الحوار السلبي والحوار الإيجابي مع الذات وتطبيقاتهما في الحياة العملية

كل يوم في هذا العالم المتسارع في تطوره ومعارفه وعلومه، يعطينا آفاقاً جديدة بأفكار جديدة ونظريات جديدة، تساهم باستمرار في تطوير حياتنا والحد من معاناتنا، ومساعدتنا على تجاوز الصعوبات. وعلم النفس هو واحد من هذه العلوم التي تتطور يوماً بعد يوم، وسنتكلم في هذا المقال عن مفهوم الحوار السلبي مع الذات وكيف يمكن أن نستغله لمصلحتنا، بدل أن يكون حجر عثرة في طريق تطورنا الذاتي، وسنتطرق أيضاً إلى الحوار الإيجابي مع الذات وأهم استراتيجياته، وكيفية المحافظة عليه من أجل ضمان استمرار نموِّنا وتطورنا.



هل يمكن أن يكون الحوار السلبي مع الذات مفيداً؟

إنَّ الحوار السلبي مع الذات قد يفيدك في بعض الحالات، وقد يكون له الأثر الأكبر في تصحيح حياتك، وإعادة بناء علاقتك الداخلية مع ذاتك، وعلاقتك الخارجية مع الطاقات والبيانات الموجودة حولك بطريقة تخدم نموك وتطورك الذاتي.

أين تكمن فائدة الحوار السلبي مع الذات؟

قد يخبرك الحوار السلبي أنَّ كل شيء من حولك سيئ، وأنَّ البيئة لا تساعدك في أن تكون نفسك، وأن تسعى إلى تحقيق ما تصبو إليه ذاتك، وهذا أمر مشروع وموجود على أرض الواقع، فلا تستطيع طمسه، ولا نستطيع إنكاره، ولا يمكننا كبته؛ لأنَّه سيعود علينا بنتائج عكسية تؤثر في طاقتنا تأثيراً سلبياً.

وهذه البيئة السلبية تؤدي إلى ضغط نفسي رهيب على ذاتك، فأنت الشخص الذي يحب أن يفعل ما يريد، ولكنَّك لا تفعل ذلك، وإن فعلته، فإنَّك ستكون أيضاً تحت ضغط مَن حولك وهو يشاهدك وربما يسخر منك، فيكون ضغط العمل أكبر من ضغط السكوت؛ لذلك قد تجد نفسك تستكين وتستسلم في نهاية المطاف.

إقرأ أيضاً: الحديث السلبي مع الذات، وطرق التخلص منه

الاستراتيجية العقلانية في الحوار الإيجابي مع الذات:

لنفهم أولاً الآلية التي يحدث فيها هذا الضغط؛ وذلك لأنَّها المفتاح والمدخل إلى الحل، فالدماغ دائماً ما يحاول خداعنا؛ فهو خائف في أعماقه وجبان بشكل مبالغ به؛ لأنَّه ببساطة يقوم بواجبه التطوري على أكمل وجه، وهو إبقاؤنا على قيد الحياة؛ لذلك في حال تعرضنا لأي خطر مهما كان بسيطاً، فإنَّه سينبهنا ويجبرنا على الشعور بالخطر، وسيوهمنا بطريقة أو بأخرى على أنَّنا الوحيدون الذين نفعل ما نفعله، وأنَّنا الوحيدون الذين نشعر بأنَّنا منبوذون ومضطهدون من قِبل مَن حولنا.

ومن هنا يبدأ دور الحوار الإيجابي مع الذات، من خلال استخدام ما يمكن أن نطلق عليه الاستراتيجية العقلانية أو المنطقية، والتي تستند إلى حقائق أو وقائع دامغة لا شك فيها، وهي أساسيات ومبادئ يمكن الاعتماد عليها من أجل بناء حياة صحية وصحيحة؛ إذ يكون الحوار الإيجابي ذو الاستراتيجية العقلانية، يتضمن ما يأتي:

  • أقنع نفسك بعكس ما يحاول الجزء اللاواعي من دماغك إقناعك به، وقل لنفسك دائماً إنَّك لستَ الوحيد في هذا الكون الذي يعاني من بيئته السلبية.
  • لا بل أكثر من ذلك، إنَّ هذا الرفض الذي تعيشه من محيطك، عاشه أغلب المفكرين والفلاسفة والعلماء والأدباء في مختلف أنحاء العالم، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، كانوا منبوذين من قومهم.
  • لا يوجد ناجح خرج من بيئة داعمة؛ لأنَّ النجاح في التعريف هو التغيير نحو الأفضل، ولكي تغير من شيء ما، يجب عليك أن تكون مختلفاً عنه، وإلا كيف تستطيع تغيير شيء أنتَ في الحقيقة توافقه وتماثله في الأفكار والتطلعات؟

شاهد بالفيديو: كيف ترفع من قيمة ذاتك وتثق بنفسك أكثر

استراتيجية التحقيق مع الذات في الحوار الإيجابي معها:

استخدم الحوار الإيجابي مع الذات من أجل تخفيف الآثار الناجمة عن البيئة السلبية المحيطة بك؛ وذلك من خلال استخدام استراتيجية التحقيق مع الذات، وهي لا تشكل التقريع أو التأنيب أو اللوم؛ بل هي عبارة عن مناقشة مع الذات تحكمها أسئلة صريحة يُجاب عنها إجابات تجريدية خالية من الدبلوماسية أو النفاق.

تكون هذه الأسئلة على الشكل الآتي:

  1. هل أنا محتل من قِبل البيئة المحيطة بي؟
  2. هل أنا مخترَق من قِبل الأصدقاء أو العائلة؟
  3. هل لدي حدود واضحة وصارمة لا يمكن لأحد أن يتخطاها؟
  4. هل أملك كياناً واضحاً يعبِّر عما بداخله بكل صدق؟

ما هي الحلول التي يمكن أن يقترحها عليك الحوار الإيجابي مع الذات؟

عندما تنتهي الأسئلة السابقة، فربما تجد نفسك مخترقاً ومحتلاً ولا تملك كياناً واضحاً ولا حدوداً صارمة، لكن لا تيأس ولا تدع الإحباط يتوغل في داخلك، فكل مشكلة لها ألف حل:

  1. في البداية غيِّر نظرتك تجاه هذه البيئة السلبية، حتى لو كان تغييراً مؤقتاً إلى حين استبدالها أو تغييرها دائماً، وانظر إليها على أنَّها مكان يعلمك الدروس والعبر، ويصقل شخصيتك الاجتماعية والروحانية، فلا شيء يعلمك الإيجابية أكثر من السلبية بحد ذاتها.
  2. كل منا في مرحلة من مراحل حياته، يحتاج إلى أب وأم وأخ وأخوة وعائلة تحتضنه وتحميه وتؤمِّن له حاجاته الأساسية، ولكنَّه حين يصبح قادراً على أن يعيش وحيداً مع نفسه، يجب عليه أن يفعل ذلك.
  3. إن كنتَ تشعر أنَّك في منزلك مُحتل ومُختَرَق، يجب عليك أن تعيش خارج هذا الحضن الدافئ، وتسمح لحوارك الإيجابي أن يقودك إلى ذلك وليس حوارك السلبي.
  4. اخرج من المنزل في حال شعرت أنَّك عاجز على أن ترسم فيه حدوداً طاقيَّة، تحمي كيانك الشخصي والذاتي، فلكي يكبر هذا الكيان، هو بحاجة إلى حماية، كما كان جسدك بحاجة إلى حماية العائلة حين كنتَ رضيعاً لا تقوى على تأمين حاجاتك الأساسية بنفسك.
  5. تعلُّم أن تكون حقيقياً، وأن تطبق الأفكار التي تؤمن بها، لذا حاول في البداية أن تناقشها مع ذاتك في إطار حوارك الإيجابي معها، وانظر إلى ما تقترحه عليك من تعديلات أو ملاحظات؛ لأنَّك حين تحاورها حواراً إيجابياً، ستجيبك إجابة منطقية.
إقرأ أيضاً: ثقافة الحوار: متى نترك الأزقة ونجتمع في الشارع العريض؟

كيف يمكنك أن تحافظ على الحوار الإيجابي مع الذات؟

إنَّ حوارك الإيجابي هذا هو كنز يجب عليك المحافظة عليه؛ وذلك لأنَّه في حقيقة الأمر، بقدر ما هو مفيد ويكسبك القوة، هو حساس وهش حين يكون في مكان لا يناسبه، وخصوصاً عندما يكون في بيئة لا تنتمي إليه ولا ينتمي إليها؛ لذلك فهو يساعدك على الخروج من البيئة السلبية، وأنت عليك أن تبحث له عن بيئة إيجابية جديدة؛ وذلك من خلال اتباعك ما يأتي:

  1. انزع من ذهنك فكرة أنَّك الوحيد في هذا العالم الذي يفكر بهذه الطريقة، أنت لستَ وحيداً، فقط أنتَ في المكان الخاطئ من العالم الطاقي الخاص بك.
  2. اسأل نفسك ماذا تحب؟ وأين تحب أن تذهب؟ وماذا تحب أن تتعلم؟ وما هي هوايتك الروحية التي تود أن تمارسها؟
  3. كل هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عنها بشكل صادق دون وجود حوار إيجابي مع الذات، وفي نفس الوقت هذه الأسئلة هي التي تحمي حوارك الإيجابي مع ذاتك؛ إذاً، فالعلاقة متبادلة.
  4. بعد أن تجيب عن الأسئلة المذكورة آنفاً، ستجد نفسك قد اهتديت إلى الأماكن التي تزدهر بها طاقتك الروحانية، وهي الأماكن التي يستقر فيها حوارك الإيجابي مع ذاتك، ويطمئن على وجوده لكي يستطيع إكمال مسيرة التطور.
  5. على سبيل المثال، أنت تحب اليوغا، أو معاهد تطوير الذات، أو محاضرات الفلسفة وعلم النفس، هنا الأمر يكون سهلاً، وهو أن تذهب إلى تلك الأماكن، وستتفاجأ بكمية الناس التي تشبهك، في حين كنتَ تظن نفسك الوحيد الذي يفكر هكذا أو الوحيد الذي يعاني ما عانيته.
  6. يكفي من كل هؤلاء الأشخاص شخص واحد يرفعك وترفعه، ويرتقي بك وترتقي به، وتعطيه ويعطيك، وإن وقعتَ، فإنَّه يمد لك يده ويحثك على متابعة الطريق، وإن وقع هو، تمد له يديك وتحثه على النهوض، فيصنع منك بطلاً ويصنع منك قائداً.
  7. هؤلاء الأشخاص الذي ستلتقي بهم في أماكنك الطاقية الإيجابية التي حددتها لنفسك، سيزيدون من المداخل الإيجابية في ذهنك، ومن ثمَّ سيحدث عملية توسيع وتقوية لحوارك الذاتي مع نفسك.
  8. هذه العلاقات الطاقية المناسبة هي أشبه بالعلاقات الاقتصادية القائمة على المصالح المشتركة، ولكنَّ الفرق الهام بينها، هو أنَّك في علاقاتك الطاقية تقوم بتقديم الخدمة بنية العزاء وليس بنية الاستفادة؛ لأنَّك في حقيقة الأمر تقدم طاقة ولا تقدم بضاعة.

شاهد بالفيديو: 9 طرق لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح

هل يوجد مفهوم آخر للحوار الإيجابي مع الذات؟

قد يأخذ مفهوم الحوار الإيجابي مع الذات معانٍ أخرى، مثل أن تقول لنفسك في كل صباح: "أنا قوي، وأنا سعيد، وأنا لا أشعر بالقلق، وأنا لا أشعر بالتوتر" وما إلى ذلك من التوكيدات الإيجابية، التي قد تكون مفيدة من ناحية الطاقة الإيجابية، وربما تزيد من ثقة الإنسان بنفسه.

ولكنَّها على المقلب الآخر، قد لا تدخل في صلب المشكلة؛ لأنَّها لا تركز على فهم الذات وتحليل الأسباب والانطلاق نحو الحل، وهذه هي المراحل التي عرفنا من خلالها مفهوم الحوار الإيجابي مع الذات، الذي هو عبارة عن حوار واقعي بالدرجة الأولى، يرتكز على أنَّ الخطوة الأولى لتحسين الواقع، هي رؤيته كما هو وليس تجميله.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة لممارسة التحدث الإيجابي إلى الذات من أجل تحقيق النجاح

في الختام:

لا شك في أنَّ إنجاز النقاط التي تطرقنا إليها في هذا المقال، هي عملية طويلة الأمد ولا يمكن إنجازها في ليلة وضحاها، وقد تكون عملية شاقة لا تخلو من الصعاب ومن المشكلات والعثرات؛ لذا لا ضير أبداً في طلب المشورة من قِبل مَن هم أكثر درايةً منك في هذا المجال، مثل طبيبك النفسي أو معالج نفسي أو أحد المتخصصين في علم النفس أو التنمية الذاتية، وهذا لا يعوق العملية؛ بل على العكس من ذلك يسرِّع من وصولك إلى حالة الراحة التي ترغب فيها، ومن ثم الانطلاق في رحلة التغيير والتطور.

المصادر: 1، 2




مقالات مرتبطة