدلال عن حدٍّ معيَّن يصبح له تأثير سلبي في نفسية الطفل.



الدلال الزائد للأطفال:

تُعَدُّ مشكلة الدلال الزائد للأطفال من قِبَل والديهم من أكثر المشكلات انتشاراً، وتتسبَّب هذه المشكلة بجعل الطفل غير متوازن نفسياً ليصبح مستقبلاً شخصاً غير ناضج وغير قيادي وغير مسؤول وغير مؤهل إلى الحياة الواقعية؛ إذ لا يمكن تحقيق كل ما نريد والحصول على كل ما نتمنى؛ فإذا اعتاد الطفل على تحقيق جميع رغباته، سوف يُصدَم لاحقاً بصعوبة الحياة ومتاعبها عندما يخرج من إطار العائلة.

يُحذِّر الاختصاصيون النفسيون الأسرة من فرط الدلال ومن العواطف الجياشة التي تفسد مستقبل الطفل؛ فقد تبدو المشكلة بسيطة ولكنَّ العواقب وخيمة ليس فقط على الطفل؛ وإنَّما على المجتمع المحيط به أيضاً ومن ضمنهم أهله؛ لذلك إدراك هذه المساوئ أمرٌ هام وتجنُّب الأساليب التي تُفسد الطفل قبل فوات الأوان أمر يجب على الأهل الانتباه إليه.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

مساوئ الدلال الزائد للأطفال:

الدلال الزائد كفيل بتحويل الطفل إلى شخص مختلف عما هو عليه ومختلف عن باقي الأطفال، ومن مساوئ الدلال على الطفل ما يأتي:

  1. الدلال الزائد يجعل الطفل متواكلاً لا يستطيع الاعتماد على نفسه حتى في إنجاز الأمور البسيطة، فنجده يلجأ دائماً إلى أحدٍ من أفراد أسرته لمساعدته على إنجاز واجباته وخاصة عندما يصل إلى سن المدرسة تصبح المشكلة أوضح؛ إذ يبدأ الطفل بالصدمة لأنَّه يجد صعوبة كبيرة في الابتعاد عن أسرته والقيام بواجباته دون مساعدة أحد.
  2. يتَّصف الطفل المدلل غالباً بالأنانية لأنَّه يحب الحصول على كل شيء، وهذه الصفة تكون موجودة بشكل أكبر عند الطفل الأول في العائلة وعند الطفل الوحيد لعائلته؛ وذلك بسبب سعي العائلة دائماً إلى إرضائه وتقديم كل وسائل التسلية واللعب والرفاهية له، ويبدأ الأهل بملاحظة تلك الصفة عند طفلهم بوضوح غالباً مع قدوم الطفل الثاني.
  3. الطفل المدلل بكثرة هو طفل عصبي جداً إذا لم يُلبَّ طلبه على الفور؛ إذ يقابل رفض طلبه بالغضب الشديد والبكاء فلا يمكنه تقبُّل الرفض أبداً.
  4. الطفل المدلل كثيراً لا يحب المشاركة ويرى نفسه مميزاً عن أقرانه، فلا يشاركهم بألعابه، وقد نراه يحب مخالطة البالغين لأنَّه يرى نفسه مثلهم ولا يحب أن يُمليَ عليه أحد ما يفعله.
  5. يصبح الطفل فوضوياً غير منظَّم عند تدليله بشكل مُفرط؛ وذلك لأنَّه اعتاد على ألَّا يقوم بأي عمل وحده، وأنَّه من الممكن عدم تنفيذ الأوامر؛ إذ لا يستطيع الأب والأم توجيهه بشكل قاسٍ خوفاً من إزعاجه فغالباً لا يرتب غرفته أو لا ينهي واجباته المدرسية إلا إذا قام أحد أفراد الأسرة بمساعدته.
  6. الطفل المدلل بشكل مفرط هو طفل فاشل دراسياً غالباً؛ وذلك لأنَّه لم يعتَد على الالتزام بكلام وتعليمات أحد، فيجد صعوبة في الاستجابة إلى كلام معلميه والاهتمام بدروسه، وقد تتفاقم المشكلة فيصبح غير راغب في التعلُّم لأنَّه اعتاد على القيام بما يحلو له في أي وقت يريد، فهو لا يخاف من العواقب أبداً.
  7. التعلُّق المفرط بالوالدين وغالباً يكون التعلُّق بالأم أكبر فيبقى ملازماً لها وإن ابتعدت عنه نجده بدأ بالبكاء والغضب بشدة.
  8. الدلال الزائد للطفل قد يتسبب في جعل الطفل سارقاً؛ وذلك لأنَّه اعتاد على الحصول على كل ما يريد، فأصبح باعتقاده أنَّ الأمر الطبيعي هو أخذ ما يحلو له دون استئذان أحد.
  9. الدلال الزائد يجعل الطفل منبوذاً في مجتمعه لاحقاً؛ وذلك لأنَّه عندما يعتاد الطفل على تحقيق أمنياته دائماً دون التفكير في كيفية حصوله على ما يريد حتى لو لجأ إلى العنف فبذلك يفقد قدرته على بناء علاقات وصداقات مع أقرانه بسبب طبعه غير اللطيف، وقد يكون طبعه مخيفاً لغيره من الأطفال؛ مما يجعله مع مرور الوقت طفلاً منطوياً داخل نفسه، إضافةً إلى ذلك خرقه للقوانين والأنظمة في المدرسة لتحقيق أهدافه يجعله طفلاً غير محبَّب بالنسبة إلى معلميه.
  10. الطفل المدلل ليس له تقدير للمال؛ فيعتقد أنَّ رغباته هي الأهم ولهذا الأمر تأثيرات سلبية كثيرة لاحقاً.

شاهد بالفيديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

كيف تتعامل مع الطفل المدلل؟

مشكلة الدلال الزائد عند الأطفال ليست مشكلة مستحيلة الحل؛ إذ يمكن اتِّباع مجموعة من القواعد التي تعالج شخصية الطفل المدلَّل وتعدِّل سلوكه، ويمكن اتِّباع هذه النقاط أيضاً خلال تربية الأطفال تجنباً للوقوع في هذه المشكلة لاحقاً:

  1. على الأهل وضع قوانين محددة وأنظمة ضمن المنزل، وتعويد الطفل من مرحلة الطفولة المبكرة بأنَّه عليه الالتزام بهذه القواعد، ومن الهام التزام الأهل بها أيضاً حتى يدرك جديَّة الأمر؛ وذلك لأنَّ الطفل يقلِّد والديه تلقائياً.
  2. على الوالدين الاعتدال في التربية وإظهار المشاعر؛ إذ لا يجب إحاطة الطفل بالحب الزائد والخوف المُفرط عليه وحمايته بشكل مستمر، كما يجب الابتعاد عن القسوة في التعامل معه وتجنُّب إهماله؛ وذلك لأنَّ الإهمال أيضاً نتائجه سلبية جداً.
  3. تحقيق العدل والمساواة في المعاملة بين الإخوة، فعندما يكون أحد الأبناء مدللاً بشكل زائد عن إخوته يزرع ذلك بذور التفرقة والكره والحقد بينهم ويصبح لدى الأطفال عقدة نقص ومشكلات نفسية مستقبلاً.
  4. توفير ألعاب للطفل ووضع وقت محدد للَّعب، فمن الضروري تنظيم وقته وتعويده على النوم في وقت مبكر والالتزام بساعات الدراسة حتى لو اعترضَ على ذلك وأراد اللعب لمدة أطول أو السهر لوقت متأخِّر، فيجب أن يكون الأهل حازمين بهذه النقطة وعدم السماح له بتغيير نظامه اليومي كما يحلو له.
  5. توكيل مهام بسيطة للطفل تناسب عمره وقدرته الجسدية وعدم مساعدته على القيام بها إن طلب؛ وذلك كي يعتاد على الاعتماد على نفسه ويتعلَّم أن ينفذ ما يريد بنفسه دون اللجوء إلى الآخرين لتلبية طلباته، فمثلاً يجب أن يعتاد الطفل على ترتيب غرفته على أنَّه واجب لا يمكن الهروب منه؛ فإن أبى ذلك، يمكن دفعه إلى البقاء في غرفته حتى ينفذ الأمر الذي طُلب منه.
  6. من الهام معاقبة الأهل لطفلهم عندما يخطئ أو يقلل من احترامهم ولا ينفذ طلباتهم أو يخرق قوانين المنزل؛ وذلك ليمتنع عن تكرار ذلك لاحقاً، والإصرار عليه ليتعلَّم الاعتذار عن خطئه.
  7. لا يجب على الأهل تلبية كل ما يَطلب الطفل وهذا ليس من أجل الحرمان؛ وإنَّما لإبعاد الطفل عن الدلال الزائد، فإن بكى الطفل عند رفض طلبه، لا يجب أن يؤنِّبك ضميرك فتسارع إلى إرضائه وتتراجع عن موقفك؛ بل يجب أن تكون على ثقة بأنَّك على الطريق الصحيح للتربية السلمية، فمن الممكن عند البكاء الشديد أخذ أحد أغراضه المحببة إليه؛ وذلك ليعلم أنَّ البكاء لن يوصله إلى نتيجة مُرضية، أو تجاهَل بكاءه لبعض الوقت؛ إذ سنجده توقَّف عن البكاء وحده لأنَّه أدرك أنَّه من غير الممكن التأثير في قرارك بهذه الطريقة.
  8. عندما يرفض الطفل مشاركة أقرانه أو إخوته في ألعابه يجب على الأهل عدم الرضوخ إلى أنانيته؛ وإنَّما إلزامه باللعب مع إخوته ومشاركتهم ما يمتلك.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

المزيد من النصائح لتعديل سلوك الطفل المدلل:

  1. مشاركة الطفل في النشاطات الرياضية أو الترفيهية أو الذهنية حتى يعتاد على الانخراط في المجتمع والمشاركة مع الآخرين؛ وذلك لكي يستطيع فيما بعد التأقلم مع الوسط المدرسي ويتمكَّن من بناء علاقات صداقة مع زملائه.
  2. إذا كان الطفل يعاني من مرض معيَّن يحتاج إلى رعاية خاصة، يندفع الأهل إلى المبالغة في الاهتمام به وتدليله بشكل زائد؛ وهذا يتسبب في جعله يشعر بالتميُّز عن غيره أو جعل إخوته يغارون منه؛ لذلك يجب أن يُعامَل بحذر شديد ويُراقَب دون إظهار مبالغة في الاهتمام وإن اضطرَّ الأهل إلى الاهتمام الزائد به، فيجب شرح هذا الوضع لإخوته وزرع الحب فيهم تجاهه ليشاركوا في الاعتناء به.
  3. تقديم الجوائز والمكافآت للطفل عندما ينفِّذ المهام المطلوبة منه؛ وذلك لأنَّ هذه الطريقة تحفِّزه على مزيد من الالتزام بتطبيق القوانين، وتشجِّعه على طاعة والديه دائماً، ويجب ألَّا تكون المكافأة هدية دائماً كي لا يصبح الهدف من تنفيذ الواجبات هو الحصول على الهدايا، فمن الممكن أن تكون المكافأة هي المدح والثناء أمام باقي أفراد الأسرة.
  4. من الهام تعليم الطفل الصبر؛ وذلك لأنَّ الطفل المدلل هو طفل لحوح جداً لا يتقبَّل تأجيل طلباته؛ بل يريد تحقيقها حالاً فمثلاً من الممكن أن تخبر طفلك بأنَّك لا تريد شراء اللعبة التي يريدها لأنَّك لا تملك ثمنها كاملاً ويجب الانتظار لفترة من الزمن حتى تستطيع شراءها.
  5. دع طفلك يشعر بخيبة الأمل إن كنتَ تريد تنشئة طفل قادر على التأقلُم مع صعوبات الحياة لاحقاً، فمن الممكن أن يشعر بالغضب عندما تلغي موعد اللعب لأنَّه يجب عليه الدراسة بشكل أكبر، أو تلغي اشتراكه في النادي مثلاً، فهذا يساعده مستقبلاً على مواجهة خيبات الأمل بقوة أكبر.
  6. تعويد الطفل كيفية التغلُّب على ملله بنفسه، ففي حال اعتاد الطفل على أن يشاركه أحداً من الأهل اللعب لعدَّة ساعات أو جلب صديق له من خارج المنزل، فمن الممكن أن يضجر إن كان من يشاركه اللعب مشغولاً ويطلب منه أن يترك أشغاله كي يلعب معه وذلك أمر خاطئ كلياً، فالدراسات تقول إنَّ الطفل يمكن أن يسلي نفسه 15 دقيقة وحده في عمر السنة أما عندما يبلغ عمر 3 سنوات فيمكن أن يسلي نفسه وحده مدة طويلة.
  7. تعليم الطفل قيمة المال وأهمية ترشيد استخدامه؛ إذ يعتقد بعض الأشخاص أنَّ مناقشة هذا الموضوع مع الطفل غير مهمة، لكن يجب أن يدرك الطفل أنَّ المال لا يأتي من العدم، وأنَّ الأهل يبذلون قصارى جهدهم لتحصيل هذا المال، وأنَّه توجد مستلزمات للمنزل أهم من رغباته كي يستطيع التفريق بين الاحتياجات والرغبات في الحياة.
  8. إذا كان الطفل يرفض تناول الوجبات التي تعدُّها الأم في كل مرة ويريد طعاماً خاصاً به، فالاستجابة إليه تجعله طفلاً مدللاً حتماً؛ لذلك ينبغي عدم الموافقة على طلبه حتى لو رفض تناول الطعام لمرة واحدة فهذا أمر غير ضار ويمكن تعويضه لاحقاً، أما الأمر الهام هو عدم التراجع وموافقته على ما يريد.
إقرأ أيضاً: 6 أخطاء قد ترتكبها خلال تربية طفلك – قم بتجنبها

في الختام:

تعديل تربية الأطفال ليس أمراً مستحيلاً، لكنَّه صعب قليلاً ويحتاج إلى إصرار وإرادة وتحكيم للعقل أكثر من العواطف كي ينشأ طفل ذو شخصية متوازنة نفسياً قادر على مجابهة صعوبات الحياة المختلفة والتأقلم مع الظروف الصعبة.

لا يوجد أسلوب محدد يمكن عدُّه أسلوباً صحيحاً ووحيداً لتربية الطفل؛ وإنَّما كي نربي أطفالاً متوازنين وسعيدين وقادرين على الاستقلال مستقبلاً يجب اتِّباع مجموعة من الأساليب المتنوعة، والأهم في موضوع تربية الطفل هو قرب الوالدين من طفلهم للتعرُّف إليه جيداً.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة