كيف يمكن أن تتخلص من عُقَدِ النقص التي من الممكن إزالتها؟
في البداية، يجب على الإنسان أن يعرف بدقة ما هي الأشياء التي تجعله يشعر بعقدة النقص؛ وذلك بنظرة عقلانية أو موضوعية مع وضع النظارة العاطفية جانباً، ثم نسأل أنفسنا سؤالاً واضحاً: "هل هذه العقدة قابلة للإزالة أم لا؟" فإن كانت قابلة للإزالة، فهذا أمر سهل نوعاً ما ويحتاج إلى بعض المساعدة من الآخرين، مثل صديقك أو أحد أفراد عائلتك أو طبيبك المختص.
على سبيل المثال؛ في حال كنتَ تعاني من عقدة الوزن ولديك بعض الكيلوغرامات الزائدة المتراكمة في جسمك؛ وهذا ما يدفعك إلى الشعور بالنقص أو الشعور بأنَّ الآخرين يمتلكون أجساداً أكثر تناسقاً ورشاقةً وجمالاً، ففي هذه الحال، يجب عليك التوجه إلى الطبيب المختص بأمراض الغدد والتغذية، واحرص على أن يكون طبيباً مؤهلاً، وليست عيادة تجارية، وهنا يحدد الطبيب فيما إذا كان الوزن الزائد لديك له سبب مَرضي، فإنَّه يدلُّك على العلاج المناسب، ويمكنك أن تطلب منه أن يضع لك حمية صحية من أجل تخفيف وزنك بطريقة لا تسيء فيها إلى حالتك الصحية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى أي أمر آخر يتعلق بالمظهر الخارجي، فهو غالباً قابل للحل، ومثال آخر؛ في حال كنتِ تشعرين بعدم الرضى تجاه أنفك، وبأنَّه يسيء إلى الشكل الخارجي لوجهك، ويسبب لكِ عقدة نفسية ويعوق حياتك الشخصية والاجتماعية والمهنية، فإنَّه من الأفضل أن تتوجهي إلى طبيب مختص في الجراحة التجميلية أو طبيب مختص في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، وتأخذي استشارته في الأمر.
كيف يمكن التعامل مع عُقَدِ النقص التي لا يمكن إزالتها؟
في حال كان النقص الذي تعاني منه أمراً لا مفر منه؛ أي لا يمكن إزالته أو التخلص منه، فهنا يجب على الإنسان أن يقنع ذاته بأنَّ كل شخص في هذه الحياة لديه عيب أو نقص ما يرغب في التخلُّص منه، وتذكَّر دائماً أنَّ ما تراه أنت أمراً محرجاً أو سيئاً أو بشعاً، قد يراه شخص آخر على أنَّه ميزة أو نقطة جمال أو شيئاً جذاباً حتى، فكم من النساء اللواتي يعشقن الشاب الأصلع مع أنَّ الصلع قد يكون عيباً بالنسبة إلى صاحبه، بينما هو في الواقع عامل جذب بالنسبة إلى مَن حوله.
وقد يكون ما يشغل بالك طوال الوقت هو أمر غير ظاهر أو لا يلاحظه الآخرون؛ فعلى سبيل المثال قد تكون جبهتك الضخمة هي كل ما يشغل تفكيرك طوال الوقت، في حين أنَّها قد تكون ضخمة وفق معاييرك أنت فقط، وقد تكون أمراً غير ملاحظ من بقية الناس.
صحيح أنَّ ما يهم هو نظرة الإنسان لنفسه أكثر من نظرة الآخرين له، ولكن لا مانع من استخدام هذه الطريقة في تقليل أهمية العيوب التي لا يمكن تغييرها، وهي في الحقيقة عيوب صغرى إذا ما قارنَّاها بما على الإنسان أن يهتم به في خضم حياته المهنية والعملية والاجتماعية.
شاهد بالفيديو: 8 أسباب وراء انخفاض تقديرك لذاتك
كيف تستطيع أن تتعامل مع عقدة النقص من خلال تقبُّلها؟
1- غيِّر من طريقة تفكيرك:
في حال كان سبب هذه العقدة النفسية أمراً لا يمكن التخلُّص منه، فإنَّ الحل الأفضل هو تقبُّلها وتقبُّل ذاتك بكل ما تحتويه من عيوب، وتذكَّر دائماً أنَّ الإنسان الكامل الخالي من أي عيب هو بكل سهولة إنسان غير موجود.
2- اغمر ذاتك بالحب والتقدير:
يجب عليك أن تدرك تماماً أنَّ الأمور في الحقيقة ليست كما تبدو لك في الظاهر، فمعرفة أو إدراك أي إنسان محدود بما لديه من وسائل إدراكية قد تكون قاصرة أو مشوشة أو غير متطورة، ومن ثم ليس كل ما نراه أو نعتقد به هو حقيقة مطلقة، فالمشكلة قد لا تكون في العقدة ذاتها؛ وإنَّما قد تكون ناجمة عن عدم قدرة الإنسان على حب ذاته وتقديرها وإعطائها القيمة التي تستحقها.
3- توقف عن رغبتك في أن تكون مثل الآخرين:
يجب على الإنسان أن يتوقف عن رغبته في أن يكون مثل الآخرين؛ وذلك لأنَّه وقبل كل شيء فإنَّ تعريف عقدة النقص هو ألَّا تتقبل ذاتك وترغب في أن تكون شخصاً آخر، ولو يفكر الإنسان للحظة بينه وبين نفسه "لماذا يريد أن يكون مثل شخص آخر؟" بينما - في الأساس - كل شخص يختلف عن الآخر بكثير من الأمور، وكل إنسان هو حالة خاصة في هذه الحياة.
4- لا تهتم كثيراً بآراء الآخرين:
يجب على الإنسان أن يسيطر على مشاعر الغضب أو القلق أو الشعور بالدونية في حال وجَّه الآخرون النقد أو الرأي السلبي حيال عمله أو شكله أو أفكاره وما إلى ذلك من أشياء تخصه ولا تخص أحداً سواه؛ إذ إنَّ العقد النفسية أو عقد النقص تميل إلى الظهور عندما تعير اهتماماً أكثر من اللازم إلى اهتمامات الآخرين أو آرائهم أو انتقاداتهم؛ لذا، حاول إقناع ذاتك بأنَّ كل ما يقوله الآخرون عنك غير هام، وحتى أقوال وآراء أقرب الناس إليك غير هامة؛ إذ إنَّ ما يهم هو رضاك حيال نفسك وذاتك، وما يهم هو رأيك في شكلك ومظهرك ولباسك فأنتَ الوحيد الذي تقرر ما تكون عليه أو ما لا تكون.
5- اعرف جيداً أنَّه لا يوجد إنسان لا يعاني:
يجب على أي شخص أن يدرك تماماً مهما كان مستواه العقلي والذهني والنفسي والعلمي، بأنَّه غير قادر على رؤية أو قراءة العقول ومعرفة ما بداخلها، أو معرفة ما تعاني منه من مشكلات أو عيوب أو نقائص، ومن ثم لا يمكن أن نحكم على أي شخص بأنَّه يمتلك كل ما يريد أن يمتلك في حياته، وأنَّه لا يشعر بالنقص تجاه أي شيء في هذه الحياة.
وعلى العكس من ذلك، فإنَّ هذا الشخص الذي تراه أنتَ مثالياً، قد يكون لديه هواجس يقلق بشأنها أكثر منك، وقد تكون كل هذه الهالة من السعادة التي يحيط بها نفسه هي مجرد وسيلة دفاعية لإخفاء النار التي تشتعل في داخله؛ لذلك يجب أن تركز في نقاط قوَّتك الإيجابية وتستمر فيها بدلاً من إضاعة الوقت في مقارنة نفسك بالآخرين.
6- بادر في حياتك الاجتماعية، واكسر حاجز الخجل والخوف:
الحياة الاجتماعية هي جانب ضروري وهام في حياة أي شخص، وتوجد فوائد ذهنية وروحية وعقلية للتواصل الاجتماعي مع الناس، وحتى في النواحي المهنية والعملية؛ لذلك يجب على الإنسان ألَّا يسمح لعقد النقص أن تتحكم به، أو أن تجعل منه شخصاً خجولاً أو غير اجتماعي، أو تدفعه إلى الخوف من الانخراط في عملية التفاعل مع البيئة المحيطة؛ إذ إنَّ هذا التفاعل هو أكثر عملية حيوية تحتاج إليها للتخلص من جميع عقد النقص التي تعاني منها، وتذكَّر دائماً أنَّ عقد النقص هذه التي لطالما عانيتَ منها وربما تكون قد آذتك بشكل كبير، هي موجودة في داخلك حصراً، ولا وجود لها في أي مكان آخر خارج نطاق تفكيرك.
7- أحِط نفسك بالأشخاص الإيجابيين، وراقب حجم التغيير في حياتك:
عندما يحيط الإنسان نفسه بالأشخاص الودودين والإيجابيين، فإنَّهم سيؤثرون تأثيراً إيجابياً في ثقته بنفسه، ويدعمونه في مواجهة المصاعب، وبذلك يساعدونه على التخلُّص من عقد النقص الموجودة لديه؛ فلا شيء يريح النفس ويزيل عنها القلق والخوف والخجل أكثر من وجود صحبة جميلة متفهمة تتقبلها دون أيَّة شروط، كما هي بعيوبها ونقائصها وسلبياتها، ولا تشترط عليها أن تغيِّر من ذاتها مقابل منحها الحب والاهتمام.
شاهد بالفيديو: 12 قاعدة يتّبعها الأشخاص الأكثر سعادة
8- اعمل دوماً على تطوير نفسك:
لا يوجد شيء يزيد من ثقتك بنفسك ويدعم شخصيتك أكثر من العمل، فأي عمل إيجابي يتَّصف بالإنتاجية وترى آثاره الإيجابية أمام عينيك، يُشعِرك بقيمة نفسك وتقديرها العالي، ويساعدك على رأب عقدك النفسية والتخلص منها، ومتابعة مسيرة حياتك بكل ثقة وحماسة.
في الختام:
نود أن نختم هذا المقال بالتأكيد على ضرورة احترام الماضي بكل ما فيه من جميل وقبيح، ولكن يجب الانتباه إلى عدم السماح لأنفسنا بالعيش داخله، فعلى الرغم من أنَّه قد يكون بيت العائلة ومكان الولادة وموطن الذكريات، إلَّا أنَّه وبكل تأكيد لا يناسب أهدافنا المستقبلية وطموحاتنا، ولا يدعم ما نصبو إليه.
فالماضي هو كالبنطال الذي لبسناه في عمر الرابعة؛ لن نستطيع ارتداءه في عمر العشرين، فلكل مرحلة من مراحل حياتنا فكرها الخاص وطريقة تفكير خاصة بها؛ إذ لا يجوز أن نُمضيَ حياتنا ونحن نقارن الماضي بالحاضر؛ لأنَّه بهذه الطريقة لن نستطيع التخلص من عقد النقص؛ بل سنخسر المستقبل ومن ثم سنخسر كل شيء، ولكنَّ ذلك لن يحدث لأنَّنا سنتقبل الماضي ونسير نحو المستقبل بكل ثقة وشجاعة وحكمة.
أضف تعليقاً