الحب الحقيقي والتعلق المَرَضي في علم النفس

يعيش الإنسان حياته الطبيعية يدرس في الجامعة أو يعمل بمكان ما ثم يجد نفسه فجأة واقعاً في حب شخص ما لانجذابه إليه، وينتج الانجذاب عن التوافق الفكري نتيجة وجود آراء ومعتقدات واهتمامات مشتركة والتشابه في السلوكات وطريقة التعامل مع مواقف الحياة، أو قد يكون نتيجة امتلاك الشخص الآخر روحاً جميلة وعفوية وصدقاً فيخلق جواً ممتعاً وإيجابياً ويبعدك عن توتر الحياة، وأحياناً ينجذب الإنسان لمن يختلف عنه تماماً رغبة في التعرُّف أكثر إلى نقيضه، وكثيراً ما يقع الإنسان في الحب دون وجود مبررات منطقية لذلك.



لكن ما هو الحب؟ وكيف يمكننا التأكد من وقوعنا في الحب؟ وهل بالضرورة أن يؤدي الحب إلى التعلق؟ أم توجد فروقات بين الحب الحقيقي والتعلق المَرَضي؟ وماذا لو تعلقت بشخص ما؟ الكثير من الأسئلة تراود ذهن الإنسان عند الشعور بالحب تجاه شخص ما، لذلك سنوضح لك في هذا المقال مفهوم الحب الحقيقي وعلاماته ومفهوم التعلق المَرَضي وعلاماته أيضاً لتستطيع التفريق بينهما جيداً.

مفهوم الحب الحقيقي:

هو نوع من المشاعر الفريدة التي يشعر بها الإنسان فجأة دون سابق تصميم لذلك تجاه شخص ما وتبدأ بالنمو شيئاً فشيئاً، وقد عَدَّه علم النفس أنَّه مجموعة من السلوكات كالانجذاب والتقرب والاهتمام والحماية، والمشاعر الإيجابية كالإثارة والرضى والسعادة والرغبة بالعطاء غير المحدود على الرغم من ارتباط الحب ببعض المشاعر السلبية مثل الغيرة والقلق والتوتر، ويتفاوت الأشخاص في قدرتهم على إظهار هذه المشاعر، فبعضهم يتكتم عليها وبعضهم الآخر يبالغ في إظهارها والتعبير عنها في كل مكان وزمان، ويعود ذلك لطبيعة الشخص.

علامات الوقوع في الحب:

عموماً للحب الحقيقي علامات يمكن من خلالها التأكد من وقوعك في حب شخص ما باختلاف طبيعتك وشخصيتك، وإليك أبرز علامات الحب الحقيقي:

1. الحماسة للقاء:

من أهم علامات الوقوع في الحب هي انتظار رؤية الشخص الذي تحبه والشعور بالحماسة لهذا اللقاء حتى عند رؤيته كل يوم، فكل مرة تراه تشعر بدقات قلبك تزداد بشدة وكأنَّ قلبك سيفارق صدرك راكضاً إليه، ولا ترغب في مفارقته أو التوقف عن الاستماع لحديثه مهما كان الشيء الذي يتكلم عنه.

إضافة إلى ذلك فإنَّك ستحاول اختلاق الأعذار لرؤيته من خلال الذهاب إلى الأماكن المشتركة بينكما أو المرور أمام منزله في وقت خروجه، وحتى إنَّك قد تطلب رؤيته متذرعاً بأسباب كثيراً ما تكون غير مقنعة.

2. التفكير الدائم به:

عندما تقع في حب أحدهم فسيسيطر على عقلك طوال الوقت حتى عند انشغالك في العمل، فمهما كان النشاط الذي تقوم به ستشعر برغبة في مشاركته بجميع النشاطات وقضاء كل لحظة بجانبه.

3. الخوف عليه:

الإنسان بطبعه يشعر بالخوف على من يهتم لأمره ويحزن عند إصابته بمكروه، لكن عند الوقوع في الحب سترغب في البقاء إلى جانب المحبوب والاعتناء به بنفسك وعندما يمرض لن تتمكن من الارتياح حتى يعود إلى طبيعته فتطمئن عندها.

4. اللجوء إليه عند الحزن والفرح:

يرغب الإنسان بوجود الشخص الذي يحبه في أوقات الفرح ليشاركه سعادته، وفي أوقات الشدة والحزن ليحدثه عن حزنه وكل شيء يخصه؛ لأنَّه الوحيد القادر على تخفيف مشاعر الحزن حينها والتهوين عنه.

5. منحه الثقة:

عندما تحب شخصاً ما تكون قادراً على إخباره بكافة أسرارك ومخاوفك وأحلامك التي لم تُحدِّث أحداً عنها، فثقتك به تجعلك كتاباً مفتوحاً أمامه حتى إن كنت شخصاً غامضاً ولا تمنح ثقتك للآخرين بسهولة.

6. العناية بالمظهر الخارجي من أجله:

يمكنك إدراك وقوعك في الحب من حيرتك لساعات المتعلقة بما ترتديه عند لقائه وطريقة تسريحك لشعرك ونوع العطر الذي ستضعه، وعلى الرغم من أنَّ الاهتمام بالمظهر الخارجي هو أمر طبيعي لدى الكثيرين، إلا أنَّ الوقوع في الحب يجعلك تبالغ في العناية بشكلك الخارجي فتصرف عليه المزيد من الوقت المعتاد.

7. الارتباك عند رؤيته:

الذي ينتج عن رغبة الإنسان بالظهور بأكمل صورة وأجملها عند رؤية محبوبه فينتابه القلق تجاه ذلك، وقد يكون الارتباك على شكل كثرة التحدث دون وجود ترابط في الحديث أو التلكؤ في أثناء التكلم أو التعرق أو الاحمرار.

إقرأ أيضاً: 20 أمر يدلّ على أنّ الرجل الذي تحبينه مغرم بك

8. عدم الاهتمام لغيره:

الإنسان المحب لا يرى شخصاً مميزاً سوى محبوبه، ومختلف الناس سواسية في نظره، ولا يمكن لغيره لفت انتباهه مهما بلغ جماله أو أناقته أو ثراؤه؛ وذلك لأنَّ قلبه متعلق بشخص واحد فعقله وعينه لا يريان سواه.

9. حب سماع صوته:

سماع صوت المحبوب يبعث في النفس الشعور بالراحة والاطمئنان والسعادة؛ لذلك عندما تحب أحدهم لن تتمكن من الصبر دون الاتصال به وسؤاله عن أحواله، ومهما كنت متعباً ومحمَّلاً بالهموم ستكون على استعداد لسماع كافة مشكلاته حتى البسيطة منها.

10. الحب يجعلك أفضل:

الكثير من الأشخاص قد تخلوا عن عاداتهم اليومية السيئة لأجل من يحبون مستمدين الإرادة والقوة من رغبتهم في قضاء حياة سعيدة مع المحبوب، لذلك عندما تقع في الحب ستجد نفسك تدخر المال للمستقبل وتلتزم بعملك وتسعى إلى تحسين هيئتك ربما باتباع حمية غذائية أو ممارسة الرياضة في سبيل كسب حب المحبوب وإعجابه ورضاه.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتُعبر لها عن حبك

التعلق المَرضي:

يتطور الحب الذي تحدَّثنا عنه آنفاً ليصبح تعلُّقاً كما يتعلق الطفل بوالدته فلا يشعر بالدفء والأمان إلا في أحضانها، وعلاقة الطفل تلك بأمه طبيعية ولكنَّ الأمر غير الطبيعي هو انتقال هذا المفهوم للحب إلى العلاقة العاطفية بين البالغين ليصبح أحدهما غير قادر على التحرك أو القيام بأي عمل دون مساعدة محبوبه.

علامات التعلق المَرضي:

إليك أبرز النقاط التي تشير إلى التعلق المَرَضي:

1. الشعور بالإرهاق والتعب:

كلما ابتعدت عن الشخص الذي تحبه أصابك التعب وشعرت بأنَّ الحياة خالية من الفرح دونه ولا جدوى لعيشها، فتسيطر عليك الأفكار السوداوية، فقد تشعر بالغيرة الشديدة من كل من يقترب منه بغيابك، أو قد تعتقد أنَّه يخونك ويصيبك الهوس بإيجاد مبررات لشكك وتساؤلاتك ليصل بك الأمر إلى الاكتئاب أو الغضب والعدوانية أو الرغبة في العزلة.

2. عدم الاهتمام لأحد غيره:

تعلُّقك المَرَضي بشخص ما يجعلك تهمل والديك وإخوتك وأصدقاءك وتتمسك به فقط، وحتى إن كان شخصاً سيئاً بنظر الجميع ستتجاهل النصائح الموجَّهة إليك.

3. مراقبة الجهاز المحمول دائماً:

تفقُّد الرسائل الواردة منه والدخول إلى حسابه الشخصي لمعرفة إن كان متصلاً على مواقع التواصل الاجتماعي أم لا، ولتفقُّد ما قام بنشره ومعرفة مَن هم الأشخاص المتفاعلون معه، وفي حال ملاحظة تقرُّب أي شخص منه يصيبك الهلع والقلق، وقد يتسبب ذلك بمشكلة كبيرة.

4. الخوف من فقدانه:

حتى عند عدم وجود ما يشير إلى ذلك فالمتعلق بشكل مَرَضي ستراوده أفكار بأنَّ الشخص الذي يحبه سيتركه عندما يجد الأفضل منه أو الأجمل، ليدفعه ذلك إلى محاولة السيطرة عليه وتسيير حياته بالشكل الذي يراه مناسباً؛ من خلال مشاركته بمختلف أعماله ومحاولة إبقائه إلى جانبه طوال الوقت.

كيف نفرق بين الحب الحقيقي والتعلق المَرَضي؟

يعتقد بعض الناس أنَّ التعلق المَرَضي هو أحد أشكال الحب، وهذا الاعتقاد خاطئ؛ إذ توجد فروقات بين الحب الحقيقي والتعلق المَرَضي، وإليك أهمها:

  1. الحب الحقيقي يتصف بعدم الأنانية والسعي إلى جعل المحبوب سعيداً وراضياً؛ إذ يتمحور الحب الحقيقي حول الآخر، بينما التعلق المَرَضي يتمحور حول الأنا فيجعل الإنسان يسعى إلى راحته وإرضاء نفسه على حساب سعادة شريكه العاطفي.
  2. الحب الحقيقي يجعل الإنسان يتصرف بحرية ويتمتع بتصرف شريكه بحرية أيضاً، بخلاف التعلق العاطفي المَرَضي الذي يجعل المحب يسعى إلى امتلاك محبوبه والسيطرة على حياته بمختلف جوانبها.
  3. الحب الحقيقي يمنح الإنسان القوة ليطور نفسه وينمي مواهبه ويحقق أحلامه، كما يُظهر أفضل الصفات في الإنسان، بينما التعلق يجعل الإنسان غارقاً في حل الخلافات والمشكلات الناتجة عن الغيرة والرغبة في السيطرة، فلا يجد الوقت لتطوير نفسه، كما يمنع شريكه من التطور.
  4. غالباً ما يستمر الحب الحقيقي ولا ينتهي، وحتى إن انتهى لظرف ما فسيبقى الاحترام والتقدير للطرف الآخر موجوداً، بينما التعلق هو شعور عابر ناتج عن فراغ أو نقص لدى الإنسان، وعند انتهاء العلاقة نتيجة ظروف خارجة عن إرادة الشريك فستشعر بأنَّه خانك وتخلى عنك لأنَّه المسؤول فقط عن إسعادك.
إقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع شريك غير مستقر عاطفياً؟

ماذا تفعل إن تعلَّق قلبك بشخص؟

وصفنا التعلق العاطفي المبالغ به بالمَرضي، وهذا يعني أنَّه وكأي مرض يمكن أن نصاب به جميعاً؛ لذلك من الضروري معرفة كيفية التصرف عند الشعور بأنَّك متعلق بشخص ما. إليك بعض النصائح المساعدة:

1. ركز على النفس:

ذلك من أجل رفع الثقة بالنفس والتغلب على عقد النقص الناتجة عن المرور بتجارب فاشلة أو الحرمان والكبت؛ لذلك اجلس مع نفسك وفكر ما هي الأشياء التي تسعدك وتهتم لها وافعلها وركز على الإيجابيات ومهاراتك ونجاحاتك في الحياة لتستعيد احترامك لنفسك، فلن يحبك أحد ما لم تحترم نفسك وتثق بها جداً.

2. ابتعد عن الفراغ:

حاول أن يكون يومك ممتلئاً بنشاطات مفيدة وأشياء تسعدك، وقم بتنظيم وقتك جيداً كي لا تشعر بالتوتر والإرباك إن لم تنجز مهامك، فمثلاً يمكنك إنهاء أعمالك ثم الذهاب إلى نادٍ رياضي، وفي المساء ممارسة الهوايات أو الجلوس مع الأصدقاء والعائلة كي تنسى تماماً الشخص المتعلق به.

3. انخرط بالمجتمع:

من الضروري التعرُّف إلى أشخاص جدد من خلال تلبية الدعوات لحضور المناسبات الاجتماعية، أو الانتساب لجمعيات خيرية ومساعدة المحتاجين بقدر ما تستطيع، أو الذهاب في رحلات لأماكن جديدة لاستعادة الطاقة الإيجابية والتخلص من المشاعر السلبية.

4. تخلَّص من ذكرياتك:

يجب التخلص من كل ما يذكرك بالمحبوب السابق من هدايا، ومن الضروري أيضاً حذف جميع حساباته الشخصية ورقمه من هاتفك المحمول كي لا تتواصل معه في لحظة ضعف ويأس فتعود المشاعر القديمة إليك.

في الختام:

الحب الحقيقي هو تلك المشاعر الجميلة التي تشبه نسمة الهواء الباردة في يوم صيفي، فتدخل القلب وتحييه وتعيد البهجة والحيوية إلى الروح، فيهتم المحب بمظهره الخارجي لأجل محبوبه ويُشعره بأنَّه متحمس دائماً لرؤيته فيختلق الأعذار ليراه ويستمتع بقضاء الوقت معه، ويخاف أن يصيبه مكروه فنجده دائم التفكير به، كما أنَّه يركض إليه بالفرح والحزن لأنَّه الوحيد القادر على إسعاده ومواساته.

لكن أحياناً يقع الإنسان في خطأ التمييز بين الحب الحقيقي وبين التعلق المَرضي الذي يجعل الإنسان لا يهتم سوى لشريكه العاطفي ويسعى إلى السيطرة عليه نتيجة الشك والغيرة إن اقترب شخص ما منه أو الخوف من فقدانه، وللتخلص من التعلق المَرَضي يجب التركيز على الذات وإشغال النفس بكل ما هو ممتع والانخراط بالمجتمع لنسيان الشريك والتخلص من كل ذكرياته.




مقالات مرتبطة